أكاذيب ليس لها مشتري!
ليس ثمة مثل هذه الايام تبين وباجلى الاشكال ماهية تيارات واحزاب السلطة السياسية المليشياتية الحاكمة. لا ينطق قادة هذه التيارات والناطقون المتحذلقون باسمها بكلمة دون ان تشعر بتلال من الكذب والرياء والنفاق خلف كل ادعاءاتهم ومنطقهم وآرائهم. تسال نفسك من اين يأتوا بكل هذا! إن الامر يحتاج الى درجة خاصة من انعدام الضمير والانسانية.
التباكي على رأي المصوتين!
راينا كيف ارتفعت عقيرة التيارات “الولائية” المتجمعة في “قوى الاطار التنسيقي” بالحديث عن “لا نقبل بضياع اصوات الناس هدراً”، “إن هذه حقوق الناس ومن مسؤوليتنا ان نصونها!!!” “من أول مرتكزات الديمقراطية احترام راي الناس المصوتين” وغيرها.
إن من يسمعهم يظن ان هذه اول انتخابات تجري في العراق. منذ 2005 ، تجري انتخابات تلو انتخابات سواء برلمانية او مجالس بلدية او غيرها وكلها كانت رائحة التزوير و”حرق الصناديق” وتغيير الارقام وغيرها تزكم الانوف. ما الذي جرى اليوم حتى يقوموا بكل هذا الضجيج؟! أ هذه هي المرة الاولى التي تحدث فيها هذه الامور ام المرة الاخيرة؟! إنهم يعرفون قبل غيرهم مدى التزوير والتزييف وممارسة الضغوط ولي الاذرع والتهديد واعمال قتل المرشحين المنافسين واخراسهم… في كل الانتخابات التي جرت. ولكن فرق هذه المرة عن سابقاتها هي الهزيمة النكراء التي تعرضوا لها. بكلمة اخرى، لا يهم التزوير طالما يشمل الاخرين ولا يصيبنا شراره!
دعوا قضية “اصوات الناس” جانباً، فمن يغتال المتظاهرين ويقتل ويخطف ويهدد ويسجن ويأخذ الثأر مربعتين”…. لا اعتقد ان بوسعه ان يقنع احد ما بانه يفكر بـ”رأي الناس” أو “احترام راي الناس”! لا يهمه وجودهم وبقائهم الفيزيقي، مستقبلهم ومستقبل اطفالهم، فأي كذب وصلافة هذين اللتان يتحدثوا به عن “رأي” احد ما! لقد دمروا حياة ومعيشة اجيال، لقد وجهوا ضربة لكل قيم انسانية وتقدمية وراقية للمجتمع، فأي حديث عن صيانة “رأي المواطن”؟!
كما ليس ثمة مليشيا في الكون، مليشيا ملطخة اياديها بدماء الابرياء و”خيرة الشباب” يهمها “مرتكزات الديمقراطية”! أن يتحدث عن هذا غيرهم، فهو امر من الممكن فهمه! اما هم، فلا تستصغروا عقل مجتمع من 40 مليون نسمة له من الفهم الكثير بمجمل ما يجري منذ عقدين تقريباً، وبالأخص بماهية هذه القوى التي لا حدود لإجرامها. ابحثوا عن بضاعة اخرى، رجاءً! إن مجمل القضية هو ان هزيمتهم قد تمت قبل ذلك بكثير، اي على ايدي الشبيبة المنتفضة من الفتيات والفتيان في اكتوبر 2019، شباب تواقين لعالم افضل خالٍ من كل انواع انعدام الحقوق والحريات والحرمان.
ديمقراطية المليشيات!
ليس ثمة اي نوع من انتخابات او اي شكل من اختيار، حتى ولو في حدهما الادنى، طالما رؤوس حراب المليشيات مسلطة على رؤوس المجتمع. في ظل المليشيات والتهديد والوعيد والاغتيالات، تسلب كل ارادة حتى ولو كانت شكلية للإنسان. اذا كانت الديمقراطية، وفي ارقى اشكالها السياسية والعملية، تهدف الى سلب الانسان من حقه الواقعي والبديهي في الاختيار الحر والواعي في رسم مستقبله والمصير السياسي للمجتمع كل يوم وكل لحظة، فكيف الحال بديمقراطية في ظل الاسلحة والمليشيات والبلطجة؟!
يزعقون بأعلى أصواتهم “اذا لم تعيدوا الانتخابات، فسيذهب المجتمع للفوضى والانفلات”! ان هذا هو الاسم الرمزي لـ”اذا لم تغيروا نتائج الانتخابات، واذا لم تبطلوا مفعولها، نقلب الطاولة عليكم وعلى المجتمع”. فمن سيحل الفوضى والانفلات الامني، ومثلما راينا دوماً، هو ليس العامل ولا المعلم، ولا الممرضة ولا الطالبة الجامعية، ولا العاطل عن العمل او الاغلبية الساحقة للمجتمع التي تنشد حياة افضل لها ولأبنائها، بل هي المليشيات نفسها.
انه تهديد بأجلى الاشكال واكثرها صلافة. انه رسالة للمجتمع قبل ان تكون لمنافسيهم وخصومهم. اي سنقلب المجتمع على راسكم. اذ انهم، ورغم اختلافاتهم مع منافسيهم وخصومهم، تربطهم الف وشيجة ومصلحة تخص الحكم وتقاسم ثروات المجتمع. انهم ومثلما تحدثنا عن كونهم افراد عائلة واحدة ممثلو طبقة واحدة، طبقة الرأسماليين والبرجوازية.
“هيبة الدولة”!
ليس في العراق “دولة” من الاساس حتى يتحدث احد عن “هيبتـ”ها! لم تتشكل يوماً منذ 2003! وان مجمل صراع الاطراف المليشياتية الطائفية والقومية هو من اجل حسم هذه المسالة، كل لصالحه! تتعقب كل الاطراف التي تتحدث بهذه العبارة عن مصالحها المباشرة حصراً ولا غير ذلك. فمن يتحدث عن “هيبة الدولة” نفسه، هو من حاصر المنطقة الخضراء والبرلمان قبل سنوات قليلة وبات رئيسه ليلتها فيها! وهو نفسه من جعل سراياه تستعرض في بغداد بحجة ان هناك اخبار عن ثمة تهديدات للمناطق المقدسة، هكذا دون ان يعرف احد من “الدولة” ماهية هذه المخاطر ولا الاطراف المشتبه بها و…الخ ولم يتبين شيء بعد ذلك قط! ومن يتحدث عن حل المليشيات “من اجل بناء الدولة” هو نفسه بدء عمله السياسي بعد نيسان 2003 بتشكيل المليشيات تلو المليشيات ورمى بها وبالقتلة عديمي الرحمة والضمير لتنقض على المجتمع وتحرريه ودعاة مساواته ومدنيته! هو من ضرب الطلبة من الجنسين في جامعة البصرة ووقف بوجه “السفرات الطلابية” الترفيهية لكونها سفرات “من الجنسين”، هو نفسه من كان يتنافس مع مليشيات اخرى حول مَنْ يسبق الاخرين بث الرعب في افئدة المجتمع عبر قتل “المثليين” او من يشكّوا به على انه مثلياً. وبالتالي، وعبر الاجرام السافر، خلق مكانة ومهابة في المجتمع، حتى وان كانت حقيرتان.
المجتمع تحكمه المليشيات. مكانة الانسان في المجتمع تحدده علاقته بهذه المليشيات والتيارات المليشياتية. غناه او فقره، ان يعمل او لا يعمل، نوع عمله، بقائه في عمله او ازاحته منه، وضعه المعيشي ومستقبل اطفاله و…. كل هذا تحدده هذه العلاقة.
كل انسان في المجتمع ينشد ان يعيش في مجتمع فيه قوانين، فيه مؤسسات يلجأ اليها اذا تعرض لاعتداء او خطر او اذا ساء وضعه الصحي او … حتى لو كانت فيه قوانين سيئة او متخلفة، يستطيع ان يتحرك ويناضل ويجمع القوى من اجل تغييرها. بيد ان الحديث عن “هيبة الدولة” في سياق الاوضاع السياسية الراهنة هو توجه سياسي محدد لتيار سياسي محدد يهدف الى ازاحة خصومه ومنافسيه الذين يتقاسم معهم الأجندة المعادية للجماهير والقمعية ذاتها. انه توجه لإزاحة طرف. انه توجه التيار الوطني-العراقي- القومي الذي يقف على راسه اليوم التيار الصدري والكاظمي ومن خلفه طيف واسع من الجماعات القومية-السنية. وان هذا التيار في صراع مع التيار الولائي “المنفلت” و”الخارج عن طاعة الدولة”. إنه صراع رجعي وكلا طرفيه يتقاسمان الدرجة ذاتها من معاداة الحرية والمساواة والرفاه ووقوفهما التام في خندق واحد معادي للجماهير.
لن يستطيعوا عبر هذه الاكاذيب التي حبلها اقصر مما يتصوروا ان يديموا عمر سلطتهم. ان يوم لفظ انفاس سلطتهم وحكمهم قريب، اكثر مما يتصورون!