يواجه دانيل هيل البالغ من العمر 33 عاما القضاء في 27 تموز 2021 لتسريبه وثائق حول برنامج الطائرات بدون طيار الامريكي التي تقوم بأعمال قتل عشوائية وغير قانونية وهمجية. لقد تم القاء القبض عليه في أيار من هذه السنة وأقر بالذنب في الحصول ونقل معلومات وطنية دفاعية في انتهاك لقانون التجسس. لقد أقر بالذنب لأن بخلاف ذلك كان يواجه احتمال قضاء خمسين سنة خلف القضبان في حين إن العقوبة القصوى بعد الاقرار بالذنب هي 10 سنوات.
يتم محاكمة هيل لإثباته استمرار برنامج حرب الطائرات المسيرة السري ولفضحه الهجمات التي تنفذ من خلال طائرات بدون طيار التي تقوم بها السي آي أي أيه والجيش الأمريكي وحتى شركات خاصة متعاقدة مع الحكومة الامريكية. لقد وصل عدد القتلى المدنيين من ضربات الطائرات الامريكية بدون طيار الى الالاف، ان لم يكن عشرات الالاف في دول مثل باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال ودول افريقية أخرى واغلبها ليست في حالة حرب مع الولايات المتحدة في انتهاك صارخ للقانون الدولي. لقد كشف هيل بأن في فترة معينة مؤلفة من خمسة أشهر كان 90% من الضحايا الذين قتلوا في الهجمات الجوية من المدنيين او على الأقل لم يكونوا الأهداف المقصودة. كان القتلى المدنيين أحيانا من المارة الأبرياء. ورغم هذا يتم تصنيف القتلى حتى من المدنيين بما فيهم الأطفال كأعداء قتلوا في المعركة. اذ اتخذت إدارة أوباما مجموعة من الإجراءات تسمح بهذه الهجمات بدون التأكد التام من هوية الأشخاص المستهدفين. تضم قائمة بيانات هذه البرنامج معطيات أكثر من مليون شخص بما فيهم حوالي 21000 مواطن امريكي. ويقول هيل ” هناك قوائم لقتل المستهدفين او القبض على “اهداف ذات قيمة عالية” مفترضة وأخرى تهدف الى التهديد او الاكراه او مجرد مراقبة نشاط الشخص”.
افاد مكتب الصحافة الاستقصائية -تي بي أي جي وهي منظمة صحفية مستقلة، على سبيل المثال: انه من يونيو 2004 حتى منتصف سبتمبر 2012، قتلت غارات بطائرات بدون طيار بين 2562 و3325 شخصا في باكستان لوحدها من بينهم ما يقدر ب 176 طفلا. والكثير من هذه العمليات هي ضد اشخاص ليس هناك دليل انهم يشكلون خطرا على امن الولايات المتحدة. تحلق الطائرات بدون طيار 24 ساعة في اليوم في سماء دول معينة. تقوم هذه الطائرات التي تعمل من قواعد القوات الجوية قد تكون في مواقع بعيدة جدا بنشر الرعب في صفوف المدنيين من الرجال والنساء والاطفال في الأماكن التي تنشط فيها الجماعات التي اعتبرتها أمريكا معادية (مثل طالبان والشباب في الصومال) حيث يعيشون في قلق مستمر من إن ضربة قاتلة قد تأتي في أي وقت دون أن يكونوا قادرين على حماية أنفسهم، مما يؤدي الى الإصابة بالقلق والصدمات النفسية والشعور بالعجز. اذ من الممكن ان تقوم هذه الطائرات بدون سابق انذار وفي أي وقت بهجمات، استهدفت في السابق منازل ومركبات وتجمعات مدنية بما فيها جموع من الفلاحيين في الحقول والجنازات وحفلات الزفاف. كما ان لجوء القوات الامريكية الى قصف منطقة واحدة عدة مرات وقتل رجال الإنقاذ في حالات معينة تجعل افراد المجتمع غير راغبين في مساعدة الضحايا المصابين ويتفادوا التجمع في مجموعات لأي سبب ويختار بعض الإباء إبقاء أطفالهم في المنزل وحتى تفادي الذهاب الى المدرسة. تستخدم هذه الطائرات ذخيرة فتاكة جدا بحيث ان الكثير من الناجين من ضربات الطائرات بدون طيار يعانون من تشوهات نتيجة حروق وتشوهات مثل فقدان أطراف وفقدان البصر والسمع. وقد علم من مشغلي الطائرات بدون طيار في السابق بأنه ينتهي الامر بهم في النهاية بان يتعاملوا مع عمليات القتل كما لو كانت لعبة فيدو تصبح فيها الأهداف مجرد نقاط سود على الشاشة وخلق حالة نفسية غريبة منفصلة عن الواقع تسهل القيام بما عليهم القيام به. لقد حول هذا البرنامج الإدارة الامريكية وأجهزتها الى مدعي عام وقاضي وجلاد وألغى مبدأ الحق في محاكمة عادلة ويبقى هؤلاء الذين يرتكبون عمليات القتل هذه غير خاضعين للمساءلة.
يحاكم هيل حسب قانون التجسس الذي مرر في عام 1917 والذي يهدف إلى محاكمة أولئك الذين ينقلون أسرار الدولة إلى قوة معادية اي محاسبة الجواسيس، ولكن يستخدم القانون اليوم لملاحقة مسربي المعلومات التي تكشف أكاذيب وجرائم الحكومة الامريكية والذين يبلغون عن مخالفات ضد حقوق الانسان. ان المحاكمة حسب قانون التجسس بحد ذاتها هي محاكمة صورية اذ ليس له الحق في الحديث عن نيته في القيام بما قام به او تقديم أدلته للمحكمة على ان برنامج الطائرات بدون طيار قتل وجرح اعدادا كبيرة من المدنيين بمن فيهم الأطفال.
لقد التحق هيل بالجيش في 2009 كما يقول بدافع اليأس حيث كان في وقتها مشردا ولم يكن له مكان اخر يذهب اليه وكانت القوة الجوية مستعدة لقبوله. لقد تحدث هيل في الفيلم الوثائقي “ناشونال بيرد” عام 2016 عن طفولته الصعبة وكيف أنضم الى الجيش على الرغم من كون الجيش شيء يعارضه. تم تعيينه في قيادة العمليات الخاصة المشتركة في معسكر فورت براغ في كارولينا حيث خضع للتدريب وعمل بعدها في وكالة الامن القومي في أفغانستان كمحلل استخبارات للقوة الجوية الامريكية يحدد اهداف برنامج الطائرات بدون طيار” الدرون” حيث اطلع من خلال عمله على آلاف الهجمات التي قتلت أناس غير مقاتلين ومدنيين. لقد قام في تلك الفترة على اقتناء الوثائق حول هذا البرنامج. ترك سلاح الجو في يوليو 2013 وبعدها وظف من قبل شركة خاصة تعمل كمتعاقد للدفاع تسمى وكالة المخابرات الجغرافية-المكانية الوطنية كمحلل بين ديسمبر2013 وآب 2014. يقول هيل انه قَبِل الوظيفة، لأنها كانت توفر 80 الف دولار سنويا لأنه كان في حاجة ماسة للمال حيث كان يأمل في الالتحاق بالجامعة.
قرر هيل في 2013 اطلاع الجمهور على برنامج الطائرات بدون طيار والانتهاكات والتجاوزات غير القانونية وعمليات القتل العشوائية عن طريق تسريب 17 وثيقة الى الصحفي الاستقصائي جيريمي سكاهيل والتي نشرت في الانتيرسيبت في 15 أكتوبر 2015. في 8 اب 2014 داهم بين 30-50 من عناصر مكتب التحقيقيات الفيدرالي منزله حيث كان هذا اخر يوم له في العمل لصالح الشركة المذكورة. لقد عاش منذ ذلك الوقت في وضع من عدم اليقين بشأن مصيره وعانى من البطالة وأصيب بالاكتئاب وفكر في الانتحار ومع ذلك منع بموجب القانون عن التحدث عن وضعه حتى مع معالج نفسي. في عام 2019 قامت إدارة ترامب باتهام هيل بأربع تهم بانتهاك قانون التجسس وتهمة واحدة بسرقة ممتلكات حكومية.
لقد أجبرتْ وزارة العدل التابعة لإدارة بايدن، هالي في 31 مارس على الاعتراف بالذنب في احدى جرائم انتهاك قانون التجسس واعترف هيل كجزء من صفقة الإقرار وهو محتجز في مركز احتجاز البالغين بالإسكندرية في فرجينيا ، في انتظار المحاكمة في 27 يوليو / تموز.
وقد قامت الحكومة بالتكتم على هذه القضية. مثل كل القضايا المماثلة، يقوم معظم الاعلام المأجور في أفضل الأحيان بالتواطؤ مع الحكومة وتفادي تغطية القضية، لذا يعرف القليل من الأمريكيين أي شيء عنها.
ان الذي قام به هيل هو دليل بانه لا يمكن اسكات البشرية فرغم كل الخوف الذي زرعته السلطة الامريكية في قلوب كل من يود الإبلاغ على تجاوزاتها، لازال هناك أناس لهم ضمير حي مستعدين على التضحية بكل شيء من أجل خير البشرية.
لقد تضمن ما قام به هيل وعي بخطأ ما يقترف من جرائم وضرورة فصل صفه، عن الحكومة الامريكية واجهزتها وعن شجاعة عالية للوقوف في وجه آلة قمع هائلة. كما تضمن درجة عالية من التضحية اذ كان على دراية بمصير جوليان اسانج وبقية المبلغين ومسربي الوثائق، وضحى هيل بحياته المهنية وحياة مرفهة وبأمنه وبحريته من اجل تحذير الامريكيين والعالم عن الجرائم التي ترتكبها الحكومة الامريكية وأجهزتها من خلال برنامج الطائرات بدون طيار.
ان استخدام قانون التجسس لمعاقبة المبلغين عن جرائم شنيعة ضد الانسان مثل تشيلسي مانينغ، وجيفري ستيرلنغ وتوماس دريك وادوارد سنودن وجون كرياكو هو دليل على خواء الديمقراطية الامريكية وتعفن هذه الامبراطورية حيث لم يعد باستطاعتها إخفاء جرائمها إلا من خلال كم الأفواه وملاحقة كاشفي الجرائم.