(الجزء الثاني والأخير)
عالم افضل: هناك تصور شائع نوعا ما لدى المحللين الغربيين مفاده ان امريكا انسحبت بهدف خلق المشاكل للصين. للصين مشروع عملاق اسمه خط الحرير. ان محور خط الحرير يمر بباكستان وافغانستان وايران ومنه الى اوروبا.. ان ترك افغانستان منطقة مضطربة وغير امنه ومحفوفة بصراعات ومخاطر يضع عراقيل جدية امام هذا المشروع العملاق او عبر تقوية الجماعات الاسلامية المتشددة بالمنطقة (وما اكثرها!) مما يؤثر على الاستقرار السياسي لتلك البلدان … وبالتالي، ان امريكا بخطوتها هذه توجه ضربة للصين وروسيا و… كم هذه المقاربات واقعية وصحيحة برايكم؟!
توما حميد: لقد كانت أفغانستان غير مستقرة بوجود أمريكا. ان اغلب الأراضي الأفغانية التي هي خارج المراكز السكانية كانت تحت سيطرة طالبان حتى بوجود أمريكا. ليس بالإمكان التنبؤ فيما إذا كانت أفغانستان ستستقر او تنزلق الى حرب أهلية. ولكن انا شخصيا لا اعتقد بان مشكلة الصين مع أفغانستان هي طريق الحرير. في كل الأحوال، الخطة الاصلية لطريق الحرير لا تمر بأفغانستان. فالمسار الشمالي لهذا الطريق يمر بكازخستان، روسيا، روسيا البيضاء، بولندا، المانيا، فرنسا. والمسار الثاني أي الجنوبي يمر ب (قيرغستان، طاجيكستان، أوزبكستان ، تركمستان، ايران، العراق ، سوريا ، تركيا. والفرع الاخر من المسار الجنوبي يمر عبر باكستان الى ميناء جوادر الباكستاني.
لن اتعجب ان تحرص طالبان على اقامة علاقات مع دول العالم وكسب اعترافها، او على الأقل جعلها تتعامل مع أفغانستان تحت حكم طالبان. طالبان اليوم هي غير طالبان 1996-2001 فيما يتعلق في التعامل مع القوى الأخرى. كان للصين وروسيا مثلا تواصل مع طالبان لسنين. لهذا تجد ان روسيا والصين لم تغلقا سفاراتهما في كابول.
أفغانستان، وبغض النظر عمن يحكم، بحاجة الى الاستثمارات الأجنبية وخاصة الصينية. اذ يوجد في أفغانستان معادن تنتظر الاستخراج بقيمة ترليون دولار، بما فيها المعادن النادرة. من جهة اخرى، تهتم الصين بالاستقرار السياسي وفرص الاستثمار بما فيها في أفغانستان. هناك حديث من الان بان تقوم الصين بتوسيع ما يسمى بالتعاون الاقتصادي الصيني الباكستاني ليشمل افغانستان. ان أولى الخطوات هي امداد الخط السريع الذي يربط الصين بباكستان الى أفغانستان عن طريق خط سريع بين بيشاور وكابول. ان ما يحسم هذا هو مدى قدرة طالبان على فرض الاستقرار السياسي
ان مشكلة الصين الأساسية هي فيما اذا كانت أمريكا او حتى طالبان ستقوم بدعم الحركات الإسلامية في إقليم شنجان الصيني الذي تقطنه الأقلية من مسلمي الايغور او تقوية الحركات الإسلامية الإرهابية في جمهوريات اسيا الوسطى التي سيمر فيها طريق الحرير. ولكن الفوائد التي يجلبها هذا المشروع لدول اسيا الوسطى هي من الأهمية بحيث ستقوم هذه الدول بكل ما في وسعها لإزالة كل العراقيل امامه. فهناك الان نموذج مصغر لهذا المشروع يربط الصين من خلال كازخستان وروسيا بأوروبا، وهو يشمل خط لسكك حديد وخط للشاحنات وخط لسفر وانتقال الافراد بدون أي مشاكل. ستبين الأيام القادمة نوعية العلاقات بين الصين وطالبان، ولكن لن اتعجب ان تلتزم طالبان بعدم دعم الجماعات الإسلامية مقابل الاستثمارات الصينية وتعامل الصين معها. فطالبان بحاجة الى ان تكون مقبولة دوليا. الامر غير المعلوم هو هل سيكون بإمكان طالبان فرض الاستقرار ام لا، اذا بدا الغرب من الان بدعم التحالف الشمالي بقيادة احمد مسعود.
عالم افضل: يتحدث قادة طالبان ومنهم الناطق الرسمي للمكتب السياسي عن ان طالبان اليوم هي غير طالبان السابقة، ما قبل 20 عام حين حكمت من 1996 الى 2001… اذ تؤمن اليوم بحرية المرأة وان يكن وفق الثوابت الاسلامية ، حرية الراي والتعبير والاحزاب السياسية، على قول احد مسؤوليهم ان الحرية في طالبان وأفغانستان ستكون اوسع من الفيسبوك (!!)… اي لا تبقى طالبان طالبان اذبح واجلد واقتل و… السؤال كم هذا التصوير واقعي…. هل يمكن ان تكون طالبان طالبان اخرى؟!
توما حميد: انا لست مقتنعا بادعاءات طالبان حول احترام حقوق الانسان وحقوق النساء والحريات الفردية، والمدنية والسياسية. ان هذه الأمور لا تتوافق مع طبيعة طالبان. سوف تفرض ظروف وحشية على جماهير أفغانستان، وسوف تستمر في استعباد المرأة، وانكار ابسط الحقوق والحريات المدنية والفردية والسياسية. ان وصول طالبان الى السلطة سيجلب موجة جديدة من الإرهاب والقتل والقمع والرجعية. اذ ماذا تعني حقوق المرأة او الحقوق الفردية والسياسية والمدنية حسب الثوابت الإسلامية؟ هذا هراء. المسالة هي هل ستسمح جماهير أفغانستان لطالبان بان تفرض هذه الأمور. طالبان تريد ان تعطي انطباع بانها هي ليست طالبان 2001 ولكن طالبان الى حد ما مجبرة ان تتغير لان المجتمع الافغاني هو ليس مجتمع 2001، اذ تغيرت تطلعات الجماهير. من جهة أخرى، يقوم الاعلام الغربي بتضخيم مسالة ان طالبان متغيرة حتى يثبت بان تدخل أمريكا نجح في تحقيق أهدافه.
عالم أفضل: مع هذا الوضع “الواقعي (سيطرة وحكم طالبان)، كيف سيتعامل الغرب والمنظمات الدولية مثل الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وغيره…؟ تتحدث طالبان نفسها عن إقامة علاقات طيبة مع الجيران (روسيا والصين وطاجكستان وباكستان وايران و… غيرها) ومع امريكا لها اتفاقات وتتحدث عن انها تنوي اقامة علاقات سليمة مع العالم ولا تقبل بان تكون افغانستان منطلقا لأي عداء للدول الاجنبية… كيف ترون انتم الامور وما هو موقفكم من وجود طالبان كدولة…..؟!
توما حميد: فيما يتعلق الامر بالغرب والاتحاد الأوربي، اعتقد بان الذي يسود هو حالة من الغموض. اذ لم يحسموا لحد الان كيف سيتعاملون مع طالبان ومدى الدعم الذي سيقدمه التحالف الشمالي. ولكن اعتقد في النهاية سوف يقبلون بالواقع الذي سيفرض في أفغانستان. سيحاول الغرب المنافسة مع الصين وروسيا في كسب أفغانستان فيما يتعلق بالاستثمار في الموارد الطبيعية وحتى إقامة خط الانابيب لنقل الغاز من تركمنستان الى أفغانستان ومنها الى الشاطئ الباكستاني او الاستثمار في تعدين الموارد الطبيعية مثل الليثيوم والنحاس والحديد والذهب. ولكن اعتقد بان للصين اليد الطولي في هذا المجال، وقد تتمكن من دمج أفغانستان في مشروع الحرير إذا استقر الوضع.
اما موقفنا هو ان طالبان هي قوة رجعية ظلامية يجب ازاحتها بالقوة. للأسف ان الظروف التي يمر بها المجتمع الافغاني هي غير طبيعية، حيث اصبحت أفغانستان لعقود ساحة لصراع القوى الرجعية. ان الأوضاع المأساوية والحروب والتدخلات العسكرية ووجود قوى السيناريو الأسود مثل الطالبان لأربعة عقود تعيق فرصة الجماهير في أفغانستان للمقاومة وتقلل من فرص الجماهير في الخوض في نضال سياسي جماهيري بشكل مدني ومباشر.
ان مشكلة أفغانستان هو ان هذا المجتمع ليس لديه قوة تقدمية مقتدرة تصارع اليوم على السلطة. ان الصراع هو بين القوات الرجعية. ولكن هناك بوادر هنا وهناك لمقاومة من قبل النساء والقوى المدنية، والجماهير المحبة للحرية والمساواة والتمدن، وان كانت ضعيفة، ولكن مع هذا فهي تعتبر الامل الوحيد. يجب ان لا ننخدع بأحمد مسعود ابن احمد شاه مسعود او امر الله صالح نائب اشرف غني.
طالبان والقوى الإسلامية مسلحة وتمارس العنف. ليس امام القوى التقدمية والنسوية والشيوعية والعمال والكادحين في أفغانستان من بديل غير بناء جبهة جماهيرية ثورية تنظم نضال مسلح ضد هذه القوى. يجب ان لا يسمح لطالبان ان تتحكم بمصر المجتمع وتضعه في نفق مظلم وتفرض الحرب والقتل والرجعية من خلال نضال جماهيري ثوري. ان بروز جبهة جماهيرية تقدمية سوف يجلب دعم وتضامن اممي للقوى التقدمية والاشتراكية حول العالم.
فيما يتعلق بالسياسية الدولية، بنظري يجب النضال ضد انهاء الاحتلال وأنهاء تدخل كل الدول في أفغانستان من أمريكا وباكستان والهند وروسيا وإيران. والاهم يجب الوقوف ضد أي محاولة لفرض حصار على هذا البلد. يجب ان يكون لجماهير أفغانستان الحق في تقرير مستقبلهم بأنفسهم. يجب عدم الاعتراف بطالبان كحكومة شرعية، ويجب العمل من اجل تنظيم الجماهير والارتقاء بنضالاتها وعندها سنجد بان في أفغانستان من مدنية بحيث يكون بإمكانها اختيار نظام حكم أفضل من الحكم الذي تفرضه أمريكا او الذي تفرضه طالبان من خلال السلاح.