محرقة عرس الحمدانية شاهد دامغ وآخر على تفسخ الدولة
قد كشفت مأساة محرقة عرس الحمدانية، مرة اخرى واخرى، عن ضياع اي شكل من اشكال الدولة، بل وعدم وجودها. هذه الحقيقة التي يرددها الناس في كل مكان في العراق، اضطر عضو في البرلمان العراقي عن محافظة الموصل اجرت قناة الشرقية مقابلة معه الادلاء بنفس التصريح مستشهدا بامثلة عديدة عن عدم وجود دولة. اذا كان عضو في البرلمان يصرح بان لا دولة لدينا، فلم كل هذا الضجيج عن انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات؟ّ! ولكن هذا ليس موضوعنا.
تعطينا تجربة ” الدولة” في العراق نموذجا جديدا للدولة ما بعد 2003. نعرف في الادب الماركسي، ان الطبقة الرأسمالية تشتري السياسيين، وتجعل منهم ابواقها، وفي خدمتها، وفي خندق الدفاع عن مصالحها. الا ان في العراق، اصبحت الطبقة الرأسمالية هي نفسها وذاتها الطبقة السياسية. الدولة هي طبقة الرأسماليين السياسيين الحاكمين، او بالعكس السياسيين الذين اغتنوا وخلقوا رساميلا بفعل وجودهم في مواقع في الدولة اصبحوا هم الطبقة الرأسمالية. الذين حولوا مصادر الدولة والمجتمع الى غنائم شخصية لهم ولمجاميعهم التي يطلقون عليها الاحزاب السياسية، مسترشدين بشرع ديني: المال السائب لا صاحب له!
ولكن اي كانت الايديولوجية التي يهتدون بها ارضية او “سماوية”، النتيجة واحدة. فالشكل الجديد لعلاقة الدولة بالمجتمع تحولت الى علاقة زبائنية، علاقة بيع وشراء، بين المواطنين واصحاب السلطة. بين الاحزاب السياسية الحاكمة ذات القدرات المالية والعسكرية والتي لها موقع على رأس السلطة وبين المواطن الذي لا يملك اي دعم او سند لتمشية امور حياته. تبيع الاحزاب المسلحة المتواجدة في السلطة الحماية وتوفرها مقابل تقديم الولاء والانتماء لمن يريد بيعها. تتمثل الحماية بالحصول على معاش من عمل تعطيه هذه الجهة السياسية المسلحة، او الحماية لامان الاشخاص/ الزبائن. وتتمثل اعمال الولاء بقيام المواطن/ الزبون، بوظائف حزبية او سياسية، عسكرية، دعاية اعلامية، امنية وارهابية، او كل هذه الوظائف مجتمعة. فالحديث عن علاقة مواطنة وحقوق مواطنة كلام فارغ وبدون اي محتوى.
انه شكل جديد من اشكال الدولة، والتي هي اللادولة، واللاقانون. فالكلام عن دولة تقف فوق الجميع، وتطبق القانون على الجميع، والجميع هم مواطنو ومواطنات البلاد، يخضعون لقانون البلاد، هو كذب وخدعة تريد المنظمات الدولية العاملة في العراق تصديقه.
من مصلحة هذه الاحزاب تحطيم اي شكل من اشكال الدولة من اجل جمع النار لخبزتها. لا يهمها الدولة، ولا البرلمان، ولا القانون، بل يهمها توسيع امبراطورياتها المالية وتقوية ترسانتها العسكرية وتوسيع مواقف نفوذها، وارعاب الدولة، والحكومة، والقضاء. ان رئيس الحكومة هو ذاته، شخص يرتعد خوفا امام الاطراف التي تتشكل منها حكومته نفسها. انه لا يستطيع الا ان يقوم بعمل واحد لاغير: هو التوقيع والبصمة على ما يريدون، والا مصيره فقدان الحماية وفرصة العيش. ان رئيس الحكومة هو ذاته زبون لدى هذه القوى الميلشياتية المسلحة، لا يملك الا ان يستجيب لها، والنماذج لا تعد ولا تحصى، وكان اخرها وليس اخيرها، هو تاسيس شركة المهندس، وعقد اتفاق مع شركة اوكرانية نكرة بل واجرامية من اجل استخراج الغاز في العراق. للتفاصيل يمكن مشاهدة اليوتيوبر الدكتور الناصر دريد. يتحول رئيس الوزراء الى بوق، مثل الذي سبقه، صاحب دولة القانون، الذي على ايديه، لم ينفذ اي قانون.
هذه الاحزاب في السلطة، لا تريد تأسيس دولة، بل تحطيم الدولة. فشكل الدولة الذي ينسجم وتحقيق مصالحها هو عبر تشكيل دولة الدويلات. كلنا كنا نعرف بان الاحزاب السياسية تمتلك مكاتب سياسية لصياغة سياساتها واستراتيجياتها، وكلنا نعرف ان لديها لجان مالية من اجل تمويل نشاطات الحزب. لكن في العراق اصبحت المكاتب الاقتصادية لاحزاب السلطة الحاكمة، لها ثقل يوازي ان لم يزيد على المكاتب السياسية في احزابها. فالمال يشتري لهم السلطة، ويشتري لهم الولاء، والسلاح، وتخضع السياسة لسياساتهم واستراتيجياتهم في توسيع امبراطورياتهم المالية.
في ظل اقتصاد ريعي، يؤمن الناس معيشتهم كما يقولون “بالشافعات”، وتزداد فيه البطالة، وخاصة بين الشباب، ويرتفع عدد الناس التي تعيش تحت خط الفقر، وفي دولة لا ضمان ولا حماية اجتماعية للافراد، يصبح اللجوء الى احزاب السلطة المسلحة هو سبيل حل امام هؤلاء المواطنين.
تغيير هذا الوضع يحتاج الى وعي هذه الحقائق بالدرجة الاساس، والناس لحسن الحظ، بما فيهم الذين انضموا لهذه الاحزاب، يعون ويعرفون تماما ماذا يفعلون. فالعديد منهم لا يؤمن لا بعقيدة ولا بسياسة تلك الأحزاب يسعون من اجل الحصول على بعض المنافع والحماية في حال تعرضهم الى اي خطر في هذا البلد الذي يعيش قانون الغاب. والنقطة الثانية، من يعي هذه الحقائق، يجب ان يتقدم خطوة للامام، ويقوم بعمل، ويوحد جهودة مع جهود الاخرين من اجل التغيير. تحرريو و مساواتيو المجتمع وضعوا على عاتقهم هذه المهمة. بقاء هذه السلطة يعني: سقوط العشرات والمئات بل والالاف، بحرب طائفية، او بحفلات زفاف، او بسبب قيام مواطن عادي بتغيير جنسه.