لا أحد يمكن أن ينوب عنها!!
مما عمدت الى فعله الدول الامبريالية الكبرى، التدخل في مسار الخيارات السياسية والاجتماعية لكثير من المجتمعات، لتكيفها مع مصالحها وأجندتها، والدفع بأنظمة مغرقة بالرجعية على مجتمعات كانت إلى وقت قريب، مجتمعات مشرقة تتوجه نحو التقدم واللحاق بركب التطور العالمي، الحضاري والإنساني والتقني.
كما هو الحال مع إيران نهاية السبعينات، في المساعدة على تسيد الخميني ورفاق سلاحه الحكم في إيران، ووضع حد للثورة الجماهيرية التي أطاحت بالنظام الملكي الشاهنشاهي.
وكما هو الحال بالمجيء بأحزاب الإسلام السياسي للحكم في العراق وتأخيره قرون إلى الوراء، وأخيرا منح السلطة في أفغانستان إلى نظام طالبان على طبقٍ من ذهب.
هذه أمثلة من منطقتنا وأمثلة على اختيار أنظمة لا يمكن وصفها إلا كونها ظلامية ومناهضة للحريات والتمدن ولكل ما هو عصري، أي رجعية بكل ما تحتوي الكلمة من معنى، والأشد من كل ذلك خصوصية عدائها السافر للمرأة.
شر البلية ما يُضحك… في مساجلة بين نظامي طهران وطالبان، حول تعليق التعليم في افغانستان، قالت الخارجية الإيرانية: “إن جمهورية إيران الإسلامية، بصفتها جارة لأفغانستان ومهتمة بالسلام والاستقرار والتنمية في هذا البلد، تأسف لسماع نبأ وجود معوقات أمام التعليم الجامعي العالي للفتيات والنساء في أفغانستان”، ولم يتأخر رد طالبان وجاء مفحماً: “الأفضل لهم (لنظام ملالي إيران) إقناع النساء المحتجات في بلادهم وأن لا يحاولوا، باسم التعاطف، لفت النظر عن مشاكلهم الداخلية إلى بلدنا”.
تذكّرنا هذه المبارزة الكلامية، بين هذه النظامين بالحكمة المتداولة بخصوص هذا الشأن القائلة: “تعيب الناس والعيب فيك
وتحسب كلامك في الناس يسليك”، أو كما يقول المثل الشعبي العراقي:” غراب يقول لغراب وجهك أسود”.
نظامان أشهر وسائل حكهما اضطهاد النساء، وسلب حقوقهن، وممارسة التمييز الممنهج عليهن في جميع تفاصيل الحياة الخاصة والعامة. إذا كانت طريقة الحكم في افغانستان، قد طبقت الوصفة الإسلامية بالكامل على المرأة، مثل قطع أصبع سيدة يوما ما لأنهم وجدوها قد صبغت اظافرها، مثل أي امرأة بالعالم، ودون مراعاة واهتمام لأي نقد أو رد فعل مضاد، على حد قول وزير التعليم الافغاني الحالي ” مستعدون لعقوبات توقع علينا من المجتمع الدولي.. لو ألقوا قنبلة ذرية لن نتراجع عن منع تعليم النساء”، فإن حكام إيران وسجلهم الإجرامي بحق المرأة بالذات قد قال أكثر من ذلك بكثير، ولا يشفع لهم نقدهم لقرار طالبان في حرم الطالبات من التعليم، ولاسيما ما يعتمل الآن ومنذ أشهر داخل المجتمع الإيراني من احتجاجات واسعة ضد النظام، انطلقت شرارتها بعد مقتل الشابة مهسا أميني، فهو دليل لا يقبل الدحض ولا النقاش، على وحشية هذا النظام، وممارساته الظالمة تجاه النساء.
منذ مستهل ظهور الرأسمالية كنظام اجتماعي، دأب على إبعاد المرأة عن الحياة الاجتماعية، وجعلها في أدنى مستوى للسلم الاجتماعي الطبقي. وتركها غير مهتمة بأي نشاط سياسي وليست سوى ماكنة للعمل المنزلي غير المجدي، وغير مدفوع الأجر، مشتتات في منازلهن كل واحدة منهن على حدة، غارقة في شؤون علمها الممل، لا يعنيها من العالم خارج مؤسستها المنزلية أي شيء، بسبب ضيق الحيز الذي تدور داخله وانقطاعه عن أي اتصال خارجي. مما حدا بأحد المفكرين إلى القول : ” المرأة رجعية في المنزل ، وثورية في المصنع”. يرجع سبب تعمد الرأسمالية لإبعاد المرأة عن المشاركة في الحياة الاجتماعية، لسبب بات معروفاً ومفهوما للجميع؛ وهو لإبعاد نصف المجتمع عن الحياة السياسية والاجتماعية وإضاعة وقته في سفاسف الأمور، ومن ثم سهولة السيطرة على المجتمع بشكل عام، كما يظنون.
عندما كانت الرأسمالية وفي المجتمعات المتقدمة قد سعت لتكبيل المرأة بشتى القيود، منها الدينية والثقافية والقوانين المرتجلة الجائرة، فأنهم قد اختاروا لمجتمعاتنا فرق ومنظمات اجتماعية، تحمل صفة الجهوزية لمعاداة المرأة في صميم عقائدها وبرامجها السياسية والاجتماعية، مثل الاحزاب الاسلامية ونظرتها الدونية الرجعية للمرأة التي تمتد لعشرات القرون إلى الوراء، ولا يمكن حتى مجرد التفكير بتغيير النظرة النمطية إليها. اختاروهم لقمع وتأخير المجتمع وإصابة نصفه الآخر بالشلل النصفي.
إلا إن في المقابل هناك إرادة غير إرادة الرأسمالية، ومصالح لم تعد تتوافق مع مصالحهم ولم تعد تعمل كما يحلو لهم، إرادة المرأة عندما ولجت الحياة المعاصرة وبرزت شخصيتها المميزة في العمل بكل ثقل، كما في الميادين الأخرى التي استدعتها تطورات الحاضر التي لابد منها. ظهرت الاحتجاجات الواسعة النطاق وبقيادة الثائرات على اوضاع المجتمع المزرية، يكاد في كل مكان من العالم يكن لها صوت مدّوي وتتقدم الصفوف وفي أحيان كثيرة حملت السلاح.
من المشاهد التي ألفناها منذ ما قبل ثورة أكتوبر السوفيتية وإلى اليوم، جرأة النساء وشجاعتهن في المواجهة، ويكاد الأمر في كثير من الأحيان أشجع من زملائهن ورفاقهن الرجال، وإصرارهن على نيل المطالب وعدم التفريط بالمكاسب هو الطابع الطاغي على تحركاتهن، لأن النساء قد تحملّن أضعاف مضاعفة من جور النظامي الطبقي على كاهلهن، ولم يسمحن لهذا السبب أن تفوت عليهن مماطلة الطبقة السائدة وتسوفيها، بل وقفن بكل جدية وحزم أمام شتى أنواع الأنظمة وأكثرها دموية ووحشية مطالبات بحقوهن. ودليلنا على ما نقول الاحتجاجات التي تدور الآن ضد النظام القمعي في إيران، وظهور المرأة المميز في هذه الاحتجاجات دون خوف ودونما أي تردد. ومطالبات المرأة في افغانستان ضد أكثر الأنظمة بالعالم وحشية وتخلف…تخرج جماعات النساء ويرفعن اصواتهن بالنداءات والهتافات لتصل اسماع هؤلاء المتحجرين صوت المرأة المطالب بالحرية والحقوق.
إن الثورات والاحتجاجات الحالية احتجاجات المرأة والشباب والعمال وسائر المحرومين في المجتمع.. ضد القمع والأنظمة البالية التي عفى عنها العصر والتاريخ…والظاهرة اللافتة ولكنها متوقعة كنتيجة حتمية، دخول المرأة بقوة لهذه الاحتجاجات التي ستغير التاريخ لصالحها وصالح المجتمع الانساني، لأن التاريخ قد قال كلمته بلا رجعة لا مجتمع عصري بدون وجود المرأة العصرية، وثوراتها وشجاعة المرأة لا يمكن حتى لخصومها اللدودين نكران ذلك، ، إنها بقرارها دخلت عصر التغيير وبيدها تحمل رايته.