بحث في تفاصيل التغير المناخي!
الجزء السابع.
يجب ان يكون واضحا بان التغيّر المناخي هو أكبر تحدي يواجه البشرية في هذا القرن، ومن منظور العلوم الفيزيائية، الحد من الاحترار العالمي الناجم عن نشاط الإنسان إلى مستوى محدد يتطلب الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية، والوصول على الاقل إلى اجمالي الصفر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع تخفيضات كبيرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأخرى في أسرع وقت. ونعرف ماذا يجب ان نقوم به من اجل خفض الانبعاثات. وللبشرية المعرفة والأدوات للقيام بذلك، ولكن العائق هو النظام الرأسمالي.
ان الحل الحقيقي للتغير المناخي وكل اشكال تدمير البيئة الاخرى مثل النفايات التي تفوق قدرة الكوكب لاحتوائها، واستخدام المواد الكيماوية التي تسمم التربة ومصادر الغذاء والماء والاستغلال المفرط للمصادر الطبيعية وتدمير المواطن الاصلية للكثير من الحيوانات والحشرات والصيد المفرط للثروة المائية وللحيوانات وخاصة المهددة بالانقراض وتدمير النباتات الطبيعية مثل الغابات الاستوائية وغيرها هو في تجاوز الرأسمالية كنظام.
ان الإنتاج من اجل الربح وتراكم الرأسمال والنمو الاقتصادي المركب التي لا تعرف النهاية، والتي هي المحرك الرئيسي للنظام الرأسمالي وضرورية لإدامة هذا النظام، لا تتماشى مع المحافظة على الطبيعة التي يعتمد عليها الانسان. ان التناقض بين نمط الانتاج الرأسمالي والحاجة الى المحافظة على البيئة والعيش بشكل مستدام هو تناقض غير قابل للحل. لا يمكن للرأسمالية ان تعيش في وئام مع الكوكب. فما دامت الرأسمالية تحكم سيستمر تدمير البيئة، فهو نظام يستغل الطبيعة بقدر استغلاله للإنسان.
طالما كانت الرأسمالية هي النمط المهيمن للإنتاج الاقتصادي في العالم، فان جميع محاولات مكافحة تغير المناخ بجدية ستكون غير مجدية. ان تدمير الكوكب مربح للغاية والطبقة الرأسمالية لن تتوقف من تدمير الكوكب بحد ذاتها ولن تجبرهم الحكومات على التوقف عن القيام بذلك لأنها في خدمة هذه الطبقة الرأسمالية
لايزال المجتمع العالمي في حالة انكار لحجم الكارثة الوشيكة. لا يتمثل الهدف في خلق سلع مادية او المشاركة في استدامة طويلة الاجل بل في تحقيق أرباح خاصة من خلال تداول السلع.
لن يكون بإمكان النظام الرأسمالي معالجة الكثير من المشاكل حتى إذا تمكنا من احتواء الاحتباس الحراري دون درجة الحرارة التي تشكل كارثة بيئية. ولهذا في الامد المتوسط والبعيد، لكي تظل الحياة على الأرض مستدامة، وان نتفادى الازمات الاقتصادية والصحية وخطر حرب كارثية، بل لتفادي حتى انهيارًا اقتصاديا واجتماعيًا وبيئيًا، فإن الخيار الوحيد الذي امام البشرية، هو أن نضع حداً للنظام الرأسمالي الحالي. ان المزيد من تدخل الدولة، وسن القوانين وتنظيم عمل القطاع الخاص او اقامة رأسمالية الدولة لا يزيل دافع الربح من الاقتصاد ولا يزيل الحاجة الى نمو غير متناهي التي هي سبب تدمير الطبيعة.
لأنهاء التضاد بين النظام الرأسمالي والطبيعة يجب القيام بالثورة الاشتراكية وبناء المجتمع الاشتراكي، اي بناء نظام انتاج مبني على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج، والتدخل المباشر للجماهير في ادارة نفسها والعدالة والمساواة الاجتماعية وتوزيع المصادر بشكل عادل وكفء وتكون الحاجة وليس الربح ما يوجه القرار الجماعي، ويقرر المنتجون بشكل جماعي ما يحتاجون اليه للعيش بشكل مستدام وهارموني مع الطبيعة. ويعتبر التخطيط في الانتاج مثله مثل العدالة الاجتماعية امر حيوي لتحقيق الاستدامة. ان توجيه الإنتاج لتلبية الاحتياجات الاجتماعية مثل الغذاء والملبس والرعاية الصحية والتعليم والترفيه الذي لا يستند على الاستهلاك الجنوني بدلا من الربح هو امر حيوي، اذ لن تكون هناك حاجة في ظل هذا النظام الى نمو لا نهاية له كما هو الحال في ظل النظام الرأسمالي بنسخة السوق الحر او رأسمالية الدولة على كوكب له موارد محدودة. يجب ان تكون الاستدامة البيئية احدى ركائز النظام الاجتماعي الجديد. يجب وضع حد للمنافسة الشرسة التي هي من متطلبات النجاح في ظل النظام الرأسمالي، اذ ان التعاون هو ما سيمكن البشرية من مواجهة التغير المناخي وتدمير البيئة بشكل فعال.
من مصلحة الطبقة العاملة بالذات النضال من اجل نمط انتاج جديد، ليس من اجل القضاء على عدم المساواة وعبودية العمل المأجور فحسب، بل من اجل تفادي انهيار بيئي الذي سيضر بها بشكل اساسي. يجب ان يكون النضال بشأن التغير المناخي ميدان رئيسي للصراع الطبقي وجزء اساسي من النضال لإنهاء الرأسمالية. ان الظروف المادية موجودة لإقامة المجتمع الاشتراكي. ان اعداد متزايدة خاصة من الأجيال الجديدة بدأوا يعون هذه الحقيقية.
ولكن مع هذا، يجب ان لا نؤجل العمل على التغير المناخي الى حين قيام الثورة الاشتراكية، حيث ليس هناك بوادر ثورة عمالية في الافق. هناك امكانية للحد من التغير المناخي بشكل كبير في ظل النظام الرأسمالي. وبإمكان البشرية حتى في ظل الرأسمالية خفض الانبعاثات الى اجمالي الصفر والتخلي عن الوقود الاحفوري. من وجهة نظر التكنولوجيا والاقتصاد يمكن تحقيق هذا الهدف. ليس هناك شيء بنيوي في النظام الرأسمالي يجبره على الاعتماد على الوقود الاحفوري. لكن هذا لن يحدث دون نضال مرير وفوري لان مصالح الكثير من الشركات العملاقة وكبار الرأسماليين تكمن في الاستمرار في حرق الوقود الاحفوري.
يجب ان يكون واضحا بانه إذا تركت الرأسمالية لوحدها سوف تستمر في تدمير ظروف الحياة على هذا الكوكب حتى فوات الاوان. مادام كان حافز الربح هو محرك الاقتصاد ومادام كانت السلطة السياسية خانعة لمصالح الرأسماليين والشركات الاحتكارية، سوف يكون هناك سعي للتأخير والمماطلة للتعامل مع المناخ وتفادي القوانين ولن يحدد سلوك البشر ما هو مستدام، بل ما يدر الارباح، فمنطق وحاجة الاقتصاد الرأسمالي تأخذ الأسبقية. لذا رأينا مثلا بعد أيام من دعوة الرئيس الأمريكي الى مواجهة التغير المناخي في مؤتمر كلاسكو، يطلب من منظمة الأوبك زيادة انتاج النفط للحد من ارتفاع الأسعار. ولنفس السبب نجد بان انتاج النفط والغاز والفحم العالمي تزدهر وتصل الى مستويات جديدة بعد تضائل تأثير الوباء على الاقتصاد.
يجب العمل حالا والنضال من اجل كل اصلاح وقانون يساهم في محاربة التغير المناخي مهما كان صغيرا وسلوك كل الوسائل النضالية التي تحشد أكبر عدد من الجماهير من اجل العمل المناخي في خضم النضال من اجل انهاء النظام. للأسف لم يعد لنا المزيد من الوقت. كل الانجازات التي حدثت في ظل الرأسمالية فرضت على هذا النظام من خلال نضالات مريرة، نفس الشيء سينطبق على محاربة التغير المناخي. الإبقاء على احترار دون 1.5 والتي هي سيئة ولكن يمكن التعيش معها يحتاج الى تغير هائل في النظام الاقتصادي. يتوجب على يطرأ على الاقتصاد تغيرات هيكلية ويجب ان يطرأ على نمط الحياة تحول جذري للغاية على مدى 20-30 عاما القادمة وهي مهمة صعبة جدا ولهذا تحتاج الى نضال جرئ وفوري. يجب ان يتم حشد كل الطاقات واجبار السلطات للقيام بإجراءات طارئة كما يحدث عندما تكون الدول في وضع الحرب. يجب ان لا نقبل بالحجج التي تقول بان هذا الاجراء او ذاك سوف يعرض الاقتصاد للخطر او سيكلف الكثير. على المدى الطويل عدم التصرف هو أغلى الخيارات فالتأخير يجعل المشكلة أكثر غلاء وأكثر صعوبة للمعالجة. كما يجب ان لا تعتمد الحلول على الية السوق. ان الية السوق هي غير فعالة في معالجة التغير المناخي مثل الكثير من المسائل الأخرى.
ليس هناك حل واحد سحري لمواجهة التغير المناخي في ظل الرأسمالية، ولكن يجب ان يكون تقليل الاستهلاك بالإضافة الى الابتعاد عن الوقود الاحفوري أمور أساسية لتحقيق اجمالي الصفر من الانبعاثات في غضون عقد.