من الحشد “المقدس” إلى حشد “الحضيض”!
في تصعيد مدروس من قبل الكاظمي، بهدف محاصرة المليشيات الولائية الموالية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران، قامت قوات الكاظمي باعتقال أحد قيادات الحشد الشعبي، قاسم مصلح. في البدء، لم يكن رد فعل المليشيات الولائية سوى الاستعراض والترهيب، التهديد والوعيد، والغطرسة والعجرفة والعنتريات الكاذبة التي تعد من التقاليد الراسخة لهذه المليشيات وولي نعمتها، الجمهورية الاسلامية.
من المؤكد إن هذه الخطوة هي مقدمة لخطوات أخرى مقبلة لتقليم أظافر هذا التيار، وكرد فعل على ذلك، قامت المليشيات بمحاصرة بوابات المنطقة الخضراء. إلا إنها فشلت بشكل ذريع. ولم تمر سوى أيام قلائل، حتى بان التخبط الواضح عليها، نكصت وتبين ضعف حدود مناورتها. بوسع المرء ان يستشف هذا بوضوح من احاديث قادتهم من امثال الخزعلي “الواثقة” و”الفارغة” والضعيفة و”تملقات” العامري التي تعكس ضعف سياسي كبير واحساس بخطر جدي وتداعي مكانتهم.
الحشد الولائي في اضعف مراحل عمره السياسي. قادته منبوذون على صعيد اجتماعي واسع، انفضحت شخصياته بوصفها اكثر اقسام المجتمع اجراماً وشراسة واستهتار وفساد وحثالة. نكرات أتوا من قاع المجتمع بالعنف ليتحكموا بالمجتمع في غضون اعوام قليلة، وبالأخص بعد دحر داعش. والفضل في ذلك يعود لنظام القتل والنهب والاجرام، نظام الجمهورية الاسلامية.
لن ينفع مليشيات الحشد التي سعت، في ايام عزها، بكل السبل الى الصاق صفة “مقدس” على نفسها من اجل اضفاء القدسية عليها، لأهداف قمعية واستبدادية صرف من اجل اخراس كل من ينتقدها او يعترض عليها او يقف بوجهها. لن تنفعهم هرطقة “تضحيات الحشد” و”شهداء الحشد” وغيرها. اذ لم يكن اغلب هؤلاء “الشهداء” سوى المفقرين والجياع ومن انقطعت بهم سبل الحياة، ولم يبقوا لهم سوى “التطوع في الحشد” منفذاً للعيش. نهبوا ثروات المجتمع واجبروا الشباب عديمي الحيلة على التطوع للدفاع عن المقدسات و”السيدة زينب”، قل الدفاع عن نظام بشار الاسد المجرم. ففي الوقت الذي يموت فيه الشباب المفقرون على جبهات القتال، يعوم ابناء قادة الحشد بترف في اوروبا وتنتفخ جيوبهم بملايين الدولارات. ان “دماء الشهداء” برقبة تجار الحرب، قادة الحشد!
لن تنفع بعد دعايات، وفي الحقيقة “منّية” “حمينا العراق من داعش!”، و”لولانا لسقطت بغداد بيد داعش!” و “تحرير حرائر الموصل” وغيرها من اكاذيب. اذ ذهبت المليشيات من اجل الدفاع عن مصالح سلطتها وبوجه تطاول المنافسين الاقليميين من امثال تركيا والسعودية وغيرها. وليس للأمر اي ربط بـ”الحرائر” وغيرها من اكاذيب! ذهبت للدفاع عن مصالحها بدماء الابرياء التي باعوها على الجبهات حتى ينقذوا عوائلهم من الاملاق!
لن ينفع الحشد الشعبي تنظيم استعراض عسكري كبير بمناسبة الذكرى السابعة لفتوى السيستاني لمحاربة تنظيم داعش عام 2014، ويستعدون له بمشاركة (15 الف مسلح) بأسلحتهم الثقيلة. فازمته وانزوائه اكبر من ان يرقعوها بهذه الاساليب والاستعراضات.
مثلما أكدنا مراراً على ان قوى مثل بدر والعصائب هي قوى سيناريو مظلم، وايام انفلات الاوضاع الامنية هو عيدها. انها تنتعش في اجواء مثل هذه. انها قوى غير اجتماعية. ليس لها صلة بآليات مجتمع عادي. ليس لها صلة بخدمات، بتعليم، بحقوق، بحريات، بعلوم، بفن، بجامعات، بضمانات، ولا باي شيء. انها قوى تعتاش على تهريب النفط، نهب المعابر الحدودية، تجارة المخدرات و… غيرها، وتكتنز عشرات المليارات من ذلك لنفسها ولمرتزقتها. ولا يهمها ان تقام صناعة او ماذا يحل بزراعة هذا البلد، ولا مستقبل الاجيال المقبلة ولا اي شيء.
لا يمكن فهم الضربة والضربات اللاحقة التي يوجهها الكاظمي الا في سياق هذا الانزواء العام والرهيب الذي يمر به هذا التيار المليشياتي. وان هذا الانزواء مدين بالدرجة الاولى والاساس للضربة القوية والعنيفة التي وجهتها الجماهير المحرومة والكادحة في العراق في هبتها التشرينية لهذه المليشيات، جراء منازلة الجماهير لها ومطاردتها واحراق مقراتها و…الخ. برأيي، ان حذف هذه القوى المنبوذة اجتماعيا من حياة المجتمع ليس بعمل شاق وصعب. ولان قادتها يدركون ذلك، تجدهم يغرقون في رعب قاتل. ان هذا الامر يستلزم فقط ارادة وقرار سياسي، لا اكثر!
لا يمكن فصل خطوة الكاظمي هذه، عن سعي جناح في المعادلة السياسية، جناح بصبغة قومية-وطنية موالية لأمريكا وتريد ان يُسترد “العراق” ويعود لمحيطه القومي العروبي، بوجه تيار موالي، قل في الحقيقة يد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في العراق. وان هذا الصراع مرتبط وبصورة وثيقة بالصراع الاقليمي والعالمي في المنطقة، وتحديداً الصراع الامريكي-الايراني. ان من يلتف حول جناح الكاظمي هم طيف واسع من التيار الصدري والتيار القومي العروبي المتلحف بعباءة السنة، من البعثيين السابقين، وغيرهم وكل الساخطين على المليشيات الولائية واستئثارها بكل كعكة السلطة في العراق.
تسير الاوضاع نحو التهميش المتعاظم للحشد الشعبي. لن تقف ميليشياته مكتوفة الايدي. لن تضيّع امتيازاتها بهكذا سهولة. ستلجأ الى اكثر السبل دموية، الى التفجيرات، الاغتيالات، الى اغراق المجتمع بالدم. فمصيرها ومصير الجمهورية الاسلامية وبقائهما يتوقف على مدى هيمنتهم على العراق، وان تكون لهم اليد الطولى على المجتمع.
ان توجيه ضربة جدية لهذه القوى المليشياتية وانهاء تطاولها على حياة المجتمع سيقصر ايادي الجمهورية الاسلامية التوسعية واهدافها المعادية للإنسان في المنطقة، ويقرب من ساعة اجل نظامها الملطخة اياديه بدماء الابرياء.
انها قوى لا تختلف ذرة عن امثال داعش من حيث قدرتها الارهابية والاجرامية. لقد رات الجماهير في ما يسمى بالمناطق الغربية ذلك، رأى منتفضو اكتوبر وسائر جماهير العراق والعالم اجرامهم بحق المحتجين الابرياء. ان القتل هي مهنتهم الوحيدة التي يعرفوها جيداً. انهم حثالات مأجورة، كأي مافيات! ولهذا، لا يمكن الحديث عن اي تحسن في احوال المجتمع طالما هذه القوى تنشب اظفارها في جسد المجتمع.
ينبغي حل كل المليشيات فوراً وبدون ابطاء، وفي مقدمتها مليشيات الحشد الشعبي. ينبغي تقديم قادتها للمحاكم بتهمة الاجرام والاغتيالات بحق الشباب المنتفض، كما يجب ان يردوا على ملف (12 الف ونصف مُغيّب وماذا عملوا بهم!)، كما ينبغي مصادرة اموالهم المنقولة وغير المنقولة وتلك الثروات الطائلة التي جمعوها بالفساد والنهب ومصادرة اراضي ودور ومباني الدولة وغيرها.