سمير عادل
تجري محاولات من قبل التيار الصدري للقاء فعّالي ونشطاء انتفاضة اكتوبر، وتشير بعض الاخبار ان مقتدى الصدر أرسل في دعوة عدد منهم، لعقد مؤتمر صحفي مشترك في الحنانة، وإنه، أي الصدر، أبدى استعداده لتقديم أي من عناصره الى المحاكمة إذا قدموا دليلا على تورطهم بالتعدي على متظاهري انتفاضة اكتوبر او تورطهم في عمليات الفساد.
وأدت دعوة الصدر هذه الى زيادة نشر الضبابية والأوهام في صفوف ليس فقط فعالي ونشطاء انتفاضة اكتوبر فحسب، بل ايضا في صفوف عدد غير قليل من الجماهير.
السؤال المطروح اليوم لماذا يحتاج الصدر الى (التشرينيين)؟. بالرغم انه لا يحتاج اضافة زخم جماهيري الى تظاهراته، كما يقول بعض نشطاء انتفاضة أكتوبر عبر الفيديوهات التي أطلقوها على شبكات التواصل الاجتماعي، ويستخلصون منها صدق نوايا الصدر في دعوته الإصلاحية.
ان الصدر وتياره السياسي يدركان جيدا عمق انتفاضة أكتوبر في وجدان جماهير العراق وأثرها في قلب صفحات كل التاريخ العراقي الحديث، وخاصة بعد غزو واحتلال العراق، وتنصيب عصابات الإسلام السياسي في سدة السلطة وتسليطهم على رقاب الجماهير. إن عمق انتفاضة أكتوبر ليس فقط في مساحة وحجم المشاركة التي هي الأعظم بأضعاف من تظاهرات التيار الصدري اليوم، ولا بالأقسام الاجتماعية التي شاركت فيها من ملايين العاطلين عن العمل الذين أشعلوا فتيل الانتفاضة والآلاف المؤلفة من النساء اللواتي رفعن أصواتهن بشعار (شلع قلع والكالها وياهم) بالرد على مطالبة الصدر بالفصل بين الذكور والإناث في الانتفاضة، ولا بالآلاف من عمال العقود والاجور، او بالقوة الهائلة العددية لطلبة الاعداديات والمعاهد والجامعات، وعلى ضفاف تلك الانتفاضة، تضامنت معهم جميع الشرائح الاجتماعية من العمال عبر تظاهراتهم في مواقع العمل في النفط والموانئ والكهرباء، كما شاركت نقابات المعلمين والأساتذة الجامعيين والمحامين والمثقفين من الشعراء والرسامين والفنانين. الخ. وكانت النزعة السائدة فيها، هي ضديتها ومعاداتها المطلقة للطائفية والإسلام السياسي، وضديتها لكل رموز الجمهورية الاسلامية في إيران عراب الإسلام السياسي في المنطقة والعالم. وأكثر من كل ذلك أن كل الترهات الطائفية حول “مظلومية الشيعة” التي نسجت خيوطها منذ مؤتمر لندن عام ٢٠٠٢ عشية غزو العراق لتمرير التقسيم الطائفي لجماهير العراق واضفاء الشرعية على غزو واحتلال العراق، تمزقت وتطايرت أمام العصف الهائل لرياح انتفاضة اكتوبر. فالانتفاضة ضربت قلاع البيت السياسي الطائفي الشيعي، وهي المدن الجنوبية ومناطق نفوذه في بغداد مثل مدينة الثورة والشعلة والحرية والحسينية. الخ. ان كل الهالات التي صنعتها السلطة الطائفية للإسلام السياسي الشيعي منذ عام ٢٠٠٥ من تنظيم المناسبات الدينية المهولة وتعطيل الحياة اليومية في المجتمع العراقي عبر إعلان العطل الرسمية الى الحد الذي قدمت مشروع قانون (العطل الرسمية) الى البرلمان يطالب ب ١٥٢ يوم عطلة رسمية، حيث ان اكثر من ٩٠٪ منها مناسبات شيعية، اضافة الى بذخ الاموال المسروقة من جيبونا وعرقنا على الولائم والابواق والملالي والروزخونيات.. كل تلك انهارت أمام عاصفة انتفاضة اكتوبر. وعلى هذه الارضية الاجتماعية والسياسية فقد الاسلام السياسي الشيعي ولأول مرة سلطته التنفيذية بعد ما يقارب أكثر من عقد ونصف، وتم تنصيب الكاظمي رئيسا للحكومة على مضض.
ان الصدر وتياره السياسي يدركان جيدا أن الشرعية لا تكتسب بتظاهراته مهما بلغت أعداد جماهيره والمتوهمين به، فدون جلب جماهير انتفاضة اكتوبر، ودون كسب نشطائها وفاعليها، فشرعيته على المحك.
ومن الجانب الآخر يريد الصدر خلط الأوراق أمام منافسيه في الإطار التنسيقي واخوته التوائم في البيت الطائفي الشيعي، فعند دخول فعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر على خط تظاهرات الصدر وتأييدهم لها، سوف يعني ذلك ذر الرماد في العيون وتسويق تصور، بأن المطالب التي يرفعها التيار الصدري هي نفس مطالب انتفاضة أكتوبر التي أسقطت حكومة عبد المهدي وفرضت انتخابات مبكرة لتغيير المعادلة السياسية.
بمعنى آخر يتبين ان الاعداد التي تشارك في تظاهرات الصدر لا تعطي حقانية لمطالبهم، وان الزخم الكبير الذي اكتسبه الصدر اليوم، هو لان انتفاضة أكتوبر لم تصل الى كنس كل قوى الإسلام السياسي وسلطته الجائرة اولا، وثانيا لان الجماهير ليس لها بديل ولم تر بديل اخر، ولذلك يلهثون وراء السراب، وراء مقتدى الصدر في محاولة لتصديقه.
ان مقتدى الصدر اليوم وتياره السياسي بأمس الحاجة لنا، بأمس الحاجة لفعالي ونشطاء انتفاضة أكتوبر لمسح كل جرائمهم في الفساد المالي والاداري والسياسي وتورط ميليشياته منذ صولات جيش المهدي التي اشتهرت وذاع صيتها بعمليات القتل على الهوية وقمع الحريات واشاعة الفوضى في المجتمع العراقي. بدون جماهير انتفاضة اكتوبر فلا حقانية لتظاهراته ولا شرعية لاحتجاجاته، لذلك يسعى الصدر الى تغليف تظاهراته وطلائها بأصباغ انتفاضة أكتوبر.
وعليه إن غاية مؤتمره الصحفي مع عدد من وجوه فعالي انتفاضة أكتوبر هو انتزاع بصمة التشرينيين عبر التقاط الصور معهم كما فعل من قبل مع الحزب الشيوعي العراقي وتشكيل تحالف (سائرون) للتغطية على فساد تياره السياسي وجرائم ميلشياته، وبعد ذلك أدار الظهر لهم.
ان الصدر كما أوضحنا في ملفه الذي قدمناه (لا يمكنه حجب الحقيقة وتضليل الجماهير) في ردنا على كلمته، لا يمكن له بجرة قلم وبكلمة “طيبة” القفز على سبعة عشر عام من الفساد الاداري والمالي والسياسي وتشكيل المليشيات والتغلغل في الاجهزة الامنية والتورط بعمليات الخطف والقتل، حيث كان أحد اللاعبين الرئيسيين في البيت الطائفي السياسي الشيعي.
انه لسذاجة سياسية ان تنطلي علينا لعبته الجديدة هذه المرة ايضا وتحت نفس العنوان والسيناريو الذي أسدل الستار على انتفاضة أكتوبر وهو حل البرلمان وانتخابات مبكرة.
إن دعوة التشرينيين للتحاور معهم يكشف عن انسداد الأفق السياسي للتيار الصدري وزعيمه، فلا تنخدعوا بدعوة الصدر كما خدع قسم من الفعالين بالكاظمي وحكومته. ان الصدر يريد استخدامكم لتجميل صورته قبل كل شيء ومسح ملفه وتاريخه خلال العقدين المنصرمين. إن مجرد توقيعه تارة ب”حفيد الحسين” في بيانه الاخير، وتصدير نفسه وجماعته كمدافع عن المذهب والإسلام كما فعل عشية انتخابات العام الماضي، تارة اخرى، يدل على أنه بعيد عن الحركة التي فجرت انتفاضة اكتوبر. وها هو يسمي تظاهراته والانقلاب على جماعته في البيت الشيعي بالثورة العاشورائية. اي أنه مصر على الانتقام من انتفاضة أكتوبر وسلب هويتها المعادية للإسلام السياسي واضفاء هوية طائفية على انقلابه السياسي.
أما التطبيل الاعلامي حول ما يسمى باستجابة العشائر لدعوات الصدر للمشاركة في تظاهراته، فهو ليس أكثر من زيادة ذر الرماد في العيون، لإعطاء هالة كاذبة عن الزخم الاجتماعي للتظاهرات. فالعشائر كانت بعيدة كل البعد عن انتفاضة اكتوبر، لان الانتفاضة كانت تعبير عن مدنية وتحضر المجتمع العراقي، فغابت صولات وجولات العشائر، بالرغم من كل محاولات الإسلام السياسي لسلب تلك الهوية منها. والعشائر التي تشارك اليوم في تظاهرات الصدر عبر لافتات مدفوعة الثمن من مالية التيار الصدري، وبموازاة مشاركة عناوين عشائر اخرى في تظاهرات الإطار التنسيقي وتحت عنوان الدفاع عن الدولة ومؤسساتها، نقول هذه العشائر هي عبارة عن مجموعة من المرتزقة مدفوعي الأجر كما كان ايام نظام صدام حسين بعد انتفاضة اذار ١٩٩١ عندما دمرت الاجهزة القمعية للنظام، حيث عملت كجزء من المنظومة الامنية والاستخباراتية والعسكرية المعادية للجماهير، وكان صدام حسين يغدق عليهم الاموال كما سار على نهجه المالكي والصدر وكل قوى الاسلام السياسي. ان العشائر هم تسميات لمجموعات من المافيات والمليشيات الملحقة بجماعات الإسلام السياسي. والتضخيم من مشاركة حجم العشائر ليس أكثر من دليل آخر على المحتوى الرجعي لتظاهرات الصدر، وسعيه لإضفاء الطابع الاجتماعي المخادع على تظاهراته.
وحتى رفع شعار لا للوجوه القديمة للصدر هو لعبة سمجة لا تنطلي على الجماهير. ان سلطة الاسلام السياسي الفاسدة، برأسيه التنسيقي او التيار الصدري قادرة على انتاج وجوه جديدة أكثر قبحا من قيادات الصف الاول، ولكن بقناع يخفي ذلك القبح، طالما تمسك بمقدرات المجتمع وثرواته، فالكاظمي على سبيل المثال لا الحصر لم يكن من الوجوه القديمة، إلا انه ذهب في التشديد وتوسيع مساحة إفقار الجماهير وزيادة بؤسهم وتنفيذ مشاريع المؤسسات المالية الامريكية، فيما لم يتجرأ أي من الوجوه القديمة للإسلام السياسي في تنفيذها، هذا ناهيك عن إطلاق العنان للمليشيات وخاصة الصدرية في قتل الجماهير في انتفاضة أكتوبر.
ليس في جعبة الصدر أي شيء يعطيه للجماهير. أن شعاره الوحيد محاربة الفساد وعدم السماح لتكرار وجوه الفاسدين في المشهد السياسي، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.
واخيرا نؤكد من جديد، لا أمن ولا أمان بوجود الإسلام السياسي. لقد جربنا سلطة الإسلام السياسي سواء في المركز او في المحافظات، فهم أبعد ما يكون عن توفير الحريات والخدمات واحترام كرامة الإنسان. اياكم ان تنطلي لعبة الصدر عليكم وتبلعوا الطعم.. افصلوا انفسكم عن حركة الصدر الرجعية، ونظموا صفوفكم بعيدا عنها وتحت أفق وشعار (كلهم يعني كلهم)، شعار انتفاضة أكتوبر العظيمة.