13 شباط والتظاهرة المليونية النسوية في العراق!
ليس معلوما لحد اللحظة من الذي دعا الى تظاهرة مليونية نسوية في يوم 13 شباط. هل هي منظمة طلابية- ومن ضمنها طالبات-او لجنة تطلق على نفسها لجنة انتفاضة تشرين. الا انه وبغض النظر عن الداعي، انتشرت الدعوة بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي. جاء النداء الى تنظيم تظاهرة مليونية نسوية ردا على تغريدة لمتقدى الصدر دعا فيها الى منع الاختلاط في الخيم في ساحات الاعتصام. هذه الدعوة تلقت ردود فعلية فورية رافضة وساخرة. فقد سجلت عشرات الفيديوهات من قبل الشابات والتقطت العديد من الصور المتهكمة رفضا لتلك التغريدة. وتوجت ردود الفعل هذه بالدعوة الى تنظيم تظاهرة نسوية مليونية في عموم محافظات العراق
في اليوم التالي على اعلان الدعوة للتظاهرة النسوية المليونية دعا مقتدى الصدر النساء للخروج في يوم 14 شباط، اي يوما واحدا بعد التظاهرة النسوية المليونية، والمناسبة كانت هي بمناسبة الاحتفاء بمناسبة ارتباط فاطمة الزهراء بعلي ابن عم محمد. وان تلك تصادفت مع الاحتفال بعيد الحب!!!
لم يصل عدد النساء المشاركات الى مليون امرأة بالتاكيد ولكن العدد بلغ الالاف في بغداد والبصرة و ذي قار(الناصرية) وبابل. وهذا امر متوقع. ان الاسر تمنع بناتها في الاعم الاغلب من المشاركة في التظاهرات لقد تعرضت بعض الشابات في بغداد وقبل وصولهن الى ساحة التحرير حيث تصل التظاهرة الى مضايقات من قبل رجال امن لمنعهن من الالتحاق. الا انهن واصلن التوجه ودخلن ساحة التحرير. فتيات في اوائل العشرينات، معظمهن طالبات جامعيات وخريجات وموظفات وربات بيوت وعاملات، وعاطلات عن العمل. واشتركت في التظاهرة بعض المسنات من النساء، والشابات الصغيرات السن. لقد هتفن بشكل لم يسبق له مثيل ولمدة ساعة ونصف على امتداد المسيرة. لم ترفع العديد من المطالب النسوية في تلك التظاهرة من قبيل: انهاء العنف ضد النساء، او اقرار قانون لتجريم العنف، او عمل للعاطلات عن العمل، او القضاء على زواج القاصرات، والخ من المطالب النسوية المعروفة. لقد كانت شعاراتهن تدور وتتمركز حول السلطة واقطابها. لقد كانت هتافاتهن تعلن عن: رفضهن لرئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي. هتافاتهن ضد تدخل ايران وامريكا في العراق. ادانتهن لكل الاحزاب التي تعمل بأمرة ايران او امريكا. اكدن على استقلاليتهن في هذا الخروج الى التظاهرات بتكرارهن انهن لم يخرجن بتغريدة. في اشارة الى اتباع مقتدى الصدر الذي يتحركون وفقا لتغريداته. واكدن على انهن روحا وجسدا مع الثوار. وانهن جئن ليساندنهم
اكدن على دورهن ومشاركتهن بانهن نزفن في هذه الانتفاضة دماءا. ورفعن صورة الضحايا التي سقطت في لائحة كبيرة تحمل صور سارة طالب، وهدى خضير، وزهراء القره لوسي، وجنان الشحماني اللواتي قتلن في الانتفاضة
الا ان هذا الظهور الاستثنائي للنساء في بغداد وباقي المحافظات لم يرق للميلشيات.حيث نشر الجناح السياسي لميلشيا عصائب اهل الحق( كتلة الصادقون) بيانا تشير فيه الى ان حدة “الحرب الناعمة” ستقضي على الاخلاق والقيم، وتمزق المجتمع. وان خروج النساء كان نتيجة تدخل السفارة الاميركية
يبدو ان العصائب والتيارالصدري لم يحتملوا قيام النساء بالتعبير عن موقفهن السياسي تجاه سلطتهم التي حكمت لمدة 17 عاما. وان سياساتهم ادت الى اولا وقبل كل شيء الى افقار النساء. 83% من النساء المؤهلات للعمل عاطلات.والعاملات منهن بدون حقوق ولا يتعدى عددهن اكثر من 17% . وحتى تستطيع المرأة الحصول على فرصة عمل، يساومها على جسدها ارباب العمل، قطاع حكومي او خاص. يضعوها امام خيارين اما الفقر، او التنازل عن جسدها كشرط للحصول على فرصة عمل. تضطر الاسر الى تزويح بناتهن في سن الطفولة للتخلص من مسؤوليتهن الاقتصادية. ونتيجة هذه الزيجات وصلت نسبة الطلاق في العراق الى 10 حالات في الساعة الواحدة حسب الاحصائيات على مدى السبعة أشهر الأولى من عام 2019
80% من النساء يتعرضن للتحرش الجنسي. المكان الوحيد الذي لم تتعرض له النساء للتحرش هو ساحات الاعتصام منذ بدأت الانتفاضة ولحد كتابة هذه السطور. لشيوع روح الرفاقة بين الموجودين والموجودات. وهذا باعتراف النساء قبل الرجال
على امتداد 11 عاما، تسعى النساء الى اقناع البرلمان باصدار قانون لتجريم العنف ولتحمل الدولة مسؤوليتها لتوفير الامان للنساء. لم يصدر هذا القانون ويجري تحويله من فترة انتخابية الى الفترة التي تليها. ولم يقدم مرة اخرى. سبب عدم تشريع هذا القانون هو الاحزاب الاسلامية الشيعية التي لا تريد فقط عدم تشريع قانون يجرم العنف بل تصدر قوانينا تحث على اغتصاب الاطفال باقتراحها قانون الجعفري في الاحوال الشخصية. المنظمات النسوية تطالب ل11 عاما لاستصدار قانون يجرّم العنف ضد النساء، والذي يوقف اصداره هو الاحزاب الاسلامية. النساء تريد ايقاف العنف. الاحزاب الاسلامية تعترض على هذا المطلب. فالعنف ضد النساء هو شرعي وصحيح حسب قوانينهم.
اصبح وبالا على الفتيات المتزوجات الزيجات خارج المحاكم، ومن ثم التنصل عن حقوق الزوجية والمسؤولية تجاه حتى الاعتراف بالاطفال لعدم تسجيل الزيجات في المحاكم الرسمية. زواج المتعة اصبحت تدعو له منظمات المجتمع المدني الاسلامية الشيعية لتعطي اسعارا لاجساد النساء. اصبح بيع المرأة لجسدها مقابل المال سرا او علنا، ليس قليلا. الاتجار بالنساء لا يقوم به مواطن عادي، بل عصابات مسلحة ومدعومة ولا تخشى القانون، بل بيدها تطبيق القانون.
تسول النساء والاطفال من الاناث في كل راس شارع وفي كل تقاطع طريق. النساء يجمعن ما يمكن ان يباع من الازبال لتدبير معيشتهن. من زرع هذه التقاليد وهذه الثقافة؟ من كان الذي يمسك بزمام السلطة والمال والقانون والسلاح و” الفضيلة”؟ ليجعل من ثقافته ثقافة دارجة وسائدة في المجتمع. اليست هذه كلها هي نتاج سياساتهم في المجتمع وضد المجتمع؟
النساء من ذوات الشهادات العليا اللواتي خرجن للمطالبة بفرص عمل، واعتصمن بكل سلمية، فتحت المياه الساخنة على تجمعهن واسقطن ارضا. وهي احدى الشرارات التي اشعلت هذه الانتفاضة. اذا كانت حاملة شهادة الدكتوراه تتعرض لهذه المعاملة من قبل الدولة، فما عسى المرأة الامية ان تنال من معاملة الدولة؟ عدد الارامل في العراق يبلغ ملايين. ونحن نتحدث فقط الان عن المناطق المصنفة” شيعية” اما اذا انتقلنا الى اوضاع النساء في المناطق المصنفة ” سنية” فهنالك سلسلة اخرى من المعاناة وعلى مختلف اشكالها
هذا هو ما اخرج النساء للانتفاض ضد هذه الاوضاع. الفقر، والشعور بالظلم، ورؤية الفساد، والنهب والمحاصصة. وليس السفارة الاميركية التي جلبت النساء للانتفاضة
ما اخرجهن هوسياسة الطبقة الحاكمة من احزاب وميلشيات، وليست السفارة الامريكية. لقد تحملت الشابات والنساء الغاز والدخانيات والاختطاف والقتل والضرب. ولولا قيود الاسر العراقية، ومنع الشابات والنساء من الخروج ناهيك عن رفض الاسر لبناتهن من الالتحاق بالتظاهرات، لرأت عصائب اهل الحق والتيار الصدري ما لم يروه من قبل.لخرجت الاف مؤلفة من النساء في العراق، وحينها ستجد العصائب نفسها امام حرب خشنة فعلا وليست ناعمة كما يقولون. انهم بهذه التغريدات والبيانات وباستخدام القتل والاختطاف يسعون الى اخراج نصف المتظاهرين، كتعبير عن نصف المجتمع، من تلك التظاهرات والانتفاضة، من اجل انهائها والقضاء عليها.
والحال، الشابات والنساء يتصلن بالف وشيجة ووشيجة ببعضهن البعض، ويرتبطن بالف وشيجة ووشيجة مع رفاقهن من الشباب، ليس على صعيد محلي فقط بل وحتى على نطاق اقليمي وعالمي. ان مشكلة النساء مع السلطة الحاكمة ليست مشكلة محلية عراقية. بل اقليمية وعالمية، مشكلة الطبقات المحكومة مع الطبقات الحاكمة. انهن يرين نساء لبنان والسودان وايران والجزائر وتشيلي ونضالهن ضد الطبقات السائدة في تلك البلدان، وانهن لا يختلفن عن باقي النساء في هذه البلدان بالتصدي للسلطة او السلطات في العراق
لن تعود عقارب الساعة للوراء..ان جيلا مذهلا، شبانا وشابات، يلد من رحم كل هذا البؤس. انه الضوء في هذه العتمة الحالكة. وان يعد ويعمل من اجل التغيير.