٢٧عاما من تاريخ الحزب الشيوعي العمالي العراقي(حشعع) وقضية المرأة
من احد الشواخص المهمة للحزب الشيوعي العمالي العراقي هو كيفية تناوله لقضية المرأة. ليس بالشيء الكثير بالتاكيد القول ان الحشعع خصص جزءا من برنامجه لتناول قضية المرأة، فالاحزاب اليسارية في الغالب تخصص اجزاءا من برامجها لقضية المرأة. الا ان ما هو مختلف ومتمايز عما يقدمه الحشعع عن غيره من احزاب تطلق على نفسها اسم الشيوعية يتمثل بثلاثة نقاط اساسية:
الاولى: لم ينظر الحشعع لقضية النضال من اجل حقوق المرأة ومساواتها كقضية يمكن تأجيلها الى ما بعد “تحرير الطبقة العاملة” وان تحريرها مرتبط بقضية تحرر هذه الطبقة. من المؤكد والصحيح ان كل صنوف الاضطهاد والتمايز بين البشر سيختفي مع نهاية النظام الطبقي، بما فيها التمييز الجنسي ضد النساء. حيث في مجتمع لا طبقي لن تكون هنالك اية حاجة لاية اشكال من التمايزات، حيث لن توجد هنالك طبقة تغتني وتنتفع من تلك التمايزات. الا ان امكانية تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، قابلة ايضا للتحقق في ظل النظام الرأسمالي اذا ما فرضت القوى التحررية بنضالاتها وانتزعت هذا الحق من الرأسمالية، كما أنتزع مبدأ الغاء التمييز العنصري على اساس اللون مع بقاء وجود النظام الرأسمالي نفسه. اي ان تحقق المساواة على مختلف الاصعدة ايضا قابلة للتحقق اذا ماجرى الضغط على الانظمة الرأسمالية للاقرار بهذه المساواة.
من هنا، لم يؤجل الحزب النضال من اجل حقوق المرأة الى اشعار اخر، عدم القيام باي تحرك لدفع نضالهن النسوي الى الامام. لم يرضخ الحزب لهذه الدعاوى، انطلاقا من رؤيته الماركسية والتي تتمحور بان اضطهاد المرأة هو احد الاركان التي يقوم عليها النظام الرأسمالي نفسه، وان لمواجهة هذا النظام يجب ان تتحرك الطبقة العاملة كجزء عامل في الانتاج الرأسمالي يقوم بانتاج الربح من جهة، وان تقوم النساء، من جهة ثانية، اضافة الى دورها في الانتاج كعامل منتج، وهذا ما تقوم به النساء العاملات، الا ان هؤلاء العاملات يقمن بالمشاركة في عملية اعادة الانتاج. لذلك فمن ناحية المرأة تضطهد في النظام الرأسمالي لكونها عاملة، ولكونها ايضا عاملة في المنزل وراعية لتحضير العامل للانتاج ولخلق الجيل الجيل من العمال للطبقة الراسمالية. وهذه هي المكانة التي حددت لها في النظام الرأسمالي، وما ترتب عليه من ظلم وجور من القيام بهذين الدورين. لذلك، كما العامل يجب ان يتحرك لدفع النظام الرأسمالي واسقاطه، المرأة ايضا، صاحبة المصلحة الحقيقية بالقيام بنفس الدور. اي انهما شريكان ولديهما مصلحة في اسقاط النظام الرأسمالي.
الثانية: اخذا بنظر الاعتبار مما قيل في النقطة الاولى وامتدادا له، يتعامل الحشعع مع قضية المرأة كقضية قائمة بذاتها. اي كمطالب لقسم من البشر يتعرض للاضطهاد لانها مصنفة جندريا كأناث. ومن هنا، في دفاعه عن حقوق المرأة، يدافع عن حقوق المرأة لذاتها، لذات النساء، ومن اجل النساء انفسهم. نقطة الاختلاف هنا، ان ما تقوم به بعض القوى اليسارية، انها تطالب باشراك اوسع للمرأة من اجل قضايا اخرى، كقضية الدفاع عن الوطن، الاستقلال، السلام، او حتى التنمية، المشاركة السياسية وغيرها. من المؤكد ان النساء لسّن بجزء معزول عن المجتمع، وهن منهكمات بالاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية حالهن حال الرجل، الا ان العلامة الفارقة هي ان الحشعع يدافع ضد اضطهادهن الجنسي، وليس من اجل دورهن و بغض النظر عما اذا كان واسعا او محدودا. بالتاكيد ينادي الحزب من اجل اوسع المشاركات للنساء وعلى كافة الاصعدة، وظهورها بمساواة تامة مع الرجل وفي كافة الميادين، الا ان اساس نضاله النسوي، يتمحور حول ازالة اي شكل من اشكال التمييز والاضطهاد ضد النساء لكونهن نساء. لذلك لم يؤجل قضية النضال من اجل حقوق المرأة الى مراحل لاحقة، بل بدأها منذ بدء تأسيسه في الحادي والعشرين من تموز عام 1993. مستندا بهذا الى رؤيته الماركسية، بان اضطهاد المرأة نابع من وجودها ومكانتها ودورها في مجتمع طبقي يحدده لها الطبقات السائدة. وانها مهمة غير قابلة للتأجيل.
لذلك، وبناء عليه لم يكف الحزب عن الدفع بقضية المرأة في العراق وخاصة منذ سنين عمله الاولى وبشكل علني في كردستان العراق حيث تصدى للحركات الاسلامية التي وجهت رأس حربتها للنساء، متحالفة معها الاحزاب القومية الكردية على اختلافها، لامتهان وقتل النساء والتجاوز على حرمتهن، واستعمال العنف، بما في ذلك قتل النساء في كردستان تحت اسم الدفاع عن الشرف، او فرض الحجاب الاجباري على الفتيات عبر ارسال فتيان صغار ليرموا مواد على ارجل الفتيات غير المحجبات، لقد كان الحزب ومنظمة النساء المستقلة المنظمة الاولى هم من بادرا ولاول مرة في تاريخ العراق بفتح مأوى آمن للنساء في كردستان العراق في اواسط التسعينات والتي قامت الاحزاب القومية الكردية لاحقا باغلاقه في عام 2000 معرضة حياة النساء الهاربات من العنف الى خطر القتل، وقد قتل بالفعل عدد منهن من قبل ذويهن.
بناء على هذه الرؤية، لم يتعامل الحزب مع قضية المرأة بشكل انتهازي، فهو لم يغض النظر او الطرف عن اية قضية تتعرض لها النساء. فحين شنت ميلشيا فدائي صدام والتي يترأسها عدي حملة لقطع رؤوس النساء وتعليقها على ابواب البيوت في بغداد والمحافظات، نتيجة اتساع ظاهرة بيع الجنس من قبل النساء عديمات الحيلة بسبب الفقر الذي فرضه الحصار الاقتصادي، لم يتردد الحزب ولو لحظة لتعبئة اوسع حملة عالمية من اجل الضغط على نظام صدام حسين وسفاراته في الخارج لايقاف قطع رؤوس النساء. لقد تعرض الحزب للكثير من الدعايات المغرضة نتيجة وقوفه ضد جرائم قتل الشرف، وضد قطع رؤوس النساء، الا انه لم يخفي رأسه في التراب، ولم يقل، كما ردد الاخرون” ليس هذا وقته”! ليس وقت الدفاع عن جرائم القتل على اساس الشرف. ولم يقدم اي احد اجابة على سؤالنا: ان لم يكن وقته الان، متى سيحين وقته؟
كأمرأة، وكعضو في الحزب الشيوعي العمالي العراقي، ما تعلمه مبادئ الحزب والشيوعية العمالية التي اسسها منصور حكمت، استنادا الى ماركسية ماركس هو ممارسة الحق في التعبير عن الرأي وبشكل تام وكامل، عدم اخفاء والمراوغة في التعابير، وعدم الانصياع الى كلمات من قبيل” المجتمع لا يتحمل هذه الافكار” اذا كان المجتمع تحمل وفهم افكار يحملها البغدادي واسامة بن لادن، لماذا يصعب عليه استيعاب الافكار الانسانية والتحررية؟ ان القول بعدم الرد وعدم الدفاع عن حقوق المرأة، بحجة” عاداتنا وتقاليدنا” انما يخدم في المطاف الاول والاخير القوى الرجعية، التي تريدنا ان لا نحرك ساكنا،ولا ننقل الوضع من الف الى باء، ولا بمقدار خطوة واحدة.
اننا نريد ان نزج بالقوى النسوية صاحبة المصلحة الحقيقية في احداث ثورة طبقية اقتصادية واجتماعية واخلاقية وسياسية في المجتمع في خضم هذا النضال. لذا، فان الحزب الشيوعي العمالي العراقي بقدر ما يدافع عن حقوق المرأة كاملة وغير منقوصة وغير مشروطة في النظام الرأسمالي نفسه ومن اجل تحقيق مكاسب على مختلف الاصعدة ولكن ايضا لها دور في اطاحة هذا النظام الطبقي واقامة مجتمع اشتراكي وانساني بدلا عنه. ادعو كل امرأة في العراق تتطلع الى الدفاع الحقيقي عن حقوق المرأة وتناضل من اجل انهاء التمييز الجنسي ضد النساء،وازالة الظلم بحقهن، الانضمام الى صفوف هذا الحزب.
ملاحظة : كتب هذا المقال في الذكرى السابعة والعشرين لتأسيس الحزب اي عام ٢٠٢٠