أوضاع إيران والمكانة الخاصة للحزب الشيوعي العمالي المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي العمالي الإيراني، 14 تشرين الأول-أكتوبر 2000
(حديث لتوضيح قرار مقترح للمؤتمر)
ترجمة: فارس محمود
الجزء الأول
رفاق! في الحقيقة، لقد تحدثت عن هذا الموضوع في بدء المؤتمر: المكانة الراهنة لإيران والفرصة التاريخية المحددة التي طُرحت امام الحزب الشيوعي العمالي للعب دور مهم، لعب دور يصيغ المرحلة. أود أن أطرح بعض التأكيدات، والتذكير بموضوع قد تناولته من قبل، وربما أتطرق الى بعض الأسئلة المُحدَدة. لا يتضمن هدف هذا القرار موضوعات مثيرة للجدل، ماعدا أن يريد أحد ما ان يبحث ويناقش حُكمين: هل إن أوضاع ايران حساسة، وهل إن الحزب الشيوعي العمالي قادر على لعب دوراً خاصاً. إن مجمل القرار يتمثل بإعلان تشخيص وإعلان تعهد تجاه حقائق وواقع. وفي الخطاب الافتتاحي ايضاً، قمت بلفت انتباه المؤتمر لهذه المسألة.
إن إيران نظاماً رأسمالياً منذ أمد بعيد، على الأقل منذ اصلاحات الأرض في الستينيات. إن إيران نظاماً رأسماليا. وحتى ذلك التاريخ، تركت الأحزاب التقليدية، وبالأخص أحزاب المثقفين وحملة الشهادات، الأجواء السياسية تحت تأثيرها وسلطتها. إن حزب توده (الشعب) والجبهة الوطنية هما أحزاب أناس من حملة الشهادات، وما يسمى فئات نخبة المجتمع، أناس ينشدون ان لا يكون مجتمع إيران متخلفاً، أن يكون شيء ما جدير بالذكر بين الآخرين، يكون مثل أوربا في مصاف البلدان الراقية، إيران صناعية، ذات بنية فوقية سليمة، على غرار البلدان الرأسمالية التي زاروا وأكملوا دراستهم فيها ويعرفون ما عليها من تقدم.
على امتداد القرن العشرين، من الثورة المشروطية (الدستورية) الى ثورة 1979، كانت الأجواء السياسية في إيران تحت تأثير تحرك الأقسام المثقفة البرجوازية، وعكست الميول البرجوازية في الأوضاع السياسية في إيران. جعلت هذه الاقسام المثقفة الطبقة العاملة، وقبلها محرومي المجتمع، ملحق حركتها. ولم يكن هناك حزب شيوعي ممثلاً للطبقة العاملة متدخلاً في الساحة السياسية، على سبيل المثال، مثلما هو الحال عليه في الثورة البرتغالية. حيث يمكن القول ان هذا الحزب المحدد يمثل العامل البرتغالي في ثورة البرتغال، لم يحضر العامل الإيراني قط بوصفه قوة سياسية بشعاره الخاص. لم تتخذ الشيوعية في إيران موقع ومكانة حسم وتحديد مصير المجتمع ولعب دور خاص في الأوضاع السياسية في إيران وفي مصير السلطة قط. قد يقول أحداً ما، إن حزب توده كان كذلك، لا أعتقد ان حزب توده نفسه يعتقد بأنه ممثل اليسار الشيوعي في المجتمع في اية مرحلة ما. لا يتحدث نظامه الداخلي عن ذلك، ولا برامجه الاولى. إن مجمل حياة حزب توده تتحدث عن إن هذا الحزب كان حزباً مثل الجبهة الوطنية ينتمي الى تركيبة معينة من الفئات المالكة في المجتمع، تنشد تحسينات وإصلاحات في الاوضاع الاستبدادية الاقطاعية الإيرانية، تحقق بعض منها ولم يتحقق الآخر، وإن هذه المعارضة التقليدية قد سادت تأريخ إيران.
تأملوا بمقولة مثل دكتور مصدق، والذي صورته في جيب كل الطبقات، لسبب غير معلوم. كان دكتور مصدق بطلاً قومياً، ويطلقوا على كل من أتى للحياة وكان ساخطاً إنه دكتور مصدقي، بيد إنه في فترة السنة أو السنتين كبح الاضرابات وجعل من العمل الفلاني غير قانونياً كذلك وغيره. ولكن، ولأنه سعى الى تأميم صناعة النفط، فهو بطلاً قومياً. ناهيك عن الحديث عن إن صناعة النفط قد تأممت في المطاف الأخير دون أن يصبح أحداً ما بطلاً قومياً. غدا الدكتور مصدق رمز المعارضة ورايتها الأساسية في البلد. وعندما اقتربنا من ثورة 1979، ورث الخميني هذه المكانة.
لقد كانت ثورة 1979 ثورة كان للعمال فيها دوراً، قصم العمال ظهر الحكومة. كان للعمال حضوراً. وعلى النقيض من الاحداث السابقة في المراحل السابقة، حضر العامل الميدان ولعب دوره بوصفه عاملاً، ولكنها القصة القديمة ذاتها، اي تكرار هيمنة المعارضة البرجوازية على الاجواء السياسية في إيران. كانت حكومة الجمهورية الإسلامية ائتلافا من اناس كانوا في المعارضة سابقاً في مرحلة الملكية، ويطلق أحدهما على الآخر صفة تقدمي. صحيح إن هناك أقساماً من اصوليين اسلاميين اقحاح انضموا إلى هذا الصف، وبعدها ظفروا باللعبة حتى. ولكن حتى هؤلاء الاصوليون الإسلاميون كذلك، ينظر لهم غير الأصوليين والقوميين على إنهم أناس شرفاء ومعارضون للاستبداد الملكي. لم يأتي أحد ويتحدث عن إن حركة فدائيي الإسلام هي حركة رجعية. من وجهة نظر تلك البرجوازية، إن أولئك جزء من أمة إيران ومعارضين. ما أود قوله إن عائلة سياسية كبيرة في إيران حددت مصير جماهير أيران لسنوات. وحتى في ثورة 1979، والتي كان العامل محركاً جدياً لتلك الحركة وذا حضور، بحضوره بمجالسه، بحضوره بإضرابات عمال النفط، رغم هذا كانت المعارضة التقليدية هي من ترسم مصير الجماهير، وذلك لسبب الا وهو: وإن كان العامل موجوداً، فإن الاستقطاب الطبقي في المجتمع لم ينمُ وينضج الى ذلك الحد الذي يجعل من الشيوعية أن يكون لها حضوراً ايضاً. في ثورة 1979، كان للعامل حضوراً، ولكن لم تكن الشيوعية حاضرة، وغدا مصير القضية هذا الذي رأيناه.
إن مفتاح القضية هو حضور الشيوعية بوصفها قوة سياسية. هل بوسع الشيوعية أن يكون لها حضور بوصفها قوة سياسية بارزة، بوصفها أحد اللاعبين في حرب السلطة هذه، أم لا؟ إذا كان لا، فإن الأحزاب المختلفة للطبقات الحاكمة ستنتزعها وتسرقها وستحدد بدائلها مصير المجتمع. إن من أتى في 1979 للسلطة كان ميتاً من الناحية السياسية منذ أمد. أي مجتمع يقبل بأن تأتي حكومة إسلامية للسلطة في أواخر القرن العشرين، وتملي أحكامها وقراراتها؟ أن سبب مجيئها للسلطة هو أنه لم يقف أحد بوجهها ويمنعها من ذلك. لم يكن المجتمع التقدمي والجماهير المحرومة والتحررية في إيران محصنين بنقد ما كي يمسكوا بلجامها. فمع الإطاحة بالنظام الملكي، كانت الحكومة البرجوازية والرأسمالية والإمبريالية في إيران بدرجة من سوء الطالع وانعدام الحيلة بحيث لم تجد أفضل من هؤلاء الحماة المؤقتين على الاقل لنظامهم. إذا لم يكونوا هناك وإذا لم يحضر هذا القطب الميدان، لكان من المحتمل أن تكون إيران شبيهة ومماثلة لنيكاراغوا. اليسار إجمالا، اليسار ذاته الذي ترعرع ونما في الجامعات قد يؤسس تيار ساندنستي في ايران. قد تكون الحركة الفدائية والنهج الفدائي على الأكثر هي هذا التيار. بيد إن حتى هؤلاء في إيران لم يستطيعوا تحملهم، وبالتالي، اصبحت المعارضة الإسلامية مبعث دعم ومساندة الغرب، ومضت أمريكا خلفها ونظمتها. أي كان من الممكن أن يأتي جناحها اليساري والعلماني للسلطة، بيد إن الجناح اليميني الديني انتزع السلطة وطرد جناحه اليساري أيضاً.
إذا نظرتم للأفق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي لهذا الجناح اليساري واليميني، سترى إنهم عائلة سياسية. لا ينزعجون من بعض. ولهذا، سترى بسهولة إن بوسع اليسار التقليدي وفروعه من الفدائيين أن يقيّم الجمهورية الإسلامية كجناح تقدمي. لا ينزعجون لوضع المرأة في المجتمع، لا ينزعجون من وضعية إن ليس بوسع الإنسان أن لا يكون دينياً ويُعدم. لا يتبرمون من إن في هذا المجتمع ليس هناك حرية تعبير ونشر. وإذا ذهبتم في 1979 وتحدثتم عن حرية النشر غير المقيد والمشروط، وهو ما تحدثنا عنه، والحرية غير المشروطة للأحزاب والحرية السياسية بدون قيد أو شرط، سيهب أحد من هذه العائلة التي لم تمنح أي من هذه الحريات، جناحها اليساري، ليرد عليك إنك تنوي الدفاع عن جريدة ميزان ومهدي بازركان، إنك “طاغوتي”. تدافع هذه العائلة عن نفسها. مضوا مع بعض في الثورة. صحيح إن قسما منها كشف عن وجه “احتكاري”، وإن هذه الكلمة معبّرة كثيراً، أي ان اعتراضهم على الجناح الإسلامي لا لرجعيته، وإنما لنزعته “الاحتكارية”. أي لماذا رفعت بساط مائدة السلطة من أمامنا. إذ فرش الامام بساط المائدة امامهم، واستمر ذلك حتى ما بعد 30 خرداد، إذ لم يوجهوا ضربة لحزب توده الذي كان يتمتع بنفوذ الى حدٍ ما. من المثير انه حين تسالوا التودهيين، كانت هناك شائعة بينهم وهي إن الامام الخميني في تلك الأيام يوقظ الرفيق كيا (نوري) ويسلمه رئاسة الوزراء. أما نحن الذين كنا خارج القضية نعرف إن هذا الكلام عديم القيمة، ولكنهم في الحركة التودهية افترضوا ان هذه ظاهرة حقيقية فريدة. لماذا؟ وذلك لان ما يجابهه هو إمبريالية أمريكا. وأن المعيار الأساسي هو: إن حركة المعارضة الإيرانية التقليدية وأجنحتها الشعبوية والدينية تقف في ائتلاف واحد بوجه إمبريالية أمريكا.
على أية حال، وحتى حين اندلعت ثورة في إيران رأسمالية، وحتى حين كان العامل القوة الأساسية للتحول الاجتماعي، وحتى حين كان عامل النفط “القائد الصلد” للجماهير، دفعت المعارضة التقليدية للسلطة أكثر بدائلها الرجعية الممكنة. لو أتى الفدائيون في ذلك الوقت للسلطة، لِلَمْ تكن الحكومة بهذا الحد من الرجعية، مثلما ذكرت، انه من المحتمل أن تكون مثل السندناستيين. حتى من الممكن أن تبدو مبعث دعم الاخرين كثيراً. بل إن من انتزع السلطة هو اكثر أجنحة البرجوازية التقليدية رجعية، وطرد واحداً تلو الآخر حتى حلفائه من الميدان وذلك لأنه رأى إن هذا هو شرط بقائه. كان العامل موجوداً، ولكن الشيوعية غير موجودة، وعليه أصبح الحال على هذا الحال الذي نراه. أننا نرى إن هذه اللوحة على وشك التكرار، وإننا نمضي مرة أخرى صوب اندلاع اضطرابات في إيران. تحدثنا في فقرة الأوضاع السياسية، أن رحيل الجمهورية الإسلامية أمراً حتمياً. وذلك لأنها من الناحية الاقتصادية عاجزة عن الدفع باقتصاد إيران، إذ إن الرأسمالية في تركيا، وبحكومة موالية وعضو حلف الناتو، عاجزة عن إدارة الرأسمالية، فناهيك بملّا يعد اقصى صلته بالسوق العالمي هو “حوار الحضارات”، وهذا بصورة “قاجاق”، غير رسمية (وتستعمل للمواد المهربة) وبـ”الصدفة” وفي أماكن مثل دهاليز فندق او مطعم “جلو كباب” في نيويورك! إن هذا ليس عملياً. ولهذا، فإنها عاجزة عن إدارة الاقتصاد. هل من الممكن من الناحية السياسية ان تقف على اقدامها؟ من يستطيع أن يقف بوجه مجتمع من 60 مليون نسمة لا يريد هذه الحكومة الآن؟ من يستطيع الوقوف بوجه المرأة الايرانية التي لا تريد هذه الحكومة؟ من يستطيع أن يقف بوجه عامل أيراني لا يستطيع تحمل هذا الوضع أكثر؟ من يستطيع أن يقف بوجه شاب ايراني يرتاد الآن صالات الانترنيت، يذهب لغرف الدردشة السياسية ويتحدث عن الحزب الشيوعي العمالي وعن الحرية وعن المساواة وعن التحرر الجنسي؟ أبوسعهم أن يحولون دون أن يبدي رأيه في غرف المحادثة؟ بزي الملالي وبعون قوات الباسداران (الحرس الثوري)؟ لا يمكن أن يستمرون، وقد بدأت عملية رحيلهم. إذا بدأت، فستتكرر مرة خرى الساحة. إن السؤال المطروح أمامنا هو: هل نسمح مرة اخرى للمعارضة التقليدية في إيران، وهذه المرة بتركيبة جديدة، إذ كان طرف ما يطلق على نفسه قومي، والان يطلق على نفسه معيد للنظر (مراجع لنفسه وعقائده السابقة-م)، قبلاً يقولون موالي للدكتور مصدق، قومياً كان يطلق على نفسه سابقاً اسم فدائي، ويهتف سابقاً بـ”الموت لعملاء الامبريالية”، الان يطلق على نفسه انه رافض للعنف، سلمي، بيد انهم الحركة ذاتها، انهم الحركة ذاتها وبفروعها، ومن المثير أن تروا أن الراية التي يتم رفعها في هذه الحركة تتحدث عن: هلمّوا لجعل العائلة نفسها أكثر اتحادا، ووجدت أتباع لها. مباشرة تأملوا فقط أمرا، وأعتقد ان الكثير منكم قد رأى في أعوام 1984و 1985… إن “أكثريت” (جناح الاغلبية، أغلبية فدائيي خلق) أصدرت قراراً وتحدثت فيه عن إننا أخطئنا، أخطئنا بدعمنا للنظام الإسلامي. أصدر حزب رنجبران بياناً تحدث فيه عن إننا أخطئنا بجعلنا البرجوازية هي الرئيسية والبروليتاريا هي الفرعية! استبدلنا الشعب بمناهضي الشعب! -هذه جُملهم بالضبط- بالغنا بميزة الجيش وقللنا من قيمة الجماهير! أعلينا من شان الإسلام أكثر وقللنا من شأن مطالب الجماهير! أخطئنا، اعذرونا! كيف بوسع حزب رنجبران، وبعد 30 خرداد وحملة الاعدامات الواسعة في السجون، ان يدافع عن أولاد عمه في السلطة؟ لم يكن ذلك ممكناً، وانسحب من التحالف. تحدثت “اكثريت” فدائيي الشعب عن: إننا اخطئنا، وقال حزب توده اننا أخطئنا. ولكن ما أن ارتفعت راية خاتمي اليوم، حتى ترى مرة أخرى التفاف التركيبة ذاتها تحت الراية ذاتها والحكومة ذاتها. إن هذا واقع وحقيقة سياسية كبيرة، قوة كبيرة تحدثت عنها في فقرة الأوضاع السياسية وعمرها بقدر عمر الحكومة الإسلامية. أشك بان بوسع هذه الحركة القومية الإسلامية، التي قسماً منها الآن في المعارضة وقسماً آخراً يعمل في مكتب رئاسة الجمهورية وقسماً في وزارة الاستخبارات، أن تطرح وتطلق من داخلها تركيبة جديدة بحيث، في حالة سقوط الجمهورية الاسلامية، ان تشكل حركة متنامية ومتصاعدة ومبعث احترام الناس. إذا كان قمع الجمهورية الإسلامية قائماً، فعندها هناك موضوعية لان يفكر “الاصلاحيون” بإصلاح تلك الظاهرة (الجمهورية الاسلامية) التي لا يمكن القبول بها وتحملها. ولكن حين تُطوى الظاهرة نفسها، فان على الاصلاحيين أن يقولوا كلامهم الإثباتي. وإذا ارادوا أن يقولوا أثباتاً، عندها ليس بوسعهم، كما يقول حميد تقوائي، أن يوعدوننا مرة اخرى بما وعدونا به سابقاً. لا يمكن القبول بالماضي منهم بعد. إنه القرن الحادي والعشرون. إنهم يصدقون حين يقولون ان العالم غدا قرية. العالم قرية. لا يُقبل من احد هذا. مثلما إن ليس ثمة أحد في ابعد قرية على الكرة الارضية يقبل بحكومة “دلاي لاما”، فان حكومة على شاكلة الائتلاف التاريخي للمشروعية-المشروطية من مثل خميني-مصدق لا يقبل بها أحد. إن الجماهير تنشد شيئاً آخراً، وهذا ما تصرح به. يمكن ببساطة ان تنظر وترى ماذا يجري في باريس، ماذا يجري في لندن، ماذا يجري في ايطاليا، في اسبانيا، وماذا يجري في امريكا. لا يمكن عصب أعين أحد. لا يمكن الطلب من الناس أن لا يتطلعوا. يقولوا اخفضوا تطلعات الجماهير. حين ترتفع تطلعات الجماهير، لا يمكن لأحد خفضها. إذا كانت متدنية، يمكن الابقاء عليها كذلك. ولكن إن ارتفعت، لا يمكن خفضها. وبالتالي، إن التطلعات قائمة، وإن المجتمع سينقلب بالضرورة.