الأخبارالمقالاتعادل احمد
أخر الأخبار

في ذكرى الرفيق منصور حكمت!

عادل احمد

تمر اليوم ذكرى رحيل الرفيق منصور حكمت المفكر والثوري الماركسي التي شذّب الماركسية من شوائب الأفكار والمفاهيم الاجتماعية غير العمالية، التي بدأت بالظهور بعد الثلث الأول من القرن العشرين. ان غياب الرؤية الماركسية اثناء محادثات قادة البلاشفة حول التغير الثوري لنمط الاقتصاد الرسمالي الى الاقتصاد الاشتراكي وفشل اكتمال الثورة الاشتراكية حتى النهاية، حيث ان هدف كل  ثورة اشتراكية ليس سوى الثورة الاقتصادية، وبالتالي تحويل المجتمع الرأسمالي الى المجتمع الاشتراكي. ان هذا الفشل أدى في النهاية الى ظهور الأفكار والمفاهيم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي تتناسب مع شكل السلطة السياسية والنمط الاقتصادي لرأسمالية الدولة. وان سلطة الطبقة العاملة الروسية، التي ظفرت بالسلطة عن طريق ثورة أكتوبر، اخذت شيئا فشيئا تفرغ سلطتها الفعلية، وحلت محلها سلطة الطبقة البرجوازية الوطنية، وبديلها حول تطور الاقتصاد الدولة الروسية. عرفت هذه الدولة السوفيتية وهذا النمط من الاقتصاد الرأسمالي للدولة، بالاشتراكية الرسمية.

نمت مقابل هذا النمط من الاشتراكية الرسمية السوفيتية والروسية، انتقادات سياسية واقتصادية واجتماعية في انحاء العالم وتشكلت مكاتب فكرية وسياسية متنوعة منتقدة الخط الرسمي السوفيتي، حسب الطبقات وحسب الغرض مستفيدة من الماركسية لتلبي حاجاتهم الطبقية غير العمالية ومنها حركات التحرر الوطنية للطبقة البرجوازية في الدول العالم الثالث وكذلك انتقاد حركات البرجوازية الصغيرة لتأخر اقتصاد بلدانهم والاشتراكية الأوروبية المفعمة ب”الديمقراطية” ،الاشتراكية الألبانية والاشتراكية الفلاحية الصينية …والخ. وان انتقادات كل هذه الاشتراكيات والماركسيات  للنموج الرسمي الروسي، لم تكن شيئا غير محاولات حركات واحزاب الطبقات الاجتماعية غير العمالية من أجل الاستفادة من اعتبار الماركسية والاشتراكية والتي كانت محبوبة بين الطبقات العمالية والكادحة والمحرومة في المجتمع.

في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بدا الرفيق منصور حكمت بطرح  أفكاره وانتقاداته لجميع الحركات الاشتراكية والماركسية التي كانت سائدة آنذاك في انحاء العالم عندما كان يدرس الاقتصاد السياسي في احد الجامعات البريطانية و ظهرت عنده الرؤية للماركسية الارثدوكسية الاصيلة فكريا والرجوع الى ماركس على الأقل من الناحية النظرية في البداية، وتزامنا مع الدراسة اندلعت الثورة في ايران وعاد الى ايران وانخرط سياسيا في الثورة عن طريق تأسيس الحلقة الماركسية ” سهند” وبدأ بطرح مفاهيمه الماركسية حول قضايا الثورة ومتطلبات حسم الثورة لصالح الطبقة العاملة. وعرف رؤيته في البداية ب “الماركسية الثورية” وانتقد الحركات الماركسية في إيران من منظور الماركسية الثورية أي الماركسية الارثدوكسية. وبعد سنوات قليلة تقريبا في أواسط الثمانينات وضحت رؤيته اكثر ورأى بان الماركسية الثورية لم تصوغ صورة الماركسية الحقيقية بالكامل وانما تعبر من الناحية النظرية فقط عن ماركسية ماركس وهناك شيئا فاقدا وهي الطبيعة الاجتماعية  للماركسية. اذ ان الماركسية هي راية انتقاد الطبقة العاملة للنظام الرأسمالي، وهي رؤية ومنظار العامل الاشتراكي للنظام الرأسمالي برمته، أي ان الخاصية الاجتماعية العمالية مفقودة في الماركسية الثورية. ان هذا التحول في رؤيته للماركسية أدى الى تسمية حركته بالشيوعية العمالية حتى يكون مختلفا عن باقي الاشتراكيات غير العمالية. وبهذا الشكل اكتملت الرؤية الواقعية للماركسية واعيد الاعتبار لأكثرية المفاهيم والمقولات والآراء التي كان كارل ماركس يقصد منها انتقاد النظام الرأسمالي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

ان هذه النظرة عن منصور حكمت وتياره الماركسي المعروف بالشيوعية العمالية، ليس اعتباطية او رؤية ذاتية لنا نحن المؤيدين لروايته عن ماركس والماركسية، وانما هي نظرة عميقة الى نهج الماركسية في تحليل العالم حولنا وما يحدث يوميا. ان تحليلاته عن سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وعن حرب الخليج الثانية (حرب الكويت) وعن 11 سبتمبر  في أمريكا وحرب أفغانستان والنظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا وغيرها… كانت تحليلات ماركسيا عميقة عن حركة المجتمع وعن الطبقات والصراع الطبقي في المجتمع. إن أكثر المتشددين المناوئين لأفكار منصور حكمت عن الشيوعية العمالية لم يحالفهم الحظ حتى الان أن يجدوا بحثا واحدا، يخالف الماركسية. وحتى بعض من رفاقنا السابقين الذين ابتعدوا عن الشيوعية العمالية لم يجرؤا حتى الان على انتقاد منصور حكمت والشيوعية العمالية في أي من ابحاثه بشكل جدي ومقارن مع ماركس والماركسية. ليس مبالغا ان نقول بان الشيوعية العمالية وحركتها، هي من أوضح الحركات الاشتراكية في العالم،  اذ لديها رؤية ماركسية واضحة عن العالم وعن الثورة الاشتراكية والنضال الطبقي. بالطبع ليس هذا بمعنى لا توجد لدى هذه الحركة ضعف وإخفاقات من الناحية السياسية، اولا توجد بيننا اختلافات من الناحية النظرية وانما تعني مقارنة مع جميع الحركات الاشتراكية في العالم، لدى رؤية منصور حكمت والشيوعية العمالية نظرة اوضح ونهج ديالكتيك رصين للأحداث والمجريات في المجتمع.

انه لحسن حضنا عاشرنا منصور حكمت وتابعنا جميع الأبحاث والنظريات والمواضيع التي اثارها واستطعنا ان نتبادل الاراء معه ونتعلم منه وان نستمر في السير في طريقه. اني شخصيا لا اتخيل كيف ستكون رؤيتنا للعالم و للماركسية وسبيل النضال للتحرر من براثن النظام الرأسمالي بدون وجود منصور حكمت والشيوعية العمالية.   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى