على ضوء مناقشات الاجتماع الاعتيادي ٣٩ للجنة المركزية المنعقد في بداية حزيران
الى الامام: لقد عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعها الاعتيادي ٣٩ قبل ايام، وكان موضوع الوضع السياسي في العراق وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا أحد المحاور الرئيسية في جدول أعمال الاجتماع، هل بالإمكان التحدث عن تلك التداعيات؟
سمير عادل: ستصدر خلال الايام القادمة ورقة مفصلة عن الاجتماع الاعتيادي ٣٩ للجنة المركزية حول الوضع السياسي في العراق وبديل الحزب على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي . فيما يخص سؤالكم فأن ما تم مناقشته واتخاذ السياسات اللازمة تجاهه هي تداعيات الازمة الاوكرانية على الوضع السياسي في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص. ويمكن ذكر المعطيات المادية لتلك التداعيات في المنطقة منها اعادة انتشار الجيش الروسي في سورية وانسحاب العديد من قواته وزجها في الحرب الروسية في أوكرانيا وهذا ما شأنه ادى الى تموضع القوات الايرانية والمليشيات التابعة لها مكانها، وأدت هذه الخطوة الى تحرك اردني واسع ضد هذا التموضع الجديد حيث اشار بكل وضوح ملك الاردن ان ملئ الفراغ من قبل القوات الايرانية والمليشيات التابعة لها بعد انسحاب القوات الروسية يشكل خطر علينا. وفي نفس السياق ان الولايات المتحدة الامريكية، قد قررت سابقا الانسحاب من المنطقة والتركيز على احتواء الصين، لكن مع اندلاع الحرب في اوكرانيا، وجدت العديد من حلفائها في العالم لا يرضخون لسياساتها ومنهم حلفائها في المنطقة مثل السعودية والإمارات التي لم توافق أي منهما على زيادة إنتاج النفط لإلحاق الضرر بروسيا من جهة وتخفيض أسعار الطاقة من جهة اخرى جراء العقوبات الغربية على روسيا، واكثر من ذلك ذهبت السعودية في بيع النفط الى الصين بالعملة المحلية الصينية اليوان. لذلك نجد ان الولايات المتحدة الامريكية ارجأت انسحابها، وكان قرارها بالاستثمار في مناطق نفوذها العسكري في الشمال السوري دلالة العدول عن انسحابها على الأقل خلال الفترة المنظورة لعدم إعطاء الفرصة لتمدد منافسيها مثل روسيا وإيران والصين، وهي محاولة لإعادة الثقة بهيبتها ومكانتها في المنطقة وكسب ثقة حلفائها من جديد، وخاصة بدأت ايران بفرض شروطها على مجلس الأمن حول ملفها النووي وعدم رضوخها للضغوط الغربية الامريكية، حيث تستغل ارتفاع أسعار الطاقة في العالم جراء تلك الحرب وتعي بأن امريكا في هذه المرحلة غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية لها ولا من قبل حليفتها إسرائيل. وفي نفس السياق ايضا جددت تركيا دعوتها بالمطالبة بالمنطقة الامنة في الشمال السوري بعمق ٣٠ كلم وتعد لحملة عسكرية جديدة، وهي جزء من سياسة ابتزاز الغرب بعد طلب السويد وفنلندا الانضمام الى حلف الناتو. إن عنوان هذه المرحلة برأينا هو بدء العد التنازلي لهيمنة عالم القطب الواحد أي بدء مرحلة تلاشي عالم الهيمنة الامريكية. طبعا هناك امثلة اخرى على فرط عقد الهيمنة الامريكية مثل عدم رضوخ البرازيل والمكسيك والهند والصين ودول اخرى لفرض العقوبات على روسيا او ادانة حربها في الأمم المتحدة. هذه الاوضاع برمتها تؤثر عاجلا او اجلا على الوضع السياسي في العراق.
الى الامام: هل يعني أن حالة الركود والانسداد السياسي ستطوي صفحتها في العراق كما يصفها المراقبون؟
سمير عادل: ان حالة الركود السياسي او الانسداد السياسي هو ان القوى القومية والطائفية والاسلامية المحلية في العراق في حالة انتظار. ان الجميع في العملية السياسية تراقب ما ستتمخض عنها نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا. فالمعروف ان هذه القوى مرتبطة بأشكال مختلفة بالقوى الاقليمية والدولية. وأن كفة المعادلة في الصراع الروسي مع الناتو في أوكرانيا ستحدد وستؤثر على المعادلة السياسية في العراق. ولذلك أن حالة الركود والانسداد السياسي بعيد عن الجعجعات الاعلامية لجميع الأطراف والمزايدات السياسية والتهويل من الفراغ الدستوري الذي اشبعونا به والفراغ الحكومي …الخ من تلك الترهات الدعائية هي انعكاس الى انعدام الافق السياسي وعدم وضوح رؤية أي من تلك الأطراف. فهي لا تملك اي خيار في اتخاذ أي قرار سواء كان بالمضي نحو اعادة تشكيل حكومة على اساس المحاصصة او على اساس الاغلبية او الذهاب الى انتخابات مبكرة كما يدعون او بشن حرب اهلية تعمل لحسم مسألة السلطة السياسية لطرف الجماعات الموالية لإيران او جماعة الصدر الموالية لأمريكا وحلفائها العرب. ولذلك هي اختارت الانتظار وتمديد الوقت الضائع الى اجل غير مسمى. وليس استقالة نواب الصدر من البرلمان إلا انعكاس لانعدام الافق امام القوى البرجوازية المتصارعة على السلطة السياسية واشتداد أزمتها السياسية. لقد تحدثنا في مقال منفصل عن هذا الموضوع يمكن الاطلاع عليه (ورطة الصدر في مأزق العملية السياسية).
الى الامام: لماذا ليس بالإمكان تشكيل حكومة مثل سابقتها، اي حكومة محاصصة، وادامة البرجوازية لسلطتها كما كانت في السابق؟ وهل هناك صحوة ضمير عند التيار الصدري فلذلك يطالب بتشكيل حكومة اغلبية كي تنهي حالة الفساد ؟
سمير عادل: حكومة الاغلبية لا تنهي منظومة الفساد، وان نفس التيار الصدري من الوزراء واصحاب المناصب الخاصة واعضاء البرلمان غارقين بالفساد إسوة بأقرانهم في العملية السياسية، ومن يعتقد أن تشكيل ما يسمى بحكومة الاغلبية يعني القضاء على الفساد فهو قرر ان يخدع نفسه بمحض ارادته. ان من يسمون أنفسهم بالليبراليين والديمقراطيين واصحاب المنظرين للكتلة التاريخية الذي لا يرون اكثر من وقع أقدامهم هم من يعتقدون ويروجون أن حكومة الأغلبية التي هي نتاج نفس العملية السياسية ستقضي على الفساد وتنقل العراق الى بر الامان.
ان الموضوعة الاصلية هي ان نظام المحاصصة السياسية في العراق وصل الى نهايته. إن انتفاضة أكتوبر غيرت من المعادلة السياسية، وان جناح الصدر على قناعة ان السلطة البرجوازية لا يمكنها ادامة نفسها بالطريقة القديمة. فمعطيات الانتخابات الأخيرة كشفت وقد تحدثنا عنها في مكان اخر ان التيار الصدري الذي فاز بالأغلبية قد خسر من جماهيره اكثر من ٧٠٪ مقارنة بانتخابات ايار عام ٢٠١٨. طبعا اضافة الى ارتفاع نسبة المقاطعة إلى أكثر من ٨٢٪ مقارنة بالانتخابات السابقة. وهذا يعني ان تشكيل حكومة بنفس الطريقة السابقة أي على أساس المحاصصة ستصل بالسلطة البرجوازية القائمة الى المجهول. ويضاف الى ذلك عامل اخر، وهو على الصعيد الإقليمي فأن العراق عقد اتفاقيات اقتصادية وسياسية مع السعودية والامارات ومصر والاردن، وان تلك الدول تضغط على العراق كي يكون له نظام سياسي مستقر وله رأس واحد وليس عدة رؤوس لإنجاح تلك الاتفاقيات. ان التيار الصدري وحلفائه من العروبيين المعروفين (عرب السنة) والحزب الديمقراطي الكردستاني هم جزء أساسي لهذا المشروع الذي بدأته حكومة الكاظمي أي ربط العراق بما يسمى المحيط العربي المدعوم امريكيا واسرائيليا. أن مقولات مثل الانسداد السياسي او الركود السياسي مقولات المثقفين والمحللين السياسيين الذين لا يملكون شيء اخر في التحليل سوى ابتكار المقولات واطلاقها هنا وهناك. بالنسبة الى الاطار التنسيقي او الجماعات الاسلامية ومليشياتها الموالية لإيران ليس من مصلحتها تشكيل حكومة الاغلبية والتي تعني اقصائها ووضع سيناريو لقص أجنحتها رويدا رويدا. فحكومة الكاظمي بالنسبة لها أفضل من تشكيل حكومة تؤدي بهم الى المجهول. أما بالنسبة للتيار الصدري وحلفائه فحكومة الكاظمي منبثقة ومدعومة من التيار الصدري واستمرارها هي استمرار لتحقيق مصالحها. اي ان جميع الاطراف ليست على عجلة من تشكيل الحكومة.
الى الامام: مع تحليل الوضع السياسي تحدثتم عن مكانة الحركات الاحتجاجية، هل لك التحدث عن العلاقة بين الاثنين؟
سمير عادل: كما أشرت قبل قليل ان انتفاضة اكتوبر أنهت مرحلة سياسية، ودشنت مرحلة سياسية جديدة، وأولها وهي عدم قدرة البرجوازية ومليشياتها في العراق ادامة سلطتها بالطريقة القديمة. وكان رد الفعل الثاني للجماهير عندما لم تصل الانتفاضة الى تحقيق اهدافها، جاء تجاه الوضع السياسي وتجاه كل القوى في العملية السياسية هو بالمقاطعة الكبيرة للانتخابات كما ذكرنا. اما رد الفعل الثالث هو استمرار المقاومة عبر الاحتجاجات الجماهيرية في القطاعات المختلفة مثل عمال الكهرباء والاجور وعمال الحفر في القطاع النفط في البصرة وعمال تنمية الاقاليم والمحاضرين والعاطلين عن العمل وأصحاب الاحتياجات الخاصة..الخ. لقد اغلقت قبل ايام ابواب الشركات النفطية في البصرة من قبل العاطلين عن العمل احتجاجا على البطالة والمطالبة بتوفير فرصة عمل. هناك سخط اجتماعي وغضب جماهيري ضد هذه القوى السياسية الفاسدة وضد سلطتها، ضد نهبها وسرقتها. أن تداعيات الحرب الاوكرانية التي ادت الى ارتفاع الاسعار الطاقة عالميا وبالتالي ادى الى ارتفاع اسعار مقومات المعيشة ووباء كورونا إلى جانب سياسات الحكومة الاقتصادية لإنقاذ سلطتها الجائرة وتحميلها على كاهل العمال والموظفين والكادحين أدت الى تفاقم الوضع الاقتصادي للجماهير. ولذلك ان هذه الحركات الاحتجاجية بحاجة الى توحيدها وتنظيمها وتسليحها بآفاق سياسية واضحة والتوضيح لنشطائها وقادتها بأن لا حلول منتظرة من هذه السلطة ولا من قواها السياسية. لقد أعطت لهذ القوى فرصة مدتها ما يقارب عقدين ولم تقدم اي شيء سوى نهبها بشكل صارخ للمجتمع. فآن الأوان لها بالرحيل. ان الحركة الاحتجاجية في العراق هي الوحيدة القادرة على نقل المجتمع العراقي الى بر الامان والحرية والرفاه، الا انها بحاجة الى قيادة وبحاجة الى سياسة واضحة تعبد الطريق امامها نحو الخلاص من هذه الاوضاع.
الى الامام: ما دور الحزب الشيوعي العمالي في هذا الميدان؟
سمير عادل: قبل كل شيء يجب الاشارة بأن العملية السياسية وكل القوى السياسية التي تشارك فيها اساس كل بلاء ومصائب جماهير العراق من الافقار والعوز وفقدان الأمان وانعدام الخدمات وغياب المستقبل ودفعها إلى طريق مجهول. فعليها الرحيل وقد قالت الجماهير كلمتها سواء في انتفاضة اكتوبر او في الانتخابات او ادامة احتجاجاتها والتي لم تتوقف يوما. على الحزب الشيوعي العمالي العراقي ان يكون الصوت المعبر للجماهير عن قول كلمة (لا) للسلطة المليشياتية البرجوازية. لا لحكمها ولا لقوانينها ولا لبرلمانها، ولا لفسادها ونهبها، ولا لجرائمها. على الحزب تسليح هذه الحركات بقول (لا). لقد تطرقنا الى دور الحزب وبشكل مسهب، ان هذه الحركات الاحتجاجية لا يمكن المضي قدما لتحقيق أهدافها النهائية دون تقوية التيار الاشتراكي والاخير مرتبط بالحزب ووجوده والوقوف في خندقها الأمامي. على الحزب الظهور كقوة معارضة اولى لهذه السلطة البرجوازية المليشياتية الفاسدة، عليها الظهور بكامل قيافته السياسية والشرح والتوضيح بصبر وتأني لألاعيب التيارات البرجوازية، من انتخاباتها وتشريع قوانينها ودعايتها وشعاراتها الكاذبة وبرامجها الاقتصادية المعادية حد النخاع لمصالح العمال وعموم محرومي المجتمع، وتقديم برنامج اقتصادي وسياسي كبديل لبرامج الحكومة الاقتصادية التي تؤدي الى إفقار الجماهير. على الحزب الشيوعي العمالي ادامة نقده وفضح العملية السياسية وخاصة نقد شيوع التصور عن البرلمانية وان الاخير يمكن حل مشاكل العراق. على الحزب توضيح لا حلول كما اشرنا تأتي للحد من الافقار وتوفير التعليم اللائق والسكن الملائم والصحة وفرص عمل من هذه العملية السياسية والسلطة المنبثقة منها. على كوادر الحزب وشخصياته الظهور بين الجماهير وفي صلب الحركات الاحتجاجية في نقد الفئوية والمصالح الضيقة وتفويت الفرصة على السلطة وتياراتها بدق اسفين في صفوف الحركات الاحتجاجية. على الحزب الشيوعي العمالي وعي هذه المرحلة الحساسة ويكون بمستوى متطلبات هذه الحركة الاحتجاجية والتعبير عن مصالح الجماهير. لقد قطعنا شوطا في هذا المضمار وقيم الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية عمل الحزب بشكل ايجابي وخلال الفترة المنصرمة ما بين انعقاد المؤتمر السادس في منتصف كانون الأول من هذا العام والاجتماع المذكور في ٣ حزيران ٢٠٢٢ بيد أن المسالة الاصلية التي ركز عليه التقييم هو على قيادة الحزب المضي قدما إلى الأمام والارتقاء بكل أعماله بما يتطلب حاجات نضال الجماهير العمالية والكادحة في العراق من اجل تحقيق الحرية والمساواة والرفاه.