مقابلة (الى الأمام) مع سمير عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي حول المؤتمر السابع للحزب
الى الأمام: كيف تقيمون المؤتمر السابع للحزب الذي انعقد في بغداد بتاريخ ١٠ أيار من هذا العام، بعد عامين فقط أو أكثر بقليل من انعقاد المؤتمر السادس المنعقد في كانون الثاني من عام ٢٠٢٢، وما هو التغيير الذي حصل؟
سمير عادل: انعقاد المؤتمرات في حياة الأحزاب السياسية، يعدّ أمراً روتينياً. بالنسبة لحزبنا هو كذلك، إذ يجب الحفاظ على عقد مؤتمرات الحزب حسب النظام الداخلي كل سنتين الى جانب الانتظام في عقد اجتماعات اللجنة المركزية، ويعكس استمرارية الدينامية وترسيخ جميع المؤسسات الحزبية وتقوية التقاليد والأصول الحزبية في الحياة الداخلية للحزب. وكان هذا واحد من أولويات القيادة بعد المؤتمر السادس، التي نجحنا في تحقيقها الى حد ما. إنَّ تقييمنا للمؤتمر هو إيجابي على جميع الصعد، وقد عبر الاجتماع ٤٣ للجنة المركزية المنعقد مباشرة بعد المؤتمر عن ذلك التقييم.
الى الأمام: هل يعني هذا أنَّ هناك تقييم إيجابي لمسيرة الحزب خلال السنتين المنصرمتين؟
سمير عادل: تحدثت عن تقييم المؤتمر بحد ذاته بأنه إيجابي؛ على الصعيد الوثائق السياسية المقدمة الى المؤتمر وشرعية انتخابات المندوبين وتلقي رسائل وبرقيات تضامنية من أحزاب ومنظمات سياسية وعمالية على الصعيد المحلي والعالمي، بالإضافة إلى المداخلات والمناقشات التي ساهمت في إغناء الوثائق وسيادة الأجواء الحماسية في المؤتمر والاستعداد الكبير من قبل المندوبين للترشيح الى اللجنة المركزية لتحمل المسؤوليات. أمًا عن سؤالك بما يتعلق بمسيرة الحزب، فليس هناك تقييم إيجابي وتقييم سلبي، هناك معيار واحد بالنسبة للشيوعية، أو رواية ماركس التي عبر عنها منصور حكمت عن الشيوعية، وهي الشيوعية تعني التغيير. ولذلك تقييمنا لمسيرة الحزب من خلال هذه الزاوية وهذا المعيار. لقد قيم المؤتمر محطات نضالية من حياة الحزب بشكل إيجابي، وأشار التقرير السياسي المقدم الى المؤتمر السابع بأن هناك تقدم نسبي في العديد من الميادين. ويمكن سرد بعض المعطيات التي تشير الى ذلك، فمثلا ارتفاع عدد المندوبين في هذا المؤتمر بنسبة ٢٩٪ عن المؤتمر السادس و٥٤٪ من المندوبين من جيل الذي شارك في انتفاضة تشرين و٢٩٪ من نشطاء وفعالي وقادة عمال، كذلك تم بناء مؤسسات حزبية لم تكن موجودة قبل المؤتمر السادس، وظهور الحزب بقيافته السياسية بشكل نسبي في قضايا مختلفة، وبروز الحزب كخط ماركسي وشيوعي متمايز في المجتمع.. الخ، الى أنَّ كل ذلك وحسب المعيار الذي وضعنا لأنفسنا، لم يستطع الحزب تحويل الشيوعية الى قوة مادية في المجتمع. صحيح أنَّ هناك اتساع وقبول للحزب، وهناك إصغاء لخطاب الحزب وتوسع قاعدة التأييد لسياساته وانتشار الحزب في أقسام اجتماعية مختلفة في المجتمع، ولكن هل تحول الحزب الى خيار سياسي بالنسبة للطبقة العاملة ولعموم الجماهير الكادحة والتحررية في المجتمع؟ الجواب لا. نحن كما عبرنا عنه في كلمة الافتتاحية للمؤتمر وفي التقرير السياسي، إنَّ تقييمنا لمسيرة الحزب ليست حاصل جمع جبري للفعاليات، وإذا وضعنا هذا المعيار فالحزب الشيوعي العمالي العراقي أكثر من أي حزب موجود في العراق ودون أية مبالغة، له فعاليات ونشاطات مختلفة، ولكن السؤال المطروح بالنسبة لنا كشيوعيين أين نحن من المعادلة السياسية؟ وطرحناه على شكل سؤال، هل الشيوعية ممكنة في العراق؟ وقد كان جدول أعمال المؤتمر وجلسات المؤتمر والقرارات التي تمخضت عنها يحمل الجواب على هذا السؤال بإشكال مختلفة، ولكن بمحتوى واحد. وكان هناك انسجام سياسي واضح حول إمكانية تحول الشيوعية الى راية مادية للحركة الاعتراضية والاحتجاجية ضد كل أشكال الظلم الطبقي والسياسي والاجتماعي التي تعرض لها الجماهير في العراق، راية ملموسة تدخل المعادلات السياسية في المجتمع.
الى الأمام: ما هي المعوقات في تحول الحزب الى قوة مادية ملموسة وجزء من المعادلة السياسية الذي كان من أولويات وتوجه المؤتمر السابع؟
سمير عادل: المسألة الأولى هي انتشال الشيوعية كمنظومة فكرية وسياسية واجتماعية من تراكمات تقاليد البرجوازية الصغيرة واليسار اللاجتماعي بشكل عام. علينا إعادة الشيوعية الى مكانها الأصلي ونحن شرعنا بها، ولكن ما زلنا في بداية الطريق وهذه خطوة مهمة. أي إعادة الشيوعية كتحزب وكذلك فكر ماركس كونها عقيدة تحرر الطبقة العاملة، ويعني أنَّ تحررها لا يكون دون تحرر المجتمع. إذن فلا معنى للشيوعية دون تقدم الحركة العمالية ونضالاتها المستقلة وصفها المستقل ومطالبها المستقلة، وينبغي على الشيوعية أن تتواجد في قلب الحركة اعتراضية في المجتمع، في الصفوف الأمامية لنضالات الطبقة العاملة، تقوم بتسليحها بأفاق نضالية واضحة وتكون جسر لتلاحم الطبقة العاملة ووحدة صفها وأداة في تحقيق المطالب الاقتصادية وتساهم في اقتدار الطبقة العاملة على الصعيد السياسي. فالشيوعية تستند على طبقتها، واي شيء غير ذلك فهو لا ينتمي إلى رواية ماركس ولا رواية منصور حكمت ولا روايتنا للشيوعية العمالية. لا معنى للشيوعية إذا كانت النساء يرزحن تحت نير الاستعباد والأفكار المتخلفة والتقاليد الرجعية التي تفرضها القوى الإسلامية، على النساء الشعور بالاقتدار ومكانتهن، وعلى الشيوعية لعب هذا الدور في المواجهة الاجتماعية مع هذه القوى التي حضرت أرواحها من كهوف العصر الحجري بحراب الغزو والاحتلال، وفرضت على المجتمع. الشيوعية تعني إعادة المدنية والتحضر والحريات السياسية للمجتمع، الشيوعية تعني تمزيق كل الهويات الزائفة لمسخ الهوية الإنسانية كالهوية الطائفية والقومية والجنسية والعرقية وتعريف الإنسان بالهوية الإنسانية والتعامل معه على أساس المواطنة. أي في نهاية المطاف يجب أن تتحول الشيوعية الى راية الحركة التحررية والثورية في المجتمع دون أية رتوش، وتتحول الى صمام أمان للجماهير العمالية والكادحة في العراق في تحقيق مجتمع الحرية والمساواة.
المسالة الثانية تتعلق بوعينا وإدراكنا لحقانية الشيوعية، واستغل هذه المناسبة لطرح سؤال على كل الشيوعيين، حتى على الذين لا ينتمون الى حزبنا، لماذا الشيوعية التي تعني إعادة الاعتبار والكرامة والقيمة للإنسان، ليس لديها حقانية في المجتمع، بينما كل أولئك اللصوص والفاسدين والمجرمين في العملية السياسية التي رفضتها جماهير انتفاضة أكتوبر وفي ثلاث انتخابات متتالية ــ حيث قاطعتها بنسبة أكثر من ٨٢٪ ــ تحاول إنتاج نفسها بألف طريقة وطريقة، وتسعى لفرض بدائلها من جديد على المجتمع. في منهجنا ليس هناك إنسان جبان وإنسان شجاع، بل هناك إنسان مؤمن بقضيته بوعي، فيناضل من اجل تحقيق أهدافه بكل جسارة، وآخر لا يؤمن، فنراه يختلق عشرات الذرائع والحجج مثل قوله بأنَّ الوقت ليس وقت الشيوعية، وأنَّ المجتمع العراقي متخلف، أو أنَّه غير ناضج.. الخ من هذه التصورات الضحلة التي تساق للتنصل من العمل الشيوعي ولمجرد تحويل الشيوعية الى كاريكاتور أكاديمي للنخب (المثقفة) التي تتحسر على وجود من يصغي لهم ولنرجسيتهم، فنجدهم ينهالون على المجتمع بالسب والشتم ووصفه بالتخلف والرجعية للتكفير عن تقاعسها بالانخراط في العمل الشيوعي. ولا ترتبط شيوعية هذه النخب بأيَّة صلة بالتغيير، ولا بماركس ولينين. إذا أدركنا هذه الحقانية، عندئذ من الممكن تحول الشيوعية الى أداة فعالة للتغيير الاجتماعي.
إنَّ المسالتين المشار إليهما من المسائل الجوهرية في فهمنا للعمل الشيوعي، وعليه وعلى هذه الأسس يجب أنَّ يتحول الحزب إلى راية التغيير الاجتماعي الكلي في المجتمع على أساس هذا الفهم للشيوعية. وإذا كانت هذين المسالتين راسخة لدينا، عندئذ فإنَّ جميع المسائل الأخرى بالإمكان حلها، مثل استعداد القيادة بأقسامها المكتب سياسي واللجنة المركزية وعشرات الكوادر لرفع راية الشيوعية على الصعيد العملي كما أشرنا، وأيضا إعداد صف واسع من الكوادر المتسلحين بالماركسية والشيوعية العمالية، وتشكيل عشرات اللجان الشيوعية في المصانع والمعامل والجامعات والمحلات، وتنظيم الجماهير بإشكال مختلفة بالمنظمات الجماهيرية المتنوعة من العمال والنساء والطلبة والشباب.. الخ، وامتلاك إعلام عصري ومواكب للتطورات التكنلوجية.. الخ.
الى الأمام: ما هي الكلمة الأخيرة التي تريد توجيهها بعد هذا المؤتمر؟
سمير عادل: إنَّ العراق أمام منعطف سياسي واجتماعي كبير، وعلينا ادراك ذلك، فالطبقة البرجوازية المتمثلة بالسلطة المليشياتية بأحزابها الإسلامية والقوى القومية معها، تحاول فرض كل القوانين القروسطية على المجتمع، وتحويل العراق الى مزرعة للعبيد عبر عشرات القوانين والقرارات مثل التهديد بإصدار قانون للحد من حرية التعبير وكذلك الاعتداء على الآخرين تحت مسمى “المحتوى الهابط” وقانون “مكافحة البغاء والمثلية” وما يسمى “بالجندر” ومسودة قانون لقمع الحريات النقابية وقرارات بمعاقبة أي شخص لنيل من شخصيات الدولة والتوقيع على عدم التعليق على أي منشور او ابداء راي سياسي في شبكات التواصل الاجتماعي مثلما جاء في التوجيهات الأخيرة لوزارة التربية لمنسبيها ..الخ، وفي الوقت ذاته ، هناك أرضية اجتماعية نقف عليها، وهي ما منحتنا إياها انتفاضة أكتوبر، وهي خلق جيل جديد يتوق الى التغيير، جيل مزق الهوية الطائفية، جيل جسور وله جرأة، فضلا على نهوض الطبقة العاملة واتساع احتجاجاتها وتحديها للمليشيات التي هي أداة للأحزاب السلطة، طبقة بدأت تدافع عن جميع مصالح المجتمع مثل ما حدث في إحباط المادة ٤٢ التي جاءت في مسودة قانون الموازنة، وكان فحواها رفع سعر برميل النفط من الموازنة من قبل تظاهرات عمال المصافي المدن الجنوبية.
إنَّنا وعبر ثلاث بلاغات وجهها المؤتمر السابع الى الطبقة العاملة والنساء وجماهير العراق، بأن أي تغيير لن يحدث في حياتهم دون إزاحة هذه السلطة، إنَّ الحديث عن إصلاح هذا النظام ليس أكثر من خدعة، و الحديث عن الحرية والرفاه والمساواة في ظل هذه السلطة بكل مكوناتها هو نشر الأوهام في صفوف الجماهير لإحباط عزيمتها وثلم إرادتها الثورية بالتغيير، إنَّ الحزب الشيوعي العمالي العراقي هو أداة هذا التغيير ويقف في الصفوف الأمامية في الخندق النضالي للطبقة العاملة وجماهير العراق، ولن يدخر جهدا بدفع المجتمع نحو منعطف اليسار، والمؤتمر السابع هو خطوة مفصلية في حياة الحزب للعب هذا الدور. إنَّنا ندعو جميع الشيوعيين والاشتراكيين والتحررين والثوريين والذين يشاطرون أهدافنا وهي النضال من أجل الحرية والمساواة، الالتفاف حول راية الحزب.