لينين عن ذكرى ثورة السابع من نوفمبر عام 1917
… أيا كانت أهم الظاهرات، البقايا، الرواسب من القنانة في روسيا عشية 1917؟ الملكية، الفئات المغلقة الحاكمة، التملك العقاري و التمتع بالأرض، وضع المرأة، الدين، اضطهاد القوميات. خذوا أيا من “إسطبلات أوجياس” هذه المتروكة، و نقول هذا للمناسبة، إلى حد ملحوظ، غير منظفة بصورة تامة من قبل جميع الدول المتقدمة حين قامت بثورتها الديمقراطية البرجوازية، منذ 125 سنة و 250 سنة و أكثر (1649 في انجلترا)،– خذوا أيا من إسطبلات أوجياس هذه، تروا أننا نظفناها كليا. ففي نحو عشرة أسابيع، لا أكثر، منذ 25 تشرين الأول – أكتوبر (7 تشرين الثاني – نوفمبر) 1917 حتى حل الجمعية التأسيسية (5 كانون الثاني – يناير 1918)، فعلنا في هذا المضمار ما يزيد ألف مرة عما فعل الديمقراطيون و الليبراليون البرجوازيون (الكاديت) و الديمقراطيون البرجوازيون الصغار (المناشفة و الاشتراكيون – الثوريون) في ثمانية أشهر من حكمهم.
إن هؤلاء الجبناء، هؤلاء الثرثارين، هؤلاء النرجسيين المشفوفين بأنفسهم، هؤلاء أشباه هملت من قياس مصغر، كانوا يلوحون بسيف من كارتون، – و لم يقضوا حتى على الملكية! لقد أفرغوا الزبالة الملكية كما لم يفعل أحد في أي وقت مضى. و لم نترك حجرا على حجر، و قرميدة على قرميدة، من هذه العمارة التي دامت قرونا و قرونا، عمارة نظام الفئات المغلقة (إن أكثر البلدان تقدما، كانجلترا و فرنسا و ألمانيا، لم تتخلص بعد حتى الآن من بقايا هذا النظام!). إن أعمق جذور هذا النظام، أي بقايا الإقطاعية و القنانة في تملك الأرض، إنما استأصلناها كليا. “يمكن الجدال” (ففي الخارج ما يكفي من الأدباء الكاديت، و المناشفة، و الاشتراكيين – الثوريين للدخول في هذا الجدال) حول معرفة ما سينجم “في آخر المطاف” من الإصلاحات الزراعية التي تقوم بها ثورة أكتوبر الكبرى. إننا لسنا اليوم على استعداد لتضييع وقتنا على هذا الجدال، لأننا بالنضال نحل هذا الجدال و كل طائفة الجدالات التي تتوقف عليه. و لكنه لا يمكن الجدال ضد واقع أن الديمقراطيين البرجوازيين الصغار “قد تفاهموا”، طوال ثمانية أشهر، مع الملاكين العقاريين حفظة تقاليد القنانة، بينا كنسنا نحن كليا خلال بضعة أسابيع هؤلاء الملاكين العقاريين و جميع تقاليدهم على السواء من على وجه الأرض الروسية.
خذوا الدين، أو غياب الحقوق للمرأة ، أو اضطهاد القوميات غير الروسية و عدم مساواتها في الحقوق. و كلها قضايا تتعلق بالثورة الديموقراطية البرجوازية. إن تافهي الديموقراطية البرجوازية الصغيرة قد ثرثروا حول هذه الموضوعة طوال ثمانية أشهر. و ليس ثمة بلد واحد، بني أرقى البلدان في العالم، حلت فيه هذه المسائل إلى النهاية في الاتجاه الديمقراطي البرجوازي. أما عندنا فقد حلها إلى النهاية تشريع ثورة أكتوبر. لقد حاربنا الدين و نحاربه حقا، و منحنا جميع القوميات غير الروسية جمهوريات أو مقاطعات مستقلة ذاتيا خاصة بها. و لم تعد روسيا تعرف هذه السفالة، هذه الشناعة، هذه الدناءة، ونعني بها انعدام الحقوق أو عدم المساواة في الحقوق بالنسبة للمرأة، هذه البقية المنفرة المتبقية عن الإقطاع و القرون الوسطى، و المرممة في جميع بلدان الكرة الأرضية، دون أي استثناء، من جانب البرجوازية الجشعة و البرجوازية الصغيرة البليدة و المذعورة.
و لكنه، توطيدا لمكتسبات الثورة البرجوازية الديموقراطية في صالح شعوب روسيا، كان يتعين علينا أن نمضي إلى أبعد. و هذا ما فعلناه. فقد حللنا قضايا الثورة البرجوازية الديموقراطية عرضا، خلال السير، بوصفها “نتاجا ثانويا” لعملنا الرئيسي و الحقيقي، لعملنا الثوري، البروليتاري، الاشتراكي. فالإصلاحات، كما قلنا دائما، نتاج ثانوي للنضال الطبقي الثوري. و الإصلاحات الديموقراطية البرجوازية، كما قلنا و أثبتنا بأفعالنا – نتاج ثانوي للثورة البروليتارية، أي الاشتراكية. و نقول بالمناسبة أن جميع إضراب كاوتسكي و هلفردينغ و مارتوف و تشيرنوف و هيلكويت و لونغه و ماكدونالد و توراتي و سائر أبطال الماركسية “الثانية و النصف” لم يستطيعوا إدراك هذه العلاقة بين الثورة الديموقراطية البرجوازية و الثورة البروليتارية الاشتراكية. إن الأولى تتحول إلى الثانية. و الثانية تحل، عرضا، قضايا الأولى. و الثانية توطد عمل الأولى. و النضال، النضال وحده، هو الذي يقرر إلى أي حد تنجح الثانية في تجاوز الأولى.