مهامنا تجاه اليسار في العراق
المقال أدناه هو ثمرة نقاش وقرار للهيئة التنفيذية للحزب فيما يخص ضرورة التدخل الفعال للحزب الشيوعي العمالي بخصوص تطورات اليسار في العراق. وقد دوُنت بوصفها توضيح للسياسة المُقررة للجنة التنفيذية. لم أتناول في هذا المقال موضوعة الخطوات العملية دون شك.
ترجمة: فارس محمود
مع حرب الخليج والأزمة الداخلية للعراق، شهدنا كذلك تنامي يسار راديكالي وثوري، بالأخص في كردستان العراق، يسار كان ذو صلة متينة باحتجاجات الجماهير، وبالأخص، الحركة المجالسية للعمال والكادحين. ثمة سمتان مهمتان للتحرك الشيوعي في المرحلة الاخيرة على وجه الخصوص في كردستان العراق تستلزم منا انتباها جدياً لهذه الحركة.
1-الصلة الوثيقة والتدخل الفعال للمنظمات والحلقات الشيوعية المتعددة في كردستان العراق في حركة المجالس، وبعبارة أخرى، بروز التصور والرؤية الشيوعية في الحركة العمالية في كردستان العراق
2-التأثير الواسع للشيوعية العمالية في ايران على هذه الحركة والتقارب المُعلن للقسم الأعظم (وربما كله) لهذه المنظمات والحلقات مع تيارنا من الناحية الأيديولوجية والسياسية وحتى التنظيمية.
ان هذه الحقائق تضع على عاتق الحزب الشيوعي العمالي الايراني مهمات مهمة أمام التطور والتكامل اللاحق للشيوعية في العراق. فيما يخص الحركة الشيوعية في العراق، لسنا طرف ثالث ولا مراقب متعاطف. ليس إبداء السرور أو متابعة المسار العام للأوضاع أو إعلان التضامن ومنح المساعدات الجانبية، والتي ربما لقوة شيوعية أبعد هي سياسة كافية، ترد على مهامنا. نحن قوة منهمكة في هذه الوقائع، جزءاً من تنامي الشيوعية في العراق وبالأخص في كردستان. وعلى هذا الأساس، من مهمته التدخل المباشر والفعال في الأبعاد المختلفة لهذه الحركة صوب تقوية وصياغة صف الشيوعية العمالية في هذا البلد.
استنادا الى المعلومات التي لدينا لحد الآن عن مكانة القوى وقضايا النضال الطبقي والشيوعي في العراق، برأيي، إن أساس سياستنا فيما يتعلق بالتعامل مع الحركة العمالية-الشيوعية في العراق في هذه المرحلة هو التالي: السعي لتأسيس حزب (منظمة) شيوعية عمالية في العراق (أو كردستان العراق) في غضون مدة معينة. من البديهي ان مثل هذه السياسة لا تبلغ هدفها عبر سلسلة من الخطوات التنظيمية والاجتماعات وغير ذلك ووضع طيف من المهام النظرية والسياسية وغير التنظيمية على جدول أعمالنا كذلك. إن ما أود التأكيد عليه هو ان مركز ثقل وبوصلة هذه النشاطات ينبغي ان تكون تأسيس حزب شيوعي عمالي واحد في العراق، وذلك في مستقبل ليس ببعيد.
وكأثبات في الدفاع عن هذه السياسة، أشير الى بعض النقاط:
1-ثمة مادة لتأسيس مثل هذه المنظمة التي بوسعها أن توحد مجمل قوى الشيوعية العمالية، وفي الوقت الراهن في نطاق كردستان صرفاً، وتجرها للنشاط المبرمج في الساحة السياسية. انها ليست منظمات وجماعات شيوعية متعددة تعتبر نفسها تيارات شيوعية-عمالية فحسب، بل طيف واسع من الحلقات العمالية النشطة في خضم الحركة المجالسية تمثل المادة البشرية العامة لمثل هذا الحزب. ان صلة هذه القوى والجماعات بالطبقة العاملة أقرب بدرجات كبيرة من تجربة حركة اليسار في ايران لحد الان. وحتى اذا كانت جذور المنظمات والجماعات الاساسية لا تعود الى الحركة والاحتجاج العمالي انفسهما، فإنها، في سياق وخضم الحركة المجالسية، وعبر طروحات الشيوعية العمالية، جعلت من الصلة أقرب كثيراً ما بين الجماعات والاحتجاجات العمالية من الناحية العملية والبرنامجية والمطالباتية مقارنة بصلة الجماعات والاحتجاج الطبقي في ايران والذي لاتبلغ هذه الدرجة، اللهم الا في نطاق كردستان ايران الذي لم تتوفر له الفرصة بعد للبروز الواضح في مد سياسي. اذا لم تبين الاوضاع عن وجود حركة موحدة وطبقية شيوعية عمالية، وهو الامر الذي هو كذلك، فانه يدلل على أية حال وجود نقطة انطلاق مناسبة بصورة استثنائية لانطلاق تحزب الشيوعية العمالية.
2-وإن تكشف الوثائق والنقاشات المدونة للتيارات الشيوعية في كردستان عن درجة من التيه الفكري والبعد عن التصور الشيوعي العمالي، وبالأخص في الجوانب المتعلقة بالأسلوب ونمط العمل والتكتيك وكذلك الاستقطابات والنقاشات الزائدة عن الحد، فإن، من الواضح، ان جذورها تعود للتاريخ التنظيمي لهذه الجماعات اكثر مما الى اختلافات سياسية تم التفكير بها في المرحلة الراهنة، وبينت الحركة الشيوعية في كردستان العراق إجمالاً فهماً جيداً للشيوعية العمالية. ان المعالم المهمة لهذا الفهم برأيي هو الاعلان الراسخ عن الإيمان وبمبدأ واصل الصراع الطبقي والاحتجاج العمالي ووجود تصور عالمي في تقييم الاوضاع المحيطة بها، ورسم الحدود الفاصلة مع النزعة القومية والفهم الماركسي للاشتراكية بوصفها إلغاء العمل المأجور وانهاء الرأسمالية. لا يمكن مقارنة اشكال الفهم هذه أبداً بالأجواء العامة لليسار في ايران إبان تأسيس الحزب الشيوعي الايراني.
التذبذب والتأرجح والنواقص النظرية لهذه الحركة والتفاسير المُبهمة والمتنوعة للتيارات المختلفة لنقاشاتنا وغير ذلك هي، أولاً، لا زال محدوداً في نطاق التذبذب والتأرجح الذي قد يظهر في تيارنا اليوم، وثانيا، وقبل ان يكشف عن عدم الاستعداد المعرفي وعدم الاستقامة النظرية لليسار في العراقي، فانه ناجم عن غياب خط سياسي وقيادة ذات مكانة في هذه الحركة نفسها تقوم بفلترة مثل هذه التفسيرات وتضعها في مكانها الحقيقي. في كل مرحلة على امتداد تاريخ تيارما، إذا غاب الخط الرسمي وقيادة نظرية ذا اعتبار، سيبرز التذبذب والتأرجح والتفاسير المتنوعة الى حد كبير. انها سمة أية حركة سياسية ان تقوم بخلق مرجعية فكرية وسياسية وخط رسمي وتفسيرات مختلفة لأهداف ومهام تتبعها دوما بموازاتها على الاصعدة المختلفة لأية حركة. بوسع الحزبية والتحزب فقط ان يؤمن هذا الثاني، اي قيادة فكرية وسياسية ذات اعتبار ومقبولة، وهي غير موجودة، ولهذا، تتوفر ارضية لطرح تفاسير متنوعة دون شك. بعبارة أخرى، ان التحزب ليس منوطاً بالتعمق النظري والتشارك الفكري والنظري أكثر بين شيوعيي العراق، وانما نفسه (اي التحزب) هو الشرط المسبق لهما.
3-المرحلة الراهنة مرحلة حاسمة في العراق. لم يؤدي صراع القوى السياسية والاجتماعية الى حسم بعيد المدى. إنها أوضاع غير مستقرة، وان القوى البرجوازية، ومن ضمنها الاحزاب القومية في كردستان، غير قادرة على السيطرة التامة على الاوضاع وفرض مجمل برنامجها على المجتمع. يمر مجمل العراق في أزمة وانعدام الحسم السياسي. في غضون هذه المدة، توفرت فرصة لأن يرتقي العمال بوضعهم. إذا لم تحقق الطبقة العاملة في العراق او على الأقل في كردستان في هذه المرحلة مكاسب حزبية وتنظيمية حاسمة، فان مجمل هذه الفرصة تفلت منا، وفقط ربما في مستقبل أبعد كثيراً، تتوفر الامكانات التي لدينا الآن لتأسيس حزب عمالي مرة أخرى. زد على ذلك، إذا دفعت القوى البرجوازية الأزمة لصالحها، لن يتعرض العامل الكردي والعربي في العراق من الناحية الموضوعية، بل كذلك من الناحية الفكرية والروحية، الى تراجع اساسي. فالالتفاف الراهن حول رؤية الشيوعية العمالية ليست أمراً باقياً للأبد. يجلب الإخفاق معه إعادة النظر بالأشياء والمراجعة واليأس وعدم القناعة، مما يجعل عمل الشيوعيين في العراق أصعب بدرجات.
بالإضافة الى ذلك، ان الحزب الشيوعي العمالي هو أمراً حياتياً للتدخل المؤثر في الساحة السياسية الراهنة للعراق. ثمة مسائل مهمة في هذا البلد يتم حسمها. في غياب حزب شيوعي عمالي مؤثر، بوسعها فقط ان تُحسم الأمور لصالح البرجوازية والرجعية.
5- وأخيراً، ومثلما تبينه الاتصالات الواسعة لرفاقنا بالحركة العمالية ويسار كردستان العراق، وكذلك من خلال النشريات والادبيات السياسية لهذه التيارات، أخرجت هذه الحركة في مثل هذه المرحلة كوادر بارزة ومقتدرة جدا. لا يشكو الحزب الذي يتأسس اليوم أي نقص من ناحية الكوادر. ان عدد الناشطين الاشتراكيين ذوي القراءات الجيدة والواعين والمنهمكين مباشرة بالحركة العمالية في كردستان العراق ليسوا قلة أبداً.
من الضروري ان أشير الى بعض الملاحظات الأخرى:
1-سيوضح تأسيس مثل هذا الحزب، الى حد كبير، مستقبل الشيوعية العمالية في كل المنطقة. ان الخطوة الأولى من حزب واحد الى حزبين هي خطوة حاسمة الى حد كبير. إنها مقدمة إيجاد كتلة شيوعية في الشرق الأوسط ستترك وبسرعة تأثير كبير على اليسار في مجمل بلدان المنطقة. إن هذه الخطوة تضفي على حركتنا عملياً سمة أممية (ولو بصورة أولية) وتخلق معها أيضا ضرورة إيجاد هيئات قيادية أممية. إن وجود هذه الهيئات يجعل نشاطنا الأممي يدخل مرحلة جديدة، ويفتح أبواب جديدة أمام الشيوعية العمالية.
2-ان الحزب الذي ينبغي أن يتأسس هو منظمة على صعيد العراق أو كردستان العراق هي قضية ينبغي توضيحها في العملية والصيرورة نفسها، وفي خضم تبادل الآراء مع الرفاق العراقيين. ان معرفتنا بالمجاميع النشطة في كردستان هي أكبر، ويبدو ان التعاطف مع الشيوعية العمالية في هذه المنطقة أوسع. وان يكن ثمة شواهد على نشاط هذا الميل في المناطق العربية كذلك.
3-لا ينبغي ان يتمثل سعينا دون شك على جمع تنظيم بصورة شكلية. إذا تبين ان الأرضية اللازمة لتأسيس مثل هذا الحزب في هذه المرحلة غير موجودة، عندها ينبغي السعي لكسب أكثر ما يمكن من المكاسب الممكنة صوب التحزب المقبل للشيوعية العمالية في العراق. على أية حال، لا يتمثل قصدي من هذا النقاش طرح صيغة دوغمائية “ينبغي تأسيس الحزب حتماً”. بل التأكيد على نقطة: طالما تبين عدم استحالة الموضوع، يتمثل سعينا بمتابعة وتعقب هذا الهدف.
منصور حكمت
نُشِرَ لأول مرة في شباط 1993 في العدد (4) من جريدة انترناسيونال (الاممي).