تكتيك مفضوح!(حول عودة السليمان! وتبرئة القضاء له)
فارس محمود
بعد كل تلك التهديدات والاتهامات والصراعات الدموية التي ذهب ضحيتها المئات من الشباب إبان حرب تظاهرات المنطقة الغربية، ها هو “علي حاتم السلمان” أحد منظمي وقادة تلك التظاهرات، تتم تبرئته من قبل القضاء العراقي (!!)، وقبله جرى الأمر ذاته مع رافع العيساوي، ويقال إن ثمة اسماء أخرى في الطريق قد يكون من بينها طارق الهاشمي وآخرون.
ورداً على التهم أو اصابع الاتهام الموجهة اليه والى تياره حول “مسلسل البراءات” هذا، تحدث المالكي برياء مفضوح وكاذب عن، إن ليس ثمة شيء خاص بهذا الصدد. إذ لا صلة له بالأمر، وكل ما في القضية انه “ساعدهم” على إن يذهبوا للقضاء الذي هو من يقرر براءتهم من عدمها!!
ولكن ثمة سؤال بسيط يُطرح هنا: ما لذي جرى كي نرى “حفلة البراءات” هذه؟! علماً ان “التهم” هي “من النوع الثقيل” تحديداً؟! لماذا يجري هذا كله الآن؟! وما سر هذا التزامن للبراءات؟! إن خلف الأكمة ما ورائها!
ما سر هذا “الانقلاب المفاجئ”؟! ومع مَنْ؟! السليمان و أمثال السليمان الذي للمالكي وللتيار الولائي إجمالاً صراعات “كسر عظم” معهم؟! اي شيء عظيم جرى بحيث أن أعداء كالسليمان، يتلقفه المالكي والطائفيون الولائيون اليوم بالأحضان؟!
بدءاً، ليس للمسالة أية صلة أو ربط بـ”قضاء” و”براءة” و”تهم” و” تطبيق القانون” و”عدالة” و”أدلة وإثباتات” وغيرها! إن هذه كلها ترهات ساذجة. فالقضاء مسيس اليوم أكثر من اي وقت مضى. بلغ من التردي مرحلة تخطى فيها كثيراً حال القضاء إبان حكم البعث والديكتاتورية وصدام!
لا يمكن فصل هذا عما يسموه اليوم بـ”انسداد العملية السياسية” في العراق. كما لا يمكن فصله عن مساعي طرف ما “تم حشره في الزاوية” لقلب مسار عملية تجري، وبالأخص منذ انتفاضة تشرين 2019، بالضد منه تماماً، وقصدي تجار الحرب الولائيون.
فيما يخص الولائيين، ومن ورائهم نظام الجمهورية الإسلامية، ثمة قاعدة رئيسية تملي عليهم حركتهم أو بالأحرى تنظير لهم إلا وهي: “كل شيء مباح لحماية الإسلام”، ولا يقصدون بالإسلام هو الإسلام او محمد او الدين عموماً. إن ما يقصدوه تحديداً هو سلطتهم وحكمهم. لا غير. إنهم على استعداد لتدمير الكعبة، إذا ما اقتضى إسلامهم، وحكمهم وسلطتهم. قتلوا في منظماتهم أشد الموالين لهم وفق هذه القاعدة، برّروا لتجارة المخدرات وفق هذا، يسّروا أمر دخول القاعدة والزرقاوي للعراق، و لا يرون ثمة “مثلبة” في تفجير قبتي العسكري في سامراء وإشعال حرباً طائفية لم يكن لها مثيل في تاريخ العراق، حمامات دم منظمة “على الهوية” وذلك لهدف استراتيجي يحفظ من ورائه إسلامهم، قل حكمهم وسلطتهم، وتدخلهم وهيمنتهم على الساحة السياسية في العراق!!
وها هو المالكي والعامري والخزعلي و ما يُسموا بـ”الإطار التنسيقي” الشيعي، لا يروا اي مثلبة في مد اليد للسليمان وأمثاله من أجل السلطة والحكم. إن هذا الأمر ليس بغريب. فألم يمدوا اليد لخميس الخنجر بالأمس القريب؟!
إن عودة السلمان، هي إعطاء الضوء الاخضر له، بهدف سياسي محدد. إن الاطار يرى نفسه في مأزق واقعي قاتل ومميت. إنه منبوذ الى أبعد الحدود جماهيرياً، تلقى ضربة انتخابية موجعة على يد غريمه (التيار الصدري)، وفي انسداد أفق سياسي واضح بحيث إن مجمل مكاسبه التي حققها على مدى عقدين من الزمن هي في مهب الريح. ولهذا، فإنه، عبر هذه الخطوة، التكتيك القديم والمعروف والمدعوم إيرانياً، يسعى الى شق صف “البيت السني” وتدمير نفوذ الحلبوسي الذي استطاع، عبر التحالف مع خميس الخنجر، الى لّمْ “البيت السني” والدخول في تحالف قوي مع التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني. إن الهدف من هذه العملية هي الحاق ضربة بتيار الحلبوسي أو، على الأقل، ممارسة الضغط عليه كي لا يرتمي بصورة كاملة خلف حلف التيار الصدري-البرزاني، وبالتالي تفتيت هذا الحلف المقابل أو في أقل الأحوال إضعافه والهبوط بسقف مطالبه وإملاءاته.
إن هذه الألاعيب ليست مكشوفة فحسب، بل مفضوحة. الجماهير في العراق، و منذ أمد بعيد، عبرت تلك المرحلة التي من المؤمل من ممارسات “قانونية” مثل هذه ان تنطلي عليهم. إن هذه القوى المليشياتية الطائفية المنبوذة ليست باقية بحكم نفوذها وجماهيريتها، وإنما فقط عبر سلاحها ومليشياتها وإجرامها و الأموال التي نهبتها. و إلا ليس ثمة متوهم بماهية هذه الجماعات المتعطشة للسلطة والحكم والثروة.
شباب العراق همّ من دفعوا ثمن صراعاتهم الطائفية المقيتة. وها هم يدوسون على هؤلاء الضحايا من أجل مصالحهم الوضيعة. ينبغي كنس هذه العملية السياسية بكل قواها عديمة الضمير والرحمة