حرب الموصل وعواقبها! مقابلة اذاعة نينا مع اذر مدرسي (سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي الايراني-الحكمتي (الخط الرسمي)
اذاعة نينا: هناك طيف متنوع من القوى والدول المشاركة في عمليات “تحرير الموصل” او تسعى للتدخل. ماهي الصراعات والاهداف التي تقف وراء هذا المشروع؟ مع خروج داعش من الموصل، هل سنشهد نهاية الصراعات القومية والدينية في المنطقة؟ الى اين يمضي عراق مابعد الموصل وتحريرها؟
اذر مدرسي: ربما اذا نعطي تصور، ولو سريع، عن كيفية تسليم الموصل، تكريت، الفلوجة وبعدها سنجار الى داعش، ونعرج على حدث جرى قبل سنتين، سنجد تصويرا دقيقا للعمليات الراهنة المسماة “عمليات تحرير الموصل”. قبل عامين، سيطرت حركة داعش بدون اقل مقاومة من الجيش والقوى الحكومية على هذه المدن الثلاثة ، وبعدها سيطرت على مدينة سنجار بدون اي مقاومة تذكر من قبل القوات المسلحة لحكومة اقليم كردستان، تم تسليم هذه المدن الى هذا التيار المظلم وشهد العالم عملية قتل واسعة، وتشرد مئات الالاف من جماهير هذه المدن. في وقتها كان معلوما ان تحرك داعش ودخوله الاراضي العراقية ليس حدثا جرى صدفة او عابراً، كان معلوماً ان هذا التحرك هو جزء من عملية اكثر جدية لامريكا وحلفائها في المنطقة.
مع هزيمة مشروع امريكا او تحرير سوريا التي كان من المقرر ان تتحقق على ايدي انواع من الجماعات القومية والدينية، من ضمنها جيش التحرير السوري الذي كان داعش وجبهة النصرة كلاهما من اعضائه، والتقدم الذي حققه الجيش السوري بدعم من ايران والتدخل العسكري الروسي في سوريا نفسها، ضيق الميدان عملياً اكثر واكثر على تيار مثل داعش. كان على امريكا وحلفائها تعويض هذا الاخفاق. توجب عليهما تغيير توازن القوى الجديد هذا نوعاً ما الذي هو بصالح الاسد وحلفائه، الذي هم اساساً ايران وقوى حزب الله وسوريا. ان دخول داعش للعراق، تسليم تكريت والفلوجة وسنجار هو في الواقع مشروع امريكا وحلفائها المحليين مثل السعودية وتركيا وقطر لتعويض ذلك الاخفاق. ان جر ازمة سوريا ومدّها الى العراق واضعاف الدولة الشيعية في العراق، والتي هي حليفة ايران، او بالاحرى تحت النفوذ الجدي لايران، هو مسعى لاضعاف مكانة ايران في المنطقة، وكذلك، مثلما قلت، سعي لتغيير توازن القوى الذي نجم عن تقدم الجيش السوري وبدعم من دولة ايران والتراجع الذي فرض على القوى الحليفة لامريكا وامريكا نفسها في سوريا.
اذا تتذكرون لم تصف الدول الغربية في وقتها ووسائل الاعلام الرسمية داعش كارهابية، بل “المناضلين الاسلاميين”. بوصفهم “المناضلين الاسلاميين” الذين هم من الواضح معارضين لاستبداد بشار الاسد ويناضلون من اجل اقامة “مجتمعهم المنشود”. اطلقوا عليهم اسم محاربي الحرية وسعوا الى تبيان ان داعش وجبهة النصرة بوصفهم جزء من بنية الحياة السياسية في الشرق الاوسط. سعوا الى تصوير هذا التيار بوصفه احد القوى الجماهيرية في الشرق الاوسط لاقامة ” مجتمعه المنشود”. سعوا الى فرضها على الجماهير بوصفها قوة ينبغي ان يكون لها مكان ودور في المعادلات السياسية المقبلة للشرق الاوسط. ان ارهابية داعش او تشكيل تحالف ضد داعش قد تم اقراره حين قررت داعش ان تمد ارجلها خارج الغطاء المعد لها وتدفع بنطاق ارهابها من الشرق الاوسط والعراق وسوريا الى اوربا. آنئذ طُرح النقاش حول ان داعش هو تيار ارهابي. على اية حال، اذا نعود الى ماقبل عامين، كان السيناريو هو، مع دخول داعش للعراق ومع احياء بقايا نظام البعث الذين ابرزوا انفسهم ولازالوا بصفة سنيّوا العراق، كانوا ينشدون اضعاف مكانة ايران في سوريا ودعمها للاسد، واجمالاً، انتزاع العراق بوصفه بلد تحت تاثير النفوذ الجدي لايران من ايدي ايران على السواء. حتى لو تم ذلك بثمن تقسيم وتفتيت العراق. لقد تمثلت القضية بوجوب اضعاف مكانة ايران في سوريا وفي العراق على السواء ووجوب تغيير توازن القوى الذي كان لحد تلك اللحظة في صالح ايران. ان دخول داعش للعراق هو ركن جدي لسياسة امريكا وحلفائها هذه لاضعاف مكانة الجمهورية الاسلامية في المنطقة.
وبهذه المقدمة، اذا اردت ارد على سؤالك، فان مشروع مايسمى بتحرير الموصل هو ادامة الصراع ذاته. ليس لهذا المشروع اي ربط بتحرير الموصل من قبضة احد اكثر التيارات الاسلامية والارهابية ظلاماً ووحشية. ان عمليات تحرير الموصل، فيما يخص بتحرير الموصل من جهنم داعش، هو صحيح بقدر الهجمة على العراق و”ديمقرطته”، وبقدر الهجمة على افغانستان من اجل تحرير جماهير افغانستان. او التدخل مايسمى “الانساني” للناتو من اجل تحرير سوريا وجماهير ليبيا. لم تكن لهذه العمليات اي صلة بتحرير جماهير تلك المناطق، وليس لهذه العمليات صلة بمجابهة جماهير تلك المجتمعات للديكتاتورية الحاكمة في مجتمعاتهم، وهو الامر ذاته فيما يخص عمليات اليوم، حيث ليس لها اي ربط او صلة بحياة الملايين الذين يعيشون في الموصل اسرى عصابة داعش الاجرامية، وليس من المقرر ان تجلب هذه العمليات معها تحرير جماهير الموصل. ان هذا لايخفيه حتى رؤساء الدول الغربية والرجعية للمنطقة كذلك.
اذا تنظر اليوم، ستجد اختلاف كبير بين دعايات المسؤولين الغربيين ووسائل الاعلام الحكومية واليمينية في الغرب عن دعاياتهم في مرحلة الهجمة على العراق، مرحلة الهجمة على افغانستان، او حتى مرحلة “عمليات تحرير سوريا” او “تدخلهم الانساني” في ليبيا. لاترى الامر اليوم، مثل تلك المرحلة، في دعاياتهم الصخب حول ان من المقرر تحرير جماهير الموصل، وانه يؤمل ان تجلب هذه العمليات حياة افضل لهم. على العكس من ذلك، يحذرون مراراً وتكراراً من ان هذه العمليات لن تنتهي بسرعة. يتحدثون عن ان داعش قد اعد نفسه واستعد جدياً في الموصل، يتحدثون عن ان داعش اعد خندق كبيراً حول المدينة، لايتورع عن حرق ابار نفط الموصل، يحذرون من ان لدى داعش اسلحة كيمياوية يستخدمها، ويعلنون ان الحرب على داعش ستبدأ مع دخول الجيش العراقي وبقية القوى المنخرطة الى الموصل، عندها ستبدأ الحرب الحقيقية. يحذرون ان ماسيجري في الموصل سيكون حرب بيت بيت ومحلة ومحلة، وان مصيبة حلب ستكون لاشيء امامها. فيما يخص ابعاد وحجم اعمال قتل المدنيين في الموصل ستكون اسوأ من حلب، ويعلنون في الوقت ذاته انه ستكون عملية تشرد واسعة، وان ليس اي من الامم المتحدة ولا القوى المتحالفة التي تقصف جماهير تلك المنطقة ليل ونهار قد اعدت انفسها لهذا الوضع. استعدت منذ اكثر من سنة لحربها، ولكن لم تستعد مطلقاً لحياة الفارين من الحرب، للمهجرين الذين هربوا من قبضة داعش او الذين افلتوا من قصف حلفائها.
من الان وقبل ان تطأ اقدام احد مدينة الموصل، بدأ الصراع والنزاع حول مستقبل هذه المدينة، حول مستقبل العراق يترك تاثيره على المستقبل السياسي للشرق الاوسط وتوازن القوى بين الحكومات الرجعية للمنطقة مثل ايران، السعودية، تركيا وقطر وغيرها. صراع احد اطرافه دولة تركيا التي تسعى جدياً، وبدعم من امريكا للتدخل في هذه الحرب، طرف اخر هو دولة الجمهورية الاسلامية التي تستعرض عضلاتها عبر قناة مايسمى بشرعية الحكومة العراقية، وانه ينبغي ان تكون للحكومة العراقية الدور الاساسي في هذه القضية، وعبر اعداد قوى الحشد الشعبي الذي اعلن اليوم انه دخل الحرب عملياً وفعلياً بالضد من معارضة امريكا وممانعتها، وتقاوم ايران “قوى التحالف”. ان طرف اخر هو هذه الاحزاب الكردية ونزعتهم لنيل حصتهم وكذلك تيارات تطالب باقليم نينوى. شرع كل هذا الصراع وقدم احد لم تطأ مدينة الموصل بعد وقبل ان يكون هناك اي خبر او معلم عن خروج داعش من هذه المدينة.
على اية حال ان “عمليات تحرير الموصل” ليست عمليات من اجل تحرير جماهير الموصل، بل حرب حول مستقبل العراق، حول مستقبل الشرق الاوسط ومكانة دول واقطاب رجعية محلية مثل ايران، تركيا والسعودية. تلعب حرب الموصل دور جدي في سيناريو الغرب لشرق اوسط جديد. سيناريو تحويل بلدان الشرق الاوسط الى انواع من الاقوام والقوميات والاثنيات المختلفة بحكومات قومية ودينية اعد لها من وقت بعيد وصيغ سيناريو لها. شرق اوسط يُحال توازن القوى فيه الى قوى محلية مثل ايران، تركيا، السعودية، قطر واسرائيل و… .
انه، وبصورة واقعية وحقيقية، الصراع الاساسي لقوى منخرطة في عمليات الموصل، وانه عبر هذا الصراع الذي من المقرر حسمه عبر عمليات تحرير الموصل.
فيما يخص ماذا يحل بمستقبل الموصل، ان حظوظ انتزاع هذه المدينة من ايدي داعش هي كبيرة جدا. اذ تبين اليوم هذا دلائل وحقائق كثيرة جدا على ان دول تركيا والسعودية وبدعم من امريكا قد قررت على اعادة داعش لسوريا، ويعيدوا هناك من خلال داعش مرة اخرى حربهم غير المنتهية بعد مع ايران والاسد. وعليه، ينتزعون الموصل من داعش، وهو الامر الذي يوجه ضربة جدية لداعش دون شك، بيد ان قصة داعش وقصة اعمال القتل والجرائم التي قام بها هذا التيار بوصفه اداة بيد السعودية وتركيا لن تنتهي قط، وينبغي انتظار انه بعد خروج داعش من هذه المدينة، سنرى تحركات جدية اكثر منه في سوريا.
اعتقد انه لامر جلي جدا، مع مايسمى بتحرير هذه المدينة، ستطلق صافرة شروع حروب قومية ودينية اوسع في العراق والشرق الاوسط، وان هذا مايتحدث عنه الجميع الان، لايخفوه، ليس هذا وحسب، بل يتحدثون عن كيفية وطريقة الدخول لهذه الحرب الجديدة والاعيبهم ويطرحون بدائلهم اليوم على الطاولة. لم يحدث اي شيء بعد، وها نرى تركيا تريد الحاق الموصل، وذلك نظرا لكونها سنية الطائفة وتاريخياً كانت جزء من ارض تركيا، والقوميون العرب في نينوى يريدون استقلالها او فدراليتها، حكومة اقليم كردستان تستفاد من هذه الفرصة وتتحدث عن عراق فيدرالي لكي يتم اخراجه من تحت نفوذ ايران. من جهة اخرى، تقاوم ايران بصورة جدية، واعلنت عن دفاعها عن “وحدة العراق”. وتحت ستار الدفاع عن شرعية الحكومة المركزية في العراق و”عراق موحد”، تقاوم هذا السيناريو وتدافع عن نفوذها.
وعليه، مع تحرير مدينة الموصل، هل سنشهد غد افضل لجماهير هذه المدينة؟ بالطبع لا. سنشهد عملية قتل جماعية، عملية تشرد واسعة، وان افلت احد ما جلده من عمليات القصف وجرائم داعش، ستكون هناك اشتباكات وحروب قومية وطائفية اوسع واعنف.
اذاعة نينا: فيما يخص مايسمى بحرب تحرير الموصل، يعتبر موقف الحزب معاكساً للتيار. في الوقت الذي ينظر القسم الاغلب من التيارات السياسية في العالم العربي وبين اوساط احزاب كردستان العراق وايران الى هذه الحرب بعين التفاؤل، الى اية معادلات يستند الموقف المختلف للحزب؟ لماذا ليس هناك ادنى مكان للتفاؤل وسيناريو تفاؤلي لجماهير الموصل والمنطقة في موقف الحزب؟
اذر مدرسي: اعتقد ان يكون القسم الاغلب من القوى متفائل بهذه الحرب هو ليس امراً صحيحاً. اذا تنظر بصورة واقعية للاوضاع وردود افعال الاحزاب السياسية في العالم، لاترى تفاؤل بهذا الوضع. لقد ذكرت في القسم الاول ان الجميع يحذر من المصائب الانسانية الجارية، كما يتحدث الجميع عن ان الحرب الاساسية في الشرق الاوسط وفي صراع الاقطاب الرجعية في الشرق الاوسط بعد تحرير الموصل او خروج قوات داعش منها. من الممكن لتيارات غير اجتماعية، والتي تحت راية النضال ضد الاسلام السياسي تدافع عن الناتو وتدخلها الانساني في ليبيا وسوريا، قد تقرع طبول التهليل لهذه الحرب وتدعي انه يمكن عبر قصف هذه المدينة او محو كل مدنية تلك المدينة ان تكون متفائلة بالمستقبل. ولكن القسم الاغلب من القوى لاتقول ذلك. حتى في كردستان العراق، فان القوى المنخرطة، حكومة اقليم كردستان واحزاب البارزاني والاتحاد الوطني لم تعلن عن تفاؤلها بهذا. في الحقيقة يشعرون بالقلق الكبير على المستقبل السياسي لكردستان نفسها، قلقين على المستقبل السياسي لحزبهم وحكومتهم وقلقين على ان يمتد بساط الحرب الى المدن الاخرى في كردستان والمصير السياسي للعراق والمنطقة.
ولكن حتى لو وضعنا كل هذه الحقائق جانباً، نعود الى سؤالكم هل ثمة تفاؤل وسيناريو تفاؤلي لجماهير الموصل والمنطقة، واذا كان الامر كذلك، لماذا موقفنا ليس كذلك. لايمكن، برايي، رؤية اي تفاؤل بمآل هذه الحرب ومستقبلها بالنسبة لجماهير الموصل والمنطقة.
اي مستقبل مشرق يمكن الاشارة اليه. انظر بنماذجه. مستقبل مشرق مثل سوريا وليبيا؟ مثل افغانستان؟ مثل العراق؟ او مستقبل مشرق مثل مجمل المجتمعات الاخرى التي ضرجها الناتو والقوى الغربية او الرجعية الاقليمية في الشرق الاوسط او افريقيا بالدماء و جروا المجتمع للدمار؟ هل لجماهير هذه الدول اليوم مستقبل اكثر اشراقاً؟ لماذا ينبغي ان يكون للموصل التي تمر بالسيناريو ذاته، بالقوى المتدخلة نفسها، وبالنوع ذاته من الصراعات التي من المقرر ان تدمر المجتمعات يكون لها، اي الموصل، مستقبل اكثر اشراقاً؟
انها ليست ثورة جماهيرية ضد نظام استبدادي. انها ليست حركة جماهيرية من اجل تنظيف التاريخ من داعش. انها ليست حملة الجيش الاحمر او عمال العالم من اجل انهاء داعش. انها حرب بين داعش وقوى اقل منها او اكثر ظلامية حول مصالحهم وحول توازن قواهم في تلك المنطقة، وان يكون على حساب سحق مئات الالاف في هذه المدينة وعلى اطرافها. على حساب جعل الشرق الاوسط اكثر قومية او طائفية. في خضم مثل هذا السيناريو المظلم المليء بالعداوة والكرة القومي والديني، فاية امكانية موجودة لان تبرز الجماهير نفسها؟
في القسم الاول ذكرت ذلك ايضا، ان مجمل البلدان المنخرطة، وحسب قولهم، التجمعات الدولية، يتحدثون عن مصائب انسانية هائلة، اكثر هولاً من حلب وسوريا. الجميع يتحدث عن مستقبل مظلم ينتظر جماهير الموصل. في الحقيقة، ان لم يكن ذهن مريض وعجائبي، فكيف يرى في مثل هذا السيناريو ارضية لمستقبل مشرق لهذا المجتمع؟!
يتم التعامل اليوم مع الفارين كداعشيين، فروا قبل الحملة على مدينة الموصل، ويسكنون في اقسام اخرى من العراق او في كركوك، وحسب احصائياتهم فان مئات الالاف يعيشون في مدينة كركوك. تتعامل معهم الحكومة العراقية والقوى الشيعية الموالية للجمهورية الاسلامية بوصفهم سنّيين داعشيين. تتعامل معهم حكومة اقليم كردستان بوصفهم داعشيين، ومن الان ختموا جباههم بختم داعشي كالح ويعاقبون على اساسه. ويقال ان قسم من هؤلاء الناس قد اعادتهم حكومة الاقليم قبل بدء الحملة على الموصل ،وقالت لهم ان مكانكم هناك، ولايسمح لكم ان تدخلوا ارضنا، وقُتِل بعض الفارين على ايدي الحشد الشعبي بوصفهم داعشيين. ان تعامل الامس مع الفارين من الموصل يبين كيفية تعاملهم المقبل. وعليه، بالنسبة لمجتمع يُذبح على يد داعش او يقصف بصواريخ القوى المتحالفة، لايمكن رؤية اي مستقبل مشرق.
لاترسم الدولة الشيعية الموالية للجمهورية الاسلامية مستقبل مشرق للموصل والعراق، ولا حكومة اقليم كردستان الموالية لتركيا، ولا القوى السنية والشيعية، ولا الناتو وقوى التحالف، لاعصابات داعش والتيارات الدينية الاخرى. انهم جزء جدي من واقع الامر، وجزء جدي من المصيبة التي فرضت في العراق، الموصل، او سوريا على السواء على المجتمع. وعليه، فان طرح ان يكون هنا مستقبل مشرق من صراعهم، فان لم يكن نزعة خداع، بوسعه ان يدلل على تفاؤل ساذج. ان الحرب التي ختمت بطابع وهوية قومية ودينية واثنية وعشائرية، ليس بوسعها اطلاقاً ان ترسم مستقبل مشرق لجماهير الموصل والعراق والشرق الاوسط.
اذاعة نينا: اشرت الى اعمال القتل في الموصل، ان لكل حرب خسائر وثمن في المطاف الاخير، وليس ثمة تيار اجرامي يخضع او يستسلم بصورة طوعية. اذ اذا اردت غدا الاطاحة بالجمهورية الاسلامية واي سلطة استبدادية، ينبغي ان تلجأ لقسر الاسلحة، ويُقتل في هذه العملية ناس ايضاً. الا يقربنا هذه الموقف الى وضع باسفيستي (سلبي، غير فاعل) فيما يخص سلطة داعش والجهنم الذي تلتسع بناره الجماهير ويقربنا الى نزعة انسانوية (هيومانيزم) عديمة الصلة والمحتوى؟
اذر مدرسي: ليس الامر اطلاقاً موقفاً باسفستياً او نزعة انسانوية عديمة الصلة والمحتوى. لكل ثورة خسائر دون شك، اذا اردت الاطاحة باي سلطة استبدادية، لايمكن ذلك دون قسر الاسلحة دون شك. ولكني وضحت سابقاً ايضاً ان ماهو مطروح ليس ثورة. انه ليس احتجاج جماهيري وانتفاضة جماهيرية او هبة جماهيرية او حتى حرب بين قوى ثورية وقوى الجماهير ضد سلطة استبدادية وكالحة وارهابية. انها حرب بين اقطاب رجعية مختلفة، من داعش الى قوى التحالف وامريكا، من الجمهورية الاسلامية الى حكومة الاقليم والحكومة التركية والحكومة العراق، لايلتسع قلبها شعرة لحياة جماهير ذلك المجتمع، لم يحسوا بالمسؤولية قط، ولايحسوا اليوم بالمسؤولية ايضاً، ولاتقر بقيمة لامر الاحساس بالمسؤولية. وعليه، لايتعلق الامر باذا لا تدفع الجماهير ثمناً وخسائر، لن يكون لنا موقف من هذه الحرب او ان ينبع موقفنا بصورة صرف من نزعة انسانوية عديمة المحتوى. اننا في حرب العراق وايران قلنا للجماهير لاتشاركوا في هذه الحرب. لاتذهبوا الى الجيش. قلنا لاتتحولوا الى وقود جيش الجمهورية الاسلامية وجيش العراق. انها مهمة اي شيوعي حين تجري حرب رجعية ان يقول للجماهير لاتنخرطوا في هذه الحرب، انها ليست حربكم. دعوا الذين لديهم مصلحة في هذه الحرب ان يشتركوا فيها انفسهم. ولكن هذه الحرب ليست حتى من هذا النوع ايضاً. انها حرب قتل جماعي ضد جماهير مدينة بحجة تحريرهم.
اليوم، ليس فقط التيارات السياسية ولا حزب شيوعي من مثلنا، بل حتى صحفي واعلامي شريف يعيش في اوربا يحذر بالقول انكم تخلقون جهنم اخر في الموصل، تقومون بخلق مقبرة جماهيرية في تلك المدينة، وترسمون مستقبل تلك المنطقة، مستقبل اكثر ظلامية لا في العراق فحسب، بل في الشرق الاوسط.
ثمة اختلاف كبير بين الثورة، بين مرحلة تنزل الجماهير الميدان مفعمة بالثقة بالنفس من اجل حياة افضل، من اجل غد افضل، من اجل الحرية، العدالة والمساواة ومستعدة لان تدفع ثمن ذلك، مستعدة لان تُقتَل، ولاندحة لها من ان تلجأ لقسر السلاح لتطيح بحكومة استبدادية، وبين حرب ليس للجماهير يد فيها او خيار، لم تتخذ قراراً بالدخول فيها، وليس لها مصلحة فيها. ان مثل هذا السيناريو ليس له للجماهير سوى اعمال القتل الجماعية والتطهير القومي في تلك المنطقة. ان هذه الحقيقة يجب قولها رغم مرارتها. ان امرء يصور المسالة ان لكل ثورة ثمن وتضحيات ويعمم هذا التصوير على هذه الوضعية هو اما ساذج جدا او تيار اتخذ موقفه بصورة واعية بالاصطفاف الى اكثر وسائل الاعلام الغربية يمينية.
اذاعة نينا: اعتقد ان هذا الموقف هو استثنائي، فقط الحزب الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني العراق، في هذا التوجه، ويتفقون معه، ماهي المهام التي يضعها هذا الموقف على جدول اعمال الحزب الحكمتي والحزب الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني؟
اذر مدرسي: من المؤكد ان كل من الاحزاب الثلاثة يضع مهام على جدول اعمال حزبه، سواء الحكمتي او العراقي والكردستاني، ومن المؤكد انها ستعلنها. اطرح رايي الشخصي هنا فقط.
فيما يخص الحزب الحكمتي، انه لواجبنا ومهمتنا بوصفنا تيار شيوعي ان نصرح للمجتمع بكل الحقائق، بمجمل مخاطرها وعواقبها، على الرغم من سوداويتها التامة وعلى الرغم من مجمل الدعاية سواء في الغرب او التيارات الموالية للحرب. ينبغي التصدي لمجمل هذه الدعاية الحربية ونصرح بالحقائق. ان قول الحقائق لايعني فقط ذكر واعلان الحقائق واعلان ان هذا ماسيحدث. اعتقد انه ينبغي ان نضع على جدول اعمالنا شن نضال جدي ضد كل سيناريو تحويل الشرق الاوسط، ومن بينه ايران، الى مجتمعات تغط في سيناريوهات قومية ودينية، لانه مثلما قلنا ان هذا هو سيناريو قديم. طرح اقدم لامريكا حول الشرق الاوسط، وان حرب الموصل تبدأ مرحلة جديدة من الصراع من اجل تنفيذه وتحقيقه. للجمهورية الاسلامية دور فعال في هذه الحرب، وهي احد اطراف الصراع في هذه الحرب، وتشيع اجواء سياسية مسمومة في مجتمع ايران تحت عنوان الصراع مع السعودية والصراع ضد داعش. ولهذا، اننا امام نضال جدي ضد تحويل الاجواء الى قومية وطائفية في ايران، اجواء مناهضة للعرب، اجواء مناهضة للسنة او الشيعة، اجواء مناهضة للجماهير غير الفارسية واجواء النزعة القومية التوسعية الايرانية. ينبغي التصدي الجدي لكل هذه الاجواء، وان نتحول الى حائل امام تحول الجماهير من الناحية الذاتية او الفكرية الى قوة في هذا الصراع.
وعليه، ان هذا جزء من نضال اكثر جوهرية واساسية، اطول لنا ضد تحويل الشرق الاوسط الى شرق اوسط قومي وطائفي. ينبغي ان نكون في مقدمة صف الدفاع عن شرق اوسط علماني، دفاعاً عن شرق اوسط غير قومي وغير ديني، دفاعاً عن شرق اوسط لايكون ميدان لالاعيب الدول الرجعية مثل ايران والسعودية وتركيا او قوى العصابات الظلامية من مثل داعش والحشد الشعبي والقاعدة و… بل شرق اوسط تحدد مصيره الجماهير التحررية، دعاة المساواة، جماهير لاتتمتع الهويات القومية والدينية المصاغة والمعدّة باي مكانة لديهم. ولهذا، فيما يتعلق بنا، ينبغي ان نسعى، بالاضافة الى قول الحقائق، ان نعد سدا محكماً في ايران بوجه جعل الشرق الاوسط قومياً وطائفياً، وان لانسمح ان يتلقى المجتمع ضربة من الاجواء المسمومة بشدة، الاجواء اليمنية، الفاشية والرجعية والوقوف بوجه تعميق الكره والبغض القومي والديني.
فيما يخص الحزبين، الشيوعي العمالي العراقي والكردستاني، الموضوع يختلف دون شك. ان هذين الحزبين منخرطين في ذلك المجتمع، وكقاعدة، بالاضافة الى المهام العامة والسياسية، هناك مهام اكثر عملية امامهم. تتحدث الاخبار اليوم من كركوك عن انه بعد بدء الحملة على الموصل، فان قسم كبير من النازحين الموصليين في هذه المدينة هم تحت ضغط حكومة اقليم كردستان اما انهم هربوا من المدينة او طردتهم حكومة الاقليم منها. في مثل هكذا اوضاع، ان مهمة تنظيم مساعدة نازحي مدينة الموصل، ومهمة مجابهة الاجواء المسمومة المعادية لجماهير الموصل من اهم مهام كلا الحزبين. على الحزبين ان يقطعا الطريق في العراق وكردستان على السياسات اليمينية والباثة للكراهية تجاه جماهير الموصل بحجة كونهم عرب، مسيحيين، سنة.
لاتتمتع الشيوعية، للاسف، بمثل هذا الاقتدار في المنطقة بحيث تحول دون هذه الهجمة والحملة، وتقف هي نفسها في مقدمة صف النضال ضد التيارات الاسلامية الارهابية مثل داعش، الحشد الشعبي، مقتدى الصدر او جبهة النصرة. لو كانت حركتنا الشيوعية والعمالية تتحلى بهذا الاقتدار، لاتخذنا صف وخندق مجابهتهم، ولقلنا عندها ليس لاحد حق الدخول الى هنا. ان الحرب هي حرب الجماهير التحررية ضد مجمل القوى الرجعية والقومية والدينية وصولاً الى الدول والعصابات المظلمة. للاسف، لانتمتع بهذه القدرة ، لكن ننظم عملية توفير الدعم لنازحي الموصل، بعيدا عن اي من اشكال الفرقة والتمييز القومي، الاثني، الديني. بوصفنا جزء من هذا المجتمع، بوسعنا ان نطالب بالانهاء الفوري لاعمال القصف، ونمارس الضغوطات على الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان كي يوقفوا اعمال القصف، وان لاتذهب ضحية ذلك جماهير المدينة. وهذا العمل هو مايقوم به كلا الحزبين الشيوعيين العماليين في العراق وكردستان. ان الامم المتحدة نفسها تعلن انها ليست مهيئة، وليس لديها الامكانية لاستقبال الفارين، ولايستطيعون ان يقدموا لاؤلئك الذي نجحوا في الافلات من ذلك الجهنم ونزحوا امكانيات لتامين الحد الادنى من المعيشة، وبالاخص سيصبح وضعهم اسوأ واسوأ مع قدوم فصل الشتاء. اذا لم نستطع اليوم ولسنا في مكانة او وضع بحيث ننظم مقاومة جماهيرية لداعش ومجمل القوى الرجعية هناك، لكننا نستطيع ان نقوم بتحرك انساني، نبيل، غير قومي، غير ديني دفاعاً عن جماهير الموصل، لاسكانهم وتوفير ملاذ لهم ونحول دون التطاول اكثر على الاقل على اناس استطاعوا الفرار من ذلك الجهنم او من ايدي داعش او اعمال القصف التي تقوم به قوات التحالف.
اعلنوا اليوم انه اطلقت لحد الان 2500 صاروخ وقنبلة على اطراف الموصل وقتلوا 800 داعشي. كن على ثقة انه عشرات المرات من الثمانمائة داعشي هذه قد سقط من الابرياء ، وعدة مرات بقدر هذه ال800 تهجر اناس ابرياء. ينبغي ان تتلقفهم جماهير كردستان والعراق ويحضنوا هؤلاء الابرياء بوصفهم اناس جنسهم، بوصفهم مواطنين متساوي الحقوق وليس بوصفهم سنة، لا بوصفهم عرب، و يوفروا لهم ملاذاً. ان هذه هي اقل المهام التي يمكن وضعها على كاهلنا نحن الشيوعيين في العراق وكردستان.
اذاعة نينا: فيما يخص موقف الحزب، هناك معارضة له من قبل طيف اليسار، ومنظمات واحزاب تعتبر نفسها يسارية وشيوعية وعمالية. يقولون ان هذا الموقف يتجاهل ويهمل المنافذ والفرص والامكانات التي تتوفر في رحم هذه الحرب. يقولون، مع طرد داعش من الموصل، تنفتح الاجواء وتتوفر امكانيات وفرص لتنامي الحركات الاحتجاجية والمتمدنة من اجل تحسين الحياة والحرية والامان والعلمانية. واخيراً، يقولون ان موقفكم عملياً هو دفاع عن استمرار وجود داعش في الموصل! ماهو ردكم على هذا النوع من المعارضين والمنتقدين؟
اذر مدرسي: ان هذا الشكل من الانتقادات او هذا النوع من الانتقادات لموقف تيارنا وحركتنا ليس بجديد. اذ حين انتقدنا قصف جماهير افغانستان بحجة قتال الناتو وعلى راسها امريكا لافغانستان، شرعوا في وقتها بهذا النوع من الدعايات علينا، وهو انكم تدافعون عن طالبان عملياً، وان هذا المجابهة ضد ارهاب طالبان وبصالح جماهير افغانستان. اليوم نرى فعلاً كم كانت اعمال القصف تلك والهجمة العسكرية بصالح جماهير افغانستان وكم رسمتا مستقبل مشرق لجماهير افغانستان. تم اضعاف الارهاب الاسلامي فعلاً ام كان مبعث لتعاظمه مثلما حللنا الامور في وقتها. اليوم، وبعد مرور عقود على ذلك الحدث، لازال مجتمع افغانستان مليء بالكره والبغض الاثني، مجتمع تسوده وتحكمه تيارات اسلامية وتيارات رجعية. راينا ان قتال امريكا لارهاب طالبان لم يوفر امكانية لحضور الجماهير لنفسها ولنضالها من اجل تحسين ظروف حياتها، وراينا الاثار المدمرة والضارة بحياة جماهير افغانستان ونضالها.
لقد شنوا النوع ذاته من الانتقاد علينا حين لم ندين احتلال صدام للكويت. لقد قالوا في وقتها انتم مؤيدي وموالي صدام حسين. وقلنا ان هذه هجمة بحجة احتلال الكويت، وهي حملة رجعية وسياسة رجعية وتسعى الى ارساء نظام جديد امريكي لا على صعيد المنطقة فحسب، بل على صعيد العالم من اجل تحقيق ترسيخ مكانة امريكا اساساً. وراينا كم ان هذه الحملة، سواء في الدور الاولى منها او في دورها الثاني، اية مصائب جلبت للعراق، ولايزال الشرق الاوسط يدفع ضريبة هذه الاشكال من التدخل وهذا الشكل من النضال ضد حكومات ديكتاتورية او عصابات ارهابية. الامر كذلك جرى في ليبيا وسوريا.
هذا موضوع وبحث اناس موالين للثورة عبر قوة الناتو وجمعوا التواقيع على ان بعد ليبيا، ياتي الدور على ايران، وارادوا فرض حصار اقتصادي على ايران، مثل ماجرى على ليبيا، ودافعوا عن التدخل “المحب للانسانية” لامريكا وبعدها الجيش السوري الحر الذي داعش وجبهة النصرة جزء منه، واطلقوا جنباً الى جنب مع امريكا واوباما ومجمل الاعلام اليميني عليهما جيش الحرية ومحاربي الحرية، لقد انتقدتنا مثل هذه الاطراف دوماً. ان انتقادات من هذا النمط هي انتقادات تيارات موالية اساساً للناتو، وكانت دوماً موالية للتدخل العسكري الامريكي دوماً تحت راية النضال ضد الاسلام السياسي، النضال ضد الاستبداد وتحت اي راية اخرى. لايستلزم ان يكون لك تحليل خاص. انظر فقط الى سير الاحداث سترى اية مصائب جرت في ظل مثل هذه المواقف ومثل هذا الدعم والدفاع عن تدخل الناتو تحت راية النضال ضد الاسلام السياسي في المنطقة، ليس مصائب انسانية فحسب، بل اي سيناريوا كالح خلقته لمجمل الشرق الاوسط واي مستقبل مظلم رسمته للشرق الاوسط خلال عشرين سنة خلت.
لايستلزم الامر ان تكون حزباً سياسياً، لايستلزم ان تكون شيوعياً حتى، لايستلزم الامر ان تتحلى بتحليل عميق عن الاوضاع والمسارات. فقط انظر لساحة الشرق الاوسط، وسترى اي مصير حل بها جراء التدخل العسكري لامريكا، كي تدرك اي تيار او موقف واي تيار يتخذ موقف من زاوية الجماهير التي هي من تدفع ثمن هذه الوضعية وتصبح وقود هذا الصراع الرجعي، واي تيار يتحدث من زاوية المجابهة الحقيقية مع الرجعية باي شكل من اشكاله، واي تيار يتحدث، ليس مهماً باسم العامل والشيوعية، من زاوية موقف الناتو، من زاوية الرجعية الامبريالية ومن زاوية احد الاقطاب الرجعية العالمية.
اما فيما يخص الفرص والامكانيات التي تتوفر، تحدثت في القسم السابق ان في مجتمع يسوّى على الارض، في مجتمع تطبع راية “حريته” بختم الاثنية، القومية، السنية، الشيعية، العرب، الترك وختم هؤلاء جميعا، مجتمع تتم تسويته على الارض بالقصف، اي مجال يبقى فيه لتنامي الحركات الاحتجاجية والمتمدنة من اجل تحسين ظروف الحياة والامان والحرية والعلمانية!
اذا كان في سوريا التي يسقط فيها يومياً عشرات ومئات الضحايا، مجتمع اصبح فيه الملايين مشردين وقتل فيه عشرات الالاف، ولاتتعدى ان تكون محمل لحرب اقطاب رجعية، فاية امكانية يمكن رؤيتها لتنامي الحركات الاحتجاجية والمتمدنة فيه، حتى نرى تلك الاجواء في الموصل كذلك. مثلما قلت ان هذا اما تيار مريض او غريب عن المجتمع او انه يتخذ قراراً سياسياً واعياً دفاعاً عن امريكا، للاصطفاف مع احد الاقطاب الرجعية.
ان ردنا على هذا الصنف من المعارضين والمنتقدين لنا هو انهم حتى لو قرروا اتخاذ مثل هذا الموقف، فعلى الاقل، ان يتخذوه من زاوية اعلاميين شرفاء مثلكم لايهللون لهذه الحرب. وعلى الاقل ان يهتاجوا اقل عند حديثهم عن قوى التحالف المناهض لداعش، ويكتبوا بمسؤولية اكبر عن مخاطر هذه الحرب في المنطقة، وان يبينوا عن انفسهم انسانية وتعاطف اكبر فيما يخص جماهير الموصل، ضحايا هذه المصيبة الانسانية.
اذاعة نينا: في الختام ماهو تطلعك من المؤيدين لموقف الحزب؟ ماذا يعملوا؟ ماذا يضع موقف الحزب هذا من برنامج عمل خاص على جدول اعمال ناشطي الحزب ومؤيديه؟ ماهي توصيتكم لاؤلئك الذين يتفقون مع الحزب من موقف مسؤول؟ماهو برنامج الحزب للتقدم السياسي والتنظيمي والاجتماعي في اوضاع مثل هذه؟ كيف يمكن التقليل من الاثار الضارة لهذه الحرب على الحركات التقدمية، العمالية والشيوعية في ايران الى اقل حد ممكن؟
اذر مدرسي: فيما يخص الحزب الحكمتي نفسه، وضحت ماهي المهام التي يجب ان تكون على جدول اعمالنا. في الوقت ذاته، اعتقد ان على الحزب ان لايألوا جهدا في جلب اكثر مايمكن من الاحزاب والقوى السياسية للحيلولة دون حدوث هذه المصيبة في ايران. اذا لم نقف حائلاً امام ذلك، واذا لم نحصن المجتمع منها، يمكن ان تترك طابع طائفي وقومي وتقسيمات قومية ودينية على المجتمع.
لكن فيما يخص ناشطي الحزب او اناس يرون هذا الموقف موقفاً سياسياً، موقفاً انسانياً، موقفاً شيوعياً وموقفاً عمالياً، اعتقد، والى الحد الذي يستطيعون ان يبعدوا ايران من ان تصطبغ بصبغة قومية ودينية، ان يتصدوا للحرب الرجعية التي تجري يومياً في الشرق الاوسط بحجة الدفاع عن الجماهير، الحرب على الارهاب، وتوعية المجتمع من الناحية الفكرية، الذاتية، السياسية والاجتماعية بمخاطر هذه الصراعات. ينبغي، بصورة واضحة وواعية، تحويل مجمل اشكال التدخل هذه، من تدخل الجمهورية الاسلامية في العراق وسوريا وفلسطين، الى تدخلات الحكومة العراقية في مجابهات المنطقة، تدخل حكومة البارزاني وامريكا والسعودية وقطر ومجمل الاحزاب والجماعات الاثنية والقومية والعشائرية والدينية ضد سعادتنا الى امر معطى لدى الجماهير. ينبغي ان نبين ان ليس لدينا ارهاب حسن واخر سيء، رجعية حسنة واخرى سيئة، رجعية اكثر رجعية نوعا ما ورجعية اكثر ليبرالية نوعاً ما.
تحول الشرق الاوسط بصورة واقعية ميدان صراع القوى الرجعية، ومن هذه الزاوية، اعتقد ان تقوية الهوية الانسانية، تقوية الهوية غير القومية وغير الدينية في الشرق الاوسط وايران هي احد المهام التي ينبغي ان يضعها كل من يعتقد ويؤمن بهذا الموقف والرؤية الى هذه المعضلة القائمة في الشرق الاوسط اليوم. فيما يخص ايران، اعتقد ان خطر تحويل مجتمع ايران الى مجتمع قومي وديني ليس قليلاً اساساً. اذ اننا نرى اليوم القوى الفعالة لهذا الخطر، من الجمهورية الاسلامية الى الاحزاب القومية الكردية، من الجماعة التي تسمي نفسها بممثل اهل السنة الى الجمهورية الاسلامية التي تعتبر نفسها ممثل للشيعة او النزعة القومية الايرانية التوسعية، بوسع هذه جميعاً ان تكون لاعب اساسي في سيناريو مظلم والمصائب التي بوسعها ان تعصف بالمجتمع في ايران. وعليه ينبغي ارساء حصن منيع امام اي صبغة قومية ودينية وطائفية للمجتمع، امام اضفاء صبغة قومية واثنية على نضالات الجماهير.
ينبغي ان تتوحد الجماهير من اجل مطاليبهم الحقيقية ومن اجل حركتهم التحررية القائمة. ينبغي ان تناضل من اجل حرية بمعزل عن جنس الانسان، من اجل مساواة وحرية بمعزل عن التصنيفات القومية والدينية والطائفية التي ينسبوها اليك والتصريح بوضوح ان هذا المجتمع ليس قوميا ولا طائفياً ولا اثنيا، ولاتسمحوا ان تصل اثار هذه الفرقة وهذه التقسيمات الى ايران. مثلما قلت ان لاعبي مثل هذا السيناريو ليسوا قلة للاسف، من اليمينيين والقوميين التوسعيين الى القوميين الكرد، التيارات الشيعية، السنية، وصولاً الى اؤلئك الذين باسم اليسار الذي على استعداد باسم الدفاع عن امته واقوامه على الصاق هذه الهويات على جبين اناس المجتمع، بوسعهم جميعا بصورة واعية او غير واعية، يريدون او لايريدون ان يتحولوا الى لاعبين مثل هذا الميدان. اعتقد ان ارساء حصن منيع واضح وواعي ومستقل بوجه كل هذا الطيف، بوجه اناس يبغون دفع المجتمع الى هذه الجهة هو اهم من كل شيء.
بوسع ان يكون مصير ايران ومصير ليبيا مصير مجتمع ايران ان لم يكن هذا الصف، ان لم نكن الشيوعيين في مقدمة صف الحركات التقدمية والعمالية في ايران، في مقدمة النضال من اجل مطاليب الجماهير نحو الحرب والمساواة، وان لم نتمكن من توحيد المجتمع حول مثل هذا الافق، مثل هذا الافق التحرري، مثل هذا الافق الداعي للمساواة والسعادة.
وعليه، ان هذه ليست مهمة الحزب الحكمتي فقط، بل مهمة جميع ناشطي الحزب في الداخل، مجمل الشيوعيين واؤلئك الذين يتفقوا معنا في موقفنا هذا، والا بوسع مجتمع ايران وخوفاً من تحول ايران الى سوريا اخرى ان يقبل بالجمهورية الاسلامية، والا بوسع التيارات المظلمة والكالحة التي احد رؤوسها الجمهورية الاسلامية دون شك وراس اخر لها هو التيارات الاثنية والقومية والدينية ان يخلقوا هذه الامكانية ويرمون مجتمع ايران في مصير كالح. ينبغي ان نوظف كل سعينا وقوانا ونتطلع الى ان يقف جميع الشيوعيين جنبا الى جنب معنا للتصدي النشط، ونقيم خندق ضد اضفاء الطابع القومي والديني على المجتمع.