ما الهدف السياسي وراء ضجيج “عاشوراء والاربعينية” هذا العام؟
انهم يكذبون إنّْ تحدثوا عن إن زيارة الحسين، هي من أجل الحسين نفسه! في المجتمع الكربلائي والعراقي هناك عشرات القضايا التاريخية التي اندثرت، فما الذي يجعل هذه الظاهرة وهذه القضية باقية حتى اليوم وتزداد انتعاشاً يوماً بعد اخر؟! من المؤكد ان لقسم من الطبقة البرجوازية الحاكمة مصلحة في الابقاء عليها، ولهذا تنفق المليارات من الدولارات في وضع يمر المجتمع بفقر مدقع، وتوظف عشرات القنوات الفضائية لبث آلاف الساعات من “البرامج الحسينية” والطائفية تخصص الكوادر التي تعتاش من هذا العمل الخ. فبالإضافة الى الاهداف العامة التي تتعقبها الطبقة البرجوازية الحاكمة في بقاء الدين في المجتمع، ان الزيارة الاربعينية التي جرت كانت تتعقب هدف معين ومحدد.
هدف أساسي….
الزيارة الاربعينية هذا العالم تختلف عن سابقاتها من الأعوام الماضية، من حيث الضجيج والصخب الاعلامي أو الحشد الاجتماعي الواسع وكذلك من حيث الابتكارات الجديدة، ومنها مسرحيات مشاركة المسيحيين والسنة (لأنه الحسين يتعلق بالإنسان وليس طائفة!!) وجلب طقوس وممارسات من الهند او غيرها. فها هو الحكيم يجلب المنشد الطائفي المقيت “باسم الكربلائي” لينث سمومه الطائفية ويبذخ عليه بالأموال الطائلة من اجل تنظيم مراسيم عزاء يرفع رصيده السياسي المتهالك، والمالكي يلتقي زوار الحسين، والعامري يقدم الشاي للزوار، والخزعلي وعبد المهدي ورجالات المالكي ترفعوا عن الشاي و”القيمة”، بل راحو يوزعوا النقود على طوابير من الفقراء في استعراض حقير وغيرهم. تسابقوا هذه المرة بشكل خاص للمشاركة في هذه المراسيم التي استغرقت اسابيع اوقفوا بها عجلات المجتمع ككل، هذا ان ابقوا له أية عجلات!
ان زيارة الاربعين هي نموذج صارخ للرياء والكذب والنفاق. فالقتلة والمجرمون واللصوص والسراق وناهبو الثروات الخرافية من المجتمع وعديمو الضمير، المخضبة ايديهم بدماء مئات الالاف من الابرياء والعزل، يتسابقون نواحا وكذباً على “مقتل الحسين وعائلته” في صراعه من أجل السلطة والحكم. يتسابقون على در الدموع الكاذبة بوصفهم جزء من هذا الشارع “المليوني” وجزء من “مصيبة” هذا الشارع!
ليس هذا وحسب، بل كذبوا ايضاً وتحدثوا عن تأجيل صراعاتهم على السلطة والحكم وتشكيل الحكومة وكل شيء لما بعد زيارة الاربعينية… يا للورع والتقوى..!! انهم في الحقيقة، وبرياء مكشوف، يغطون على ازمتهم وعلى افتقاد الحلول ويسعون لالتقاط الانفاس بعد ان انهكهم تفجر الامور في المنطقة الخضراء وبلوغ الصراع “الصدري – الاطاري” لحدود دموية كان من الممكن ان لا تكون هناك رجعة منها.
أن الهدف الذي تتعقبه زيارة الاربعين في هذا العام، وهو ما تشترك به كل قوى الاسلام السياسي في العراق الا وهو رد الماء لوجه الاسلام السياسي والطائفية. لقد تعرض الاسلام السياسي في العراق ورموزه وشخصياته وقواه السياسية الى هجمة سياسية واجتماعية واسعة على صعيد المجتمع بالأخص في انتفاضة تشرين. تعرض الاسلام السياسي والطائفية الى نبذ اجتماعي واسع، بل حاربتهما جماهير العراق واحرقت مقرات قواه وقنصليات ومكاتب ولي نعمتهم، الجمهورية الاسلامية في ايران. رأى الاسلام السياسي في هذه المناسبة، زيارة الاربعين، فرصة ثمينة ولا تقدر بثمن لرد ماء الوجه ولإعادة مكانتهم في المجتمع وبدء دورة اخرى من ايهام الجماهير وادامة سلطته وعمره الكالح على المجتمع. اذ تعلم هذه القوى المليشياتية المتكالبة في العراق على السلطة والحكم ونهب الثروات ان ليس بوسعهم ادامة عمرها دون ايديولوجية، دون هذه الاوهام والخداع، دون ابقاء هذا الفرن “حامي” على حد قول العراقيين.
من جهة اخرى، سعى جناح منه (الاطاري-الايراني) الى تسعير الخطاب الطائفي مرة اخرى. ان اناشيد الرادود باسم الكربلائي، الذي التقاه فالح الفياض بعد ايام من فعلته السمجة والتافهة تلك، هي نموذج بارز على ذلك. انه يهدف الى اعادة “رص الصف الشيعي”، والمعنى العملي لذلك هو توحيد او بالأحرى اعادة الصدر للاطار التنسيقي وللخندق الشيعي، وهذا لن يأتي الا عبر الهجوم على الطرف الاخر، السنة، وعبر مفاهيم وتأجيج مقولات بالية من مثل “الصحابة-العصابة”. بيد ان هذا التكتيك قد فشل فشلاً ذريعاً في مسعاه على صعيد اجتماعي واسع. بحيث إن الجماهير لم تبلع هذا الطعم هذه المرة، بل ازدردته، لرثاثته ورثاثة أصحابه.
وما ربط (صفاء أبن ثنوة) !
سار البعض من التشرينيين، بعض الجماهير الغاضبة والساخطة على هذه السلطة في تلك المسيرات الحاشدة نحو كربلاء، ولكن ميّزوا انفسهم برفع صور صفاء ابن ثنوة، بوصفه رمز لانتفاضة تشرين. انهم يسعون الى قرن “ثورة تشرين” بـ”ثورة الحسين” بوصفهما ثورات ضد الظلم والفساد والخ. لندع جانباً ان ما يسمى بـ”ثورة الحسين” ليس له اي ربط من قريب أو بعيد بثورة. انه صراع من اجل السلطة، وكأي صراع انتهى بمقتل الحسين وافراد عائلته، لا اكثر ولا اقل. ولهذا ليس له اي صلة بانتفاضة الجماهير في تشرين من اجل الحرية والمساواة. لو وضعنا الكذب والرياء والتملق جانباً، الجميع يعرف حق المعرفة ان صفاء والمئات من امثال صفاء وريهام وغيرهم …. قد قتلوا على أيدي “حملة راية الحسين” اليوم وأولياء نعمتهم في إيران، والأخيرة من أجل هذا الهدف قد جيشتْ الملايين ودفعت بهم نحو كربلاء بشكل مبرمج لنفس هذه الأهداف والغايات.
ليس في حمل راية تحمل صورة صفاء اي احترام لصفاء نفسه ولا احترام لرفاقه المضحين بأنفسهم من أجل ان نيل المعيشة والحقوق والخدمات وغيرها، انها اهانة بحقهم وبحق تشرين ودوس سافر على تشرين وهدية مجانية لحملة راية الحسين اليوم في العراق.
ليست راية صفاء وتشرين ذات صلة بذلك التاريخ والقضية القديمة. بل ان راية تشرين اليوم هي بالضد من تلك الراية التي ترفعها كل قوى الاسلام السياسي في العراق اليوم مع اختلاف توجهاتها. انها راية من اجل ادامة عمر سلطتهم ونهبهم واجرامهم وهي راية تختلف عن راية الاغلبية الساحقة المتعطشة للحرية والرفاه والتي نثرت الدماء بعد الدماء من أجلها.
ان راية تشرين 2019 والتشرينيات القادمة هما رايات أخرى، رايات المحرومين والكادحين والمسحوقين، رايات الملايين. ان اي ربط اليوم بين كلا الرايتين هو أما وهم أو تعامل مغرض وانتهازي ومخادع ومرائي يهدف الى تقوية الاسلام السياسي وممثليه في السلطة باختلاف تياراته المتصارعة. ولهذا، فان على التشرينيين المقبلين ان يفصلوا الصف عن مثل هؤلاء “التشرينيين” الانتهازيين! فلسنا بحاجة لراية اخرى غير راية مطالبنا المتمثلة بالعمل، ضمان البطالة، قطع يد الفساد، تقديم قتلة شباب وشابات تشرين للعدالة، مصادرة اموال الفاسدين وتقديمهم للعدالة واجمالاً ازاحة مجمل هذه السلطة، اي “كلهم يعني كلهم” و….الخ.