قضية المرأة من زاوية التقاليد المختلفة
الجزء الثاني والأخير
أود هنا تحديداً أن أطرح رأيي الشخصي فيما يتعلق بقضية لإثارة الأمر بوصفه مشكلة واقعية ومبرراً على السواء. إنه لفراغ واضح وبارز، دون شك، أن لا يتقدم الناشطون والقادة الشيوعيون للحركة المساواتية النسوية الميدان. ناشطون وقادة على استعداد للعمل المباشر في هذا الميدان على الصعيد العام. إذ ليس بقلة تلك الناشطات النسويات اللائي يؤدي كل منهن، الان وفي السنوات المنصرمة، عملا ونشاطاً في هذه الزاوية او تلك، وبذلن جهوداً مضنية للدفاع عن حقوق المرأة أو منهمكات بحلّ الملفات والقضايا المختلفة للنساء أو لنجدة الضحايا. حتى على صعيد أوسع ، سعت الحركة المساواتية للمرأة وقامت الناشطات بأعمال كثيرة. بيد ان المعضلة الأساسية بهذا الخصوص هو ان في هذا الفراغ الناجم عن ضعف الرؤية الاشتراكية والتقليد النضالي الراديكالي والشيوعي على صعيد قضية المرأة، فان رؤية وتقليد آخرين قد ألقيا بظلالهما على هذه الحركة. ان هذه الرؤية والتقاليد هي، انهما ليسا أفقاً مساواتياً ووجها لطمة لأسس ومصادر ظلم المرأة والتمييز المفروض عليها. وعليه، ابتعدت قضة وحركة المرأة عن أصحابها ، بوصفها حركة سياسية واجتماعية مساواتية مناهضة للظلم والتمييز والنظام والسلطة والدستور والقانون والتقاليد التي تقف وراء هذا الظلم والتمييز. ولهذا تم تحويلها، في أفضل الحالات، الى حركة أو سعي هنا أو هناك من أجل نجدة قسم من ضحاياه، وأغلبهم ضحايا العنف، او تبني بعض المشاريع الخيرية والتوعية ببعض الاصلاحات الصغيرة والبسيطة والعادية فيما يخص قضية المرأة.
بالإضافة الى التقاليد الاسلامية والقومية والديمقراطية والاصلاحية التي لها ثقلاً من قبل في الحركة النسوية، والتي كانت من ناحيتها عائقاً أمام التقدم وكانت نقطة ضعف هذه الحركة، تمثلت أحدى التصورات والتقاليد التي سادت في ظل سيادة الرؤية الاشتراكية والتقليد الشيوعي النضالي، بالأخص في السنوات الأخيرة، برؤية وتقليد عمل “منظمات المجتمع المدني”. إن هذه رؤية وتقليد برجوازيان، واللذان هما في احسن أحوالهما عملاً بوجه الجوانب المفضوحة والبارزة والسافرة لهذه الظلم والتمييز، وليس بوجه الظلم والتمييز ذاتهما. وإن أهدافهما هو أن يجعلا منهما أمراً يمكن تحمّله وليس استئصاله. على هذا التقليد، تنفق الحكومات البرجوازية عائدات وامكانيات ضخمة جداً.
قصدي هو: في جميع الميادين، بدلاً من النضال الثوري والجماهيري ضد الظلم والقسر، يجعلوا من قالب ضيق جداً واصلاح تقليدي وروتيني يلبّسوها لهذه الحركة ويجهضوها. يؤطرون مساعي الناشطين بحيث يتخلوا عن النضال ضد مصدر واساس الظلم والتمييز. بدلاً من ذلك، يصبحوا مستشاري ومعاوني المؤسسات الحكومية كما لو أن هدف الأخيرة وتسعى لحل مشاكل النساء والجماهير المضطهَدة، ولكنها بحاجة الى عون واستشارة مؤسسات المجتمع المدني. وبمقارنته بالرؤية الاشتراكية والمساواتية، يبرزون هذا العمل ويميزوه بوصفه نشاط عملي ويمكن تطبيقه. إن هذا التقليد، وفي أفضل أحواله، أغرق المجتمع بتأسيس المنظمات الخيرية ونجدة الضحايا. تعاظمت مكانة هذا التقليد الان، ويلعب دورا لإجهاض الحركات الراديكالية والثورية، ومن بينها حركة النساء الداعية للمساواة. وبدلاً من تنظيم وقيادة نضال اجتماعي شامل لضرب جذور ومصادر الظلم وتلك الاسباب التي تجعل المرأة ضحية ، ذهب قسم كبير من قدرات وطاقات نشاط الحركة النسوية للتعاون مع مؤسسات مثل البرلمان والوزارات وحتى الأمن والشرطة. وعلى اساس ان هذا من أجل الحيلولة دون ظاهرة تستمد قدرتها من الدستور والقوانين والقرارات وتنال اشكال متنوعة من دعم السلطة. من جهة أخرى، وعبر تخصيص جزء من العائدات لتعميم وإشاعة هذا التقليد، نرى موجة من الناشطات النسويات وقد انهمكن بنجدة ضحايا العنف والظلم والتمييز ضد المرأة. بالضبط مثل “أطباء بلا حدود” لنجدة المرضى المحرومين من الأطباء والدواء، أو مثل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لنجدة ضحايا الحروب والتشرد ولتأمين الغذاء ومخيمات التشرد، فان منظمات المجتمع المدني فيما يخص قضية النساء في إطار النظام والمنظومة القائمة، هي مشروع يطرحوه للدولة لتحسين مشكلات النساء وحلّها. وتُطرح هذه على الأخص تحت اسم مشروع عملي وواقعي.
إن عمل أطباء بلا حدود ونجدة المشردين وضحايا الحرب والعنف ضد النساء هو دون شك عمل إنساني وذوقيمة وضروري وينبغي ان يتم. بيد ان السياسة وسبيل الحل الفعال، بموازاة نجدة الضحايا، هو توجيه الضربة للمسببات والمصادر التي تنتج ضحايا هذا الخصوص دوماً. ان قضية المرأة قضية سياسية وذات جذور اقتصادية وطبقية. إن الظلم والتمييز على المرأة وفرض المكانة الدونية على هذا القسم من المجتمع، وكذلك استمرار إنتاج هذه الظاهرة لهي في الوقت الراهن أحد مستلزمات النظام الانتاجي الرأسمالي لتأمين ربحاً أكبر. ولهذا، وعلى هذا الأساس، تفرضه الدولة وتصون بقاءه وتعيد إنتاجه بوصفه تقليد وعرف. ولهذا، فان الظلم على المرأة يستند بصورة مباشرة الى الدولة وسيادة تلك القوانين والدساتير والتي تسند تقليد مناهضة المرأة. ولهذا، ليس استئصال هذا الظلم والتمييز على المرأة، بل حتى إجراء تغيير ملموس في وضعية النساء وحقوقهن، يرتبط تماماً بتنظيم نضال اجتماعي وفكري وسياسي وعملي وتنظيمي شامل ضد النظام البرجوازي والقوانين والدستور والاعراف التي تقف خلف هذا الظلم. بمعنى آخر، إن اي درجة من نيل حقوق المرأة هو جزء من نضال طبقي مناهض للنظام القائم وفرض تراجع على الحكومة البرجوازية والربحية الرأسمالية. إن فرض حقوق أكبر للمرأة يعني فرض ارباح أقل للرأسمال. ولهذا، فان وضعية افضل لحياة المرأة تقترن بوضعية أسوا لربحية الرأسمال. ولهذا، فان سبيل هذا الامر ليس “تقديم الاستشارة” للدولة البرجوازية حامية ربحية الرأسمال، بل النضال ضدها.
في هذا القسم من الموضوع أود ان استنتج ما يلي: ان ناشطي الحركة النسوية من النساء والرجال ليسوا بقلّة، بل يمكن من الناحية الكمية أكبر من قبل 10-15 عام خلت. بيد ان المشكلة تكمن بسيادة تصور وتقليد محافظ وتبريري للظلم. بحيث قولب فكر ناشطات هذا الميدان وأفقهن ومساعيهن وممارستهن في إطار منفصل عن التقليد الراديكالي والنضالي والمساواتي.
ولحين ما كانت الرؤية الاشتراكية والتقليد الشيوعي في الميدان، رغم كل مشاكلهما ونواقصهما، فان كل من يتحدث عن حقوق المرأة كان يُعد شيوعياً سواءً عن حق أو غير حق. وكنتيجة لهذا، فان قسماً كبيراً من أولئك الذين ينخرطون حديثاً في ميدان النضال ضد اضطهاد المرأة، يتوجهون للشيوعية ويغدون ناشطين شيوعيين في ذلك الميدان. كان هذا في مرحلة كان يأتي دائماً جيل جديد من الناشطين الشيوعيين لهذا الميدان. وحيث نشهد الان غياب التقليد والرؤية والتدخل الشيوعي في الميدان، نرى ما أن تحلّ الاجيال الجديدة من ناشطي الحركة النسوية هذا الميدان، ترمي نفسها فوراً في منظمات المجتمع المدني وتترعرع برؤاها. تمضي فوراً نحو ورشات هذا التقليد ويديمون رؤاه. ان هذه الرؤية والتقليد لقيا بضلالهما على عمل الاجيال السابقة من الناشطات الشيوعيات لهذا الميدان. وبهذا الخصوص، يستلزم الامر نضال وتوعية وتنظيم عمل نقدي اشتراكي. إن إبراز الرؤية الشيوعية بخصوص جذور ومنابع ظلم المرأة والنقد الاشتراكي لهذه الظاهرة هو ميدان مهم للشيوعية اليوم. وعليه، إن توجيه النقد للتقليد المحافظ والتبريري للمكانة الدونية للمرأة، وتحديداً ذلك التقليد الذي تحدثت عنه هو عمل لا يمكن فصله عن هذه المهمة. ان حضور صف من الناشطات الراديكاليات والمناضلات في الحركة النسوية اليوم عبر هذا السبيل يفتح الابواب ويُسهّل الأمر.
ان الجانب الآخر من المعضلة هو إن الشيوعية وحزبها يرهنا تدخلهما في هذا الميدان بإبداء الناشطات والقادة النسويات مقدماً عن استعدادهن للعمل في هذا الميدان ويشرعن بذلك. عندها يلعب الحزب دوره بوصفه سند وداعم لهن. ليس ثمة شك انه، وفقاً لآلية المجتمع، ينبغي ان تضع الشخصيات النسوية على عاتقهن القيادة المباشرة للحركة النسوية والمنظمات النضالية. ولكن لا يمكن أن نستنتج من ذلك ان يقف حزب الطبقة العاملة مكتوف الأيدي ويبقى منتظراً لعملية حضور القادة والناشطات النسويات. ان قضية المرأة هي قضية الطبقة العاملة. إن هذا ليس من زاوية ان الطبقة العاملة وفقاً لرسالتها التاريخية المتمثلة بأنها تحرر معها مجمل المجتمع من كل أشكال الظلم. بل إن قضية المرأة مرتبطة بصورة مباشرة أكثر بهذا الظلم ونضال الطبقة العاملة على السواء. ان الظلم على المرأة هو جزء من الظلم على الطبقة العاملة، جزء من سياسة وخطة البرجوازية لإبقاء الطبقة العاملة مستعبدة. إن التمييز على النساء هو جزء من خطة إبقاء الطبقة العاملة مشتتة، أجور أقل للمرأة العاملة وفرض العمل المنزلي وتربية الأطفال وانتاج جيل جديد من العمال على النساء هو عمل مجاني للطبقة البرجوازية، وأحد مصادر أرباحاً أكثر للرأسمال… وعليه، النضال ضد ظلم المرأة هو جزء من نضال الطبقة العاملة ضد الرأسمالية. مثلما ليس بوسع الطبقة العاملة ان تقف مكتوفة الأيدي تجاه ظلم الرأسمال عموماً، فليس بوسعها ان ترضخ تحت أي مبرر كان لهذا الظلم والتمييز بحق المرأة. وبوصفه حزب الطبقة العاملة واداة فعالة للنضال الطبقي، ليس بوسع الحزب الشيوعي العمالي أن يتناسى هذا الميدان من النضال الطبقي تحت أي مبرر او سبب كان.
من ناحية تجربتنا العملية، في الحركة المجالسية في اذار 1991، حين طُرحت قضية التصدي لظلم المرأة، وضعت على جدول الاعمال وتم رفع العديد من المطالب بهذا الخصوص. وبعد عام من الانتفاضة كذلك، تصدت الحركة الشيوعية بقوة لموجة قتل النساء، ونظمت حول ذلك نضالاً شاملاً من أجل حقوق المرأة. بيد انه لم يكن هناك شرطاً قط أو أساس وهو: هل هناك قادة وناشطات نسويات في مقدمة صفوف هذا النضال ام لا؟! ينبغي ان يكون الأمر كذلك الآن. ثمة منظمة نسوية نضالية في الميدان أم لا، ثمة ناشطات وقادة مناضلات وراديكاليات وشيوعيات في الميدان أم لا، فان تنظيم نضال سياسي واجتماعي شامل ضد ظلم المرأة هو مهمة مباشرة للحزب الشيوعي العمالي بدون قيد أو شرط. إن المهمة المباشرة للحزب هي: توجيه النقد وفضح ذلك الظلم وتلك السلطة والقوانين والدستور والتقاليد والقوى التي تقف ورائه، مسك خناق تلك التقاليد والقوى والحركات على جميع الاصعدة، تعبئة الرأي العام المحلي والعالمي ضد ظلم المرأة، توضيح وتشخيص محدوديات الحركة النسوية وإغناء تلك الحركة وناشطيها من حيث الأفق والمطالب والاساليب الراديكالية والنضالية، طرح بلاتفورم وبرنامج عملي والدعم التام لتأسيس منظمة راديكالية ونضالية مدافعة عن حقوق النساء. ووفقاً لبرنامج “عالم أفضل”، النضال من أجل مساواة المرأة هو جزء من المسؤولية التي وضعها الحزب بصورة مباشرة على عاتقه، وينبغي القيام بها. بوسع طليعية ومبادرة الشيوعية ان تفتح الأبواب أمام حضور القادة والناشطات النسويات الشيوعيات، وليس العكس.