
عقد مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة يوم الاثنين 17 تشرين الثاني جلسته، وصوّت على قرار بـ 13 صوتاً مؤيداً وصوتين ممتنعين، تأييداً وترحيباً بـ”الخطة ذات العشرين بنداً” لدونالد ترامب (“الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة”) التي قُدّمت في 29 أيلول، وصادق عليه.
يؤكد هذا القرار على إنشاء هيئة باسم “هيئة السلام” برئاسة ترامب، كإدارة انتقالية ذات مهام شاملة، ومن بينها إعادة إعمار غزة، السيطرة على إيصال المساعدات وجميع البرامج الاقتصادية و…، وتمارس السيادة على غزة. من المقرّر أن تتولى “لجنة تكنوقراط” فلسطينية تحت إشراف “هيئة السلام” الإدارة اليومية وتقديم الخدمات في قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، يتم إنشاء “قوة دولية للتثبيت” (ISE) تحت قيادة موحّدة وتحت إشراف “هيئة السلام”، وتتولّى، بمساعدة الشرطة الفلسطينية، مهمة تأمين الحدود وتثبيت أمن غزة، عبر قناة نزع سلاح غزة وتدمير البنى التحتية العسكرية و…، بالتعاون والتنسيق مع إسرائيل ومصر.
وبحسب القرار، تنسحب القوات الإسرائيلية تدريجياً وبحسب الجدول الزمني لخطة ترامب لنزع السلاح في غزة، من غزة، وطبعاً حتى زوال خطر “الإرهاب”، سيكون لإسرائيل “وجود أمني خارجي”. وطبقاً لهذا القرار، عندما تنفّذ “السلطة الفلسطينية” برنامج “إصلاحاتها” كما جاء في خطة ترامب بنجاح كامل، قد يُفتح الطريق أمام إدارتها مجدداً في غزة. بالإضافة إلى ذلك، بعد التنفيذ الكامل لـ”الإصلاحات” و”تقدّم إعادة الإعمار”، قد تُهيَّأ الظروف لمسار “موثوق” نحو تحوّل فلسطين إلى دولة.
وبهذا القرار لمجلس الأمن، لم يضع فقط ختم التأكيد رسمياً على الإبادة الجماعية لجماهير فلسطين، بل منح منفّذي هذه الإبادة والجرائم وسام “دعاة السلام” وإمكانية ممارسة السيادة على ضحاياهم. إن هذا القرار لطخة كالحة في سجل مجلس الأمن المليء بالجرائم وأعضائه.
لقد ألغى مجلس الأمن رسمياً حق سيادة الجماهير والقوى الفلسطينية على مصير قطاع غزة، وعلّق حق امتلاك دولة فلسطينية والاعتراف بها ورهنها بمستقبل مجهول. وباسم نزع سلاح غزة وجميع القوى الفلسطينية، سلب من جماهير فلسطين حق الدفاع عن نفسها أمام جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي. وضع مجلس الأمن ختم الإرهاب على كل مقاومة ضد جرائم دولة إسرائيل، ومنح شرعية كاملة لاحتلال فلسطين من قبل جيش إسرائيل الإرهابي باسم “حتى زوال خطر الإرهاب” و”حفظ أمن إسرائيل”. وفي المقابل، التزم صمتاً مطلقاً أمام حق جماهير فلسطين في الدفاع عن نفسها وحفظ أمنها أمام جرائم جيش إسرائيل ومرتزقة إسرائيل وأمريكا العسكريين وضمان ذلك.
ولم يكن حبر القرار الذي أعطى للحكومة الفاشية في إسرائيل شيكاً على بياض لمواصلة قتل جماهير فلسطين قد جف، حتى أعلن نتنياهو وبلطجية حكومته أنهم لن يقبلوا حتى بالوعد الفارغ الأجوف في القرار بشأن تشكيل دولة فلسطينية.
لم يكتفِ مجلس الأمن بإجلاس منفّذي عامين من القتل والجريمة والوحشية على كرسي “منقذي السلام والأمن”، ولم يطالبهم بأقل تعويض على عامين من تدمير جميع البنى الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والطبية في غزة، بل ضمن لهم أكبر صفقة اقتصادية مع البنك الدولي والمؤسسات المالية والشركات الخاصة باسم “إعادة إعمار غزة”. وإذا كانت حياة جماهير فلسطين الفقيرة في قطاع غزة تعتمد حتى الأمس على المساعدات “الإنسانية” الشحيحة من المجرمين الجالسين في البيت الأبيض أو قصور الرئاسة في الغرب أو مشايخ السعودية وقطر و…، فبعد قرار مجلس الأمن وإعادة إعمار غزة بمساعدة البنك الدولي، سيصبح خضوعهم الكامل والدائم للبرجوازية العالمية أمراً محتوماً.
وقد وضع مجلس الأمن بهذا القرار ختم التأييد على هذه الحقيقة: أن هذه المؤسسة لا تملك على جدول أعمالها شيئاً سوى حفظ مصالح الرجعية العالمية. وأظهر أن الاتفاقيات والالتزامات والقوانين الدولية ليست سوى أوراق متهرئة لتصفية الحسابات بين القوى العالمية. وأظهر أن الأمن والكرامة والإنسانية والحق والحرية مجرد كلمات فارغة لتغطية صفقاتهم الداخلية. وأظهر أن مجلس الأمن هو مجلس الفاعلين الأساسيين لانعدام الأمن في العالم، وعنصر الحرب والبلطجة والعسكرة الحاكمة على حياة البشر، وانعدام الحقوق والفقر لمليارات البشر على وجه الأرض.
إن قرار مجلس الأمن هو نتيجة مقايضات وصفقات حفنة من الدول الفاسدة والرجعية، من أمريكا وإسرائيل والسعودية إلى الصين وروسيا ومصر وتركيا. وهو إعلان رسمي لهذه الحقيقة: طالما كانت حياة البشرية بيد هؤلاء المجرمين والمافيا الدولية، فلن يكون هناك أي خبر عن السعادة والرفاه والأمن والحرية والكرامة الإنسانية. وإن العالم بدون وجود هذا النادي الإجرامي سيكون أكثر أمناً وإنسانية بكثير.
لا شك أن هذا القرار لا يخلق أي خلل في إرادة الطبقة العاملة الواعية في كل أنحاء العالم وفي عزم البشرية المتمدنة والمدافعة عن السلام والأمن التي تعترض منذ أكثر من عامين على الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ليس هذا وحسب، بل يجعل ضرورة تحرّك عالمي منسّق وأقوى ضد هذه الرجعية من الدولة الفاشية الإسرائيلية إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة و…—أكثر حيوية. يجب أن يُهدم الجحيم الذي بنته البرجوازية لمليارات البشر على هذا الكوكب فوق رؤوسها.
إن حركة الدفاع عن جماهير فلسطين، التي باتت الطبقة العاملة تلعب فيها دوراً بارزاً اليوم، هي المدافع الحقيقي الوحيد عن جماهير فلسطين. لقد اكتسبت هذه الحركة خلال عامين من النضال تجارب ثمينة، وأصبحت أكثر صلابة وقوة. ليست خطة “السلام” الدموية لترامب ومجلس الأمن أمراً جديداً لهذه الحركة. ولا شك أن طريق إنهاء الإبادة الجماعية وطريق جعل داعمي إسرائيل في مجلس الأمن يندمون، هو تعزيز وتوسيع حركة الدفاع العالمية عن جماهير فلسطين وتوسيع دور الطبقة العاملة الواعية فيها وتوظيف قدرات هذه الحركة وقدرات الطبقة العاملة العالمية لكبح إسرائيل وشركائها. ان الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)، كعضو في هذه الحركة التحررية، يدعو جميع المنظمات والناشطين العماليين إلى بذل جهد شامل للدفاع عن جماهير فلسطين.
الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)
19 تشرين الثاني 2025


