إلى الأمام: لقد أعلن عن عقد المؤتمر السادس للحزب الشيوعي العمالي العراقي عبر البيان الختامي ، هل لك ان تحدثنا عن مكانة هذا المؤتمر ونقاط قوته؟
سمير عادل: كان المؤتمر السادس للحزب هو بمثابة إنهاء أو طي صفحة مرحلة في حياة الحزب على الصعيد التنظيمي والاجتماعي والسياسي وبدء مرحلة جديدة عنوانها حزب ماركسي ذو تقاليد شيوعية راسخة قادر على قيادة الطبقة العاملة والجماهير المحرومة لإنهاء عمر السلطة المليشياتية البرجوازية، حزب يكون خيار الجماهير محل كل البدائل السياسية القومية والإسلامية البغيضة.
وكما اشرت في كلمة افتتاحية المؤتمر، أن المناسبة بحد ذاتها أي انعقاد المؤتمر السادس للحزب لم تكن مناسبة روتينية تنظم في حياة الأحزاب السياسية، بل كانت مناسبة عزيزة بالنسبة لجيل من الشيوعيين وضعت على عاتقهم مهمة؛ بعث الأمل بالتغيير في صفوف الجماهير المحرومة من العمال والشباب والنساء والطلبة، وبالتالي إنهاء مأساة الجماهير بيد سلطة اسلامية وقومية رجعية غارقة بالفساد والجريمة المنظمة، ،بإمكانية احلال وجود بديل سياسي آخر ليس برلمان المليشيات والشخصيات الفاسدة بل بديل منبثق من الارادة الحرة والمباشرة للجماهير.. إن هذا المؤتمر هو المكان الذي ناقش فيه هذا الجيل من الشيوعيين جميع الوثائق والقرارات السياسية التي تخص المجتمع بدءا من الوضع السياسي في العراق ومرورا بالبديل السياسي وانتهاءً بالحركة العمالية والنسوية إلى جانب قرارات إنهاء الإدمان على المخدرات في العراق وقضية البيئة والدفاع عن الهوية العلمانية للدولة. من الجانب الآخر إن الحديث عن إنهاء عمر السلطة المليشياتية الحاكمة وعن أي نوع من الحزب الذي يراد لهذه المهمة كانت واحدة من نقاط قوة المؤتمر. وثانيا وكان هناك وجود لعدد من حلقات اشتراكية وأناس اشتراكيين شاركوا في المؤتمر كضيوف ساهموا في مناقشات الوثائق السياسية، وثالثا سادت الأجواء الحماسية في المؤتمر حيث كان هناك انسجام سياسي سواء على صعيد مندوبي المؤتمر او من جانب الضيوف حول الوثائق السياسية و رفع راية الاشتراكية في العراق، وكذلك الانسجام حول البديل الاشتراكي الذي هو بديل واقعي وفعلي بإمكانها كسب ثقة الجماهير وبعث الروح الثورية في صفوفها.
إلى الامام: لقد اكدت وثائق المؤتمر جميعها على مسألتين وهي الحزب وإسقاط السلطة المليشياتية البرجوازية. هل لكم الحديث، أكثر تفصيلا؟
سمير عادل: من الوهم وكل الوهم بالحديث عن كنس السلطة المليشياتية الفاسدة والمتورطة بجميع الجرائم في العراق وهي السبب الأصلي في إفقار الجماهير واشاعة الفوضى الامنية وسلب الحياة من آلاف البشر في العراق منذ غزو واحتلال العراق، نقول من الوهم تحقيق ذلك دون حزب سياسي منضبط فيه تقاليد حزبية راسخة ومتسلح بآفاق سياسية واضحة وله صف من الكوادر الماركسية ويظهر قيافته السياسية كحزب المعارض الأول في وجه سلطة هذه الأحزاب بحيث يكون خيار الجماهير.
إن بناء مثل هذا الحزب الذي يسميه منصور حكمت (آلة حربية) بدأ مشواره قبل انعقاد المؤتمر السادس، إلا إن مهمة هذا المؤتمر تتقوم بتحول الحزب إلى واحدة من الخيارات السياسية في المجتمع، وهذا لا يكون دون تقديم الحزب نفسه بأنه محل ثقة الجماهير وقادر على الأخذ بيدها لعبور المسارات السياسية التي تفرضها البرجوازية، و لا يكون ذلك الحزب المنشود دون الدخول بالصراع على كل تفاصيل السلطة السياسية بدءً من توفير الخدمات ومرورا بالنضال ضد إفقار الجماهير وانتهاءً بتوفير الأمن والأمان وصولا الى انهاء عمر هذه السلطة.
أما المسألة الثانية هي إنهاء عمر السلطة المليشياتية الحاكمة منذ غزو واحتلال العراق. إن السلطة المليشياتية هي سلطة برجوازية، سلطة تنفذ أحزابها السياسية برامج وسياسات القوى الرأسمالية العالمية المتصارعة فيما بينها على الساحة السياسية، وعلاوة على ذلك أنها سلطة متأزمة وليس في أجندتها اي حل لإخراج جماهير العراق من انعدام الأمن والإفقار، وليس لها أية قدرة على إصلاح أي شيء وبعكس كل أكاذيبها ونفاقها، فكما عبر وزير المالية قبل أسابيع بأن العراق في ٢٠٢٣ ماضي الى ازمة اقتصادية عميقة وسيقوم بتسريح آلاف من العمال والموظفين. بمعنى آخر أنها سلطة غير قادرة على توفير الحد الادنى من الخدمات بيد أنها تأخذ فاتورتها عبر فرض الضرائب على الوقود والمعاشات والاتصالات وتخفيض العملة المحلية. وبالرغم من أزمتها العميقة وعدم قدرتها على خلق الانسجام في صفوفها إلا أنها قادرة على إعادة إنتاج نفسها في كل مرة، فمرة عبر حرب أهلية طائفية وآخر عن طريق سيناريو عصابات داعش ومرة عبر الورقة البيضاء و انتخابات شكلية وصورية. ان اخراج جماهير العراق من مصائبها لن يتم عبر انتظار إصلاحات من هذه السلطة، بل يتم عبر إسقاط هذه السلطة وتشكيل حكومة ثورية مؤقتة محلها ترد على مطالب الجماهير في تحقيق الأمن والحرية والرفاه.
وفي مقابل هذه السلطة لم تقف الاحتجاجات والاعتراضات الجماهير من أجل تحسين ظروف حياتها، وهنا يأتي دور الحزب في تسليح الاعتراضات والاحتجاجات العمالية والجماهيرية بآفاق انتصارها عبر تنظيمها وخلق الانسجام بين نشطائها وفعاليها وقادتها وصولا الى قيادتها، وكسب قادتها و نشطائها وشخصياتها عبر طرح سياسات انتصار حركاتها وعبر تواجد شخصيات الحزب وكوادره في صلب تلك الاعتراضات والاحتجاجات وصولا الى تسليحها بأفق إسقاط هذه السلطة وعبر انتفاضة أكتوبر أخرى. هذا هو التناغم بين الحزب وإنهاء عمر هذه السلطة الذي جاء في جميع مناقشات المشاركين في المؤتمر.
الى الامام: كان الملفت للانتباه هو حضور ومشاركة صف من الاشتراكيين كضيوف في المؤتمر، هل لك ان تحدثنا عن هذه الظاهرة إذا صح التعبير؟
سمير عادل: يمكن القول بأنه شاءت الصدف أو حالفنا الحظ بأن انعقاد مؤتمرنا جاء بعد انتفاضة أكتوبر، وهنا لابد من الاشارة: كانت انتفاضة اكتوبر سواء بحضور صف من فعّاليها و نشطائها في قاعة المؤتمر أو بالحديث عن نقاط ضعفها وقوتها، كانت حاضرة بشكل حيوي وحماسي في المداخلات والمناقشات التي اشير اليها في وثائق المؤتمر. ومن هنا يمكن الدخول بالحديث عن إحدى مكتسبات انتفاضة اكتوبر، هي انتشار الفكر الاشتراكي بين صفوف عدد ليس قليل من النشطاء وفعّالي الانتفاضة. لقد أحدثت انتفاضة أكتوبر بالرغم مما آلت إليها، انعطافة يسارية في المجتمع العراقي. ونستطيع القول لأول مرة في تاريخ العراق الحديث على الأقل منذ عقدين من الزمن ظهور عدد من الحلقات الاشتراكية، وصف من أناس يرفعون راية الاشتراكية في العراق ويطرحون البديل الاشتراكي في العراق. انها بحق ظاهرة عزيزة ويعطي الأمل والأفق لنجاح وانتصار انتفاضة اخرى. ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي استطاع ان يطرح أفقه السياسي في صفوف هذه الحلقات ونسج علاقات سياسية معها وعقد عشرات الاجتماعات معها لخلق الانسجام السياسي في صفوفها وتوحيدها. إن حضور هذه الحلقات الاشتراكية في المؤتمر هي ثمرة عمل الحزب خلال المرحلة المنصرمة. سيطرح الحزب ما بعد المؤتمر برنامج سياسيا وعمليا مع هذه الحلقات وسيعمل على ضم أكبر عدد من الحلقات الاشتراكية الى البرنامج المشار اليه.
الى الامام: أن المؤتمر انتخب لجنة مركزية جديدة من ١٨ عضو، ما هي ميزة هذه القيادة؟
سمير عادل: لقد عبرنا مرحلة حساسة في حياة الحزب كما اشرت في البداية، وطوينا صفحة من حياة الحزب في هذا المؤتمر، واستطعنا توحيد صفوفه وخلق الانسجام السياسي والعمل على ترسيخ التقاليد الشيوعية والدفاع عن راية منصور حكمت، راية الشيوعية العمالية التي انطلقت مسيرتها قبل المؤتمر السادس وتحديدا منذ الاجتماع الموسع ٣٣ في أيار عام ٢٠١٨، إن اللجنة المركزية الجديدة المنتخبة هي تعبير عما أشرنا إليه. إن ميزة القيادة الجديدة، وجود عدد من الشباب الماركسيين الذين كان لهم دورا في انتفاضة أكتوبر والاحتجاجات الجماهيرية، وكذلك وجود صف من القادة والنشطاء العمال، ووجود شخصيات لهم حضورهم الاجتماعي في المجتمع. إن المؤتمر انتخب قيادة تتناسب مع الأهداف والمهمات التي وضعها الحزب. برأيي أن انتخاب قيادة جديدة بالمواصفات التي ذكرناها هي نقطة أخرى تضاف الى مقومات نجاح أعمال المؤتمر السادس.
ان هذه القيادة الجديدة بإمكانها تجديد الأمل ومنح غدا مشرق لجماهير العراق اذا لعبت دورها الذي رسمه المؤتمر لها وجاءت في جميع وثائق المؤتمر. لقد ساد اليأس والإحباط في صفوف صف عريض داخل الجماهير العمالية الكادحة بعد عدم حصول انتفاضة أكتوبر الى محطتها النهائية، وكانت مقاطعة الانتخابات التي وصلت الى أعلى من نسبة ٨٢٪ إلا محاولة أخرى من قبل الجماهير بمعاقبة هذه السلطة المليشياتية الفاسدة، بيد أنها تبقى ردا سلبيا دون إحداث أي تغيير فعلي.
الى الامام: ما هي الكلمة الاخيرة التي تريد أن تقولها في هذه المناسبة؟
سمير عادل: نقول ودون اي تردد ان منح الأمل والنهوض بالروح الثورية في المجتمع وتثوير الطبقة العاملة والحركات والاعتراضات المرتبطة بها يكون عن طريق الحزب الشيوعي العمالي العراقي والتيار الاشتراكي في المجتمع. إن عدم فهم القيادة الجديدة لهذه المكانة والموقعية للحزب في خضم هذه الاوضاع السياسية ستمنح البرجوازية فرصة اخرى من إعادة إنتاج نفسها وسلطتها المليشياتية الفاسدة، كما عبرنا عنه، مرة عبر الحرب الاهلية واخرى ان طريق سيناريوهات سياسية جديدة. بهذا المعنى علينا تغيير حياتنا الشخصية وتطابقها مع متطلبات الحزب والقرارات التي صدرت عن المؤتمر السادس. وفي الوقت نفسه أوجه رسالتي لكل الحلقات الاشتراكية كل الذين يعرفون أنفسهم باشتراكين ويدافعون عن راية ماركس بالتحرر وقادة ونشطاء الحركة العمالية والنسوية و الاعتراضات والاحتجاجات الجماهيرية، أن الانخراط في صفوف الحزب الشيوعي العمالي والالتفاف حول رايته وبديلة يعني خطوة مهمة نحو التنظيم ووحدة الصف، وعامل في طرح بديل سياسي آخر يتقدم في ازاحة البدائل والقومية والاسلامية في المجتمع.