لماذا فشلت الرأسمالية في مواجهة التغير المناخي ؟
بحث في تفاصيل التغير المناخي
ان الزيادة في انبعاث الغازات الدفيئة تَرافقَ مع صعود الاقتصادات الرأسمالية، وتعاظمت بشكل هائل مع تحول نمط الإنتاج الرأسمالي الى النمط السائد عالميا. وقد أوصل نمط الإنتاج الرأسمالي الكوكب الى عصر غير مستدام ومدمر للغاية في فترة زمنية قصيرة جدا. لقد وصل الامر في غضون 300 سنة والتي لا تتعدى سوى لحظة من تاريخ البشرية، أن يصبح التغير المناخي واقع يمكن مشاهدة اثاره على شكل زيادة في موجات الحرارة، والجفاف، والفيضانات والاعاصير والحرائق في السنوات الأخيرة. وتواجه البشرية سناريوهات مرعبة في المستقبل وخاصة إذا لم نقم بإجراءات فاعلة وبشكل فوري.
لقد أتى النظام الرأسمالي بنمو هائل في الثروة وبتقدم كبير في العلم والتكنلوجيا وكان للوقود الاحفوري دور محوري في هذا النمو والتطور. ولكن كان هذا الامر بتكلفة باهظة للإنسان على شكل عدم مساواة هائلة، وفقر، ومجاعات، وعنف، وحروب وحشية، وقمع هائل وتدمير غير مسبوق لكوكب الارض.
لقد تزامن النمو الاقتصادي في ظل الرأسمالية مع التوسع في استخدام الوقود الاحفوري وخاصة الفحم الحجري لكونه مصدر طاقة أكثر كفاءة من مصادر الطاقة الأخرى مثل الخشب والماء. لقد كان للوقود الاحفوري دور في تحسين الإنتاجية وتطور المجتمع.
ان الإدانة التي تستحقها الرأسمالية ليس بسبب استخدام الوقود الاحفوري، بل حتى في التسبب في التغير المناخي، بل بسبب الطريقة التي استخدم بها هذا الوقود والاهم من هذا هو الفشل في التصرف حيال العواقب الكارثية لهذا الاستخدام عندما اصبحت واضحة للعيان.
لقد لعب النظام الرأسمالي دورا تقدميا في البداية، لكنه فقد صلاحيته وباتت البشرية تترنح من ازمة الى ازمة أخرى وأخطرها تغير المناخ وهو عاجز عن حل هذه الازمات. اذ ليس لم يعد التقدم التكنلوجي والعلمي ونمو الثروة في ظل الرأسمالية تخدم البشرية بالشكل المطلوب فحسب، بل أصبحت تهدد مصيرها.
ان تدمير البيئة هي مسالة متأصلة في الرأسمالية وتمثل تناقض عميق من تناقضات هذا النظام لسببين أساسين: النظام الرأسمالي يستند إلى دافع الربح، ويحتاج كنظام اقتصادي الى نمو مركب ومستمر لا يقل عن 2-3% في السنة لكي يتفادى وضع الأزمة.
النظام الرأسمالي هو نظام اقتصادي عالمي يستغل الطبقة العاملة والبيئة الطبيعية بشكل منهجي من اجل الأرباح. ان الإنتاج من اجل الربح وليس بدافع تلبية حاجات الانسان، يدفع الى انتاج أكبر كمية ممكنة من البضائع والخدمات وضخ مليارات الاطنان من غازات الدفيئة، بغض النظر فيما اذ كانت تساهم في رفاهية الانسان ام لا، وخاصة في ظل وجود منافسة بين المنتجين على الربح. هذا الامر يتطلب تشجيع الاستهلاك بكل الطرق بما فيه الدعاية الاستهلاكية وخلق رغبات و” احتياجات” مصطنعة في الاغلب لشراء أحدث الأدوات التي احيانا لا يحتاجها الانسان والشراء نتيجة خلق منافسة بين الافراد لاقتناء الاشياء والشراء بسبب الموضة وتقادم في التصميم، وتقليل جودة البضائع بحيث لا تدوم طويلا وغيرها. اذ تصرف 1.2 ترليون دولار سنويا على مستوى العالم على الدعاية الهادفة لتشجيع الاستهلاك وهكذا فان الرأسمالية بحاجة الى مصادر غير محدودة من الموارد الطبيعية من اجل انتاج كمية غير متناهية من السلع والخدمات لخلق الربح وتراكم الرأسمال، وهي عملية تتعارض مع المحافظة على البيئة وتفوق قدرة الطبيعة لتجديد نفسها ويتطلب كميات هائلة من الطاقة (الأحفورية لحد الآن) الذي يؤدي الى تغير المناخ.
يقوم الرأسمالي بتحقيق الربح وبناء ثروته من خلال استغلال الطبقة العاملة وتلويث وتدمير البيئة. ان سبيل الرأسمالي لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح، إضافة الى زيادة الانتاج هو تقليل كلفة انتاج البضاعة او الخدمة التي ينتجها. يعتبر تشديد استغلال العامل وعدم تحمل المسؤولية تجاه الضرر الذي يلحق بالبيئة وصحة الناس بسبب تلويت الهواء والتربة والماء وتكاليف مواجهتها طريقة لتقليل كلفة البضاعة وتعظيم الربح. اذ تميل عملية انتاج السلع والخدمات في الاقتصاد الرأسمالي الى تجاهل اثارها على البيئة والمناخ والصحة العامة وهي لا تدخل ضمن كلفة البضاعة، لأنها اثار غير ملموسة ولا يمكن حسابها بشكل آني.
في عالم اليوم يسعى الأشخاص الذين يديرون الشركات الرأسمالية وخاصة الكبرى منها والتي تتسبب في معظم انبعاثات غازات الدفيئة، إلى تعظيم الأرباح في المدى القصير بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك يعني تدمير البيئة، ليس لأنهم موهومون او بالضرورة اشرار، بل لأن هذه هي وظيفتهم في الاقتصاد الرأسمالي ويتصرفون بالطريقة التي يفرضها النظام وفي ظروف المنافسة، هي الطريقة للبقاء. قيام الشركات بعمل شيء جدي لمحاربة التغير المناخي، يعني تقليص الأرباح وهذا هو ضد منطق الرأسمالية، لهذا ان الإجراءات المناخية التي ترغب الشركات في اتخاذها هي تلك التي لا تؤثر على الربح ونمو الثروة.
من جهة أخرى، ان حاجة النظام الاقتصادي الرأسمالي الى النمو المستمر والمركب يقيد يد القادة الاقتصاديين والسياسيين للقيام باي اجراء يبطء النمو حتى إذا كان يعني الاستمرار في تدمير البيئة.
ان الهدف هو نمو الإنتاج المحلي الإجمالي أي نمو الاقتصاد بشكل مستمر بقطاعه العام والخاص وبالتالي فان الإجراءات المناخية الوحيدة التي ترغب الحكومات في اتخاذها هي تلك التي لن تخاطر بإبطاء نمو الاقتصاد، لهذا السبب لم تتخذ أي حكومة بعد الإجراءات الضرورية لتقليل استخدام الوقود الاحفوري والحد بشكل جدي من انبعاث الكربون رغم اعتراف هذه الحكومات والسياسيين بان تغير المناخ تهديد وجودي خطير يواجه البشرية. كما ان المصالح المشتركة والمتداخلة للرأسماليين مع الحكومات والسياسيين الذين يمثلونهم هي عائق أساسي اخر لاتخاذ أي اجراء هيكلي جاد للتخفيف من تغير المناخ. ولذلك بقيت معظم التعهدات السابقة من قبل الدول مثل تلك التي قدمت في اتفاقية باريس دون تحقيق.
ان صحة الاقتصاد الرأسمالي ونموه هي مسالة ملحة وحيوية وتأخذ الاسبقية على اعتبارات مثل محاربة التغير المناخي حتى عندما نواجه موجات حرارة، جفاف، فيضانات، اعاصير وحرائق غير مسبوقة.
رغم ان التغير المناخي هو أغلى التحديات ليس من وجه نظر البشرية فحسب، بل من وجهة نظر مصالح الرأسمال ايضا، الا ان البرجوازية تعجز في مواجهتها بسبب المنافسة سواءً أكان بين الشركات او بين الدول. ان اتخاذ الإجراءات الجدية لمكافحة التغير المناخي قد يقلل من القدرة على المنافسة وهذا يمنع الرأسماليين او الحكومات الرأسمالية بأخذ المبادرة بشكل فردي. لذا يتطلب العمل الجدي اتفاق الدول الكبرى واهم اقسام البرجوازية على الحلول ويبقى هذا الامر عائقاً جدياً. فالطبقة الرأسمالية منقسمة على نفسها حول كيفية التعامل مع التغير المناخي.
إن مجرد اقتناع بعض الرأسماليين او الحكومات الرأسمالية بخطورة تغير المناخ أو كونه تهديد لمصالحهم، لا يعني أنهم سوف يكونوا قادرين على تغير المسار، والتغلب على قوانين ومنطق النظام الرأسمالي ككل مثل قانون الربح والنمو المركب والدائمي التي هي فوق كل الاعتبارات. تجعل هذه الدوافع الهيكلية للرأسمالية، من الصعب على هذا النظام تغيير المسار، لذا فرغم ان التغير المناخي قد اصبح حالة طوارئ تواجه البشرية، يتصرف الرأسماليون والحكومات الرأسمالية كالأعمى تجاه هذه المشكلة.
تنفق الشركات الأكثر تلويثا للبيئة المليارات على اللوبيات وعلى شراء السياسيين من اجل تامين الاستمرار بالوضع الراهن ومن اجل الالتفاف على القوانين المتعلقة بالبيئة. اذ انفقت “اكسون موبيل”، شفرون، “برتش بيتروليوم” و”توتال” اكثر من مليار دولار على الدعايات واللوبيات المتعلقة بالمناخ منذ اتفاقية باريس في 2015.
بالنتيجة، فان المشكلة تزداد سوءاً حيث يشهد العالم زيادة في انتاج النفط والغاز و الفحم. وتستمر الشركات الكبيرة المسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون في الحفر والتنقيب وحرق الوقود الاحفوري وعندما تذوب القمم الجليدية القطبية تجد شركات النفط فرصة للتنقيب عن النفط الذي لم يكن من الممكن الوصول إليه سابقا. وتجد شركات النقل فرصة لسلوك طرق بحرية أقصر تقلل تكاليف النقل.
وتتبع ممارسات الزراعة غير المستدامة من اجل الارباح السريعة وحتى ان كانت تؤدي الى دمار ايكولوجي على المدى الطويل.
وتستمر إزالة الغابات الطبيعية في جميع انحاء العالم من اجل مصالح شركات التعدين او صناعة الأثاث او الصناعة الزراعية.
اذ يعتقد ان الحرائق الأخيرة في الامازون كانت محاولة متعمدة لتطهير الغابات من اجل مراعي لرعي الماشية وإنتاج اللحوم. والآلاف من الأمثلة الأخرى التي ترتقي بعضها الى جرائم ضد البشرية في ضوء ما نعرفه عن تغير المناخ.
وطريقة أخرى يساهم بها منطق الربح في تفاقم اثار التغير المناخي والفشل في مواجهة هذه الاثار هي السياسات النيوليبرالية. اذ تقوم الأنظمة النيوليبرالية بإهمال البنى التحتية الضرورية لمواجهة عواقب التغير المناخي، لان هذه البنى التحتية مكلفة ولا تدر أرباح على المدى القصير. تجرد الدولة، في ظل هذه الأنظمة، من القدرة على الاهتمام بالبنى التحتية الضرورية او إمكانية القيام بمشاريع كبيرة لمواجهة التغير المناخي مثل درء خطر الأعاصير في المناطق الساحلية. والأكثر من ذلك بدلا من ان تساعد الحكومات سكان البلد في وضع الكارثة، تجد هذه الحكومات احيانا فرصة في اعقاب الكوارث الطبيعية من اجل خصخصة الخدمات.
وهكذا تتسبب الرأسمالية في الكوارث الطبيعية، وتجرد المجتمع من إمكانية مواجهة عواقبها بشكل فعال وتتربح قلة طفيلية من هذا الكوارث. فالربح على المدى القصير يأخذ الأولوية على حساب حياة الملايين من البشر وعلى البيئة. لقد أصبح واضحا بان الاقتصاديات التي تعتمد على السوق بشكل كبير وتحديد دور الدولة في الاقتصاد هي الأسوأ في التعامل مع القضايا طويلة الأمد مثل تغير المناخ.
لهذه الأسباب، طالما كانت الرأسمالية هي النمط المهيمن للإنتاج الاقتصادي في العالم؛ ستستمر عملية تدمير البيئة. وهناك خطر إذا لم تجبر البرجوازية، ان يستمر تغير المناخ في التفاقم وان تأتي الإجراءات الجدية للحد من تغير المناخ متأخرة. فالرأسمالية كنظام اقتصادي هي نموذج غير مستدام.
كيف تعاملت الرأسمالية مع التغير المناخي ؟
..يعتقد ان الحرائق الأخيرة في الامازون كانت محاولة متعمدة لتطهير الغابات من أجل جعلها مراعي لرعي الماشية وإنتاج اللحوم. والآلاف من الأمثلة الأخرى التي ترتقي بعضها الى جرائم ضد البشرية في ضوء ما نعرفه عن تغير المناخ.
وطريقة أخرى يساهم بها منطق الربح في تفاقم اثار التغير المناخي والفشل في مواجهة هذه الاثار هي السياسات النيوليبرالية. اذ تقوم الأنظمة النيوليبرالية بإهمال البنى التحتية الضرورية لمواجهة عواقب التغير المناخي، لان هذه البنى التحتية مكلفة ولا تدر أرباح على المدى القصير. تجرد الدولة، في ظل هذه الأنظمة، من القدرة على الاهتمام بالبنى التحتية الضرورية او إمكانية القيام بمشاريع كبيرة لمواجهة التغير المناخي مثل درء خطر الأعاصير في المناطق الساحلية. والأكثر من ذلك بدلا من ان تساعد الحكومات سكان البلد في وضع الكارثة، تجد هذه الحكومات احيانا فرصة في اعقاب الكوارث الطبيعية من اجل خصخصة الخدمات.
وهكذا تتسبب الرأسمالية في الكوارث الطبيعية، وتجرد المجتمع من إمكانية مواجهة عواقبها بشكل فعال وتتربح قلة طفيلية من هذا الكوارث. فالربح على المدى القصير يأخذ الأولوية على حساب حياة الملايين من البشر وعلى البيئة. لقد أصبح واضحا بان الاقتصاديات التي تعتمد على السوق بشكل كبير وتحديد دور الدولة في الاقتصاد هي الأسوأ في التعامل مع القضايا طويلة الأمد مثل تغير المناخ.
لهذه الأسباب، طالما كانت الرأسمالية هي النمط المهيمن للإنتاج الاقتصادي في العالم؛ ستستمر عملية تدمير البيئة. وهناك خطر إذا لم تجبر البرجوازية، ان يستمر تغير المناخ في التفاقم وان تأتي الإجراءات الجدية للحد من تغير المناخ متأخرة. فالرأسمالية كنظام اقتصادي هي نموذج غير مستدام.
…
يشكل التغير المناخي خطر وجودي على البشرية وعلى عدد هائل من الأنواع الحيوانية والنباتية، ولكي نواجه أخطار التغير المناخي بجدية يجب ان نتحرك الآن؛ لتفادي المزيد من التأخير وتضييع الوقت، ولكن رغم هذا لم تصبح مواجهة التغير المناخي أولوية قصوى للطبقة الحاكمة وحكوماتها. اذ في مواجهة هذا الخطر الوجودي لايزال التحرك من قبل الحكومات البرجوازية بطيء للغاية.
لحد انعقاد قمة غلاسكو في بريطانيا في تشرين الثاني القادم، تعتبر اتفاقية باريس لعام 2015 أفضل اجماع دولي للعمل في هذا المجال لحد الان، اذ تعهد قادة 197 دولة بالحد من انبعاثات غازات الدفيئة في بلدانهم. وتهدف هذه الاتفاقية الى الحد من درجة الحرارة العالمية هذا القرن الى اقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية والى اقل من 1.5 اذ امكن. اذ تنص على تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 40% على الأقل بحلول 2030 وبنسبة 80-90% بحلول عام 2050.
ولكن حتى اتفاقية باريس لا تتضمن أي التزامات من شانها ان تبقي الاحتباس الحراري دون درجتين، فهي اتفاقية غير ملزمة وليس لها سلطة تنفيذية، علما ان الزيادة بدرجتين سوف تكون كارثية. ان الخطط الوطنية للحد من انبعاث غازات الدفيئة، التي عرضت في اتفاقية باريس للتغير المناخي لا تساوي نصف ما تم الاتفاق عليه. ولكن حتى إذا تم الوفاء بجميع التعهدات الواردة فيها بشكل كامل، فمن المرجح ان تؤدي الى ارتفاع درجات الحرارة أكثر من درجتين مئويتين وربما حوالي 3-4 درجات.
من السذاجة الاعتقاد بان البرجوازية ستلتزم بالتعهدات التي تقدمها، والتخلي عن أرباح كبيرة على المدى القصير دون الضغط من الأسفل. اذ ازداد تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عقد هذه الاتفاقية بشكل هائل.
نعيد التأكيد، بان فشل الرأسمالية في القيام باي اجراء فعّال من شأنه تقليل انبعاث الغازات هو ليس نابع عن عدم دراية. اذ يحذر العلماء من التغير المناخي على الأقل منذ السبعينيات من القرن العشرين.
لقد قامت شركات الوقود الاحفوري نفسها في السبعينات والثمانينيات بالبحوث في مجال التغير المناخي. ففي 1977 أطلع خبير في شركة اكسون موبايل الإدارة، بان حرق الوقود الاحفوري يتسبب في التغير المناخي وتدمير البيئة. كما اقر تقرير لشركة شيل في 1988 بدور النفط في التغير المناخي. واجتمع علماء من 50 دولة في المؤتمر العالمي الأول للمناخ في جنيف في 1979 وعبروا عن قلقهم من التغير المناخي وعلى ضرورة العمل على وجه السرعة. ومنذ ذلك الحين، أعرب بشكل متزايد الاف العلماء والمنظمات والمؤسسات العلمية والبيئية والاجتماعية عن قلقها إزاء هذا الموضوع.
وبدلا من العمل على تلك النصائح العلمية قامت شركة اكسون موبايل، مثلها مثل الشركات الاخرى بإخفاء تلك الحقائق وشن حملة شعواء ضد أي محاولة للتصدي للتغير المناخي.
قامت شركات الوقود الاحفوري بأنكار التغير المناخي وبتمويل ” بحوث علمية” وشراء حفنة من ” علماء” من اجل نشر أبحاث تنكر او تشكك في التغير المناخي وبذلك لقد ضللت الجماهير بشأن قضية تغير المناخ وساهمت في خلق تشوش وبالتالي قامت بتبديد عقود للعمل في هذا المجال. لقد انفقت شركات الوقود الاحفوري المليارات للتحكم بالنقاش حول التغير المناخي من خلال تمويل “بحوث علمية” مضللة، ودعم الجماعات اليمينية، وشراء ولاء السياسيين الخ.
اذ انفقت اكسون مثلا بين 1998 و2017 حوالي 36 مليون على المراكز البحثية والمنظمات الأخرى التي روجت لإنكار التغير المناخي في حين تبرعت عائلة “كوك برثرز” ب 123 مليون لنفس المراكز والمنظمات. وتستخدم هذه الشركات اقصى اليمين البرجوازي كقوة ايدولوجية بشكل فعال للتشكيك بالتغير المناخي والإبقاء على الوضع الحالي.
وتقوم شركات الوقود الاحفوري، حتى بكسب تأييد الطبقة العاملة عن طريق التأكيد بان القوانين المتعلقة بحماية المناخ وتقيد استخدام الوقود الاحفوري سوف تشكل تهديد لوظائفهم وسوف تؤدي الى رفع سعر الوقود وتحطيم الاقتصاد وتهديد نمط حياتهم.
وقت تمكنت بالفعل من وضع الطبقة العاملة بالضد من الطبيعة. اذ يعمل في أمريكا مثلا أكثر من مليوني شخص في وظائف متعلقة بالوقود الاحفوري. وقد تمكنت في الكثير من الأحيان من كسب تأييد النقابات العمالية أيضا، باعتبار ان صناعة الوقود الاحفوري هي مصدر للوظائف النقابية الجيدة نسبيا بالمقارنة مع الوظائف الهشة التي تغزو الاقتصاد. وهكذا يجبر العامل الاختيار بين قوت يومه او البيئة.
وتستخدم ورقة القومية بنجاح، اذ يدعون بان تقيد استخدام الوقود الاحفوري، سوف يخل بالسيادة الوطنية والاستقلال ” الوطني” في مجال الطاقة. وتدعي بانه لا يمكن القيام بالكثير من العمل لان دول مثل الهند والصين والدول الفقيرة والمتخلفة لا يتحركون في هذا المجال بالشكل المطلوب.
والان حيث أصبح من الصعب انكار او التشكيك بالتغير المناخي، تقوم هذه الشركات بلفت الانتباه بعيدا عن دورها، عن طريق إعطاء انطباع بان عدد السكان او الافراد الذين ” لا يقمون بالخيارات الشخصية الصحيحة” هم المشكلة.
كما تقوم شركات الطاقة الأحفورية بحملات كبيرة لتلميع صورتها وإعطاء انطباع بانها تقوم بإجراءات فعلية لمكافحة التغير المناخي. وهي تصرف اموال أكثر على الدعاية لنفسها ولما تقوم به لمكافحة التغير المناخي من الأموال التي تصرف على الإجراءات العملية لمحاربة التغير المناخي. اذ صرفت شركات الوقود الاحفوري 1.4 مليار في أمريكا على الدعايات بين 2008- الى 2017 للترويج لأهمية هذه الشركات في خلق الوظائف، وضمان الطاقة المحلية من كل المصادر الضرورية للاقتصاد الخ. وانفقت برتش بيتروليم لوحدها 200 مليون دولار على الدعاية لنفسها حول الانتقال الى المصادر المتجددة. هذا في الوقت التي لاتزال تلك الشركات تقوم باستثمارات طويلة الأمد في الوقود الاحفوري رغم انها تقول بانها تأمن بالتغيير المناخي.
من جهة أخرى انفقت شركات النفط والغاز والفحم الكبرى بما في ذلك “شيل” و”اكسون” و”بريتش بيتروليم” وغيرها مئات الملايين لشراء دعم الحكومات الغربية لضمان بقاء أرباحها وفي محاولة لإيقاف او تأخير السياسيات الحكومية التي من شأنها ان تساعد في معالجة ازمة المناخ. فهي تقوم بالفعل بشراء الطبقة السياسية.
يقول صندوق النقد الدولي بانه حصلت صناعة الطاقة الأحفورية عالميا على 5.2 ترليون دولار في 2017 وعلى 5.9 ترليون في 2020 على شكل مساعدات حكومية. والارقام هي مشابهة في السنوات الاخرى.
فبدلا من محاسبة شركات الوقود الاحفوري العملاقة التي تستمر في التسبب بتغير المناخ، وفرض ضرائب عليها لمعالجة تأثيرات الكارثة المناخية التي خلقتها، تقوم الحكومات التي وقعت اتفاقية باريس وتتعهد بمحاربة التغير المناخي بتبديد الأموال العامة من اجل دعم تلك الشركات على شكل اعانات حكومية. ومعظم حكومات العالم تصرف على الوقود الاحفوري مبالغ تفوق بكثير ما تنفقه على بدائل الطاقة المتجددة.
وتقوم هذه الشركات الان بفرض واقع بان أي اجراء لمعالجة التغير المناخي يجب ان يكون من خلالها وتقديم آلية السوق والحلول التي تستند على السوق كأفضل وسيلة لمعالجة التغير المناخي، أي الترويج لما يسمى ب “الرأسمالية الخضراء”. وهي تروج لفكرة ان بعض التعديلات في طريقة العمل التي تستند على السوق وبعض الاستثمارات التي تتعقب الربح، سوف تحل المشكلة. في وقت تبين بان تغير المناخ هو أكبر دليل على فشل اقتصاد السوق الحر. وتحصل نفس هذه الشركات على مقاعد في المؤتمرات العالمية حول تغير المناخ مما يؤدي الى تمييع المواقف وفتورها.
وتقوم شركات الوقود الاحفوري والبرجوازية بشكل عام، بالتأكيد على الحلول التكنلوجية والحلول الفردية بدلا من تغير هيكلي في عمل شركات الطاقة وعمل الاقتصاد بشكل عام، والترويج لإجراءات تدريجية، لا تضر بنموذج عملها مثل تبني تكنلوجيا خضراء مثل السيارات الكهربائية وتغير المصابيح داخل البيوت وتطوير بضائع وخدمات ” خضراء أكثر”. ومعظم هذه الحلول في الحقيقة هي ليست جدية في معالجة التغير المناخي وتلفت الانتباه عن المسائل الأساسية الى مسائل ثانوية وتجلب الأرباح
ان استخدام الوقود الحيوي هو مثال جيد حول الاعتماد على الحلول التكنلوجية. ففي الوقت الذي استخدم هذا الاجراء لإعطاء انطباع بان هذه الشركات هي صديقة للبيئة وتستخدم مصدر أكثر مستدام للطاقة، تتطلب زراعة مزرعة الوقود الحيوي مساحات واسعة وهي تستخدم كميات هائلة من الأسمدة الكيماوية وقد تقوم الشركات بتخفيض مساحة الغابات والتي تساهم في النهاية في تفاقم المشكلة.
وقد نجحت البرجوازية لحد الان في إرجاء النظر بصورة مجدية في التغير المناخي لعدة عقود، وبينما لا تزال، تعمل صناعة الوقود الاحفوري على تأخير العمل الجدي لمواجهة تغير المناخ والانتقال الى الطاقة المتجددة، ترى قطاعات أخرى من الرأسمال بان هناك ربحا يمكن تحقيقه من الصناعات الخضراء، واصبحت اقسام معينة من البرجوازية التي تهدد أرباحها بسبب تأثير تغير المناخ مثل شركات التامين والاعمال التجارية الزراعية أكثر حساسية وتدعوا الى إجراءات فعالة في هذا المجال، بينما تتسارع دقات الساعة للوصول الى نقطة اللاعودة.