يجري أمام أنظارنا هذه الأيام حدثان مختلفان، يعبران عن عالمين مختلفين. احداهما وقوع الطفل ريان ذي الخمس سنوات في قاع بئر بعمق ثلاثين مترا في المغرب العربي، والآخر الجولات الدبلوماسية والعسكرية حول ما يسمى بالأزمة الأوكرانية بين الغرب وروسيا. الحدث الأول، شغلت اخباره العالم بأجمعه عن مصير طفل برئ ويُراقب عملية اخراجه حيا بكل الوسائل الممكنة ومشاعر القلق تجاه حياته وانقاذه سليما وان تفرح معه عائلته وان تستمر حياته مثل باقي الاطفال في منطقته…ان تعاطف العالم الإنساني مع الطفل ريان وعائلته نابعة عن عمق الإنسانية لحياة ومعيشة البشر، ونابعة من تطلعات البشرية نحو عالم أفضل؛ عالم يسوده الأمان والحرية والرفاه وعالم المساوات التامة بين البشر. ان في قضية الطفل رايان لا يشغل العالم أي شيء عن قومية أو أثنية او دين عائلته ولا يهم الاختلاف في الثقافات وتقاليد المنطقة في قضية خروجه حيا وعدم الإشارة الى أي نوع عن الدولة او اللغة او الدين التي تؤمن عائلته بها او على الأقل منطقته، بل كل ما يشغل العالم الان حياته و وسلامته وانهاء معاناته داخل البئر العميق المميت! ان حياة طفل مهما يكن عمره ومهما تكن لغته وثقافته فانه موضع قلق البشرية جميعا لإنهاء معاناته واخراجه حيا… وان ترقّب الناس في انحاء العالم حول اخبار اخراجه من عمق البئر دليل عن شعور الانسان عالم الإنسانية، العالم الخالي من الحروب والقتل ومعاناة ومأساة … والحدث الاخر حول قضية أوكرانيا والتعبئة العسكرية والتهديدات الحربية بين روسيا من طرف والغرب والناتو بقيادة أمريكا من طرف اخر، تعبر عن عالم اخر، عالم عدم الاستقرار وعالم تهدد حياة ومعيشة ملايين البشرية لا لشيء وانما من اجل توسيع نفوذ وسيطرة احدهم على الاخر من اجل امتصاص دماء العمال والكادحين حول كيفية تراكم ثرواتهم وتوسيع ممتلكاتهم… ان في احداث التهديدات حول أوكرانيا لكلا الطرفين، لا يهم ماذا يحل بمصير مئات الملايين من البشرية جراء هذا الصراع او احتمالية اندلاع الحروب بينهما والتي قد تصل الى احراق الكرة الأرضية كاملة بالأسلحة النووية؛ او في ابسط حالاتها قتل الاف البشر وتشريد الملايين وزيادة معاناة البشر في المنطقة والتي أصلا تحت عبء المعاناة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحت حكم الطبقة البرجوازية والاغنياء طوال عقود مديدة…ان كل هذه التهديدات لا تنت بصلة عن الدفاع عن مصير الإنسانية وتحسين معيشتها ولا صلة لها عن الوقوف بوجه الشر من قبل الخيرين وانما تعبر عن الصراع بين اللصوص من اجل اغتنام وتقسيم العالم بينهم حسب امكاناتهم المالية والعسكرية… ولا يهم من اجل هذا كم عدد من البشر قد يكون ضحية لصراعاتهم وكم من البشر قد ينزح من أماكنهم وكم طفل قد يكون مصيره محطما وكم من اماني قد تخفي تحت الأرض و…الخ. وان هذا العالم هو عالم الأغنياء والرأسماليين والطبقة البورجوازية برمتها، عالم بلا رحمة وعالم لا تسود فيه الا الحروب والقتل والمعاناة وان البشرية يجب ان تدفع ثمن حياتها من اجل حفنة طفيلية والتي لا تزيد خمسة بالمئة من المجتمع البشري ولكن تملك ما نسبته خمس وتسعين بالمئة من ثروات العالم. ان هذين المشهدين يعبران عن عالمين مختلفين ويعبران عن مصالح طبقتين مختلفتين، والصراعات بينهما حتمية ومستمرة احد أوجه هذا الصراع: الطبقة البورجوازية تحاول بكل الطرق الممكنة ان تحافظ على سلطتها وامتيازاتها وثرواتها حتى وان كان بفناء ملايين البشر كما راينا في حروبهم العالمية الأولى والثانية وحروبهم الإقليمية في فيتنام وكوريا وامريكا اللاتينية وفي قلب أوروبا الحضارية يوغسلافيا القديمة وكوسوفو وفي الشرق سورية واليمن وليبيا والعراق … والأخر الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والتي لا مصلحة له ببقاء هذا النظام الرأسمالي العالمي وتناضل من اجل عالم الأفضل للبشرية تسوده الحرية والكرامة والمساواة بين البشر جميعا والسلام والسعادة للإنسانية … نحن يخفق قلبنا مع الطفل ريان وامثاله ونتمنى ان يكون (صاغ وسليم) وان ينجُ من هذه المحنة وان يكون جميع الأطفال في العالم ان يعيشوا طفولتهم بعيدا عن العنف والمعاناة وبعيدا عن التهديدات العسكرية وعدم دفع الأطفال وعائلاتهم الى مخيمات اللاجئين والعيش تحت معاناة الفقر والحرمان و ان يكون بعيدا عن أي حرمان… هذا هو عالمنا وهذا هو شعورنا تجاه الإنسانية.
أشترك معنا ليصلكم اخر التحديثات
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
الهجمة المرتدة والمضادة للنساء ما بعد الانتفاضةنوفمبر 1, 2024