أثارت قضية مهسا أميني ، الفتاة البالغة من العمر اثنان وعشرون عاما، والتي احتجزت وعذبت ومن ثم فارقت الحياة في المستشفى نتيجة السكتة الدماغية، عُذبت بحجة عدم ارتداء الحجاب حسب القوانين الإسلامية في ايران، موجة من التظاهرات والاحتجاجات النسائية الواسعة تصاحبها حملة لخلع الحجاب في أكثرية المدن والمناطق في شتى انحاء ايران. تعتبر قضية مهسا اميني قضية جميع النساء في ايران والتي بدأت تناضل من يوم الأول للمجيء بالجمهورية الإسلامية الى السلطة بمساعدة الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا رائدتا الديمقراطية العالمية. ان تظاهرات النساء المليونية في الأيام الأولى من فرض قانون الحجاب الاجباري في طهران عام ١٩٧٩ والتي صدمتْ قادة الإسلام السياسي في ايران والتي استمرت حتى يومنا هذا بأشكال أخرى وبالرغم من قمع النساء بقوة السلاح وزج عشرات الالاف سنويا في السجون الإيرانية وتعذيب واعدام الالاف النساء طوال أربعة عقود من حكم الإسلام السياسي في ايران، ولكن لم تُخمد ولم تكف الحركة النسوية لمحاولة قلب الموازين لصالح حقوق النساء الايرانيات ولو للحظة واحدة…
ان قمع النساء في ايران والحجاب الاجباري مر بفترات عصيبة طبقا للمنافسة بين التيارين الإصلاحي والمتشددين. رأى التيار الإصلاحي في الجمهورية الإسلامية ، ان التراخي قليلا بقمع النساء المحتجات سوف يؤدي الى السيطرة على المجتمع ككل، مع قليلا من الانفتاح مع الدول الغربية من اجل الاستثمارات في ايران. ان كل هذه المحاولة والوهم، بائت بالفشل نتيجة سيطرة المتشددين على مقدرات الحكومة. وان الحركة الإصلاحية الإسلامية في ايران بالرغم من ادعاءاتها لكنها لم تختلف عن المتشددين في قضية المرأة كثيرا الا انهم أي الإصلاحيين زرعوا التوهم بتغير الأوضاع النسوية عندما يكونوا هم في السلطة وفي دوائر صنع القرار، ولكن جميع هذه المحاولات في النهاية أدت الى فشل الإصلاحيين وفوز المتشددين بقيادة لرئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي وزيادة السخط النسائي بالضد من الحجاب الإسلامي . وان الفترة التي أعقبت مجيء رئيسي قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتشديد فرض الحجاب على النساء وفرض القمع والأجهزة القمعية اكثر على المجتمع مع ظهور الاحتجاجات العمالية اكثر قوة في المجتمع نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والتضخم وارتفاع الأسعار وتوسيع رقعة البطالة والفقر الاوسع نتيجة الحصار الاقتصادي الغربي والامريكي على إيران.
ان موت مهسا اميني مرتبط مباشرة بالحجاب الإجباري، جعلت من الحركة النسوية ان تنزل الى الشارع بقوة في جميع مناطق ايران وتحويلها الى السخط الاجتماعي الواسع لسماع صوت المرأة المتحررة في ايران بالضد من القوانين الرجعية الإسلامية في ايران ومحاولة دفن حكام الإسلاميين وقوانينها في مقبرة العصور البائدة والمتخلفة الى الابد. وعلى الرغم من ان مكان اقامة مهسا اميني في المناطق الكوردية ولكن قضيتها عابر للمناطق والقوميات والاطياف والطوائف ولمست لب وجوهر القضية الإنسانية وهي حقوق النساء تحت ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومعاناتها وبينت وحشية وهمجية الإسلام السياسي ضد متطلبات البشرية المعاصرة. بالرغم من محاولة القوميين الكورد ان يحول قضية موت مهسا اميني الى قضية قومية بحجة هي كوردية واحتجزت فقط بسبب لباسها الكوردي ولكن لم تنجح هذه المحاولة ان تطمس قضية مهسا وحجابها في القضايا القومية لأن قضية مهسا هي قضية انسانية صرفة وعابر للحدود القوميات والطوائف ولأنها تخص قضية إنسانية المرأة وحقوقها …
ان اللافت للانتباه في قضية مهسا اميني ، هي كون الاحتجاجات أخذت تظهر بشكل واسع ويشارك فيها الرجال والشباب مع النساء بدون ارتداء الحجاب، بل واكثر من ذلك في أماكن عديدة حُرق الحجاب رمز الإسلام السياسي بشكل جماعي في الساحات العامة ولوحظت المسيرات والتظاهرات بشكل مكشوف وبدون حجاب، ومع الرجال والعوائل في صف واحد وغيرت النساء صورها بدون حجاب في صفحات التواصل الاجتماعية… وان كل هذا دليل على عمق أفق التظاهرات والاحتجاجات النسوية الأخيرة بعد ان ظهرت الحركة العمالية في ايران بقوتها في السنوات الأخيرة وبشكل اكثر تنظيم، وتستمر هذه الاحتجاجات مطالباتها وتضحياتها، والتي أدت الى اعتقال بعض من قيادتها ومن ثم اخلاء سبيلها نتيجة احتجاجات العمالية القوية في اكثر المراكز أهمية في الاقتصاد الإيراني. أي ان حجم وظهور قوة للحركة العمالية في ايران اثرت بشكل مباشر على راديكالية الحركة النسوية واحتجاجاتها في ايران، ورفع من سقف مطالباتها وهي انهاء الحجاب الاجباري رمز عبودية المرأة والتطلع الى الامام نحو المساواة الكاملة للنساء.
ان الإسلام السياسي في العراق والمنطقة برمتها ينظر الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية كعمود فقري لنهجهم ووجودهم. ولهذا تتأثر جميع حركات الإسلام السياسي في المنطقة والعالم مع المتغيرات في ايران، ولهذا السبب رأينا رد فعل الحركات الإسلامية في العراق وكوردستان بهذه الاحتجاجات وبقضية خلع الحجاب، والتي تعتبرها رمز لعبودية المرأة. ان أي تغير جذري في قضية الحجاب الإسلامي في ايران سوف تفتح أبوابا واسعة، في ضرب نفوذ الإسلام السياسي في المنطقة، المنتشر نفوذه السياسي عن طريق انفاق أموال الدولة الوفيرة، وفتح مؤسسات ومنظمات عديدة من اجل خلق الاوهام الدينية بين الجماهير الفقيرة. ان أي عمل ثوري قد يمحي الوهم الديني، ما بنته سنوات من عمل الإسلام السياسي بين الجماهير. ولهذا يدرك الإسلام السياسي مهمة الدفاع عن الجمهورية الاسلامية الإيرانية او بشكل غير مباشر الدفاع عن الحجاب الإسلامي بشكل عام والوهم الديني .
على القوة التحررية والمساواتية مهمة تعميق ضرب تقاليد الحجاب الإسلامي بقوة واعتبارها رمز عبودية المرأة ومن ثم عبودية المجتمع وان تقف بكل إمكاناتها بالضد من فرضها. وان مساندة هذه الاحتجاجات النسائية في ايران بالضد من الحجاب الإسلامي الاجباري هو ليس خطوة ثورية وحسب وانما هي خطوة إنسانية لتحرير نصف المجتمع من الأوهام والأفكار الرجعية. وان تحرير نصف المجتمع من الأوهام والقوانين الرجعية سبيل الى تحرير المجتمع من كل اشكال الظلم والاضطهاد. ان النساء في ايران تحتاج الى دعمنا ومساندتنا لحركتهن التحررية، الحركة العمالية في العراق بحاجة ملحة لتضامن الحركة العمالية القوية الموجودة في إيران من اجل نهوض وتصاعد نضالها..