( الجزء الثاني)
من الواضح بان من منظور منصور حكمت، يعد العامل الأساسي في حماية الثورة العمالية ضد خطر هجمة البرجوازية العالمية من خلال بناء حركة اممية مدافعة عن الثورة اذ يقول ” أن الأممية يجب أن تتجاوز إظهار التعاطف القلبي وأن تتحول إلى اصطفاف مادي وسياسي نضالي على الصعيد العالمي. لو كانت هنالك كتلة عمالية قوية في أمريكا وفرنسا وإنكلترا، ليست لديها توهمات، ضد الوجود العسكري الامريكي في الخليج، لكان منع ذلك الاستعراض أمرا ممكنا برأيي. لا يمكن تأسيس أممية كهذه على أساس أفكار وتخيلات النزعة النقابية والاشتراكية الديموقراطية، لان الهوية القومية هي جزء لا يتجزأ من هذه التيارات، وهي تتجسد كذلك بمطاليب وسياسات دولها. أن انبثاق ذلك الصف الأممي هو من مهام الشيوعية…… أن عهد النضال الشيوعي المكتفي ذاتيا وانكفاء الشيوعيين على ذواتهم في إطار وطنهم، حتى وان كان يملك شيئا من الواقعية في الأساس، فقد ولى اليوم بصورة ملموسة. أن إمكانية استعداد قوة كقوتنا في بلد معين، بل وحتى وصول العمال إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك، يمكن أن يكون عملا حاسما ومؤثرا من الناحية التاريخية فقط إذا تمكن من دفع قوة من جيش أممي اكبر إلى المسرح واقعيا وعمليا، والذي تعتبر البلدان الصناعية المتطورة مراكزه الأساسية. من واجبنا، كشيوعيين، أن نتدخل مباشرة في الحياة الاشتراكية العمالية في هذه البلدان. أن إمكانياتنا لعمل المزيد على صعيد بلد معين يجب أن يكون في نفس الوقت وسيلة للتدخل المباشر أيضا، لا يجوز أن يصبح العامل الفرنسي الذي تخنقه قبضة الأحزاب الفرنسية البرلمانية اليمينية واليسارية البرجوازية جزء من الجيش اللجب في استعراض الديموقراطية، ويبرز شخص في إيران وماليزيا وبيرو لإنقاذ الشيوعية. وبكلمة واحدة، اعتقد بأنه يجب أن ينظر إلى استراتيجية الثورة العمالية أساسا على صعيد عالمي، وأن تحدد الوظائف المحلية للشيوعيين في خضم ذلك “.
“ان الخاصية الاممية للطبقة العاملة و الجوهر الاممي للشيوعية العمالية هي، حسب رأيي، ذلك العامل الذي يجعل من الاشتراكية في العالم الراهن بديلاً واقعياً ومادياً. يجب الدفاع عن الثورة العمالية في بلد مثل ايران، ضد الهجوم والضغط العسكري و الاقتصادي العالمية، بمساعدة قوى الطبقة العاملة العالمية وخاصة عمال تلك البلدان التي تقود العسكرتاريا والتسلح على الصعيد العالمي. ان تلك هي مسألة واقعية، يجب على عمال ايران ان يتساءلوا أي من هذه الامور هي امور واقعية واي منها خيالية، وصول البرلمان الى السلطة في ايران، وجعل حرية الاضراب والتنظيم والنشاط العمالي و الشيوعي من الامور القانونية، وقبول هذه الاوضاع من قبل رأسماليي الداخل والخارج، ومن قبل الجيش البرجوازي، والعصابات السياسية المسلحة بدءاً من الاتجاهات البان اسلامية لجماعة حزب الله و وصولاً الى القوميين الاسلاميين والملكيين و الفاشيين ودعاة العظمة، قبول هذه الاوضاع و وضع اسلحتهم جانباً ورش العطور على انفسهم و الدخول الى البرلمان، ام وصول الطبقة العاملة الى السلطة وتجنب مواجهة مباشرة في حرب غير مرغوب بها من موقف ضعيف، بالاعتماد على مساعدة العامل الالماني والفرنسي والامريكي …؟ ان الاوضاع الراهنة تثبت، حسب تصوري، بأن الاممية العالمية ليست فقط مبدأ وقناعة وايماناً واحساساً طبقياً وحيداً، بل انها سلاح واقعي وفعال في الحرب الطبقية يجب ان ندخل هذا السلاح الى الميدان ونبدأ باستعماله، ان استراتيجيتنا لتجنب المأساة، التي تحاول البرجوازية العالمية فرضها على الثورة العمالية في بلد مثل ايران، هو العمل والنضال من اجل خلق صف عمالي عالمي يتولى الدفاع عن مثل هذه الثورات.
انني، بهذا الاصرار على الاممية، لا اقصد بأن الثورة العمالية ان لم تكن ثورة عالمية، فأنها ستنهار. انني لا اعتبر نظرية قيام الاشتراكية عن طريق انفجار عالمي كبير و متزامن، نظرية صحيحة. ففي المجرى الواقعي للتأريخ يكون الاحتمال الراجح هو قيام العمال، في زاوية معينة من احدى زوايا العالم، باستلام السلطة دون ان تكون لهم نفس الامكانية في أجزاء العالم الاخرى، وتلجأ الاشتراكية العمالية، مضطرة، في هذا البلد او ذلك وفي هذه المجموعة من البلدان او تلك، الى تطبيق كامل برنامجها السياسي او الاقتصادي، وان ماهو مصيري هنا، برأيي، هو ان يكون لدى الطبقة العاملة في البلدان الاخرى، وخاصة التي تقود العسكرتاريا البرجوازية على الصعيد العالمي، ان يكون لديها ذلك الوعي والتنظيم الاممي الذي يمنع برجوازية بلدها من ممارسة اية سياسة عدوانية وعسكرية. ولعمري انها مسألة عملية وقابلة للتحقيق”.
ولكن لم يعتقد منصور حكمت بان قوة القوى البرجوازية الغربية حتى في تلك الفترة كانت مطلقة. حيث يقول ” ولكن لا ينبغي المبالغة في قدرتهم العملية على قمع الحركات الراديكالية والعمالية، وحتى في أرساء نظام بين الدول البرجوازية. لقد كشفت أحداث العراق (وقصده حرب الخليج-م) عن عجز هؤلاء. حيث كان يكفي وجود ثلاثة مراكز أخرى في وقت واحد في العالم، بدل مركز واحد، أي الخليج، لتتعقد فيها الأوضاع سوية، أو كان يكفي بروز مشاكل اكبر بين الحلفاء، ليظهر عجز مؤسساتهم القمعية”. ويقول في مكان اخر ” لكن إن اوفى الحزب الشيوعي العمالي هذا الدور، لاتتغير اوضاع ايران فحسب، ان اي حزب اليوم في بلد نفوسه ستين مليون نسمة يدفع بالشيوعية الى اعتاب السلطة، وحتى ليس داخلها، سيرفع الراية الحمراء في كل عواصم اوربا، سيحيي الحركة العمالية في هذه البلدان، سيحيي الماركسية، سيحيي الشيوعية في كل جامعات اوربا. إن تمكن في ايران، في كوريا، البرازيل، الارجنتين، جنوب افريقيا او في اي بلد اخر يتمتع بهذه الابعاد والاهمية في الاقتصاد السياسي للعالم المعاصر، حزب بلشفي من طرازنا مرة اخرى من القيام بالعمل الذي قام به البلاشفة، ستتغير، مرة اخرى، خارطة العالم، سيشرق مرة اخرى فجر جديد، المسألة لا تخص ايران فقط” ويوقل في بحث ” الديمقراطية بين الادعاءات والوقائع”.
وأضاف منصور حكمت” ليس هناك من شك في ان قيام أي نظام اشتراكي في الوقت الراهن، وفي أي زاوية من العالم، سيدفع على الفور البرجوازية العالمية، وعلى رأسها امريكا والتحالف السياسي – العسكري المسمى بالغرب، الى التدخل واعادة سلطة البرجوازية. وان مسألة مدى توفر الامكانية العملية لتنفيذ هذا التدخل اولاً وامكانية تحطيم واسقاط تلك الحكومة الاشتراكية التي افترضناها ثانياً هي مسألة اخرى. ان تجارب التدخلات العسكرية خلال السنوات الاخيرة، بدءاً من حرب الخليج وصولاً الى الصومال والبوسنة، التي تنفذ اما باسم الغرب وامريكا، او التي تنفذ يومياً باسم الامم المتحدة، بينت تلك الحقيقة التي مفادها: ان امكانياتهم في التدخل العسكري وتنظيم حملات القمع هي امكانية محدودة رغم ضخامة قدراتهم التكنولوجية والتدميرية. ولكن على الصعيد الاقتصادي، وعلى صعيد جبهاتهم الخلفية الاجتماعية، لن يكون تورطهم في حرب شاملة مع الثورات والحركات الجماهيرية امراً يسيراً. وليس بعيداً ابداً، حسب رأيي، حتى في حالة قيامهم بتدخل عسكري مباشر، ان لا يتمكنوا من اسقاط حكومة اشتراكية عمالية في بلد يمتلك من المزايا الاقتصادية والجغرافية والمكانية حداً متوسطاً”.
وتحدث منصور حكمت في أكثر من مكان عن انتفاء أسباب بقاء الغرب في الفترة التي أعقبت انهيار القطب السوفيتي كقطب تحت قيادة أمريكا واحتمال بروز أوروبا كقطب عالمي منفصل عن أمريكا. ورغم الوحدة في صفوف القطب الغربي في العلن وخاصة منذ الحرب في أوكرانيا، الا ان في الواقع تعصف بالغرب خلافات وتناقضات عميقة. ان ما يمنع انفجار تلك الخلافات والتناقضات لحد الان هي الغموض والتشوش الذي يمر بها النظام العالمي ومعادلاته في هذه الفترة.
قال منصور حكمت في هذا الصدد ” لا يتعدى الصراع الحالي في الخليج أن يكون أحد مظاهر التناقضات والشكوك في العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة. فمع انهيار الكتلة السوفيتية، تفكك أيضا التركيب القديم للقوى العالمية والذي اعتمد على التعارض العسكري والسياسي، وإلى حد أقل، الاقتصادي بين القوى العظمى في الكتلتين الشرقية والغربية. فيما هللت وسائل الإعلام والمعلنين في الغرب لما يسمى بـانهيار الشيوعية؛ ووعدت بمستقبل يسوده السلام والانسجام تحت حكم قانون السوق المزدهر والذي لا يقارع. فقد تيقن كل إنسان ذي ذهن حصيف بأن عالم ما بعد الحرب الباردة سيكون مثقلا بتوترات ومواجهات اقتصادية وسياسية و إيديولوجية حادة. فيما يتركز التفسير السياسي الغربي، عادة، على الوضع المتأزم في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية وما يسمى بانقسام العالم إلى (الشمال- الجنوب) والصراعات البيئية والإقليمية وهكذا دواليك. أي مشاكل قائمة، كما يفترضون، خارج حدود الغرب “الديموقراطي” و”المتمدن”. وتمثل هذه حقاً جزءاً من المشاكل التي تواجه عقد التسعينات على أية حال. أن التحدي الأساسي والقضية الأساسية في أي محاولة لتشكيل النظام الجديد يكمنان في الغرب نفسه. فيما عني انهيار الشرق، توقف الغرب عن أن يكون قطبه المضاد والمقابل كموجود اقتصادي وسياسي وعسكري وأيديولوجي محدد تشكل لاحتواء وهزيمة الكتلة السوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية. اذ تشكل الغرب القديم، كمفهوم وكواقع سياسي واقتصادي، على أساس السيطرة على العالم وما يسمى بـ”الدور القائد” للولايات المتحدة. وتمثل هذه جوهره نظرة الولايات المتحدة للنظام العالمي الجديد في الإبقاء على هذا الدور أو حتى توسعه في عالم السياسية المتغير جذرياً بعد الحرب الباردة”.
وأضاف ” في الوقت الذي كان فيه العراق مسرح عمليات الحرب، فأن القضايا التي تستوجب الحل عبر هذه الحرب تكمن أساساً في الغرب نفسه. ويأتي إبراز الولايات المتحدة عضلاتها و”زعامتها في الشرق لتضمن موقعها القيادي بمواجهة حلفائها ومنافسيها في غرب ما بعد الحرب الباردة، كمقدمة، أيضا، لا ظهار تفوقها العالمي. ولكن تأتي محاولة الولايات المتحدة هذه بالضد من المنطق السياسي والاقتصادي للرأسمالية الآن والذي يستوجب- أي المنطق- قلب أساسي للتوازن القديم وظهور ترتيبات اقتصادية وسياسية جديدة في العالم الرأسمالي. كما ان الطابع الهش للتحالف، الذي يتناقض مع التحالف الغربي الوثيق والمتماسك الذي أبدته هذه البلدان ولعدة عقود أثناء تصديها للكتلة الشرقية، يؤكد الحدود التاريخية الضيقة للمحاولات الأمريكية”.
تتمنى أمريكا بان يوحد الصراع في أوكرانيا والاعتداء الروسي على هذا البلد الغرب مرة أخرى ولو لمرحلة تحت قيادة أمريكا، ولكن تكمن في طريقة تعامل أمريكا والغرب مع هذا الحدث مخاطر كبيرة بما فيها على وحدته.
ان قرار الغرب بالتخلي عن أي دبلوماسية والحلول السياسة وحتى الظهور بمظهر من يحاول حل الصراع بالطرق الدبلوماسية، وتحويل أوكرانيا الى ساحة حرب مباشرة للناتو مع روسيا يجعل من هذا الصراع صراع مصيري لكلا القطبيين. ان إمكانية خسارة الغرب لهذا الصراع وهو احتمال قوي جدا، سوف تعجل من تشرذم وتصدع القطب الغربي ومن خروج اوروبا من تحت المظلة الامريكية. سوف يكون لهذه الحرب مضار اقتصادية هائلة للاقتصاد الأوربي وهناك تململ في صفوف الغرب من نهج أمريكا وبريطانيا تجاه الازمة الأوكرانية بدأ من الدفع نحو الحرب ومن ثم إطالة امدها. اذا انتهت الحرب بهزيمة واضحة للغرب، سوف تضعف ثقة أوروبا بقيادة أمريكا وفي مدى حرصها على مصالح الدول الاوربية.
من السهولة الاستنتاج من كتابات منصور حكمت بان وجود عالم متعدد الأقطاب هي حالة تفضل على الوضعية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي، اذ كان لأمريكا سيادة واضحة والحرية في التدخل السافر ضد الدول والحركات الأخرى. اذ ان وجود عالم متعدد الأقطاب يزيد من التناقضات بين الأقطاب البرجوازية المختلفة مما يزيد من مساحة وحرية التصرف.
وبالفعل تقوى موقف دول تعارض السياسات الخارجية الامريكية مثل بوليفيا وفنزويلا ونيكاراغوا وغيرها بعد بروز القطب الروسي-الصيني. ليس تفضلينا لعالم متعدد الاقطاب ناتج من قناعة بان الاقطاب الأخرى وخاصة القطب الصيني-الروسي هي اقطاب أكثر تقدمية بالمقارنة مع القطب الغربي، بل لان هذا العالم يزيد من التناقضات بين الأقطاب المتقابلة ويحد من قدرتها في التدخل ضد القوى التقدمية في ارجاء العالم. ان الحرب الاكرانية هي حدث هائل في تعجيل بروز هذا العالم.