الشيوعيون وضرورة قيادة المجتمع!
كورش مدرسي
ترجمة: فارس محمود
نيل وانتزاع قيادة المجتمع- التحول الى قيادة الجماهير وتامين قيادة شيوعية اجتماعية وجماهيرية
… في الثمانين من العام المنصرم، كان ثمة تحدٍ يعد أكبر مشكلة للشيوعيين واليسار الراديكالي بعد إخفاق الثورة في روسيا إلا وهي التحول الى قيادة احتجاج المجتمع وعجزهم عن توحيد الجماهير خلف رايتهم.
اليوم، ليس لقسم واسع من المجتمع أفق وتعريف واضح لانتصار حركة اسقاط النظام، وان هذا الافق يأخذه من البرجوازية…. ان تصوير أغلب الجماهير للإطاحة بالجمهورية الاسلامية هو أن تغلق مؤسسات الملالي وتطبيع علاقة ايران مع الغرب، وبالأخص امريكا. ان هذا تصوير المعارضة اليمينية للإسقاط. ان التصوير الذي ترسمه المعارضة اليمينية هو إزالة الجمهورية الاسلامية التي هي (نظام ملالي بالٍ) دون “اضطراب” أوضاع المجتمع. ومع عودة الصلة بالغرب وهو الذي ينبغي القيام به فوراً، ستنهال الرساميل، الثقافة والتكنولوجيا الغربية على ايران و… يبقى كل شيء في مكانه، نقوم بثورة مخملية، استفتاء، ويبقى نظام المجتمع في مكانه وعلى حاله. ليس من المقرر انه مع الانتفاضة او الثورة يتم “الاطاحة” بنظم المجتمع مرة اخرى!
ومقابل هذا التصوير، يتخذ الشيوعيون مقابل هذا مهمة التصدي لحظة بلحظة من تطورات المجتمع الى هذا الافق، ويطرحوا ويعمّقوا أفقهم وتعريفهم للإطاحة بوجه ذلك التصوير، ويبينوا مرغوبية أفقهم لأغلبية الجماهير، ويقوموا بعمل ما من شأنه ان تقترن مطاليب “منشور النصر” حتى إذا طالب شخص ما، بدون علمنا، بمصادرة المساجد والاوقاف واغلاق الحوزات العلمية وحلّ قوات الحرس الثوري (الباسدار) والجيش وتسليح الجماهير وغيره، سيقول الجميع لقد جاء الشيوعيون او الحكمتيون.
حين يفكر مجتمع بتقليد، وهنا التقليد الشيوعي، فان أول نظرة يلقيها على القادة الشيوعيين للمجتمع. لا ينظر مجتمعنا الينا من زاوية التنظيمات ولا الى ما تقوم به التنظيمات. ان نقطة انطلاق المجتمع هي المجتمع نفسه. وعليه، فان أول سؤال يُطرح هو: ما هي، من حيث الابعاد الاجتماعية، مكانة القادة الشيوعيين للمجتمع، أولئك الذين بوسعهم خلق هزّة في المجتمع؟ اذا لم يستطع حزب شيوعي ان يكون قائد المجتمع لا يحقق شيء. بيد ان الحزب الشيوعي يلعب هذا الدور ارتباطاً بمكانة قادته الاجتماعيين والجماهيريين قبل اي شيء اخر. ان حزباً “شيوعياً” “مُرتباً” دون قادة جماهيريين، هو عربة دون سائق وبدون وقود. لا يبلغ أي مكان.
ان أول مسألة وأهم مسألة بالنسبة للشيوعيين والطبقة العاملة هو تأمين قيادة شيوعية للمجتمع. قادة ينالوا قبول المجتمع. اذا لم يكن القائد الشيوعي قائداً للجماهير، بل قائداً لتنظيماته فقط ليس بقائد شيوعي. ان نقطة مرجعية او منطلق الشيوعية والقيادة الشيوعية هي المجتمع وليست التنظيمات.
ينبغي ان يكون حزباً شيوعياً ما او قائد شيوعي ما قائداً للجماهير، قائد للمجتمع. في المطاف الأول، يغدو الحزب اجتماعياً ارتباطاً بقادته الاجتماعيين. ان حزب قائد المجتمع هو حزب قادة المجتمع. ان قيادة التنظيمات ليست فناً. من المؤكد ان أي شخص يبني تنظيمات ما، يكون قائد تنظيماته. ان التحول الى قائد المجتمع هو فن ومفتاح التقدم. وان هذا العمل هو أكثر الاعمال تعقيداً. وان هذا الأمر كان مطروحاً على طاولة الشيوعيين وعجز اليسار الراديكالي على امتداد ثمانين عاماً المنصرمة عن لعب هذا الدور. مبدئياً، ان احد علامات مرض اليسار الراديكالي اليوم هو هذا العجز.
تفتقد النزعة النقابية (السنديكاليسم) لهذه القدرة. الحركة النقابية هي حركة اكونومستية وذيلية بوسعها ان تكون، في حدها الأقصى، قادة هذا الصنف من بين العمال او ذاك وليست قادة المجتمع، قادة يرتبط بها ويقترن القسم الاعظم لمجتمعها ويقتدي بها. لا تتحلى الحركة الاتحادية بالأفق اللازم للعب مثل هذا الدور. لا تنشد ان تكون قائداً للمجتمع، بل ان تكون قائد صنفها أو اتحاد صنفها. لا تضع هذه الحركة على عاتقها لعب هذا الدور، بل انها، في مجتمع مثل ايران، تكون حائلاً امام ان يلعب العامل او القائد العمالي ويظهر بهذا الدور. في ميدان النضال السياسي، تحيل النزعة النقابية النضال من اجل انتزاع القيادة السياسية للمجتمع الى التيارات الأساسية للمجتمع، اي البرجوازية. وهي اما ان لا يكون لها دور في هذا الصدد او تعمل بوصفها جماعة ضغط على هذه التيارات.
ان قائد الجماهير هو امرؤ تقترن به جماهيره، اي أمرؤ يحرك الجماهير من النقطة (ا) الى النقطة (ب)، يعني امرؤ يقود الجماهير في حربهم من أجل عالم افضل في أرض واقعية، يحذرهم من المخاطر، يقودهم، امرؤ تسير الجماهير وفق تعليماته ومستعدة للمجازفة وتبذل الغالي من اجله. القائد هو امرؤ يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع، ومتى يندفع ومتى ينبغي عدم القيام بأمر ما، “عاقل”، بوسعه ان يوحد صفه، يدرك أهمية الوحدة، قادر على لعب دور الموّحِدْ لأناس حقيقيين وواقعيين مختلفين، وتسلّم الجماهير أمرها له.
ان امرئ غير موّحِد ليس بقائد. القيادة ظاهرة ليست على العموم. انها ظاهرة ملموسة. القائد قائد أناس، وقائد مكان معين ما، أناس ومكان تقترن به الجماهير وتسمع كلامه ويعد ما يقول ورايه امراً مهما لها.
اذا لا ندرك الاختلاف ما بين هذه الظاهرة، القيادة، وامرئ “مشهور” او “مُستعرض سياسي”، عندها لن ندرك الفرق ما بين مادونا وماندلا. ان عدم التمييز ما بين القائد و”المشهور” هو مضر بقدر عدم التمييز ما بين القائد والمسؤول التنظيمي. ان اي حزب وتنظيم اجتماعي بحاجة الى قائد للتنظيمات وأناس مشهورين، ولكن عدم التمييز ما بين الدورين، وبالأخص استبدالها بقيادة الجماهير وتامين القيادة الشيوعية للمجتمع هي احد الاعراض الولادية لليسار التقليدي والهامشي. تقليد يحول دون لعب دور القائد.
ينبغي الانتباه جيداً الى ان ناشطي هدف سياسي أو اجتماعي يختلف عن قائد تلك الحركة. يناضل الناشط ويمارس نشاطه من أجل اهداف تلك الحركة او المنظمة، بيد ان القائد لا يقوم بهذا فحسب، بل زد على هذا يوحّد الحركة، يرسم خطها، يحركها من مكان لآخر، يقودها.
بعد فشل ثورة روسيا في اواخر العشرينات، لم تقدم الشيوعية والحركة الشيوعية واليسار الراديكالي قائداً جماهيرياً وقائداً اجتماعياً وجماهيرياً، ليس هذا وحسب، بل قدّسوا عصبويتهم وهامشيتهم وعدم اجتماعيتهم. في هذا التقليد، القائد هو قائد تنظيماته، قائد عصبته وقائد اصدقائه، وليس قائد أناس اخرين في المجتمع، وبوسعه أن يوحّد فقط المتفقين معه او المشاركين له في خطه، وليس جماهير انسانية عريضة.
وعليه، فان المهمة اللاحقة للشيوعيين هي تامين قيادة للمجتمع. ان الشيوعيين بحاجة لصف واسع من الناشطين السياسيين والاجتماعيين والمسؤولين والمنظمين التنظيميين. ليس في هذا شك، ولكن بدون وجود قائد اجتماعي، قائد يعده المجتمع قائده، تبقى هذه المنظمة عصبة ولن تبلغ مكاناً.
انه قائد على استعداد لقبول مشقات القيادة، المحدوديات المفروضة عليه ومخاطر لعب هذا الدور، وينظم حياته حول هذا الدور، وجعل لعب هذا الدور فلسفة حياته، حركته وجماهيره هم جزء مستمر من حياته وهو جزء دائمي من حياة الجماهير، بالأخص في الأوضاع الحاسمة.
ان هذه سمات القائد في المعسكر الشيوعي والمعسكر البرجوازي على السواء. ان هذا الحكم يصح على ايران او اوربا، في الجامعة او المعمل، في المحلة او المدينة.
سأتحدث في الجلسة المقبلة لجمعية ماركس-حكمت فيما يخص اليسار في العراق. وسـأبين هناك انه اذا لم يتمكن الحزب الشيوعي العمالي العراقي من لعب الدور اللازم في التحولات السياسية والاجتماعية في العراق، وذلك بالضبط بسبب انه عجز عن طرح صف من القادة الشيوعيين للمجتمع. لم يتمكن من كسب قادة المجتمع و او لم يتمكن من ان يجعل من قادته قادة المجتمع. بقى قادتنا في العراق قادة تنظيمات. أخفقت حركتنا أمام المعضلة التقليدية لليسار التقليدي مرة اخرى. لحد الان، قامت البرجوازية بتأمين قيادة المجتمع. النزعة القومية أو الاسلام السياسي، الليبرالية او الفاشية لايهم، فان مجمل هذه هي حركات برجوازية وقدمت عدة قادة للمجتمع. ان مكان حركتنا وقادتنا خالياً.
ان السؤال الذي علينا الرد عليه هو: هل نحن قادرون ومستعدون ان نجعل المجتمع صاحب صف من القادة الشيوعيين من الطراز الاول؟ انه سؤال ليس مطروحاً على طاولة الحزب الحكمتي. بل على كل انسان شيوعي، وبالأخص قادة وناشطي الحزب الحكمتي. انه سؤال مطروح على طاولة الناشطين والقادة الشيوعيين في المعامل والجامعات، على العمال والكتاب وبائعات الهوى الشيوعيين سواء في حزبنا او خارجه. لقد كانت ولازالت نقطة ضعف الشيوعية والشيوعية العمالية. واجهتنا في العراق ولم نتغلب عليها. وفي ايران بدأت هذه المسالة تطرح نفسها بأبعاد واسعة علينا.
اذا لم تتمكن الحركة الشيوعية في مجمل اصعدة المجتمع، في المدن والمعامل والمحلات والجامعات، في كردستان وفي طهران وفي مجمل الأماكن الأساسية للمجتمع من تأمين صف من القادة الشيوعيين الجماهيريين، بحيث يقبلهم المجتمع بوصفهم قادته، لن نحقق اي شيء بتنظيم وتنظيمات وإذاعة وتلفزيون.
ان قائد ” بدوام جزئي” و “فاتر الهمة” “(Half-hearted)” او بأولويات مختلفة ومتعددة لا يحقق شيء. ان القادة يأتون في كل مرحلة من بين أولئك الذين يجعلون من حث الخطى للأمام وفلسفة حياتهم لعب هذا الدور.
ان السؤال المطروح أمام الشيوعيين هو ذات السؤال الذي طرحه منصور حكمت على الحزب الشيوعي العمالي العراقي: “هل من بيننا أناس يريدون ان يكونوا قادة من الدرجة الاولى على صعيد جماهيري (في مدينة، في منطقة، في بلد، في معمل او محلة)؟ ويربط مصيره بمصير الجماهير؟ هل هناك من بيننا من يعتبر لعب هذا الدور في حياة الملايين هي فلسلفة حياته؟ هل من بيننا أناس يخلقوا مستلزمات لعب هذا الدور، ويتحملوا المخاطر والمحدوديات والضغوط والحرمانات الناجمة عن لعب هذا الدور بصدر رحب؟”
ان هذه اسئلة مطروحة على الشيوعيين وتطرح نفسها. اذا لم نتمكن من وضع مثل هذا الصف أمام المجتمع، فان اي موضوع نطرحه يصبح اكاديمياً وتحليلياً، رغم كونه مطروحاً من زاوية اشتراكية او ماركسية. ان هذه ليست مطروحة على الجمع الحاضر في هذه الجلسة أو قيادة الحزب الحكمتي. انها اسئلة مطروحة على طاولة مجمل الناشطين الشيوعيين في المجتمع، في ايران وخارجه. إذا لم نتمكن من تأمين مثل هذا الصف من القادة الجماهيريين، فليس بوسعنا تأسيس حزب جماهيري وليس بوسعنا ان نلعب دوراً مهماً في التحول الثوري لإيران. في غياب وجود هؤلاء القادة الاجتماعيين، في غياب وجود هؤلاء القادة الجماهيريين وحزب اجتماعي، فان حلقة دعاية-تحريض-تنظيم (مجمل مهام الشيوعيين من زاوية اليسار التقليدي)، لن نحقق شيئاً. حين تحدث لينين عن الدعاية-التحريض-التنظيم، كان التقليد الشيوعي تقليداً اجتماعياً وجماهيرياً وليس تقليداً يدير الناس ظهره لها، تقليداً لجماعات قليلة النفوذ وهامشية وعصبوية.
لن تبلغ شيوعية تفتقد لقادة اجتماعيين معروفين، جماهيريين وجسورين شيء. شيوعيون حاضرون في الصف الاول للصراع ويتحلون بالجسارة، يتخذوا القرار ويوجهوا النداء للجماهير، يمنعوهم من القيام بعمل ما ويرهنوا مصيرهم بمصير الملايين وينشدوا لعب دور في حياتهم.
ينبغي أن يكون هؤلاء القادة الشيوعيين صفاً من المدافعين عن افق مشترك. صف حصيلة نقد لإطار مُعطى في المجتمع. زد على هذا، هو صف رافعة حملة على نوع من رؤية، نوع من تفكير وافق سياسي وعملي في المجتمع. صف تقترن به الحملة على آفاق البرجوازية في المجتمع وإثبات أحقية الأفق الشيوعي. بالنسبة لهذا الصف، يعد القلم والكلام سيف صراع، وليس أداة تشريح وتحليل. صف يحضر في الميادين الأساسية للصراع الطبقي، (الفكري والسياسي والعملي). صف يظهر امام المجتمع كممثل افق وسياسة مشتركة. صف ينبغي ان يتحول الى أداة تنامي مكتب او مدرسة شيوعية جديدة في ايران.