عاملات الخياطة / حقوق مهدورة وتهديد بالبطالة
احدى العاملات في مشاغل الخياطة، (م.أ)، قالت إن العمل في مشاغل الخياطة مليء بالظلم والاستغلال
وذلك لغياب الرقابة والمتابعة من قبل الجهات المختصة.
عدد قليل من النساء فقط تمسكن بالعمل في المشغل الذي تحدثت عنه السيدة (م. أ)، فمعظم العاملات تركن العمل رفضا للظلم المجحف بحقهن، فالعمل لتسع ساعات يوميا دون زيادة في الأجر احدى أشكال هذا الظلم، تقول “حتى إذا طلب منا العمل لساعات إضافية أو العمل بيوم العطلة فإنه يحتسبه كأجر عادي أو نصفه، وليس لنا الخيار بالرفض”.
ما يمثل مخالفة صريحة لقانون العمل الذي يحدد عدد ساعات العمل والأجر الإضافي
يعمل العمال في مشاغل الخياطة في وضع صعب وبعيد عن أعين الجهات الرقابية من نقابات، وبعيدٍ عن أنظار مفتشي التأمينات ووزارة العمل، وأغلب مشاغل الخياطة تفتتح في أقبية الأبنية التي تفتقد لأدنى شروط العمل الصحية والإنسانية، وهذا يكون بشكل سري، وليس هناك من دلالات على أنه مكان عمل، ويضع صاحب العمل كاميرات على أبواب مشغله ولا يفتح باب مشغله إلا لمن يريد، متهرباً من الضرائب ومن مفتشي العمل والنقابات.
وبخصوص الإجازات السنوية والتي تعتبر من حقوق المرأة العاملة بحسب القانون؛ ألا وهي إجازات كل من الأعياد الرسمية كعيد العمال، وعيد الاستقلال، والأعياد المسيحية والاسلامية، بالإضافة لإجازة سنوية لا تقل عن 14 يوم مدفوعة الأجر عن كل سنة، وإذا أمضت العاملة 5 سنوات بنفس مكان العمل يحق لها 21 يوما إجازة بالسنة مدفوعة الأجر وإجازة الوفاة.
كما أنه في حال المرض، يحق للعاملات إجازة مرضية مدفوعة الأجر ومدتها 14 يوم بأجر كامل، و14 يوم بنصف الأجر شريطة إحضار تقرير طبي صادر عن لجنة طبية تابعة لوزارة الصحة.
ولكن العاملات في المخايط بالكاد يحصلن على إجازة عيدي الأضحى والفطر فقط، بينما باقي العطل غير معترف بها عند صاحب العمل، واذا احتجن اجازة مرضية او في حالة وفاة او اي سبب طارئ يتم خصمها من أجورهن.
أمراض تصيب العاملات
العمل لساعات طويلة على الكرسي سبب لبعض العاملات أمراضا عدة منها الديسك في منطقة الظهر والرقبة، وتقول العاملة (م. أ) أن زميلتها تعاني من ضعف النظر، وأخرى من ضيق التنفس إثر الأغبرة الموجودة في مكان العمل والتي تنتج من الآلات والملابس الجديدة”.كما يحق للعاملات توفر مكان مناسب لتغيير الملابس، ومكان مخصص لتناول الطعام مع عدد كاف من الطاولات والكراسي، وهذا ما يفتقده المشغل الذي تعمل به العاملة (م.أ)، بالإضافة للكثير من المشاغل التي يغفل عنها القانون.
كانت سليمة تستيقظ على الساعة الخامسة والنصف صباحا، تحضر أغراضها وتحتسي كأس شاي وتقضم بضع لقيمات وتخرج غالبا والحال ما يزال مظلما، وهو الحال الذي يستمر غالبية فصول السنة باستثناء بضع شهور الصيف، لتلتقي مع زميلاتها اللواتي ينتظرن الحافلة التي تقلهم إلى العمل، الذي يبتدئ تمام السابعة صباحا.
تستفيد سليمة ورفيقات عملها من استراحتين في اليوم، الأولى خاصة بالفطور لا تتجاوز مدتها 20 دقيقة، والثانية خاصة بفترة الغذاء لا تتجاوز 45 دقيقة في أفضل الأحوال، على أن يكون التوقيت “المحدد” للمغادرة هو السادسة مساء، غير أنه في غالب الأحيان ما تستمر فترات العمل إلى أوقات متأخرة يمكن أن تصل في بعض الفترات إلى 20 ساعة في اليوم، “وهذه في الحقيقة خرق لحقوقنا ومعاناة تمتد فصولها إلى أسرنا وأهلنا، أمي كانت لا تنام إلى حين عودتي إلى المنزل، كما أنهم لا يقومون بتعويضنا على ساعات العمل الإضافية. مع العلم أن ساعات العمل القانونية لا يجب أن تتجاوز في أسوء الحالات 09 ساعات”.
النقابات: الشكاوى متابعة والرقابة محدودة
كل هذا يُعد حصاراً وظلماً يُصيب العمال في هذه المشاغل، فهم يعملون لساعات طويلة تصل إلى عشر ساعات يومياً، منهم على القطعة، ومنهم بأجر يومي أو أسبوعي، وإذا كان لصاحب العمل طلبية مستعجلة فيتم إلغاء عطلتهم الأسبوعية، أما بالنسبة للأجور فهي كغيرها رغم ارتفاعها عن مثيلاتها في قطاعات أخرى، إلّا أنها تُعد زهيدة مقارنة بمستوى الأسعار، أو مقارنة بسعر بيع القطعة الواحدة من منتوجاتهم، فعلى سبيل المثال، أحد العمال تحدث: أنه يعمل في مشغل لخياطة المانطو النسائي ويتقاضى على القطعة الواحدة 800 ليرة مقابل أن سعره في السوق يبيعه صاحب العمل بما يفوق الـ 150 ألف ليرة سورية، وهذا الفارق بين أجرة العامل وسعر المبيع ينعكس على وضع العمال المعيشي، ويجعلهم أقرب إلى حافة الجوع كون الأجور التي يتقاضونها هي أقل بكثير من تكاليف المعيشة، ومتطلباتهم الحياتية بحدها الأدنى، وهذا ما يدفع الكثير منهم لهجر حرفهم والبحث عن مصادر أخرى قد تؤمن لهم دخلاً أفضل.
طبعاً العمال في مثل هذه المشاغل لا يتمتعون بأية حقوق، فهم ليسوا مسجلين في النقابات ولا في التأمينات الاجتماعية، مع العلم أن هذه المهن غالباً ما يُصاب بها العمال إصابات عمل، أو حتى أمراض في الظهر نتيجة لجلوسهم الطويل خلف مكناتهم، ومتى تعرض أحدهم لعارض صحي بسيط أدى إلى تباطؤ إنتاجه، يستبدله رب العمل مباشرة ويستغني عن خدماته.
عند انخفاض الطلبيات لدى رب العمل، فإنه تلقائياً يقوم بتسريح عماله ويُبقي على قلة منهم ليخفض من مصاريفه، حتى يستدعيهم متى أتته طلبية أخرى وهكذا دواليك، فصاحب العمل دائما هو الرابح وفي مختلف الظروف على حساب عماله طبعاً، الذي يستغلهم ثم يستغني عنهم متى أراد وهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يستطيعون مطالبته بأي شيء لأن مصيرهم الطرد من العمل مباشرة، ولا يأخذون زيادة عن أجورهم سوى ما يتصدق عليهم، الحجي صاحب المشغل في فترة الأعياد، وهو الذي يسرق تعبهم طوال العام.
هذه كانت أحوال هؤلاء العمال سابقاً، واليوم ازدادت معاناتهم أكثر وخاصة مع اضطرار الكثير من النساء والفتيات للعمل في هذه المشاغل لمساعدة ذويهم، وتلقفتهنّ سوق العمل، وبدأت في استغلال حاجتهن للعمل، وظروف الأزمة وتداعياتها أجبرتهن على قبول العمل في هذا الوضع الاستغلالي.
في المقابل، رأت شركات ومصانع الألبسة الكبرى في هذه المشاغل الصغيرة فرصة لها لكي تتخلص من عبء العمال وأجورهم، وباتت توزع لهذه المشاغل الأقمشة لتقوم هذه الأخيرة بصناعتها، فهذه المشاغل الصغيرة تستطيع التهرب من الضرائب وتشغل العمال بأجور زهيدة مما يعود بأرباحٍ أكبر لشركات الألبسة الكبرى.
خلال الأزمة دخلت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وبدأت العمل في المجتمع، حيث تعتمد هذه المنظمات على افتتاح مراكز لتدريب النساء من الأرامل والمطلقات والنساء التي أجبرتهن الأزمة على العمل، فتستهدف هذه الجمعيات هذه الفئة من المجتمع وتعمل على تعليمهن الأعمال اليدوية كالخياطة أو حياكة الصوف، وتقوم بافتتاح مشاغل خياطة يتم من خلالها تشغيل هؤلاء النساء لساعات طويلة ودون إعطائهن أية حقوق أخرى سوى الأجر البسيط، تحت حجة العمل الخيري والإنساني لمساعدتهن.
ومن ترفض منهن العمل في هذه الشروط والظروف الصعبة يتم استبعادها من العمل في المشغل، وتركها دون تأمين فرصة عمل لها، ودون تأمين رأسمال يمكنها من فتح مشروعها الخاص، وبالتالي لا تعود هذه المشاريع والدورات بأية فائدة حقيقية على هؤلاء سوى أنها تساعد هذه المنظمات في اختراق المجتمع عبر العمل الخيري والإنساني.
إلى الامام / متابعة