من قال انها حرب على حماس؟
منذ 7 تشرين الاول-اكتوبر، تتحفنا الصحافة والاعلام عموماً، والصحافة الغربية على وجه الخصوص، عن «حرب حماس-اسرائيل» أو العكس «حرب اسرائيل-حماس». ان من يتحفوننا بهذه الصيغة يشوشون الامور ويضللوا البشرية. ان أول مقتضيات الحرب هو ان يكون هناك طرفان بينهما درجة من «التوازن» و»التماثل» في القوى او حتى ان يكون الفارق كبيراً. بيد ان ما يجري في غزة ليس بحرب ولا صلة له بحرب. ان ما نراه هو عملية قتل وإبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى بحق الفلسطينيين الابرياء. انه يضاهي أعمال التطهير بحق الابورجينيين او السكان الاصليين في أمريكا وكندا وغيرها.
اننا نرى هنا مصلحة واقعية واضحة لأطراف في هذا التصوير. فحكومة اسرائيل، والمعسكر المناصر لها، تسعى لتصوير الأمر على ان حماس هي منظمة إرهابية، وهي في صراع مع الارهاب ومن أجل «استئصال» الارهاب. وتحدثت من اللحظات الأولى عن وجود الجيش الاسرائيلي رايات داعش السوداء في الأماكن التي هاجمتها حماس وانسحبت منها. ومضى الرئيس ماكرون للحديث، وبنفاق ورياء معهودين، عن «ضرورة توسيع التحالف الذي وقف ضد داعش لمحاربة إرهاب حماس».
من جهة أخرى، لحماس مصلحة كبيرة في إشاعة مثل هذا التصوير، لترد على مكانتها المتداعية وتدفع بمكانتها هذه امام العالم بوصفها طرفاً «ممثلاً لجماهير فلسطين» في صراع مع «عدو الفلسطينيين» وتعلّي من هذه المكانة، بالأخص امام غريمتها منظمة التحرير الفلسطينية ومحمود عباس، في صراع القوى الجاري الذي لا يسير اجمالاً لصالح «القضية الفلسطينية».
فهذا التصوير يهدف الى التغطية على «أصل القضايا»، الا وهو احتلال اسرائيل لفلسطين وسياسات التطهير الاثني والعرقي والتهجير وعمليات القتل والابادة الجماعية وارساء دولة اسرائيل على سائر الاراضي الفلسطينية.
فُجعت البشرية جمعاء بحجم الارهاب الذي مارسته اسرائيل بحق الابرياء. فمن الساعات الاولى للسابع من تشرين الاول، حرض قادة الجيش والمسؤولين الاسرائيليين الجنود وبالفم «المليان» بتصريحاتهم التي هي نموذج صارخ على البربرية السافرة وتفضح، على خلاف ادعاءاتهم، الهدف الأساسي من الحرب.
«سنحاصر غزة بصورة تامة، سنوقف الكهرباء والغذاء والغاز وكل شيء عنها، نحن في حرب ضد وحوش وسنتعامل معها بالشكل الذي يناسبها» (يوفي غالانت وزير دفاع الحكومة الاسرائيلية).
«نلغي جميع قوانين الحرب. لن يتعرض جنودنا للمسائلة تجاه أي شيء. لن تكون هناك محاكم عسكرية»، (الجنرال هرتزل ليفي، رئيس أركان الجيش الاسرائيلي). اي التوصية لجيش «الارض الموعودة»: اقتلوا «على راحتكم»، فليس هناك «محاكم»!!!
حين يكون قادة دولة على هذه الشاكلة، يصبح من الواضح ان هذه الدولة هي دولة فاشية وشوفينية ودولة تطهير عرقي ولا يمكن تسميتها بغير ذلك.
ومن كلام وتصريحات مسؤوليها، ومن المشاهدات الواقعية بالتمشيط الصاروخي لغزة وقصف المستشفيات والمدارس والبيوت على رؤوس اصحابها ومقتل أكثر من 8 الاف انسان بريء نصفهم من الأطفال وجرح أكثر من 21 ألف أخرين!! هي ليست حرباً على حماس!
وبخلاف ادعاءات الفاشيين الاسرائيليين، انها ليست حرباً على حماس ولا «استئصال حماس» ولا «إنهاء وجود حماس»، كما انها ليست حرب «الخير» على «الشر» ولا حرب «الديمقراطية» على «التوحش والإرهاب الاسلامي» ولا حرب «الدفاع عن حياة وأمان الاسرائيليين» وغيرها من ترهات. فالكل يعلم ان «الارهاب» الاسلامي وحماس والجهاد وغيرهم تربوا وترعرعوا في حضن «الديمقراطية» الغربية والاسرائيلية على السواء. فلحد الامس (2021) كان نتنياهو يتفاخر في مؤتمر حزبه عن «ارسال اموال طائلة لحماس في غزة بالطائرات الاسرائيلية من اجل شق وتقوية الصدع داخل الفلسطينيين واضعاف تيار محمود عباس!!» بوصفه «منجز سياسي». ان مبتكري هذه الرواية السمجة هم الغرب نفسه و»امبراطورية الكذب»، اي صحافتهم الخانعة والذليلة الممثلة للسياسات الخارجية لبلدانها. ان مبتكري هذه الدعاية هم أنفسهم من نفخوا الروح في هذه التيارات «الارهابية» ورمى الغرب بهذه الجماعات لتمسك بخناق الجماهير الكادحة والمحرومة في بلدانها في كل زاوية من زوايا العالم، بهدف الدفع بسياسات وأهداف الحكومات الغربية الخاصة بلجم اليسار والشيوعية والطبقة العاملة وفرض «الاستقرار» السياسي، قل تأمين أجواء مناسبة، قل قمعية واستبدادية، لحركة الرأسمال والاستغلال والعمالة الرخيصة والربح. وها هي اليوم تمشط قطاع غزة بالصواريخ والمدفعية على رؤوس تلك الجماهير ذاتها التي ابتلت بـ «الارهاب» الاسلامي الذي صنعه ومولّه الغرب نفسه.
انها ليست حرب من الاساس، بقدر ما هي عملية ابادة وتطهير عرقي. لا يستلزم «استئصال حماس» شن حرب على غزة وتدميرها بالكامل ولا كل ما تقوم به اسرائيل اليوم. ومثلما بينت التجارب الكثيرة، ان سبيل استئصال حماس واي «حماس» أخرى مرتبط بحل القضية الفلسطينية بصورة عادلة عبر انهاء الاحتلال وتأسيس دولة فلسطين المستقلة وهذا ما تعرفه اسرائيل والغرب جيداً وهو ما لا يقوما به ولا يريدوا القيام به من الأساس.
فامتداداً لسياساتها التوسعية والاستيطانية، استغلت اسرائيل «الجريحة» هجوم حماس لتدفع بمشروعها الاستيطاني المعروف ومواصلة سياسات التهجير وسلب الاراضي وانهاء الوجود الفلسطيني في قطاع غزة. ولهذا، فإنها، وأول سبيل للرد وانعكاساً لجانبها «الانساني» وقلقها» على سكان غزة، طلبت من مصر ان تفتح ممر لانتقال سكان غزة «المدنيين» الى سيناء كي تمحي حماس وتجنب أرواح ابناء قطاع غزة المخاطر»!!!
انها حرب اجرامية لا على حماس، وإنما على الجماهير المحرومة في غزة، على مليونين و300 ألف انسان، حرب على المجتمع الانساني، حرب علينا جميعا! وان مصير هذه الحرب هو مصيرنا كلنا، مصير كل انسان يلسع قلبه لإنسانية الانسان! ان مصير هذه الحرب هي مصيرنا ايضاً! ان السكوت على هذه البربرية والوقوف مكتوفي الايدي تجاهها لن يرمي مئات الالاف من الفلسطينيين في نارها وجحيمها، بل لن يبقى قيمة لأي كرامة وقيم إنسانية على وجه الارض ويشيع هذا التوحش والوحشية على العالم بوصفها أساليب «عادية»!