الدين صناعة… الدين في أوروبا
اني اطلق عليه، اي الدين، صناعة وذلك لان هناك العديد من يعتقد ان الدين هو عقائد الناس. ليس الامر كذلك! ان الدين صناعة. لها أصحابها… لعدة مصالح ومصدر لثروة مادية وقدرة سياسية لطيف معين في المجتمع وتخدم سلطة سياسية وطبقية في المجتمع. الدين صناعة توظف وتتناقل فيها مليارات الدولارات. اذ من هذه الاموال يتم سداد كلفة دعايتها. ان هذه الاموال تستل من جيوب الناس سواء بالحيلة اوالاحتيال. في ايران، تستل الحكومة هذه الاموال من جيوب الناس. انه مؤسسة اشاعة الاكاذيب. امرار الكذب للجماهير. ارعاب الناس. ارعاب الناس في هذه الدنيا بالعنف، وفي تلك الدنيا بالعقوبة. انه مثل مافيا بالضبط. ان المؤسسة الدينية، سواء أكانت المسيحية ام الاسلامية ام اليهودية، وقبل ان تكون مجموعة من المعتقدات الاجتماعية، فإنها بناية وعمارة اجتماعية ضخمة تقف على اقدامها، تجني الضرائب، تستلم الاموال وتصرف لبقائها وسلطتها وحكمها. وعليه، فان صناعة الدين هي ظاهرة ضخمة في العالم. اذا اضفت الاموال التي تنفق على الاسلام الى الاموال التي تنفق على الكنيسة المسيحية، سترى انه يمكن مقارنتها بثروة اكبر الشركات العالمية. يمكن مقارنتها بالميزانية العسكرية لعشرات البلدان سويةً. ولهذا، يجب النظر اليها كصناعة تسعى بوعي لبيع منتوجها. تسعى لإيجاد سوق لها، تسعى لان يدمن عليها مستهلكيها.
ان المجتمع الذي ينشد تحرير نفسه، يجب ان يجابه الدين بالعنوان وبالصفة ذاتها. يجب ان لايتصور انها مجموعة تؤمن بحمار الدجال (الدجال الذي يملئ الارض فساداً ليظهر المهدي المنتظر –م) والبكاء والنحيب لعيون كربلاء. انها صناعة هائلة لإشاعة الخرافات، ارعاب الناس وانقياد ورضوخ الجماهير لقوة وسلطة الطبقات الحاكمة. اذا اردت مجتمع حر، عليك ان تنفق، تخصص قوى، تخصص قوى انسانية كي تجابه هذه الظاهرة، مثلما تجابه عصابات المخدرات، مثلما تجابه الشركات الربحية التي تنهب، تسلب وتخلف ورائها دماراً. ينبغي ان تجابه صناعة الدين ايضا على الغرار ذاته.
من الجلي ان عقيدة أي امرءٍ هي محترمة بالنسبة له، وينبغي ان يتمتع كل انسان بحق ان يؤمن بأي شيء يؤمن يريد. ولكن اذا شيدت استناداً الى تلك المعتقدات والافكار عمارات سياسية، نظامية وثقافية هدفها ارضاخ الجماهير، ينبغي عليكم نيابة عن المواطنين ومن قبل مواطني المجتمع ان تجابهها.
و(فيما يخص وضع الدين في أوربا كنموذج)، ينبغي علي القول ان في اوربا التي لايتمتع الدين بذلك الدور، فان ذلك يعود الى ان العمل الذي تحدثت عنه قد نفذوه بحقه في القرون السابقة. ذهبوا وصادروا امواله ووقفه. سنوا قانون لايجيز للدين التدخل في التربية والتعليم، وسنوا قانون لايجيز تدخل الدين في الاحوال المدنية للناس و…. وعليه، لاتعتبر اوربا اليوم مثال جيد لفهم مايمكن ان يكون عليه دور الدين. بوسعنا العودة قرن للوراء ورؤية ماقام به نفس الدين من اعمال بحق الجماهير. اذ لم يكن هناك مناص للبابا من الاعتذار وذلك لمد الكنيسة الكاثوليكية ليد العون لهتلر ومحرقته البشرية. ان مثال اخر هو ايرلندا الشمالية، حيث اصطف فيها البروتستانتيين امام مدرسة ابتدائية ليرجموا فتاة عاملة في المدرسة الابتدائية او حتى يرموا قنابل موقوتة او رمانات يدوية، وذلك لان أولئك كاثوليكيين وهم بروتستانت! ينبغي النظر الى احداث يوغسلافيا والصراعات التي جرت هناك. ينبغي النظر الى الشيشان وافغانستان. ولهذا، فان الدين برايي يتمتع بهذا الدور عموماً. في اماكن من العالم، لجمت الجماهير الدين واجلسته في مكانه الى حد ما، واتخذ هناك لبوساً متمدناً. ولكن في المطاف الاخير، ان الدين دائماً موجود، حي وحاضر دوما هناك بوصفه قوة احتياطية. نعم اني اصنف الكنيسة المسيحية في اوربا الغربية بالضبط في الاطار ذاته كذلك. ولكن هذا الدين الان ليس بالدور الكارثي الذي عليه الاسلام، اذ يقوم على سبيل المثال في ايران وافغانستان بأعمال قتل، بيد ان دوره واضح في قمع النساء، في ضرب الافكار التحررية والتصدي للإبداع، وفوق هذا فان اياديه في جيب الجماهير. اذ لازالت الكنيسة ايضاً ايديها في جيب الجماهير الى حد كبير. رغم ان ضرره ليس بمستوى مانراه في ايران وافغانستان والسعودية، الا انه مشهود وملموس، والا فانه يمكن وبالأرقام والاعداد التدليل بصورة تامة على الدور الذي تقوم به الكنيسة.
في اماكن اخرى، من الواضح ان الكنيسة انعطفت ضد الانظمة الاستبدادية، على سبيل المثال في امريكا اللاتينية وغيرها. ولكن في الحقيقة ليست الكنيسة من انعطفت. انها الكنيسة هي من رات ان الجماهير يساريي النزعة وسعت للسير مع الجماهير من اجل حفظ بريق دكانها. ولكن في أي مرحلة او منعطف اجتماعي جدي ترى الاسلام والدين جنباً الى جنب الطبقات الحاكمة يوجهانها ويبرران القمع والاخضاع الاجتماعي.
(مقتطفات من حوار مع منصور حكمت حول الدين)