ماذا يعني نية تفجير مقام السيدة زينب؟!

همام الهمام
حتى لو أعلنت الإدارة السورية اعتقال جماعة تنتمي إلى داعش كانت تنوي تفجير مقام السيدة زينب في سوريا، فهذا لا يعني أن السيناريو قد أُغلق وانتهت إمكانية حدوثه. بل إن التطرق إلى حدث كهذا أمر بالغ الأهمية. وكما يُقال: “التجربة تُعلّم الإنسان”. نحن في العراق شهدنا وعرفنا تمامًا ماذا يعني تفجير مرقد مقدس بالنسبة للشيعة. ففي 22 فبراير/شباط 2006، جرى تفجير مرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء، ليُفتح بذلك فصل جديد من تاريخ العراق المعاصر.
مع الأيام الأولى للتفجير، اندلعت موجة من الخطابات الطائفية، وتحرّكت الميليشيات الشيعية والسنية على حدٍّ سواء لخطف وقتل العراقيين على الهوية، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء بلا ذنب. كان الهدف من ذلك ترسيخ الطائفية كجزء من الهوية العراقية، وتمكين الأحزاب الإسلامية من تمثيل طوائفها والتفاوض باسمها. وانتهى الأمر بجلوس هذه الأحزاب على طاولة الحوار الوطني لتقاسم السلطة، وفق سيناريو “الفوضى الخلاقة” الذي أشار إليه آنذاك تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا
المنطقة اليوم مختلفة عن عقدين مضيا، ولكن وكما يقول علم التحقيق: “إذا أردت أن تعرف من الفاعل، فعليك معرفة المستفيد”. هنا نجد قوتين أساسيتين تستفيدان من إذكاء الطائفية في سوريا: إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
• إسرائيل:
لدى إسرائيل مصلحة مباشرة في تقسيم سوريا. فهي لا تريد دولة كبيرة ذات إرث قومي قوي على حدودها، لأن ما لا يُعدّ خطرًا اليوم قد يصبح تهديدًا في الغد. وفي ظل معارضة الولايات المتحدة ودول المنطقة لفكرة تقسيم سوريا، يبدو أن تكتيك الحرب الطائفية والتطاحن الداخلي يخدم استراتيجيتها لإضعاف الدولة السورية.
• الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
إيران، بخبرتها الطويلة في إدارة الفوضى (كما شهدنا في العراق ولبنان)، تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية في سوريا. وفق تقرير نشرته صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، أنفقت إيران منذ عام 2012 أكثر من 50 مليار دولار لدعم النظام السوري، شملت رواتب عسكريين، مساعدات نفطية، واستثمارات داخلية. هذه الأموال لن تتركها إيران تتبخر، لذا فإن سلاح الطائفية والاقتتال الداخلي هو خيارها الوحيد لخلق منطقة نفوذ جديدة تحافظ من خلالها على مصالحها في سوريا.
الخاتمة:
عرضنا هذه المعطيات لنصل إلى نتيجة واضحة: بينما تتصارع القوى العالمية في سوريا لبسط نفوذها، وتتنافس القوى الإقليمية بمشاريعها، يغيب تمامًا مشروع إنقاذ الإنسان السوري. عانى السوريون من بطش القوميين على يد البعث، ومن بطش الإسلاميين بمختلف تنظيماتهم.
يمكننا القول إن سوريا، من دون مشروع علماني يعيد تعريف الإنسان فيها على أساس هويته الإنسانية لا الدينية أو القومية، محكومة بالمأساة. عقارب الساعة لا تنتظر، وما لم تتكاتف القوى المدنية والعلمانية لتقديم مشروع بديل يمثل الشعب السوري التوّاق إلى الحرية والكرامة والأمان، فإن السيناريو الأسود في سوريا قابل للتكرار.
على القوى الإنسانية في العراق، المنطقة، والعالم أن تدعم هذا التيار المدني وتُقويه، لأن إنقاذ السوريين يبدأ من مشروع يُعلي الإنسان فوق كل الهويات الأخرى.
٢٠٢٥/١/١١