أهالي الناصرية، لم يمنعوا المطربة (رحمة رياض)
تقول الأخبار المحلية في المدينة بأن: الجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا الأهلية في مدينة الناصرية قد ألغت حفلاً كانت تنوي إقامته تحفيزاً للسياحة تشترك به الفنانة رحمة رياض.
وأوضح مصدر الخبر، إن الإلغاء جاء بعد “وجهات النظر التي طرحها أهالي الناصرية لكادر الجامعة الوطنية بخصوص هذا الحفل “.
كل شخص من أهالي الناصرية ومن باقي المدن العراقية يتمتع بقليل من التمييز والفطنة، يعرف بأن المنع لم يكن قد جاء من أهالي المدينة، ولا نزولاً عند وجهات نظرهم. لأن الناصرية معروفة لدى جميع العراقيين كونها مدينة تشتهر بالغناء والمغنين، وبين أبنائها عُرف الغناء كتعبير عن الأوجاع والمعاناة، وقدمت على مدى تاريخها ومنذ نشأتها كمدينة عراقية، قامات غنائية يشار لهم بالبنان غطى عطائهم الفني المميز الساحة الفنية العراقية على مدى عقود كثيرة. وكما عُرفت بالغناء والمغنين والملحنين وكتّاب الأغنية المُجيدين عُرفت كذلك بألوان الفنون والآداب والعطاء الفكري والسياسي الثر.
وخصوصاً الجيل المعاصر من شابات وشباب الذين خاضوا منازلة شرسة ضد النظام المتخلف والدموي الحاكم في مأثرة أكتوبر وسطّروا بطولة عرفها القاصي والداني، من أجل التمتع بحياة كريمة ومباهجها وفي مقدمتها الغناء والمطربة رحمة رياض بالذات التي يعرفونها ويحبونها أكثر من أبيها الراحل رياض أحمد.
المنع حتماً قد جاء من قبل كوادر وموظفي الجامعة، وغالبيتهم من الإسلاميين المنتمين للأحزاب والميليشيات المتسلطة، مثل ما حصل قبل أعوام عندما قاموا بتفجير عبوة صوتية أمام المطعم اللبناني في الناصرية وعلى رؤوس الإشهاد أمام المجتمع والشرطة، على أثر دعوة أصحاب المطعم المطرب الكبير حسين نعمة لإقامة حفل الافتتاح في المطعم المذكور. لأن الغناء والطرب من المحرمات لديهم، ومنعه بالقوة المميتة من المحللات، انطلاقاً من المسؤولية الشرعية وللحفاظ على الدين، دينهم الذي خبره العراقيون جيداً.
إنها فرصة مؤاتية لهم، استغلوها للرد على التوجهات المدنية والتحررية التي انفتحت أبوابها على سعتها، وانطلقت بلا حدود مع مد انتفاضة أكتوبر الجارف، الذي زعزع أركان سلطتهم المقيتة وظلاميتهم. تحت حجج الوفيات الجاهزة، والتي ملأوا معظم أيام السنة بمناسباتها، وجعلوا منها تعطيل للحياة، والسيطرة على المجتمع بدعوى التقديس والموعظة.
إنهم يمنعون الغناء لإدراكهم إن المجتمع في الناصرية، قد عافت نفسه قالب حكمهم المبغوض، وإن المجتمع يتجه بعيداً عنهم وعن أباطيلهم الدينية التي لا خير يرتجى من ورائها، وهنا يصبح وجودهم لا داعٍ له ولا ضرورة بنظر الأغلبية الكاسحة من جماهير العراق والمدينة، ولابد إذن من انتهاز فرصة ما والتشبث بها لكي لا تفلت من أيديهم السلطة، وكانت مناسبة حضور رحمة رياض للناصرية، والاستعراضي محمد رمضان في بغداد، الذي أثارت حفلته حفيظتهم هو الآخر، وجرّد عدد منهم على عجل سيف (الاصلاح ومكافحة الفجور) (والمحافظة على الثوابت الدينية والاخلاقية للمجتمع)…الخ.
يعتبر الدين المسيس من أخطر أنواع الضغط الروحي الذي يؤثر على الجماهير المسحوقة بالفقر والعزلة، وحمل الجماهير بالتعلق بالإيمان من أجل الفوز بالنعيم السماوي، وكما يقول كارل ماركس: “المعاناة الدينية هي التعبير عن معاناة حقيقية واحتجاج ضدها. الدين هو زفرة الإنسان المظلوم وكيان الظروف المعدوم الروح، إنه أفيون الشعب”؛ الذي يعرف كيف يستغله رجال الدين من أجل هذه المهمة بالذات، كممثلين للطبقة الرأسمالية الروحيين، في إقناع الجماهير بالعبودية وأن يضحوا بإنسانيتهم وسعادتهم من أجل نعيم الأسياد الأرضي. وعندما يفشل أي إقرار بالضرورة الدينية سيلجأ الاخيرون إلى الإرهاب العلني والمكشوف، كما يحصل حالياً مع بدأ هذا الفصل الجديد.
يلجؤون إلى كل الوسائل سواءً عن طريق الإحراج أو بواسطة العنف السافر، لفرض التدين القسري على الآخرين، ويدعونهم للصبر بأمل الحصول على المثوبة في السماء، ويتركوا حقوقهم على الأرض، ولا يجادلوا في أسباب معاناتهم الملموسة.
البرلمان العراقي بعد مجزرة الشمري، أعلن إن الناصرية مدينة منكوبة. ومن يا ترى كان السبب في نكبتها ؟ سوى أحزاب النظام الحاكم وميليشياته الإجرامية، والذي تقف ورائه مراجع الدين وتحميه بخطب الجمعة المتتالية، الفارغة من كل معنى يخص الحريق الذي يتعرض إليه شبان الانتفاضة وحقوقهم المشروعة. والآن شحذ كل طرف من الأطراف العاملة بالدين أنياب (التقوى) ضد المظاهر التي يدعونها فجوراً، مستغلين مناسبات احتفالية، لتذكرين الآخرين بوجودهم وسطوتهم الغاشمة على المجتمع، بعد إن كاد يُدرس هذا الوجود في الرغام أيام انتفاضة أكتوبر.
البطالة المليونية لا تعنيهم، بل يهددون بمظاهرات مليونية ضد حفلة استعراضية، والفساد ونقص الخدمات وجداول كاملة من الفشل، على الناس أن تغظ الطرف عنها وتلتفت إلى دينهم الماسكين هم بزمامه، كمؤسسة ربحية. لكن إعادة إنتاج مشرعهم المستهجن هذا وتجديد وجودهم عن طريقه على قمة السلطة، أستطم بجدار من النقد اللاذع والإصرار الجماهيري، على سلوك سبيل مستقل آخر بعيد عن سلطتهم، والوعي بأحابيلهم الرخيصة.
وعلى رأي أحد المتهكمين على قرار منع حفل رحمة رياض أحمد بالقول:” اذا منعوا رحمة رياض اليوم… فكيف لهم أن ينسونا أيقونات الغناء من أقدم مطرب بالعراق خضير حسن ناصرية وداخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم وحسين نعمة وكمال محمد وطالب القره غولي، وصباح السهل ومئات من المغنين الجدد والقدماء…”.