مقابلة مع سمير عادل سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العاملي العراقي

حول الموقف من الانتخابات البرلمانية
إلى الأمام: أصدر الحزبان الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني بيانًا حددا فيه موقفهما من الانتخابات، مؤيدَين المشاركة فيها، وهي سياسة جديدة نوعاً ما، إذ كان موقفكما السابق هو المقاطعة الدائمة. ما سبب هذا التغيير؟
سمير عادل: أود الإشارة أولًا إلى أننا نؤمن، ويشكّل ذلك جزءًا من مبادئنا، بحرية الجماهير في اختيار ممثليها السياسيين، وندافع عن هذا الحق. بل نذهب أبعد من ذلك، إذ نؤكد أن التمثيل الحقيقي يجب أن يكون قاعديًا، من الأسفل إلى الأعلى، بحيث تختار الجماهير ممثليها بشكل مباشر من أماكن المعيشة والعمل، ثم يصعد الممثلون إلى المستويات الأعلى لاختيار من يمثلهم على صعيد البلاد، وقصدي التمثيل المجالسي. أما البرلمان والبرلمانية، فهما طرح طبقة، البرجوازية، للسلطة ولحكم المجتمع، ونحن لاندير ظهرنا لظاهرة راسخة في الحياة السياسية وفي حكم المجتمع بهذا الشكل.
إننا لسنا متوهمين بالبرلمان، ولا بالعملية الديمقراطية البرجوازية عمومًا، التي تجري كل أربع سنوات، وتمثل الطبقة الحاكم مصالح الرأسماليين وأصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، والذين يسنّون القوانين وفق مصالحهم حصراً. وقد رأينا كيف سارع البرلمان العراقي إلى إقرار عشرات القوانين، بعضها صيغ بطريقة غير دستورية وغير قانونية، مثل “المدوّنة” الأخيرة للأحوال الشخصية، وما يسمى بقانون “مكافحة البغاء والمثلية الجنسية”، ومنح الامتيازات المالية لأعضاء البرلمان وتقييد حرية التعبير وإقرار العطل الطائفية تحت مسمى “المناسبات الدينية”… وغيرها.
بالعودة إلى سؤالك، أود أن أوضح نقطة حول موقفنا السابق هو “المقاطعة الدائمة”. ليس موقفنا ولا موقف الشيوعيين، شيوعيوا ماركس ولينين، هو مقاطعة كل إنتخابات كامر مبدئي أو عقائدي. بل، كاي حزب سياسي حي ينظر الى أي ظاهرة، ومن ضمنها الإنتخابات، ويتخذ قراره وفق ظروف ومعطيات تلك اللحظة. صحيح إننا قاطعنا الانتخابات في أكثر من مرة، ولكن ذلك يعود إلى ظروف وشروط العملية الانتخابية في حينها، علماً اننا في أحد الدورات سجلنا أنفسنا بالمفوضية للمشاركة وأخترنا إسم لقائمتنا، “الحرية والتغيير”، ولهذا، ورغم حدوث هذا مراراً، بيد إن “المقاطعة” ليس قانونا او تقليد لنا!
ولكن هذه المرة، وإبان تدقيق أكبر للموضوع، توصلنا الى إن المبررات التي قاطعنا الانتخابات في وقتها، وهي كلها صحيحة وواقعية، بيد إنها ليست كافية لحرمان أنفسنا والجماهير الداعية للحرية والمساواة من التدخل والاستفادة من هذا المنبر وهذا الحراك الانتخابي من أجل الدفع ببرنامجنا والضغط على القوى والتيارات المليشياتية الحاكمة وفضح هذه القوى وألاعيبها. وجدنا أن سياسة المقاطعة لم تكن فعّالة. فعلى الرغم من أن نسبة المقاطعة تجاوزت ٨٠٪ بحسب تقارير المنظمات الدولية واعتراف عرّابي العملية السياسية أنفسهم في آخر ثلاث دورات انتخابية، فإن المقاطعة لم تمنع الأحزاب القومية والطائفية من صياغة القوانين ضد مصالح الجماهير. بالعكس، فقد استفردت تلك القوى بالبرلمان، مستغلة غياب الأصوات الثورية والتحررية والتقدمية والمدنية والعلمانية، لتسنّ قوانين معادية للعمال والنساء والمحرومين.
ولذلك اتخذنا قرارنا بالمشاركة لتشكيل كتلةٍ، وحتى لو كانت محدودة، تستطيع تعطيل مثل هذه القوانين قدر الإمكان، وتحويل البرلمان إلى منبرٍ لفضح سياسات تلك الأحزاب التي تتفق حولها في الخفاء، وتنفق المليارات كرشاوى لصياغة القوانين التي تخدم مصالحها.
إلى الأمام: لكنكم تؤيدون المشاركة في وقتٍ تشير فيه المؤشرات إلى عزوف جماهيري واسع عن الانتخابات؟
سمير عادل: أولًا، لو كانت سياسة المقاطعة تؤدي إلى أزمة ثورية أو إلى انتفاضة شعبية مثل انتفاضة تشرين- أكتوبر، لكنا بالتأكيد أول من يعلن المقاطعة. لكن الظروف اليوم مختلفة. اليوم نرى أن المشاركة تكتيك سياسي، مثلما هو الحال في إتخاذ موقف المقاطعة سابقًا. نحن لا نتبع المزاج الشعبي، بل نحاول تغييره ورفعه إلى مستوى الوعي السياسي والطبقي. ونتخذ موقفنا وفق ما يخدم مصالح الجماهير ويغيّر ميزان القوى لصالحها.
ثانيًا، مثلما هو معروف إننا لسنا تيارًا شعبويًا. إذ منذ متى كان الشيوعيون يلهثون وراء ردود فعل الجماهير؟ انظر مثلًا إلى الملايين الذين انتخبوا شخصًا مثل دونالد ترامب — هل كانت تلك الملايين واعية فعلًا لمصالحها؟ ترامب يمثّل نموذجًا للجشع والعنصرية والانتهازية والكذب والبلطجة، ويمثل مصالح الملياديرات.
صحيح أن هناك يأسًا من العملية الانتخابية ومن كل النظام السياسي، لكن واجبنا هو إقناع الجماهير العمالية والكادحة والنساء بالمشاركة الفاعلة، ومنح أصواتهم لمن يطرح برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا واضحًا. إذا نجحنا في ذلك، فستتحول الجماهير إلى رقمٍ صعب في المعادلة السياسية، وتصبح حركتها هي من تحدد اتجاه البوصلة عبر ممثليها في البرلمان.
لقد جرّبنا، وجرّبت الجماهير، سياسة المقاطعة دون أن تتحرك أيّ بيادق على رقعة السياسة. هذه المرة كنا نود أن نناشد الجماهير: امنحونا ثقتكم، وسنحوّل البرلمان إلى ساحة صراعٍ سياسيٍ حقيقيٍ من أجل مصالحكم.
إلى الأمام: هل يعني قراركم هذا وجود مؤشرات على انفراجٍ سياسي، أو أن العملية الديمقراطية تسير بخير خلافًا لمن يتحدث عن انقلابٍ سياسي تقوده الولايات المتحدة؟
سمير عادل: لا علاقة بين مشاركتنا في الانتخابات وأيّ “انفراج” سياسي. مشاركتنا قرارٌ تكتيكي صرف، كما أوضحت. إن موقفنا من العملية السياسية وقواها وماهيتها هو واضح ونفسه ولم يطرأ عليه تغييرعلى العكس، أعتقد أن الانتخابات القادمة ستعمّق الأزمة السياسية، وستزيد من حدّة الصراع بين أجنحة الطبقة الحاكمة، كما أن تشكيل الحكومة سيستغرق وقتًا أطول من الفترات السابقة. من الممكن تناول مثل هذه القضايا، “الانفراج السياسي” أو “الانقلاب السياسي” في فرصة أخرى لأنه موضوع واسع ويستلزم الكثير من الكلام.
إلى الأمام: لكنكم في الوقت نفسه لا تشاركون فعليًا في الانتخابات، ومع ذلك لا تعلنون مقاطعتها؟
سمير عادل: صحيح، وقد أوضحنا ذلك في البيان. لم نتمكن من تجاوز المشكلات القانونية والإدارية المرتبطة بتسجيل أسمائنا في المفوضية كطرف مشارك في الانتخابات العملية الانتخابية، لكننا نستغل المناسبة لطرح برنامجنا السياسي أمام الجماهير. نقول لهم: هذا هو مشروعنا، وهذه هي رؤيتنا، ومن واجبكم أن تختاروا من يدافع عن مصالحكم، سواء كنا نحن أو غيرنا من المستقلين أو القوى التقدمية. المهم أن ترتقي الجماهير بوعيها الطبقي والسياسي لتعرف من يمثلها بحق.
اي باختصار ووضوح، طالما لم تبقى أمامنا فرصة للمشاركة، ومثلما عكسه بيان ونداء الحزبين الثاني الموجه للقوائم والكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات والصادر قبل ايام قليلة، سنبحث عن من يمثل هذه الراية وهذه التطلعات الواقعية لجماهير العراق بالحرية والمساواة والرفاه، وسنجلس مع قوى نراها قريبة منا، وفي حالة تبنيهم برنامجنا أو فقرات منه، سندعوا الجماهير لتصويت لتلك القائمة الانتخابية.
إلى الأمام: وماذا عن الإنفاق الهائل للأموال من قبل الأحزاب وشراء الذمم عبر التعيينات وتوزيع الأراضي لاستمالة الناخبين؟
سمير عادل: هذه سِمة النظام الديمقراطي في العراق منذ تأسيسه بعد ٢٠٠٣، ولا جديد في ذلك. لكن هذه الأحزاب لا تستطيع شراء ذمم كل الجماهير. فالمعطيات والنتائج الأخيرة لثلاث دورات انتخابية (٢٠١٨، ٢٠٢١، ٢٠٢٢) تؤكد أن أكثر من ٨٠٪ من الناخبين قاطعوا الانتخابات. وقلة من شاركت وقسم كبير منها جراء اغراءات، بالمناسبة نحن نخاطبها بالقول: من يبيع صوته مقابل فتات من المال الفاسد أو بطانية أو كارت تلفون أو وعد بوظيفه أو…. وغيرها، سيعيش بخبز يومه فقط، ولكنه يبيع مستقبله. هذه الإغراءات ليست حتى مسكّنٍ مؤقت في معيشة الملايين. المطلوب التفكير بالمستقبل لأسرته وبمصير المجتمع برمته. ومن خلال حملتنا الدعائية نسعى لإيصال هذه الرسالة بوضوح.
نعرف أن الأمر ليس سهلًا، وأننا نحتاج إلى موارد كبيرة لخوض المعركة الدعائية والسياسية، لكننا سنسعى بكل ما نستطيع لتثبيت أصواتنا وصوت الجماهير في وجه هذا الفساد المنظّم وهذا النظام السياسي الذي يولد في كل لحظة البطالة والفقر والعوز.
الى الامام: ولكن ماذا لو لم تكن هناك أطراف وكيانات وشخصيات تتفق مع برنامجكم السياسي، ماذا تقولون للجماهير؟
سمير عادل: نعلن صراحة للجماهير ليس هناك أطراف او جهات تريد العمل من اجل مصالحكم المستقلة والعيش الكريم والتمتع بالحرية والمساواة.


