بعد خمسة أشهر من الانتخابات التشريعية في العراق، لا تزال بوادر تشكيل الحكومة غير معلومة وغير محسومة بسبب عدم توافق التيارات والكتل السياسية الطائفية والقومية للطبقة البورجوازية العراقية وعدم الوصول الى الحلول الوسطية لكي ترضى كل الأطراف. بعد محاولة الكتلة الصدرية لتشكيل حكومة ائتلافية مع تيار الحلبوسي-الخنجر والحزب الديمقراطي الكوردستاني- البارزانى والتي تأزمت بعد اخفاق عدة محاولات لانتخاب رئيس الجمهورية. وأعلن اخيراً التيار الصدري ترك المحاولة ووضع الكرة في ساحة الاطار التنسيقي من اجل تشكيل الحكومة بدون تدخل من قبل التيار الصدري.
والسؤال يطرح نفسه: لماذا تحدث كل هذه الإخفاقات والأزمات وعدم الانسجام، ولو بشكل صوري والمعتادة هي حتى الآن على شكل محاصصة وتوافقات من اجل اقتسام الغنائم؟ والتي كانت سارية أساساً منذ زمن تشكيل العملية السياسية؟
عند الإجابة عن هذه الأسئلة بدقة، علينا أن ننظر إلى العالم حولنا على أوسع نطاق خارج حدود العراق والمنطقة أي الى المتغيرات العالمية والتي نرى ملامحها في الحرب الأوكرانية. صحيح إن قسم من الاختلافات داخل القوى والتيارات البورجوازية العراقية هي واقعية، بسبب طبيعة وضرورة كل من هذه الأحزاب سياسيا ولكن هذا ليس كل المشكلة، لأن القوى السياسية عندما تضطرها مصلحتها السياسية لتشكيل الحكومة وتثبيت سلطة الدولة، فان كل هذه الخلافات تصبح خلافات جانبية وليس استراتيجية ورئيسية.
ان التحالفات والاستقطابات العالمية القديمة بدأت بالانهيار؛ تفقد أمريكا والغرب تدريجيا مكانتهما السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، لصالح روسيا والصين والتي زادت في الفترة الأخيرة تواجدها السياسي والاقتصادي والعسكري في الشرق الأوسط والقرن الافريقي، وكذلك تمدد نفوذ الصيني في شرق وجنوب أسيا ومناطق قوقاز. ان الدول الخليجية بدأت تبتعد قليلا عن السياسات الامريكية والأوروبية وتقترب يوم بعد يوم من روسيا والصين سياسيًا واقتصاديًا والتي اثبتت الحرب في أوكرانيا مواقفا محايدة لهذه الدول في العقوبات المفروضة من قبل أمريكا والغرب على روسيا، وكذلك احتمال تصدير النفط الى الصين من قبل الدول الخليجية بالعملات المحلية والتي هي محاولة لضرب هيمنة الدولار والاقتصاد الأمريكي على العالم.
ان القوى والتيارات البورجوازية العراقية تتصارع لكي لا تتخلف عن مسيرة القطارات المتصارعة في العالم البرجوازي، بآفاق مختلفة وكل حسب مصلحته ورؤيته للمتغيرات الآتية من توازن القوى. ان الكتلة الصدرية والكتلة البارزانية والقوميين العرب أكثر قربا إلى القطب الأمريكي – الغربي والتيارات الأخرى من حزب الدعوة والحشد الشعبي والطالباني الموالية لإيران، والأخيرة أكثر قربا إلى القطب الروسي -الصيني وان اشتداد الصراع بين القطبين العالميين في الحرب الأوكرانية يؤثر مباشرةً على تشديد صراع التيارات البورجوازية العراقية المختلفة من اجل تحقيق آمالها السياسية وأهدافها ومصالحها. الكل يبحث عن مصالحه ضمن هذا الصراع العالمي وان أي انتصار لأي قطب عالمي يؤثر مباشرة على توازن القوى المؤيدة لها في العراقي والعكس صحيح أيضا ان اخفاق أي قطب عالمي سيكون اخفاقا للقوى المؤيدة لها في العراق. ان الوضع الحالي في العراق لا يتغير كثيراً إلا بالتغير في موازين القوى الرئيسة العالمية من وجه نظر البورجوازية العراقية.
وسؤال اخر يطرح نفسه؛ وهو ما هي الحل المطلوب؟ أي ما هي الحلول لكي تحسم السلطة في العراق وتكون لصالح جماهير العمال والكادحين والفقراء ؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا ان نحدد نحن الاشتراكيين موقفنا من الحرب الأوكرانية؛ كيف ننظر الى المسالة وجذورها وابعادها السياسية، أي ننظر الى جميع الدوافع والاصطفافات السياسية من وراء الحرب في أوكرانيا. ان أمريكا والاتحاد الاوروبي وأوكرانيا هي طرف، وروسيا، والصين من وراء الكواليس في طرف آخر، أي ان الهجوم الروسي على أوكرانيا هو من اجل ابعاد أوكرانيا عن أمريكا عن طريق تحدي روسيا لأمريكا وإظهار قوتها وجبروتها العسكري، وتكنولوجيا العسكرية من اجل التغير في ميزان القوى العالمية واقتسام العالم بينهما بالقوة. ان كل الأطراف من روسيا والاتحاد الأوروبي وامريكا وحكومة زيلنسكي أطرافا في الحرب الأوكرانية وندين كل من هذه الأطراف على حدٍ سواء وجميعهم ملطخة اياديهم بدماء الأبرياء في أوكرانيا وجميعهم اصحاب دور في الغلاء والجوع والفقر والبطالة المنتشرة في انحاء ألعالم نتيجة السياسات الاقتصادية والحصار الاقتصادي على المنتجات والأغذية والطاقة على الشركات والدول. ولهذا يتطلب الموقف والحل السياسي العمالي بان يكون أمميا اكثر وان يكون اشتراكية اكثر. أي علينا ان نقف بوجه كل الطبقة البرجوازية العالمية وترجمة هذه المواجهة في كل دولة تعني الوقوف بوجه الطبقة البورجوازية المحلية في كل بلد من قبل طبقتها العاملة. في العراق تحديد هذه المواجهة هو عبارة عن حسم السلطة، أي كنس كل قوى الأزمة من الطائفيين والقوميين بطريقة ثورية. والطريقة الثورية هنا تعني توسيع رقعة الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية واكمال الانتفاضة أكتوبر حتى نهايتها. ان انتفاضة أكتوبر كانت موجهه لكنس كل العملية السياسية ولكن بسبب افتقارها الى التنظيم أخفقت في تحقيق أهدافها وشُلت حركتها.
ومن اجل اظهار الانتفاضة الى العلن مرة أخرى علينا ان نتقصى ألف مرة عن اخطائنا في التنظيم حتى لا يتسنى للقوى البرجوازية الإصلاحية مرة أخرى ان تسحب قطار الانتفاضة وأهدافها لصالح سياساتها البرجوازية. وان كنس كل القوى السياسية البورجوازية في العراق من قبل جماهير العمال والكادحين والفقراء و بناء سلطة الجماهيرية عن طريق سلطة المجالس، يعني ابعاد خطر صراع الأقطاب الرجعية العالمية عن رؤوس المجتمع العراقي. وهذا صحيح كذلك بالنسبة لعمال أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي وامريكا والصين. ولكن لان السلطة في العراق غير محسومة فإن حسم السلطة بطريقه ثورية سيدفع نضال العمال الاممي دفعة قوية الى الإمام. اذن اكمال مسيرة وأهداف انتفاضة أكتوبر ٢٠١٩ في العراق بشكل واعي ومنظم هو من صلب العملية الثورية الواجب عملها والتي تتجسد في حسم السلطة السياسية لصالح المحرومين في المجتمع.