الجزء السادس/ القسم الثاني
يسلط التقرير الضوء أيضا على عدد من اثار تغير المناخ التي يمكن تجنبها بالحد من الاحترار العالمي الى 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجتين مئويتين، فعلى سبيل المثال، بحلول عام 2100، سيكون ارتفاع مستوى سطح البحر اقل بمقدار 10 سم عند ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجتين مئويتين. واحتمال خلو المحيط المتجمد الشمالي من الجليد البحري في الصيف سيكون مرة واحدة في القرن مع ارتفاع درجة الحرارة الأرض الى 1.5 درجة مئوية ، مقارنة بمرة واحدة على الأقل في العقد مع درجتين مئويتين وستنخفض الشعاب المرجانية بين 70 و 90 في المائة مع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، في حين ان جميع الشعاب المرجانية تقريبا (اكثر من 99 في المائة) ستفقد بدرجة حرارة 2 درجة مئوية.
ومن المؤكد تقريبا أن المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر سيستمر في الارتفاع خلال القرن الحادي والعشرين. بالمقارنة بالفترة 1995-2014، متوسط ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي المحتمل بحلول عام 2100 هو 0.28-0.55 في ظل سناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة جدا و 0.32-0.62 متر في ظل سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المنخفضة و 0.44-0.76 متر في ظل سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المتوسط و 0.63-1.01 م في اطار سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المرتفعة جدا. وبحلول عام 2150 يكون 0.37-0.86 متر في ظل السيناريو المنخفض جدا و 0.46-0.99 متر في ظل السيناريو المنخفض و 0.66-1.33 متر في ظل السيناريو المتوسط و 0.98-1.88 متر في ظل السناريو العالي جدا. لا يمكن استبعاد ارتفاع متسوط سطح البحر العالمي فوق النطاق المحتمل- الذي يقترب من مترين بحلول عام 2100 و 5 م بحلول عام 2150 في اطار سيناريو انبعاثات غازات الدفيئة المرتفعة جدا -بسبب عدم اليقين العميق في عمليات الغطاء الجليدي.
وعلى المدى الطويل، يلتزم مستوى سطح البحر بالارتفاع لقرون إلى آلاف السنين بسبب استمرار ارتفاع درجة حرارة المحيطات العميقة وذوبان الغطاء الجليدي، وسيظل مرتفعا لآلاف السنين. وعلى مدى السنوات ال 2000 القادمة، سيرتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر بنحو مترين إلى ثلاثة م إذا اقتصر الاحترار على 1.5 درجة مئوية، ومن مترين إلى 6 م إذا اقتصر على درجتين مئويتين و19 إلى 22 م مع ارتفاع درجة حرارة 5 درجات مئوية، وسيستمر في الارتفاع على مدى آلاف السنين اللاحقة. هذا يعني بان في المستقبل البعيد حتى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة يعني ارتفاع مستوى سطح البحر حد ثلاثة امتار وهذا يعني بان مناطق واسعة من اليابسة سوف تغرق.
حتى افضل السناريوهات وهو بلوغ مستوى الانبعاثات اجمالي الصفر في منتصف القرن، تواجه البشرية وضعا سيئا للغاية اذ سيستمر مثلا ارتفاع مستويات سطح البحر لقرون جزئيا نتيجة ذوبان الغطاء الجليدي حول جزيرة غرينلاند حيث من المحتمل اننا تجاوزنا بالفعل العتبة التي يمكن بعدها إيقاف ذوبان جليد غرينلاند رغم ان التخفيضات السريعة والعميقة في الانبعاثات ستبطئ بشكل كبير من ارتفاع مستويات سطح البحر خاصة في هذا القرن.
من المتوقع بان الظواهر المناخية المتطرفة النادرة لن تبقى نادرة تحت جميع السناريوهات وستحدث بشكل متزايد ومتزامن ومركب في مكان واحد مما يؤدي الى اجهاد اليات الاستجابة. اذ سنشهد ازمة مناخية بعد ازمة مناخية، أي التغير المناخي لن يكون موجه حر هنا، وعاصفة هناك وفيضان في مكان وجفاف في مكان اخر بل سلسلة لامتناهية ومتسارعة من الكوارث الطبيعية التي ستنهك المجتمع الإنساني وتمزق نسيجه. سوف تشهد اليابسة وخاصة المناطق الحارة موجات حر غير مسبوقة، تصبح في أماكن معينة قاتلة عندما تفوق الحرارة قدرة جسم الانسان للتأقلم، وستشهد المناطق الساحلية ارتفاعا مستمرا في مستوى سطح البحر طوال القرن الحادي والعشرين، مما يساهم في حدوث فيضانات ساحلية أكثر تكرارا وشدة في المناطق المنخفضة وتآكل السواحل وتدمير الكثير من المناطق الساحلية او انغمارها تحت الماء. فمثلا بحلول 2100 سوف يرتفع مستوى سطح البحر حوالي 50سنتم في احسن الأحوال، وهذا كافي لغرق مدن مثل شنغهاي، ولاغوس وجكارتا والمالديف والكثير من جزر المحيط الهادي وتهديد مناطق منخفضة مثل بنغلادش ودلتا النيل. سوف تؤدي موجات الحر، وموجات جفاف ونقص المياه الى جانب أنماط المناخ الجديدة الأخرى الى فشل المحاصيل الزراعية وستؤثر على انتاج الغذاء. وعندما يصبح موسم الحر أطول فان الكثير من الامراض وخاصة تلك التي تنقل من خلال الحشرات سوف تصبح اكثر شيوعا. وتؤثر التغييرات في المحيط، بما في ذلك، الاحترار وموجات الحرارة البحرية الأكثر تكرارا وتحمض المحيطات وانخفاض مستويات الأوكسجين، على كل من النظم الإيكولوجية للمحيطات والأشخاص الذين يعتمدون عليها ، اذ سوف تقضي على اعداد الأسماك التي هي مصدر مهم للغذاء لمليارات من البشر.
بالتالي قد يؤدي تغير المناخ الى الاضطرابات وزعزعة استقرار البلدان الأقل نموا من خلال الضغط على القدرة الاجتماعية على توفير الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء ووسائل العيش مع الظروف المناخية القاسية. قد تجبر هذه الأمور وخاصة ارتفاع مستوى سطح الماء الملاين على ترك محل اقامتها مما سيؤدي الى موجات هجرة خيالية والتي قد تؤدي الى صعود اليمين وبروز اشكال من الحيطان على الحدود الدولية والى الفصل المناخي حيث سيطوق الأثرياء مناطقهم من المتضررين من الانهيار البيئي. وسوف تؤدي الاحداث المناخية المتطرفة مثل موجات الحرارة والفيضانات والحرائق وتساقط الامطار الغزيرة والاعاصير الى وفاة اعداد هائلة من البشر بشكل مباشر او غير مباشر نتيجة التأثير على الصحة العامة وانتشار الامراض وقلة المواد الغذائية. وقد نشهد حروب على المياه والأراضي الزراعية. وفي ظل أفضل السيناريوهات سوف تواجه المجتمعات البشرية في ظل الرأسمالية تفاقم في عدم المساواة والبطالة.
ورغم ان الاحداث المناخية المتطرفة سوف تؤثر على كل مناطق العالم بدون استثناء، ولكن هناك مناطق سوف تتضرر بالتغير المناخي أكثر من غيرها ولقد نشرت الهيئة خريطة مفصلة عن العالم، كما لبعض المناطق قدرة اقل للاستجابة للتغير المناخي.
يخلص التقرير إلى أن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، سيتطلب انتقالات سريعة وكبيرة وبعيدة الأمد وغير مسبوقة في كافة مناحي الحياة مثل قطاع الأراضي والطاقة والصناعة، والمباني، والنقل والمدن. وسيتعين أن ينخفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الإنسان على الصعيد العالمي بنحو 45 في المائة عن مستويات عام 2010 بحلول عام 2030، ليصل إلى اجمالي الصفر حوالي عام 2050.وهذا يعني ان اي انبعاثات يجب ان يقابلها إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء. ولكن رغم ان هذا السناريو، أي الإبقاء على درجة الحرارة دون 1.5 هو الخيار الوحيد لمستقبل يمكن تحمله اي مستقبل غير كارثي الا ان فرص تحقيقه هي ضئيلة جدا.
يعتقد الكثير من العلماء باننا سنصل عتبة 1.5 درجة مئوية في بداية الثلاثينيات من هذا القرن ان لم يكن قبل هذا الوقت وسنصل عتبة 2 درجة مئوية بحلول 2045. اذ يقول موقع متعقب العمل المناخي
بان السياسات الحالية ستؤدي الى زيادة بين 2.1 و 3.9 درجة مئوية وكمعدل 2.4 درجة بنهاية هذا القرن. سوف يصبح المستقبل اسوا بشكل اسرع من حيث الظواهر المناخية المتطرفة.
وهناك الكثير ممن يعتقد بان الاحترار فوق درجتين قد يؤدي الى تجاوز نقاط التحول الهامة، التي تؤدي إلى تغييرات لا رجعة فيها في النظم الإيكولوجية الرئيسية والنظام المناخي الكوكبي، والى حلقة دائميه من الاحترار الكوكبي التي ستؤدي الى ذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستوى ماء البحر، حيث سيتم تفعيل حلقات التغذية الراجعة أي الكوارث التي تتغذى على بعضها البعض وتؤدي الى تفاقمها وتعزز الاحترار الذاتي، والتي ستؤدي الى تغير مناخي جامح الذي قد يهدد ظروف وجود البشرية. اذ تصل الأرض الى حالة تكون معها جهود الانسان لتقليل الانبعاثات عديم الجدوى. فمثلا يؤدي المزيد من الاحترار الى حرائق الغابات التي تعمل كأحواض الكربون مما يجعلها مصدر للمزيد من الكربون والذي يؤدي الى المزيد من الاحترار، او تذوب كميات كبيرة من الجليد القطبي وهذا يؤدي الى فقدان القدرة على عكس الحرارة خارج الغلاف الجوي بل الى امتصاصها وهذا يؤدي الى المزيد من الاحترار وبالتالي الى المزيد من ذوبان الجليد وهكذا. او سيؤدي الاحترار الى ذوبان التربة الصقيعية التي تغطي مساحات واسعة من الأرض وهذا سيودي الى انبعاث كميات هائلة من غاز الميثان الذي يؤدي الى المزيد من الاحترار. رغم ان التقرير يقول بان مثل هذا الاحتمال هو ضعيف ولكن لا يمكن استبعاده، يعتقد الكثير من العلماء بان احتمال حدوث تغيرات من هذا القبيل قوي.
اذا لم تجبر البشرية البرجوازية وقادتها على القيام بإجراءات راديكالية وعميقة لمواجهة التغير المناخي، تخاطر باحتمال زيادة درجة حرارة الكوكب بين 2-4 درجات مئوية وعندها ستواجه كارثة مناخية التي تهدد الحياة على كوكبنا.
اذ ان ماضي النظام الرأسمالي في التعامل مع هذه التحدي لا يدعو الى الامل، فمثلا أكثر من نصف انبعاثات الكربون بسبب الوقود الاحفوري في تاريخ البشرية انتجت في اخر 30 سنة، أي منذ تأسيس اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992. ولايزال استهلاك الوقود الاحفوري من نفط وفحم والغاز الطبيعي في الذروة رغم التعهدات التي قطعت في اتفاقية باريس ولاتزال الحكومات تقدم ما يقارب 6 ترليون دولار سنويا على شكل اعانات لصناعة الوقود الاحفوري حول العالم.
ويجب ان نتذكر ان الضرر الذي يلحق بالبيئة لا يقتصر على الاحترار، بل يشمل تلوث المحيطات وتدهور في اعداد الأسماك وقطع الغابات وتلوث الماء وتلوث الهواء والتلوث البلاستيكي، واستنزاف الأراضي الزراعية وكلها تتجه الى الأسوأ.
من الواضح ان النظام الرأسمالي لا يتوافق مع المحافظة على البيئة. يجب ان لا نسمح بان تكون الأرباح الانية للشركات الاحتكارية وكبار الرأسماليين محرك القرارات والإجراءات التي تؤخذ اليوم او لا تؤخذ بخصوص خفض الغازات الدفيئة التي سيكون لها عواقب على مدى قرون او حتى الاف السنين القادمة والتي ستحدد مصير الأجيال الحالية و التي لم تولد بعد.