الدفاع عن مطلب استقلال كردستان
قوة ثالثة، قوة أولى
يتم الحديث، اليوم، في كردستان العراق عن ضرورة بروز قوة ثالثة. لقد أصبح االفالس السياسي وأنعدام آفاق التيارين
األساسيين للنزعة القومية الكردية في العراق، االتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني جلياً أمام أعين
الجماهير العريضة. ولم يكن نصيبها من الحكومة، بعد حرب هذه االحزاب من أجل السلطة، سوى الفقر والحرمان وأنعدام
األمن والحقوق. وأمام أعين أغلبية الجماهير، وحتى بنظر كال الحزبين القوميين األساسيين أنفسهما، فأن قوة ثالثة في
الوقت الحاضر لها حضور في الميدان وتتمثل بالحزب الشيوعي العمالي العراقي.
ولكن من الممكن أن تبعث عبارة قوة ثالثة على التضليل والخداع. أن هذا التصوير بالنسبة للحزب الليبرالي-الديمقراطي في
أنجلترا، أو تيار راس برو في أمريكا مناسباً. أما في كردستان العراق، فالتوجد وضعية برلمانية أو مجتمع تعددي راسخ
ومتعارف. والتتمثل القوة الثالثة بالقيام بأنتزاع قسم من مقاعد هذا البرلمان أو ذاك من أيدي القوتين االخريتين. كما
التتعلق المسألة بتحويل نظام حزبين الى نظام متعدد االحزاب. ذلك أن كردستان العراق مجتمع في وضع أنتقالي وعديم
االستقرار . وينتظر هذا المجتمع وهذه الجماهير أحداث سياسية هامة تحيل مجمل هذه اللوحة الى فوضى. أن الصراع
الناشب بين القوى السياسية هو صراع حول هذا المستقبل. صراع حول الرد على االوضاع المبهمة اليوم، والسبيل الذي
يتم وضعه أمام الجماهير. وبكل مستقبل، فأن، أساساً، قوة ما ستنتصر، وبأنتصار أي قوة، يتم تشكيل المستقبل. فأما يتحتم
على القوة الثالثة أن تتحول الى قوة أولى، أو نشهد أن مستقبل كردستان، على االقل في هذه المرحلة، يطبعه البرجوازيون
بطابعهم. أن هذه أوجه المسألة بالنسبة للحزب الشيوعي العمالي العراقي. يتحتم على الحزب الشيوعي العمالي العراقي
األشارة الى سبيل الخروج من االوضاع الراهنة، وأن يحشد قوى الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة لتحقيقه.
معضلتان أساسيتان
تعتبر االوضاع الحساسة والخطيرة الراهنة لكردستان العراق في أبسط مستوى لها نتاج حقيقتان أساسيتان. األولى أن
المسألة الكردية، بوصفها مسألة قومية، لم يتم حلها العلى صعيد العراق فحسب، بلى على صعيد المنطقة ككل. وثانياً أن
حرب العراق وأمريكا وما اعقبتها من غموض المكانة الحقوقية السياسية لكردستان العراق وجعل أنتماءها البلدي )أي
أنتماء كردستان الى بلد-المترجم( معلقاً وغامضاً. وبأي حال اليمكن فصل كال المعضلتان في كردستان العراق كما أنهما
ترتبطان ببعضهما البعض. حيث يجب أن يتمثل الدور الواقعي والبناء باألجابة على المعضلتين كلتاهما في آن واحد.
وبرأيي، وفي ظل الظروف الراهنة، يجب أن تكون أحد النقاط المحورية للبرنامج السياسي للشيوعية العمالية هو رفع
مطلب تحويل كردستان العراق الى بلد مستقل. أن هذا المطلب وحده يتضمن الرد على المسألة القومية والغموض السياسي
واألداري الذي يلف كردستان اليوم- وبمقدور هذا المطلب وحده، في ظل هذه الفوضى والخراب االقتصادي واالجتماعي، أن
يضع افقاً عقالنياً أمام جماهير كردستان للخروج من هذه االوضاع. ويوفر هذا الشعار وحده االمكانية للشيوعية العمالية
لعزل وأنزواء التيارات القومية لدى الجماهير وأن تظهر الشيوعية العمالية بوصفها قوة أولى وأن تحول برنامجها العمالي
واالشتراكي الى أكثر البدائل قدرة في المجتمع بأجمله. ويتمثل هدفي من هذه المقالة القصيرة طرح هذا البحث وتناول
بعض جوانبه المهمة.
المسألة الكردية
لم تجد المسألة الكردية، بوصفها أحد أهم المسائل القومية، لها حالً في العالم الراهن. أن السمة االقليمية لهذه المسألة
وشمولها لثالثة بلدان أيران، العراق وتركيا، أوالً: يعطي للمسألة الكردية بروزاً ومصاعب خاصة، وثانياً، جعلت حتى من
حلها على أي من هذه البلدان صعباً ومعقداً بصورة كبيرة. إذ إن المستوى العملي للمسألة الكردية في كل هذه البلدان ليس
واحداً. حيث إن مدى الظلم القومي وأبعاده، والمكانة الحقوقية التي يتمتع بها أهالي كردستان في إطار كل بلد وعالقتهببقية سكان البلد وبالحكومة المركزية، واالوضاع السياسية واألقتصادية لكردستان وطبيعة األنظمة السياسية وغير ذلك
تتمتع بخصائص معينة في كل من هذه البلدان الثالثة. ليس ثمة أمكانية في هذا الموجز للخوض في بحث االختالفات
المهمة والجوانب المختلفة للمسألة الكردية في البلدان الثالثة هذه. أما فيما يخص العراق، فيتحتم األشارة الى بعض النقاط.
في العراق يعتبر الظلم القومي والمكانة الدونية لجماهير كردستان أمراً مؤسساتياً ورسمياً. واليتم أنكار الهوية القومية
لالكراد في القوانين العراقية، لي هذا فحسب، بل يتم اقرار ذلك بصورة رسمية بوصفه أحد أركان المجتمع العراقي. بيد أن
هذا االقرار الرسمي لبلد ُيعرف رسمياً وعلنياً، بوصفه بلد عربي وجزء من عالم ؛عربي؛ أكبر وأوسع، ُيرادف تعريف
االكراد بوصفهم قومية درجة ثانية وتأبيد مكانة الدرجة الثانية هذه لألشخاص الذين يولدوا ؛أكراداً؛ وجعلها امراً المفر لهم
منه. يعتبر الكردي في العراق، طبقاً للتعريف، مواطن من الدرجة الثانية. حتى بخالف تركيا التي يتم التنكر فيها، أساساً،
للهوية القومية لألكراد، يعتبر مواطنيها طبقاً لذلك أتراكاً. في العراق، حتى ليس ثمة سبيل للخالص الفردي من هذه الدونية
القومية المرء كتب على جبينه اسم “كردي” ان “الكردي” مجبر في تركيا ان يكون “تركياً”. أما في العراق فأنه حتى لو
أبتغى ذلك، اليستطيع أن يكون ؛عربياً؛. إن حدود االنتماء القومي غير قابلة للشطب وااللغاء. إن المسألة الكردية، وبحكم
عروبة العراق والسمة القومية لتعريف مقولة ؛عرب؛ اليوجد حل لها في أطار العراق الراهن.
ويمثل النظام العراقي نظام قومي عربي. وفيما يتعلق بمجمل مواطني هذا البلد سواء أكانوا عرباً أم أكراداً، فأنه نظام قمعي
وشرس بصورة أستثنائية. وقد جربت جماهير كردستان بصورة أخص وعلى جرعات، أفجع أشكال هذا القمع والعنف.
وعلى الرغم من مجمل المشقات والمشكالت اليومية، فأن أحد الكوابيس التي تقض مضجع جماهير كردستان العراق هي
عودة سلطة نظام البعث. واليغير حتى تعديل نظام العراق لسلوكه السياسي كثيراً من صورة المسألة بالنسبة لجماهير
كردستان. مادامت صفة ؛كردي؛، بمعنى أنتساب الفرد الى فئة ؛أقلية؛ و ؛درجة ثانية؛ في المجتمع، قائمة تبقى المسألة
الكردية على حالها دون حل. إن هذه هي نتيجة حتمية لعروبة العراق. ويبقى في مثل هذا النظام، وبغض النظر عن طبيعة
الحكومة المركزية في بغداد، قسماً كبيراَ من المجتمع العراقي الممتهن مسلوب الحقوق وفاقد لألمن.
إجابة عامة، إجابة محددة
يتحتم اإلجابة على المسألة الكردية. اليمثل إستقالل كردستان العراق، بالطبع من وجهة نظر الشيوعية العمالية، أول خيار.
إن ردنا االول على المسألة القومية في عموم المنطقة هو الثورة العمالية. ثورة شيوعية تزيل الحدود التي تفصل الناس
عن بعضهم بعض وتقوم بتقسيمهم الى بلدان وأقوام وملل وأديان مختلفة وتضعهم بمواجهة بعضهم البعض. ثورة تحرر
االنسان من الخرافات القومية ومن طوق االنتماء القومي، ويعد االنسان، واقعياً، انساناً.
كما اليمثل أستقالل كردستان حتى خيارنا الثاني أيضاً. إن عراقاً غير قومي، عراقاً حراً يتمتع فيه المواطنون بغض النظر
عن قوميتهم و عرقهم، بحقوق مدنية متساوية، عراق الٌيسأل فيه عن قومية االنسان، واليتم أدراجها في السجالت
والذكرها في أي قانون أو قرارات، الشك له أفضلية على أنفصال كردستان. ويمثل هذان الهدفان كالهما، سواء تنظيم
وإنجاز الثورة العمالية في العراق والمنطقة ككل، أو إيجاد نظام سياسي حر علماني وغير قومي في عراق يكون فيه
؛الكردي؛ و ؛العربي؛ ومجمل الناس اآلخرين غير مستعدين على أن يقرنوا بهذه االلقاب القومية يتم االعتراف بهم بوصفهم
مواطنين متساوين في الحقوق، أهداف معلنة للحزب الشيوعي العمالي العراقي. ويستند موقف الحزب الشيوعي العمالي
العراقي، بوصفه حزب يناضل على صعيد العراق، تجاه المسألة الكردية وبصورة صائبة، الى ركنين أساسيين، االول،
الثورة على صعيد العراق ككل وإيجاد مجتمع غير قومي وإزالة الظلم القومي، وثانياً، االقرار بحق شعب كردستان العراق
على االنفصال والتأكيد على مبدأ االستفتاء. بيد أن هذا الموقف عام، وإن يكن من منظور حزب يناضل على صعيد العراق،
أمراً كافياً ومبدئياً، فأنه من منظور الشيوعية العمالية في نفس كردستان العراق يجب تحديده بصورة مشخصة أكبر. أن
السؤال المطروح هو: ألم تزف الساعة ألن تطرح جماهير كردستان العراق آرائها في أستفتاء فيما يتعلق باألنفصال أو
البقاء في إطار العراق؟ وإذا كان الجواب إيجابياً، فبأي خيار يوصي الحزب الشيوعي العمالي العراقي سواء بوصفه جزء
من هذه الجماهير، أو بوصفه ممثل مصالح الطبقة العاملة في هذا المجتمع؟ برأيي، يتمثل جواب السؤال االول، بالطبع،باأليجاب. إذ اليمكن بدون تحديد المصير الحقوقي العاجل لكردستان العراق االفالت من قبضة المصائب والمشقات اليومية
والخالص من المأزق الراهن. إن تحديد المصير يجب أن يتم من ابداء رأي وأختيار جماهير كردستان العراق نفسها. ثانياً
يجب أن يتمثل موقف الحزب الشيوعي العمالي العراقي بأختيار االنفصال وتشكيل دولة مستقلة في كردستان العراق. أن
هذا الموقف وحده، يتناسب برأيي، مع الظروف الموضوعية الراهنة، سواء على صعيد المنطقة أو على الصعيد العالمي.
وهذا يوصلنا الى القضية الثانية لهذا البحث. أنعدام أنتماء كردستان العراق الى بلد والغموض السياسي االداري الذي يلف
كردستان العراق.
أكراد العراق مواطنوا أي بلد؟
عندما ُطرح إثر حرب الخليج بحث أيجاد منطقة آمنة في شمال العراق، كان مبعث فرح التيارات القومية الكردية في حينها.
وقد أنذرنا في بيان أصدره المكتب السياسي للحزب الشيوعي األيراني في وقتها وحذرنا من العواقب األجتماعية والحقوقية
لهذه الخطوة. قلنا، على الرغم من دعاية القوميين االكراد، فإن إيجاد منطقة آمنة في كردستان العراق اليعرقل أمر تحديد
مصير شعب كردستان فحسب، بل سينزع كردستان العراق من هيئة مجتمع ويحولها الى مخيم واسع للجوء. مخيم يفتقد
للبنية والحياة االجتماعية واالقتصادية والثقافية، والذي، ألجل بقاءه، بحاجة الى المساعدات المادية والعينية من الخارج.
وقد حدث كل ما تنبئنا به بالضبط. ودفعت جماهير كردستان العراق ثمناً باهضاً من أجل ))أمن((ـها، ويفتقد أهالي كردستان
العراق في هذه المرحلة من الناحية الواقعية االنتماء الى بلد. كما يفتقد كردستان العراق الى قانون )أي شكل من القانون(
ويفتقد الى دولة )أي شكل من الدولة(. لقد تبين سريعاً انعدام محتوى مهزلة تشكيل برلمان من قبل احزاب نصبها الغرب
الدراة هذا المخيم. ليس لبرلمان اليتمتع بحق السلطة أي معنى أو قيمة. في الوقت ذاته، ليس للتخطيط االقتصادي واالنتاج
وتنظيم الخدمات األجتماعية والصحة والتعليم و النظام واالمن وأحالل القانون بدون تحديد مصير مسألة الحكومة والسلطة
أي معنى أو قيمة. مادام لم يتم تحديد مصير كردستان، من زاوية االنتماء الى بلد ومسألة السلطة، ومادام كردستان ليس
مجتمع متمدن بل قاعة أنتظار لعدة ماليين، ال يتعذر الحديث عن تحسن حياة الناس فحسب، بل حتى عودة الحد االدنى من
المعايير األجتماعية المألوفة. إن عملية السير القهقرى للثقافة أمراً محتوماً. واليتم سلب جماهير كردستان حقها في تحديد
مصيرها فحسب، بل تفقد حتىاإلمكانية المادية للتأثر على أوضاع تأمين قوتها ومعيشتها. إن النتيجة الحتمية إلستمرار هذا
البرزخ هو الحاق الخراب المتزايد بالمجتمع في مجمل االبعاد االقتصادية والرفاهية والثقافية. يجب ان يتحدد المصير
الحقوقي لكردستان العراق.
إن القاء جريرة هذه المصاعب على عاتق الحزبان القوميان الكرديان عمل سهل. إذ إنهم، وبصورة مباشرة، مصدر
وأساس أغلب الشقاء الذي يرزح تحت نيره الشعب الكردي. أما حتى إذا تولى السلطة الممثلون الحقيقيين والمباشرين
للجماهير، فإنه أيضاً وبدون تحديد مصير ومسألة المكانة الحقوقية لكردستان العراق ومسالة إنتمائها –أي كردستان- الى
بلد، التوفر إمكانية أكبر للمناورة والتحرك في ميدان االقتصاد واإلنتاج والرفاه االجتماعي وإحالل القانون وأستتاب االمن
للمواطنين وغير ذلك.
هذه االوضاع التحتمل االستمرار
إن هذه االوضاع التحتمل االستمرار. الجميع يعرف هذا، يحب أن تعود كردستان بشكل مجتمع مدني ذا تركيبة أقتصادية
وسياسية وبناء فوقي حقوقي متعارف. أما بوصفها جزء من دولة العراق، أو بوصفها بلد مستقل. ويستلزم هذين السبيلين
الواقعيين من الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومن عموم الجماهير رداً فورياً وواقعياً.
إن كال الحزبين القوميين – العشائريين لالكراد يريدون دفع الجماهير معصوبة االعين وموثقة االيدي صوب ؛سبيل الحل؛
عاجالً ام اجالً، مع أنهاء مسألة مقاطعة العراق وهجوم النظام البعثي مرة أخرى على كردستان، ليس لهذه األول. اذ،
االحزاب القومية القدرة أو حتى الرغبة على الوقوف بوجه هذا االفق أمراً الينكره أحد. وتتمثل وصفة هؤالء لجماهير
كردستان العراق في إدامة مرحلة البرزخ ماأمكن، ومن ثم، ما إن تقتضي مصالحها، تجيز لنفسها إعادة سلطة نظام العراقعلى كردستان. أما نظراً لجملة من الظروف، فإن الحل المبدئي هو السعي لتحقيق الحالة الثانية، أي االنفصال عن العراق
وتشكيل بلد مستقل في كردستان.
والتخلو أي من الحالتين من المتاعب والمشقات. ففيما يخص عواقب الحالة االولى، اليساور امرء في كردستان العراق
العودة تحت مضلة الشك حولها. في الواقع، إنه امراً مشكوكاً فيه أن ترجح جماهير كردستان، في حالة كونها مخيرة ،
فعالً
الحكومة البعثية العراقية على تشكيل بلد مستقل. فإذا لم تفكر الجماهير، بصورة فعالة، باالنفصال واالستقالل بوصفه
بديالً
فذلك يعود الى أعتقادها بأستحالة هذا االمر أو ماينطوي عليه من معضالت. وفيما يتعلق بالعديد من الشيوعيين أنفسهم،
ثمة أبهامات نظرية معينة مطروحة تجاه مسألة االنفصال. يجب، بأختصار ،االشارة الى بعض المآخذ.
؛أمريكا والغرب اليرغبان، تركيا وأيران والعراق اليسمحون؛
لقد كانت هذه هي المبررات التقليدية التي يسوقها ؛القادة القوميون؛ لكردستان العراق من أجل تجنب طرح شعار االستقالل.
فلو اُجبر القادة القوميين، بناءاً على ماتقتضيه مصالحهم، على تحديد أنفسهم وربطها بسيناريوهات ورغبات الحكومات
والقوى، فإن شعب كردستان ليس مجبراً على ذلك. إن النماذج التاريخية لشعب فرض إرادته على القوى الغاشمة ليست
قليلة. أما فيما يتعلق باالمكانية الواقعية لتدخل أيران وتركيا، وخصوصاً في ظل األجواء العالمية، برأيي أمراً يتم المبالغة
به. من المؤكد أن تقوم هذه الحكومات بإتخاذ خطوات ومساعي سياسية وعسكرية مختلفة، وإن تكن موجودة حتى في
يومنا هذا أيضاً، ولكنه يتعسر التكهن سلفاً بعدم قدرة جماهير كردستان تحت قيادة مبدئية على لجم هذه التحركات أو
أحباطها. وبصورة أكثر محددة، ليس ثمة وقت كانت فيه المعادالت الدولية والتقسيمات العالمية عرضة للتسائل بهذا الشكل
الواسع، ويعاد النظر بها، مثلما هي عليه اليوم. وإذا ما وجدت مرحلة ما تتوفر منها الفرصة لفرض إرادة جماهير
كردستان على الغرب وحكومات المنطقة، فأن هذه المرحلة هي اليوم. فاليوم ثمة أمكانية ألعتراف الحكومات المختلفة
بكردستان وإقامة العالقات التجارية واالقتصادية والدبلوماسية مع أجزاء من العالم، ولو حتى في حالة عدم رضا الغرب،
أكثر من أي زمن مضى. إذ أن ايران على عتبة تحوالت سياسية هامة تجعل معها الجمهورية االسالمية عاجزة ومشلولة.
كما إن يد تركيا ليست طليقة كلياً قط عند قيامها بإتخاذ خطوات عسكرية، والحكومة العراقية في حالة أنزواء على الصعيد
العالمي. إن أستمرار الوضع الراهن ومن ترك جماهير كردستان التي تفتقد الى التنظيم وتتضور جوعاً وتطحنها الحرب
أمام جيش العراق، أي سيناريو فعلي يضع أفقاً أشد مأساوية إذا ماقورن بأعالن دولة في كردستان العراق أستناداً الى آراء
الجماهير، وتشرع بإعادة هيكلة االقتصاد والمجتمع، وتبحث على الصعيد العالمي عن االعتراف بها، وجلب االعتمادات
واالقتصادية والتبادل التجاري ونيل الضمانات العالمية من هجمة البلدان المجاورة.
؛أال تسقط كردستان المستقلة بيد االحزاب القومية؟؛
إن هذا قلق واقعي لليسار. أال يعني أستقالل كردستان، على ضوء االوضاع الفعلية، قبول سلطة الطالبانيين والبارزانيين؟
برأيي، على العكس من ذلك. إن االجواء الراهنة هي أجواء حياة هؤالء ونموهم. إذ إن التيارات القومية-العشائرية الكردية
هي الوجه اآلخر من عملة قمع النظام البعثي. فمادامت المسألة القومية موجودة، ومادام ثمة نظام قمعي يقوم بسحق
جماهير كردستان بحجة قوميتهم، تبقى هذه التيارات صاحبة كردستان. إنها متخلفة بصورة كبيرة عن مجتمع كردستان،
عن تركيبته الطبقية، عن عالقاته االقتصادية، وعن مستوى ثقافته. كردستان العراق مجتمع أكثر حضرية، أكثر صناعية،
ومن الزاوية الثقافية، أكثر تقدماً من أن تجد هذه القوى في الظروف المتعارفة والعادية على الصعيد السياسي. وفقط وجود
رجعية وحشية و ؛غير مألوفة؛ تحتم بجعل الجماهير تقبل بأن يصبح هؤالء أصحاب النفوذ. هؤالء حصيلة طغيان نضال
البيشمركة على الحياة والتفاعل السياسي في كردستان العراق. فالى الحد الذي يفقد هذا الشكل من النضال –أي نضال
البيشمركة- مبررات وجوده و بقاءه، وتتحول المدن الى المراكز السياسية االصلية، ينزوي هؤالء ويفقدون مبرر وجودهم.
إن توازن القوى الطبقي في مجتمع كردستان ذاته بضررهم بصورة كبيرة. ليس الطبقة العاملة والشيوعية العمالية
بوصفهما بديالً واقعياً ومقتدراً في المجتمع فحسب، بل حتى أقسام واسعة لنفس الطبقة الوسطى في كردستان والمثقفين
والفئات المتعلمة وحملة الشهادات تطالب بأطار سياسي أكثر حداثة وأكثر حضرية لتبيان ميولهم. وسيتم وبصورة سريعةدفع هذه االحزاب القديمة في كردستان مستقل نحو الهامش. وثمة ضرر مهم في أستمرار االوضاع الراهنة أو العودة في
إطار العراق اال وهو إن سلطة هذه االحزاب القومية –العشائرية ستجد إدامة لها في الحياة السياسية لجماهير كردستان
وتعزز نفسها.
اال يعتبر االستقالل مطلباً قومياً؟
وفق هذه الحالة المحددة، وبلسان الطبقة العاملة والشيوعية العمالية، كال. نحن دعاة االستقالل ال ألجل االستقالل. إننا نبغي
التحديد الفوري للمصير الحقوقي لكردستان العراق. ومن بين كال البديلين، البقاء ضمن العراق أو االنفصال عنه، فإننا
نعتبر الخيار الثاني في حالة النضال من أجل سعادة الجماهير ورفاهها والحرية واالشتراكية، أكثر ثمرة ونفع. شعارنا ليس
تشكيل ؛دولة كردية؛. شعارنا ليس وجوب أن يكون للــ؛أكراد؛ دولت؛هم؛. نحن دعاة تشكيل دولة مستقلة في كردستان
العراق. حكومة غير قومية يستطيع شعب كردستان أن يعيش في كنفها دون أي نوع من االضطهاد القومي. إننا نؤمن
بوجوب إبداء جميع قاطني كردستان، بغض النظر عن قومياتهم، رأيهم فيما يخص كردستان. والنوظف أو نستغل، في
سعينا لجذب الجماهير الى هذا الشعار، انتمائاتهم وتوهماتهم وتعصبهم القومي. نخاطبهم بالشعب والحرية والمساواة
والرفاه واالنسانية، وحول هذه الراية نقوم بحشدهم. أما مجمل هذه البحوث، تعني أننا نولج، بهذا الشعار، ميداناً حساساً.
ويجب بدقة مراقبة حدودنا الفاصلة عن الناسيوناليستية الكردية. على أية حال، يتمثل الطريق القويم في أن نضع أقدامنا
في هذا الميدان، ميدان الخالص الواقعي من المعضالت التي يرسف فيها المجتمع، ونجابه بوعي مخاطره. الى الحد الذي
يخاف المرء من التلوث، يطلق ايادي القوى المتخلفة واالفكار الرجعية في االستفراد بالمجتمع ومقدراته.
ماذا ستكون عليه وحدة الطبقة العاملة العراقية؟
اليبعث تبني هذه السياسة أي أنقسام أو أنفصال في أي تنظيم أوحملة عمالية موجودة عملياً في العراق قاطبة. ألن هذه
الوحدة اليوم قبل أن تكون واقعاً بالفعل، هي هدف سياسي لحزبنا نفسه. برأيي إن السياسة التي تحسن عملياً من المكانة
العامة لحركة الطبقة العاملة، تقدم خدمة أجل لهذا الهدف. أن هذه السياسة بمجملها برأيي تقوينا وبالطبع من الناحية
العملية تجعل قدرتنا على وحدة عمال االقسام العربية والكردية من العراق أكبر أيضاً.
اإلطار العملي
إن أتخاذ هذه السياسة من الناحية العملية اليعني تنظيم حركة داعية لالستقالل. إذ يجب أن يكون هذا الشعار زاوية من
البديل العملي للحزب الشيوعي العمالي وحركة المجالس في كردستان العراق والذي يتم طرحه للرد على االوضاع الغامضة
والمتدهورة اليوم. ويتمثل االطار العملي لطرح هذا الشعار، حسب منظورنا، في: اوالً، االستفتاء واالحتكام الى آراء
الجماهير نفسها. ويجب أن بتم هذا االستفتاء بالتوافق مع ؛المراجع الرسمية العالمية؛ حتى يتم إيجاد ضمانة التنفيذ االكبر
لنتائجه. أما حتى إذا لم يتم تنفيذ ذلك عملياً، يجب أن نكون كذلك دعاة إقامة أستفتاء حر حول تحديد مصير كردستان.
وسيتمتع رأي الجماهير لدينا بنفوذه وأعتباره. ونوصي في مثل هذا االستفتاء بوجوب تشكيل بلد مستقل. كما يجب أن نؤكد
أيضاً أن أي تالعب أو معاهدات أو أتفاقيات تقوم بها أية قوة تتنصل عن الرأي الحر والمباشر للجماهير نعتبرها فاقدة
الشرعية. ثانياً، يجب توضيح هذا المطلب بوصفه سبيل حل عملي وبديل قابل للتحمل أكثر بالنسبة للجماهير. السؤال
المطروح هو بأي جهة تجنح كردستان مع أستمرار الوضع الراهن والسياسة التي تمارسها االحزاب القومية –العشائرية
الكردية، فإن مأساة إنسانية أخرى تنتظر الجماهير. يجب أن نكون ممثلي تجنب هذه العاقبة. ويساعد هذا الشعار على لعب
هذا الدور. ثالثاً، يوضح طرح مطلب االستقالل نقطة مبهمة وغامضة في أذهان العديد من الناس وفق هذا االعتبار، شعاراً
بغض النظر عن تحقيقه أم عدمه، يبعث االمل في جماهير العمال والكادحين بأمكانية التدخل في مصيرهم ويجرهم الى
الميدان. كما يكشف هذا الشعار أنعدام آفاق التيارات الناسيوناليستية وعدم أهليتها لقيادة مجتمع كردستان وفي تمثيل
الجماهير على الصعيد العالمي. وبكلمة واحدة، اليعتبر مطلب االستقالل مركز ثقل وبوصلة فعاليتنا في كردستان، بل جزء
مهم وضروري لنهجنا التكتيكي في كردستان اليوم، وتحت العنوان ذاته، واالطار نفسه يجب القيام بدعايتنا.***
وكما ذكرت، كان هدف هذه المقالة هو الطرح العلني للبحث. ومن الممكن طرح الجوانب المتعددة من المسألة والتي صرفت
النظر عن تناولها توخياً للتركيز على البحث األصلي. كما أود أن أذكر أن مضمون هذه المقالة والموضوعات المتعددة
األخرى المتعلقة بها قد تم طرحها في الجلسة الموسعة الثالثة )البلينوم الثالث( للحزب الشيوعي العمالي اإليراني،
وبحضور اثنين من رفاق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي. ومن ثم، ُوضعت خالصة هذه المناقشات تحت
متناول اللجنة المركزية للحزب العراقي وكوادره. برأيي، ثمة إمكانية لطرح جميع النقاط المتعلقة بهذا البحث وأن تتناولها
أكبر لتحديد مايؤول اليه البحث. ولكن نظراً ألهمية وحداثة
حركتنا في العراق بصورة دقيقة ومسهبة. والنملك مجاالً
الموضوع، يجب إعطاء المجال لتمحيص المسائل وسماع وجهات النظر المختلفة. وأني شخصياً أنظر الى هذه االطروحات
ليس بوصفها أحكاماً دوغمائية )جامدة( وغير قابلة للتغيير والتعديل، بل بوصفها طرح أولي لنهج تكتيكى مهم في العراق
والتي بأدامة البحث يتم تمحيصها وتدقيقها.
تمت الترجمة عن نشرة أنترناسيونال، جريدة الحزب الشيوعي العمالي االيراني، العدد 18 والصادرة في حزيران 1995.
ترجمة: فارس محمو