إنها ليست بشاعة وزير، وإنما بشاعة طبقة!
(رد على حديث وزير الدفاع العراقي)
“شوف راح اقول لك شغلة، احنا جيش، احنا ما نمشي بطلبات المستمعين، احنا جيش ما عدنا ديمقراطية، احنا عدنا طاعة عمياء، انا اخطط لك واسوقك وتستشهد وانت الممنون (!!)، (لأنه) انت متطوع لحماية بلدك. احنا عدنا في الحالة الاعتيادية، في حالة السلم، عدنا نسبة خسائر 5% اما في الحرب …(الحساب مفتوح-بالمعنى)…”.
أعلاه هو رد وزير الدفاع (جمعة عناد) على سؤال في مقابلة أجريت معه في برنامج “المحايد” من على الاخبارية العراقية يوم 24 كانون الثاني.
حين تنظر لهذا التعجرف ولهذه الفظاظة، سترى أية قيم بالية وأي مستنقع تغرق به هذه السلطة. فأي تكبر وغطرسة يتعامل به صاحبنا مع “الجندي”، مع إنسان دفعته ظروف الحياة للقبول بمثل هذا العمل؟!
حين تسمع كلام عديم الانسانية هذا تعرف ان قدما الوزير لازالا عالقان في مرحلة العبودية، لم يوطئا بعد مجتمع عصري، مجتمع قامت البشرية بنضالاتها، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والتحررين الاشتراكيين، بفرض الكثير من الحقوق والحريات على الطبقات الحاكمة، على البرجوازية. عالم بلغ وفرض حرية التعبير، حرية الراي، حرية العقيدة، حق الاختيار، احترام الجسد وعدم التطاول عليه و…قائمة طويلة من حقوق الانسان وحرياته.
“انا اخطط لك واسوقك وتستشهد وانت الممنون”! انها مرحلة العبودية. تقتله وهو الممنون؟! من اين اتى بكل هذا القبح؟! بكل هذا التعالي وانعدام الانسانية؟ فلشدة قباحته وعنجهيته لا يغطي هذا الامر، لا يتحدث مثلاً، حتى ولو بصورة كاذبة، عن “مثواه في الجنة”! انه استهتار صارخ بقيمة الانسان والبشر. وفق منطق صاحبنا هذا، المتطوع متطوع، نعطيه مالاً لنعمل به ما نشاء، نسوقه، نقتله، …. انه متطوع! ليس بإنسانٍ لا عائلة لديه، لا اطفال، ام، زوجة، حبيبة، اصدقاء، محبين، ليس له اي شيء يربطه بمجتمع، بإنسانية، “طالع من فطر الكاع!”. ليس لديه احساس، لا مشاعر، لا أماني وتطلعات، ليس له صلة بمقولات مثل فرح، رغبة، سعادة، اختيار، حياة افضل، غد مشرق و….كائن عديم الاحساس والقيمة و….كائن لا يملك شيء مادياً او معنوياً، تم افراغه من كل شيء!
لماذا يرمي به للموت، و”المتطوع” الممنون؟! لأنه تطوع لديه براتب هو ليس من جيبه، راتب من ثروات المجتمع نفسه، راتب هو حقه لأنها من ثروات مجتمع يعيش فيه. لم يدفعه هذا المعتوه من جيب أبيه! أ يظن هذا المتعالي لو كان للإنسان ضمان بطالة كاف، أيرد على تحية جمعة؟! لا اعتقد!
لا يأتي احد متطوعاً لـ”حماية الوطن”. انها كذبه ما بعدها كذبه. افقروه، جوعوه، جعلوه يتحسر على الخبزة، صادروا كل سبل العيش منه، دفنوه في آلام ومعاناة يومية وهو يرى طفله جائع، امه بحاجة لدواء، زوجته تريد ان تعيش كسائر البشر. لا ضمان اجتماعي، لا ضمان بطالة، لا دولة مسؤولة عن حاجات المواطن وعيشه وادامة حياته وحياة من يعيلهم، لم يبقوا سبيلاَ امامه سوى ان يتطوع في الجيش او ميليشياتهم كي يعيش!! لم يبقوا امامه خيار آخر. فكذب من قال انه جاء لحماية وطن لا يعرف يومه، فكيف الحال بغده ومستقبل اطفاله؟!
“التطوع” هو سبيل من لا خيار له. وفر له ضمان البطالة، يأتي للتطوع من اجل اكبر خديعة في التاريخ قامت بها الطبقات الحاكمة، باسم الوطن لتتحول دماء الكادحين الى ثروات في جيوب تلك الطبقات؟! “الوطن” هي تلك الجغرافية التي ثرواتها وامكاناتها واقتصادها واستغلالها تحت تصرف طبقة حاكمة. “الوطن” و”حرمة الوطن” يعني ذلك الحيز الجغرافي الذي ليس بوسع الاخرين، برجوازية الطرف او البلد الاخر، ان يتمادوا عليه، يتحكموا بثرواته ويقرروا على مصيره واستغلال قاطني تلك الرقعة. ومن هنا تأتي قدسية “الوطن”. من اجل هذا الوطن، مصالح طبقة في حيز ما، تنحر رقاب المتطوعين، رقاب من لا حيلة لهم ولا سبيل، وليس رقاب ابناء الطبقات المالكة. فهؤلاء يستمتعون بثروات المجتمع التي دفع ابناء الطبقة العاملة والكادحين حياتهم ثمنا للوطن ولديمومة رفاه تلك الطبقة الطفيلية وتنعمها بـ”خيرات الوطن”. انهم يكذبون بصلافة حين يتحدثوا عن “وطننا”! انه وطنهم! وطن الطبقة الحاكمة وممثليها السياسيين الذين مهمتهم هو السهر على تراكم ارباح وثروات هذه الطبقة! ومهمة الجيش لا تتعدى هذه. اي صيانة “الوطن” من تطاول الاخرين، الاعداء، من يريدوا ان ينتزعوا قطعة ما ليتحكموا هم وليس غيرهم بها وبثرواتها واستغلال عمالها وكادحيها.
ليس الامر شخصياً. ان هذه ليست تصورات وآراء فرد، ولا تخلف واستهتار فرد. انها تصورات وآراء وتخلف واستهتار طبقة، الطبقة الحاكمة. ولهذا، ما لعمل تجاه سلطة امثال هؤلاء؟! انهم يمطرونك يومياً بألف برهان وبرهان حول انعدام قيمة وتردي مكانة الانسان عندهم. انهم يقولون لك بأكثر الاشكال وضوحاً ان العامل والكادح والمحروم، واجمالاً الاغلبية الساحقة للمجتمع ليسوا ببشر! وعليه، ثمة سبيل واحد لحياة افضل الا وهو كنس هذه السلطة التي هذا المتعالي من بين مسؤوليها، سبيل يستند الى الارادة المباشرة للجماهير، وسلطة لا مصلحة لها سوى الرد على حاجات الانسان في العراق!