النزعة الإنسانية والحقوق الفردية
ارتباطاً بالإنسانية ذاتها، فإن الفرد مهم برأينا، وان حق الفرد مهم الى حد كبير. ولكن في المطاف الاخير ان الشيء الذي يعرّف مقولة الحق ويحددها عندنا ليست حقوقية الى ذلك الحد. في المجتمع البرجوازي، الحق مقولة حقوقية. اذ يُطلق على اي عمل مسموح لك القيام به حقك. على سبيل المثال، مسموح لنا ان نقفز 25 متر، ولكن إذا لم نتمكن من ذلك، فإننا نتمتع بهذا الحق على اية حال! لم يحُل أحد امام قفز هذه الـ 25 متر!
ليس لمقولة الحق عندنا صبغة حقوقية وسلبية فقط، اي لم يقف أحد ما حائلاً امامنا، بل ان تكون لدينا قدرة تحقيقها. إذا كان لديك حق الانتقال في هذا المجتمع، وهو امر لا شك فيه، ولكن إذا كانت كل بطاقة ركوب القطار تكلف بقدر راتبك الشهري، فإنك لا تتحرك في هذا المجتمع، ان تسافر من هنا الى هناك. صحيح ان بوسعك السفر في الكرة الارضية. ولكن إذا لم تكن لديك ميزانية ذلك، إذا لم يكن لديك وقت لذلك، او ان تفقد اعمالك جراء هذا، او ليست لديك رخصة لذلك، عندها لا تستطيع السفر. من حقك المشاركة في السياسة، ولكن إذا لم يكن لديك أموال كافيةً، لا تستطيع المشاركة والتدخل فيها. لأنه ليس لديك وسائل اعلام، ولا يأتي المراسلون اليك وغير ذلك.
لا يوضح الحق بذاته وضعي ووضعك في المجتمع. الامكانات هي من توضح مدى امكانية تحقيق حقوقنا هذه. ولهذا، فان هذا الجانب الإيجابي وغير السلبي للحق، اي في الوقت ذاته كم بمقدورنا الاستفادة من حقنا، هو جزء من فهمنا لحق الانسان في المجتمع. وحين نتحدث عن حرية التعبير، لا نتحدث فقط عن أن المرء حر في ان يقول كلامه. اذ ان السؤال الذي يليه هو: حسناً، اين يقول كلامه؟ إنك اعطيته “حريته”، ولكن ليس هناك جريدة، تلفاز، جمعية، تجمع بوسعه ان يقول كلامه من خلاله طبقاً للتعريف. تطرح قضية مثل قضية حرية التعبير امامنا على الفور مسالة امكانية ابراز وجود الناس كذلك.
بهذا المعنى اقول ان مقولة الحق ومحبة الانسان أعمق لدينا بكثير من الليبراليين والديمقراطية الغربية التي تسعى لطرح الفرد والفردية بوصفها نقطة قوة لهم ونقطة ضعف الشيوعية. ليست شيوعيتنا فقط، بل شيوعية ماركس يكون الانسان فيها حراً أكثر بدرجات كبيرة. وذلك لأنها تتحلى بإمكانية تحقيق تلك الحرية.
انه لشائع هو اتهام الشيوعيين بعدم رؤية الفرد والنظر للأفراد بصورة واحدة وتشابه الافراد. مرة اخرى، ليس الامر كذلك في تقليدنا. ان موضوع الاتساق والتماثل وتشابه الافراد ليس وارداً في تقليدنا. مثلما ذكرت، ان الموضوع هو ان يكون بوسع اي شخص ان يقوم باي عمل يريد، وثانياً، أن يكون بوسعه انجاز الشيء الذي ينشد القيام به. بعد هذا، سيترك لاختيار الفرد كلياً ما الشكل الذي يظهر به، وكيف يبدو.
لا ربط لذلك التصور الرمادي للشيوعية والشائع جراء التقاليد البرجوازية للاشتراكية ولا صلة له بنا. اعتقد ان من ينظر الى الحزب الشيوعي العمالي من بعد، يرى بدرجة ما تنوع هذا التيار وانفتاحه عالياً. إنه ليس تنظيماً لـ”الى الامام سر- الى الوراء دُر” وعلى الجميع ان يقوم بعمل خاص. كلّ يعزف موسيقاه، وان كانوا متناسقين معاً، فان ذلك قد يعود الى تشاركهم الكبير معاً في العقيدة.
ولكن، وبصورة واقعية، ان جعل البشر بمقياس واحد ليس جزء من منظومتنا ومكتبنا. بل على العكس من ذلك، نقر بالطابع الابداعي للناس، وننشد بروزه وتفتقه. لا نستلذ بالضرورة من تقليد بعضنا البعض، ونكون بمقياس واحد شبيهي بعض. المهم هو ان يتمتع الجميع بإمكانيات متماثلة.
(من ندوة الشيوعية العمالية-الندوة الثانية)