من فشل لفشل…! (بصدد تكتيكات الولائيين تجاه نتائج الانتخابات!)
ان احدى الافرازات المباشرة للانتخابات في العراق هي الانحدار السريع للتيارات والقوى المليشياتية الولائية. فبعد الهزيمة المدوية التي تعرض لها هذا التيار في الانتخابات وحصوله لحد الان على ما بين 14-16 مقعد انتخابي، نرى هذا التيار في تخبط وتيه سياسي وعملي جدي. ان هزيمته الانتخابية ترجع بالدرجة الاولى والاساس الى انتفاضة تشرين والمجابهة البطولية لشباب وشابات تشرين لهذه القوى وفضحها لماهيتها الاجتماعية والسياسية القمعية والاستبدادية. للرد على هذا الهزيمة المرة، وللدفاع عن مكانته وامتيازاته، لجأ هذا التيار المليشياتي الولائي لعدة تكتيكات. لم يكن نصيب اي منها، التي تهدف في المطاف الاخير ممارسة الضغوطات على الاخرين كي لا يمسوا امتيازاتهم ومكانتهم في السلطة والثروة، سوى الفشل الذريع.
“الاطار التنسيقي الشيعي”: إذ مع ظهور النتائج الاولية للانتخابات، رفضت قوى هذا التيار تلك النتائج “الصادمة” لهم (والمتوقعة على صعيد المجتمع) وأكدت على عدم القبول بها بتاتاً بوصفها مزورة و…كما لو ان التزوير امراً جديداً!! وللدفع باحتجاجها هذا، تذكّرت (الاطار التنسيقي للقوى الشيعية) لتجتمع فيه، وأوكلت امرها وامر القوى الرافضة للنتائج الى المالكي ودولة القانون اللذان تحدثا بغطرسة في البدء عن قدرتهما على تشكيل الكتلة الاكبر وتشكيل الحكومة. ودعت التيار الصدري الى مشتركهم القديم هذا من اجل تشكيل حكومة ائتلافية مشتركة يتوافقوا جميعا عليها، تضم كل الاطياف “الشيعية” ولا تهمش طرفاً منها، اي وجهت القوى المهزومة الدعوة للتيار الصدري ان يشكل حكومة برئيس وزراء “ائتلافي قح” وليس “صدري قح” “تصون مصالحنا نحن “الشيعة ” جميعاً”. وقد فشل هذا التكتيك فشلاً كبيراً لانعدام افاقه اساساً، وبالأخص اثر الانسحاب الواقعي والعملي لإتلاف “قوى الدولة” المتكون من تيار الحكمة للحكيم والنصر للعبادي اللذان يختلفان مع الولائيين والمالكي من ناحية التوجهات السياسية (الوطنية-القومية العراقية) ولكن جمعتهم مؤقتاً مرارة الهزيمة الانتخابية. وانعقد فرط هذا التجمع سريعاً نظراً للتوجهات المتناقضة وانعدام الافاق السياسية.
الفرز اليدوي: ولم يحقق طرح التيار الولائي (وفي مرحلة قصيرة، الاطار التنسيقي) بالاعتراض والمطالبة بالعد اليدوي للأصوات في الدوائر الانتخابية المشكوك بنتائجها سوى فشلاً ذريعاً، حيث اعلنت المفوضية العليا للانتخابات تطابق نتائج العد اليدوي مع الالكتروني! وحين رأت فشل هذا، قامت بالحديث عن العد والفرز اليدوي على كل المراكز والصناديق الانتخابية في عموم العراق وليس قسماً منها!! وفي كل هذا المسار، كانت تتطلع من هذه الاعمال والضغوطات الى كسب الوقت بكل الاشكال الممكنة عسى ان يفتح لها الوقت باب امل وحلٍ ما.
التظاهر امام المنطقة الخضراء: لجأ هذا التيار الى أسلوب التظاهر أمام المنطقة الخضراء. إذ جمع المئات من أزلامه، من الذين خبزتهم ومعيشتهم ورواتبهم مرتبطة بوجود هذا التيار ليتظاهروا. نصبوا خيامهم “معززين” و”مكرمين” امام بوابة المنطقة الخضراء مهددين باقتحام المنطقة إن لم تنصاع الحكومة لمطالبهم. ان هذه البوابة التي وضعت السطات القمعية في تشرين 2019 بوجه متظاهري تشرين جدران اسمنتية طويلة وعريضة قبل مئات الامتار منها واطلقت النار عليهم وازهقت ارواح المئات من شباب تشرين دون ان يتمكنوا للوصول للجدران، ناهيك عن بوابة المنطقة الخضراء.
رأى المجتمع الخزعلي وأمثال الخزعلي وقصد اصبحوا “رسل حقوق الانسان” و”دعاة حرية”، رأتهم وهم يتحدثون في وسائل الاعلام عن “الحق الدستوري للشعب في التظاهر السلمي” (!!)، و “عن ضرورة معرفة من اعطى اوامر اطلاق النار على المتظاهرين ومحاسبته”، وادان هادي العامري (!!) “حالة القمع البشعة التي تتعامل بها السلطات الحكومية مع المتظاهرين السلميين المعترضين على سرقة أصواتهم وتزييف النتائج، والذين لم يتجاوزوا حدود الديمقراطية في طرق التعبير عن آرائهم التي كفلها لهم الدستور”، مطالبا التدخل العاجل للاقتصاص من الذين أصدروا أوامر إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. (!!) لنضع التهويل الكاذب هذا جانبا. طبعا هذا، بعد ان أحرقت جماعاتهم ما احرقت، ورمت الشرطة بالأحجار بشكل مكثف وغزير وسعت لاقتحام الخضراء “لأنها ارض عراقية، وما الداعي لعدم دخولها” على قول الطائفي الولائي المسخ هاشم الكناني. متناسياً الاخير بخسة ماذا عملت جماعته بوجه متظاهري تشرين! ولا يغيب عن بال احد تلك التهديدات التي قام بها الخزعلي والفياض والعامري بحق “المندسين” و”الجوكريين” و”اولاد السفارات” من منتفضي اكتوبر ووعيدهم. لم يكتفوا بهذا، بل سعوا، بصورة كوميدية ممجوجة، الى تقليد ومضاهاة انتفاضة تشرين، اذ كانوا يغسلون اوجههم بالببسي والكوكاكولا تأثرا بالدخانيات “غير الموجودة اساساً”!!! ان كانت تشرين ماساة، لم تتعد تظاهرة الولائيين سوى كوميديا فجة. لقد اصبحوا مادة تندر كبير في المجتمع!
الان تيقن كل من له ذرة بصيرة من هو “الطرف الثالث”! ان الطرف الثالث هو الموجود امام بوابة المنطقة الخضراء. اذ لم يرَ احد قنابل دخانية ولا قتل متظاهر ولا تلك المجزرة التي ارتكبها هذا التيار الولائي بحق منتفضي تشرين. لقد فشلت هذه المسرحية بصورة ابشع من هزيمتهم الانتخابية.
مجزرة المقدادية: لا يعرف هذا التيار المليشياتي ماذا يفعل لكي يبقى. فمسموح اللعب بكل الاوراق الممكنة حتى تلك التي أشدها اجرامية. فافتعل، او وظَّف هجوم اجرامي مسلح لعصابة يقال انها تنتمي لداعش في قرية الهواشة ومقتل ما يقارب 13 انسان مدني بريء، لتستغل الامر وتنفذ عملية قتل جماعي وتهجير طائفية واسعة شملت ما يقارب 500 عائلة في مدينة المقدادية (ديالى). ليتحدث جلاوزتهم بعظمة لسانهم عن ضرورة عملية تطهير طائفية اخرى على غرار ما قاموا به تجاه مئات العوائل “السنية” في جرف الصخر!! ليخرج الخزعلي ويفضح نفسه وتوجهاتهم، ويوجه رسالة صريحة بما معناه (اتمنى ان يكون هذا اخر حدث لإقناع الاخرين بضرورة بقاء الحشد)!! في رسالة واضحة، ان ارتكاب الجرائم هو لإقناع الاخرين بوجوب ابقاء مليشيات الحشد (!!). ان كل همّ امثال العامري والفياض والخزعلي، ومن ورائهم اولياء نعمتهم في ايران، هو للإبقاء على هذه المليشيات سيئة الصيت جاثمة على صدر المجتمع. ثمة حركة اجتماعية واسعة على صعيد المجتمع تطالب بحل مليشيات الحشد وذلك لجرائمها بحق المجتمع واعمال القتل والفساد والنهب التي تقوم بها وهيمنتها على مقدرات المجتمع!
قصف منزل الكاظمي: رغم شجب الكثير من اطراف الولائيين ورجالات الجمهورية الاسلامية وحسن نصر الله وغيرهم لعملية قصف منزل الكاظمي، الا انه لا يمكن فصل هذا الحدث عن المجابهة الجارية بين الولائيين ومن معهم من مثل المالكي وحكومة الكاظمي ومن معها من امثال التيار الصدري. ان القوى الولائية هي قوى متغطرسة، غير سياسية بمعنى، لا تعرف سوى التشدد والتصعيد و”العنتريات” و”العنتكة” ولي الاذرع و…غيرها. وارتباطا بالأخص مع التصريحات الاولى للخزعلي المشكك بالحدث واستهزاء كتائب حزب الله، لا يمكن استبعاده من العمل المذكور. ان رد فعل الكاظمي، بالأخص بعد زخم التأييد العالمي والاقليمي والمحلي الواسع الذي ناله ارتباطاً بعملية القصف هذه، شرع بنشر المدرعات في شوارع بغداد في استعراض قوى واضح. انها رسالة واضحة لقوى هذه التيارات المنبوذة والمهمشة اجتماعياً الى ابعد الحدود.
لقد تلقت هذه القوى ادانة دولية وعالمية ومحلية واجتماعية واسعة. وسواء اقامت بهذه العمل ام لم تقم به، فإنها تلقت ضربة جدية اشد بمئات المرات من ضربة الانتخابات. وفي المقابل، تعاظمت مكانة الكاظمي والتيارات التي تشترك معه بالأفق والمصلحة ذاتهما، بمراتب كثيرة امام خصومهم، بالأخص الولائيين والمالكي، وهو ما يفسح الباب امامه لرئاسة وزراء ثانية.
وتجاه هذا التراجع الجدي، لم يرى نظام الجمهورية الاسلامية بداً من ارسال قآاني ليطمئن الكاظمي بانهم رافضون لهذه الاعمال و”يقرص اذن” حلفائه بضرورة “التهدئة”، لان التصعيد قد يطيح بهم!
أن الانزواء المتعاظم للتيارات المليشياتية الولائية المخضبة اياديها بدماء الآلاف من الابرياء في تشرين والمناطق الغربية والموصل وديالي و… هي مبعث فرح لكل انسان يتطلع للحرية والمساواة، بيد ان خلاص جماهير العراق يبدأ من غلق صفحة العملية السياسية ككل، باحتلالها، وبقواها الدينية والطائفية والقومية والعشائرية قاطبة. ان لجم هذه القوى التي الحقت الدمار المادي والمعنوي بالمجتمع وازاحة هيمنتها على المجتمع هو سبيل لا غنى عنه من اجل غد حر ومرفه للمجتمع. وان هذه مهمة عمال وكادحي وتحرري المجتمع ودعاة مساواته!