المقابلاتفارس محمود

“قانون تجريم التطبيع”: “عرب وين … طنبورة وين”!
الى الامام في مقابلة مع فارس محمود

إلى الأمام: أقرَّ مجلس النواب العراقي في الأيام القليلة المنصرمة قانوناً يُجرّم التطبيع مع إسرائيل، وعلى عكس العادة، تم اقراره بالإجماع؟! السؤال المطروح هو: ما هي ضرورات هذا القانون؟!

فارس محمود: فيما يتعلق بضرورة هذا القرار، السؤال المطروح هو ضرورة هذا القرار لمن؟! لجماهير العراق مثلاً؟! أم لأطراف القوى السياسية الحاكمة؟! ليس لهذا القرار اي ربط أو صلة بحاجات جماهير العراق. فالعامل والكادح والشاب والمرأة يتطلعون للحرية وللمساواة وللعدالة الاجتماعية وللخدمات وللصحة والمستشفيات وللكهرباء ولبيئة سليمة للعيش ولمدارس تناسب عصرنا الراهن و لضمان بطالة ولإنهاء الجوع والفقر ولإيجاد فرص عمل للجيوش المليونية من الشباب والخريجين، لإنهاء الفساد، لوضع حد لاستهتار المليشيات و…الخ. الجماهير تحتج يومياً من أجل هذا، وانتفضت ودفعت ثمناً باهضاً (مئات القتلى وعشرات الالاف من الجرحى والمعوقين) من أجل هذا، وليس لمطالبهم واحتجاجاتهم وآمالهم وأمانيهم صلة من قريب او بعيد بهذا القانون.

إن هذا القانون، واليوم، هو مبعث استهجان وسخرية الاغلبية الساحقة في المجتمع وسخطها. ينطبق عليه كثيراً المقولة العراقية الشهيرة “عرب وين… وطنبورة وين”!

إن دلّ هذا على شيء فأنه يدلّ على إن هذا البرلمان وقواه المليشياتية في وادٍ والمجتمع وكادحيه ومحروميه في وادٍ آخر مختلف تماماً. قضية التطبيع ليس لها أية صلة بمطلب أحد من الجماهير. إن هذا يدل على ان السلطة المليشياتية الحاكمة ليس لها أي ربط بجماهير وآمالها وأمانيها وتطلعاتها، وإن أولوياتها شيء آخر. إن هذا القانون هو ضرورة لهذه السلطة أو لأطراف منها وليس له أي مكان عند الاغلبية الساحقة من محرومي وكادحي المجتمع.

إلى الأمام: إذن ما هي ضرورة ومبررات هذا القرار، برأيكم، علماً انه، وعلى عكس أغلب الأحيان، قد تم التصويت عليه بالإجماع دون اي تردد؟!

فارس محمود: يكذبون حين يتحدثون عن إن هذا القرار هو “دفاعاً عن الشعب الفلسطيني” أو “دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين” وغير ذلك. ليس لحقوق جماهير العراق أي مكان في أجندتهم، وإنهم مصيبة بكل ما للكلمة من معنى وقعت على رأس المجتمع، مصيبة ودوامة دفع المجتمع مئات الآلاف من أبرياءه وعزّله ضحية،  فكيف يستطيعون أن يقنعوا احد بدفاعهم عن “شعب فلسطين المستلب وحقوقه”؟! وأكثر الأسئلة بداهةً تُطرح الآن، لماذا لم يقوموا بتجريم قتلة وخاطفي المتظاهرين، إذا كان فعل التطبيع إجراماً؟

ليس بصعب أن نعرف أصل وأساس القضايا. إذ لا يمكن فصل هذه القضية عن وضع العملية السياسية اليوم. فالسؤال القائم، في العراق هناك قانون قد صدر في 1969 من قبل نظام البعث البائد، يتحدث عن هذا بالضبط ويجرم كل من يتخابر ويتعامل ويقيم علاقات و…الخ مع إسرائيل. من الناحية العملية والواقعية، ليس له أي ضرورة، ولا يرد على أي حاجة ووضع، ولا على أي شيء! فقانون البعث يكفي لهذا الغرض. فلماذا يصدروا هذا القانون اليوم؟!

إن هذا القانون ذو صلة بالعملية السياسية المتأزمة، وانسداد الافاق السياسية لأطراف هذه العملية اليوم. وصل الصراع ما بين “الإطار التنسيقي الشيعي” و”تحالف إنقاذ وطن” الى “كسر عظم” مثلما يتحدثون هم أنفسهم عن ذلك. وبلغت كل العملية مأزقاً. الطرف الإطاري باق في مكانه، فلديه “الثلث المُعطِل”، يحول دون تحريك الاوضاع وبقائها على حالها وركودها، ولا يهمه شيء. على العكس كلما يعرقل الأمور، يكون أفضل له ولضغطه على خصومه.  التيار الصدري، ورغم لديه هو وتحالفه ما هو أقل قليلاً من الثلثين، إلا إنه عاجز عن الإتيان بشيء. إن هذه الخطوة شكلية هدفها تبيان إن المبادرة لا زالت بيديه. إنها خطوة تهدف للتغطية على “عجزه”.

هناك رد فعل وحركة من قبل التيار الصدري، توضح ما اقصد.  ما أن تم إقرار القانون، شهدنا فوراً في قاعة مجلس النواب نفسها احتفالا وهياجاً صاخباً وأهازيج من قبل التيار الصدري، علماً انه لم يكن هناك ما يستدعي مثل هذا الصخب، إذ قد نرى مثله في حالات كأن يكون الصراع حامي الوطيس أو وجود معارضة قوية للقانون مثلا، بحيث يتم إقرار القانون بصعوبة، ولكننا شهدنا انه تم قبول القانون بالإجماع وبدون اي جهد أساساً، وليس هناك شيء يستدعي ذلك الصخب. إن هذا يؤكد كلامي هو ان التيار يبحث عن “منجز”، حتى ولو كان كاذباً و شكلياً لأنه ببساطة يريد أن يقول انه موجود ولا زال “مبادراً” والخ في أوضاع اليوم المتأزمة.

كما إن أحد الأهداف الاساسية هو حرف الانظار وإثارة غبار التشويش حول “الانغلاق التام للعملية السياسية” التي تعكس ضعف موقفه وعجزه، وبالأخص بعد أن طالت كل هذه الأشهر (ما يقارب 7 أشهر) بعد انتخابات مبكرة (!!) والأدهى من هذا لا يلوح في الافق القريب او حتى المتوسط أمكانية كسره! 

من جهة أخرى، يسعى بهذه الخطوة، أن يسحب البساط من تحت اقدام التيار “الولائي” وتبجحاتهم وتشدقاتهم ضد إسرائيل و”الموت لإسرائيل” و”كلا… كلا لأمريكا… كلا .. كلا لإسرائيل!!”، وأن يظهر بالتالي إنه صاحب هذه القضية التي هي ليست قضية أحد! وبالتالي، إبعاد نفسه عن “تهمة” ما يسميها الخزعلي “شمالية-جنوبية” رداً على “لاشرقية لا غربية” الصدر، اي المحور التركي- الإماراتي (التي هي في علاقات واسعة مع اسرائيل).

وهناك جانب آخر، وإن يكن ضعيفاً برايي، إلا وهي اختبار حلفائه (الديمقراطي-السيادة). ففي حالة رفضهم، قد يستغل هذا الامر، لإنهاء تحالفه والعودة للإطار التنسيقي الشيعي، وتشكيل الحكومة معه، وبالتالي، إخراج مسألة تشكيل الحكومة من عنق الزجاجة. ولكني اراه احتمالا ضعيفاً. 

إلى الأمام: ولكن مثلما تحدثت انه تم إقرار القانون بالإجماع، دون اي تردد أو امتعاض او بحث ونقاش خاص حتى من قبل أطراف لها علاقات قديمة “غير معلنة” مع إسرائيل او ليس لديها مشكلة في التطبيع أو تود أن تمضي أليه جراء رغبتها وأهدافها ومتطلبات المحور الذي تنتمي إليه (الاماراتي). ما هو رأيكم بهذا الصدد؟

فارس محمود: الجميع يعرف إن هذا القانون هو عديم القيمة. لا تحترم هذه الاطراف جميعها لا دستورها ولا برلمانها ولا قراراتها، ولا مؤسساتها الرسمية ولا تعهداتها ولا اي شيء. أ ينتظر أحد أن تدوس هذه القوى على مصالحها من أجل عيون هذا القانون؟ كلا. إنه أمر شكلي وعديم القيمة. فالقضية أعقد من احتوائها بقانون مثل هذا.

برايي، بالإضافة الى هذا، لو أخذنا مثلا الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي كثيراً ما تذهب الأنظار إليه بهذا الخصوص، وأستغرب” البعض من موقفه هذا جراء علاقاته غير العلنية بإسرائيل، برايي هو بالإضافة الى كونه يعرف إنه قرار عديم القيمة، فإنه يهدف الى تخفيف الهجمة والحملة عليه تحت حجة “علاقته” مع اسرائيل وتخفيف الضغط الواقع عليه بهذا الصدد. أو سحب البساط من تحت أقدام نظام الجمهورية الإسلامية والولائيين وقصفهم المتزايد لكردستان واربيل تحديداً بحجة وجود “مؤسسات وأجهزة ومكاتب إسرائيلية” في كردستان مهددة للنظام في إيران. علماً إن السبب الحقيقي لأعمال القصف لا تتعلق بهذا المبرر، وإنما ممارسة الضغوطات على الحزب الديمقراطي لطأطأة الرأس لمشاريع نظام الجمهورية الإسلامية في العراق. 

إلى الأمام: ما هو موقفكم كحزب شيوعي عمالي من القانون المذكور؟!

فارس محمود: برايي، مثلما أوضحت، إن أهداف اصدار هذا القانون واضحة ولا تتعلق بموضوعة “إسرائيل” و لا “التطبيع” من الأساس. إن الموضوعة ليست قضية أحد في عراق اليوم. فلماذا أجعل منها قضية لي أو قضية المجتمع؟! إنهم يريدون عبر هذا المسعى ذر الرماد في العيون وحرف أنظار الغالبية الساخطة والمحتجة على هذه السلطة وأهدافهم الخاصة والضيقة. لن ندخل هذا السيرك من الأساس، ولا  مسرحية الخداع هذه.

من جانب آخر، على البرلمان المنهمك بالتطبيع أن يرحل هو وقواه المليشياتية وسائر السلطة الحاكمة. إذ يدلل بقراره هذا على إنه بعيد كل البعد عن مصالح الاغلبية الساحقة للمجتمع وحاجاتها الملحة. إن جماهير العراق قالت كلمتها صريحة وواضحة عبر عدم المشاركة بإنتخابات تشرين 2021 (إذ من شارك فقط أطراف هذه الاحزاب المليشياتية فقط وذلك لولي نعمتهم!). وقبل هذا قالت كلمتها بصورة أوضح تجاه هذه السلطة في انتفاضة تشرين 2019.

ولكن ثمة نقطة مهمة أود الإشارة إليها، فيما يخص هذا القانون. بنظري إن القانون وما رافقه من احتفال، لم يأتِ متوازناً مع الفعل الإجرامي المقصود. الجريمة السياسية مباحة في العراق، منهم من عمل مع داعش، ومنهم من تعاون وعمل علناً مع دول مجاورة وغيرها، ورغم كل ذلك لماذا التجريم؟ لمَ لا يأتي الرد بموقف سياسي آخر، إذا كان المقصود بالتجريم منع إلحاق الضرر بالمجتمع أو بقيمه؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى