المقالاتسمير عادل

الظلم القومي على الفلسطينيين ما بين محور الإسلام السياسي والقطب الاشتراكي

سمير عادل

الجزء الثاني والأخير.

المختلف في المشهد السياسي للظلم القومي الفلسطيني اليوم، هناك تزامن بين التظاهرات والاحتجاجات التي تجتاح دولة اسرائيل من قبل ٢٠٪ من سكان إسرائيل المصنفين العرب سواءً أكانوا مسلمين او مسيحيين او لا دين لهم وبين دخول التيار الاسلامي المتمثل بحماس والجهاد الاسلامي على خط المواجهة مع دولة اسرائيل العنصرية. كان من الممكن ان تحل الطبقة الحاكمة في اسرائيل قضية الظلم القومي على الاقل في الجغرافية التي تسمى بدولة اسرائيل، عن طريق تعريف اسرائيل على اساس هوية علمانية وغير قومية. وهذا هو نصف الطريق لانتزاع هوية الصراع القومي من حماس وغيرها من التيارات الاسلامية. بيد أن هوية الدولة الاسرائيلية ليس كذلك، ولذلك إن نقد حماس والجهاد الاسلامي وممارساتها التي لا تختلف عن ممارسات دولة إسرائيل في إباحة دماء المدنيين لن يضفي او ينقل البيدق الى اي مكان، لأن الجزء الذي وقع عليه ظلم من سكان اسرائيل، ناهيك عن الممارسات العنصرية الدينية في القدس والحصار الاقتصادي على سكان غزة والاستحواذ على الأراضي بعد حرب ١٩٦٧، لم يجد اي منقذ او صوت يرتفع بالدفاع عنه سوى صواريخ حماس. والمفارقة في سياسات ومواقف حماس أن تعريفه يجري كجزء من محور المقاومة والممانعة من قبل إيران وحزب الله، في حين انها تقاطعت مع النظام السوري منذ هبوب رياح الثورتين التونسية والمصرية على سورية والمنطقة عام ٢٠١١، وتخندقت مع دولة قطر الممولة الرئيسية لكل العصابات الاسلامية في سورية والمنطقة. وفي نفس الوقت هناك علاقة وثيقة بينها وبين تلك الجمهورية بعد سنوات من الجفاء على أثر الازمة السورية كما ذكرنا. ما نريد ان نقوله هنا علينا ان ننظر الى دخول حماس في هذه المعركة مرتبط بصراع محلي اي بالظلم القومي وليس له اي ربط إلا كتسويق إعلامي وسياسي من قبل ادوات الجمهورية الاسلامية وتعويم مكانتها واعتبارها السياسي والاجتماعي. ومن الخطأ سياسيا عندما يغيب القطب الاشتراكي في هذا الصراع، وليس امام الجماهير كي تجد منقذ لها غير هذه التيارات الرجعية، فنعوض غيابنا بتوجيه النقد والهجوم السياسي والاعلامي على حماس ونضع الطرفين اسرائيل وحماس في خانة واحدة.

*****

إن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة، قضية ظلم قومي سافر واقع على شعب، بيد أن تحويل هذه القضية الى قضية تتنافس عليها التيارات السياسية في المنطقة، ليس مردها عدالة القضية، وليس هي بصدد لإنهائها على الأقل في هذه المرحلة. فتخيل ولو للحظة هناك دولة فلسطينية مستقلة وتم إنهاء فصل من أكثر الفصول دموية في تاريخ المنطقة  التي تسمى بقضية الشرق الاوسط، فهل يقوم قائم سياسيا لحزب الله وفيلق القدس ونظام بشار الأسد ومحور الاجرام والفساد والقتلة الجدد في العراق الذي انظموا الى الجوقة الاعلامية لمحور المقاومة؟ بالتأكيد لا. وعليه ولا نريد ان نفصل اكثر بسبب ضيق المساحة لدينا، أن (القضية الفلسطينية) انتخبتها جناح من الطبقة البرجوازية الذي مثله التيار القومي العروبي لترفع رايتها كي تكون جزء من هويتها الايديولوجية والسياسية، ودشنت في خضم صراعها مع الاستعمار والامبريالية في بناء سوقها الداخلية وتحررها الاقتصادي والسياسي. إن القضية الفلسطينية كانت جزءا مهما في التعبئة السياسية والجماهيرية للبرجوازية المحلية (الوطنية) في استقطاع حصة لها في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي. فالشعارات التكتيكية للتيار القومي العروبي من اجل تحقيق اهدافها الاستراتيجية المشارة إليها مثل تحرير فلسطين طريق للوحدة العربية او الوحدة العربية طريق لتحرير فلسطين، تصب في خانة تحرير الأسواق الاقتصادية للبرجوازية الوطنية الصاعدة. فالوحدة العربية هي السوق الذي تريد البرجوازية الوطنية ازاحة منافسيها من الرأسمال الغربي سواءً بشكل استعماري أو بشكل إمبريالي. الا ان هذا الجناح هزم عسكريا في ١٩٦٧ وهزم في جنوب لبنان ١٩٨٢، وعلى انقاض تلك الهزائم نهض التيار الاسلامي لتنتقل البندقية من كتف التيار القومي العروبي الى كتف التيار الاسلامي داخل العائلة البرجوازية. وليس عبثا كما أشرنا في أكثر من مناسبة كيف أن الخميني وثورته المضادة اتقن رفع لواء القضية الفلسطينية لفتح الأسواق الاقتصادية في المنطقة أمام برجوازية بازار القومية. وبنفس السياق ارتفعت عقيرة اردوغان في مؤتمر دافوس أمام شمعون بيريز في عام ٢٠٠٩ حول القضية الفلسطينية. فالصراع على الهوية، القضية الفلسطينية، هو جزء من صراع انتاج واعادة انتاج الوجود السياسي في المنطقة. وتحت يافطة القضية الفلسطينية وفي ثناياها وخلف كواليس الدعائية لها، تكتنز البرجوازية وتتمدد وتتمتع بفسادها المالي عبر مشاريع إعمار لبنان وغزة التي تمثلها التيارات الاسلامية.

في الاستنتاج النهائي أن التيار القومي العروبي كأنظمة سياسية حاكمة دخلت في عمليات السلام مع اسرائيل، دون ان تضع في جدولها السياسي انهاء الظلم القومي على الفلسطينيين، لان الاوضاع الاقتصادية والسياسية في النظام الرأسمالي العالمي تغيرت بشكل كلي، وليست بحاجة بعد اليوم الى (الهوية الفلسطينية)، وبغياب التيار الاشتراكي، اصبحت الساحة خالية اليوم لانتحال تلك الهوية أمام  اللصوص وقطاع الطرق والقتلة الجدد.

*****

بالنسبة لنا نحن الشيوعيون والاشتراكيون، تعتبر القضية الفلسطينية هي قضية عادلة، وان حلها أي إنهاء الظلم القومي على الفلسطينيين هي مسالة مبدئية مثل سائر اشكال الظلم الجنسي والعرقي والقومي، وان ايقاف مسلسل الدم وتحقيق الأمن والأمان في المنطقة مرهون بإنهاء هذا الظلم قبل كل شيء ومرهون بإقامة دولة فلسطين مستقلة الى جانب تحقيق المساواة القومية والدينية في دولة اسرائيل وتعريف الاخيرة على اساس المواطنة. وفي نفس الوقت يجب أن يكون نقدنا لحماس لا من زاوية معاداة الإسلام السياسي على العموم مثل هو الحال الدفاع عن حماس من خندق معاداة الامبريالية، بل يجب ان يكون من زاوية تفكيك ماهية الصراع وخلفياته وأبعاده السياسية المحلية. لا شك قبلنا او لم نقبل، فحماس سجلت نقاط سياسية كثيرة بصواريخها على اسرائيل وأصبحت رقما في المعادلة السياسية في المشهد الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني، وان ازاحتها كتيار رجعي وفاسد اسوة بأخوته وربعه في الاسلام السياسي لا يمكن إزاحته دون وضع حدود للعنجهية الإسرائيلية وبلطجيتها. وهذه العملية التي هي شاقة؛ مرتبطة قبل شيء ببناء جبهة عمالية وتحررية إنسانية في العالم بالنضال من اجل انهاء الظلم القومي على الفلسطينيين، منفصلة الافاق عن التيارات الإسلامية والقومية.، هذه الجبهة بإمكانها ايضا ان تخرس كل الأصوات اليمينية في الغرب التي تتحجج بدفاعها عن دولة اسرائيل العنصرية بحجة الارهاب الاسلامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى