(بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء عقوبة الاعدام 10 اكتوبر):
عقوبة الإعدام أبشع أشكال القتل المتعمد!
(مجلة خاوران في حوار مع منصور حكمت)
ترجمة: يوسف محمد
النص التالي هو نص المقابلة التي أجرتها مجلة “خاوران” الفصلية، وهي نشرة “منظمة الدفاع عن السجناء السياسيين الايرانيين” في عددها السابع الصادر خريف عام ٢٠٠٠ تحت عنوان “لماذا عقوبة الإعدام؟ رؤية منصور حكمت لمقولة إلغاء الإعدام”. وقدمت المجلة لموضوعها بهذه المقدمة.
الموضوع التالي هو ردود وإجابات منصور حكمت على أسئلتنا المتعلقة بإلغاء عقوبة الإعدام والمعدة أصلاً لنشرها في كتاب لم يكتمل بعد بعنوان “لماذا إلغاء الإعدام”. ولكن نظراً لعدم إكتمال الكتاب المذكور رأينا من المناسب إدراجها في “خاوران”. ولايسعنا إلاّ أن نقدم شكرنا لمنصور حكمت الذي أجاب على طلب المقابلة رغم المعضلات العديدة.
خاوران: تحدث الحزب الشيوعي العمالي في وثائقه الرسمية بصراحة عن ضرورة إلغاء الإعدام، فمن أيّ منظار ومن أية زاويةٍ وبأي تحليل استنتجتم ضرورة إلغاء الإعدام؟
منصور حكمت: عقوبة الإعدام هي الاسم الحكومي لكلمة القتل. فالأفراد يقتلون بعضهم البعض، ولكن الحكومات والدول تعاقب الأفراد بحكم ” الإعدام”. وينبع مطلب إلغاء الإعدام ومنع القتل كلاهما من نفس السبب، أي معارضة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد من قبل شخص ما لشخص آخر. وسواءً أقام بهذا القتل حكومة معينة أو مرجع ذو صلاحية فلن يغير من حقيقة الأمر أبداً، وهي أننا نواجه حالة قتل متعمد. عقوبة الإعدام هي أبشع وأقذر أشكال القتل المتعمد وأشدها سخافة. لأن ثمة مؤسسة سياسية تقرر أمام الناس وتعلن مسبقاً على الملأ وبأقصى درجات اللامبالاة وبرود الأعصاب والشعور بالحقانية عن قرارها في قتل شخص وتعلن أيضاً اليوم والساعة التي ستقوم فيها بهذا الأمر.
خاوران: بإلغاء عقوبة الإعدام، كيف يتم معاقبة الجناة القتلة؟
منصور حكمت: إنه سؤال مثير. بإلغاء عقوبة الإعدام فإننا نقف منذ البداية بوجه قاتل متعمد، وأعني الدولة، التي لم تعاقب أبداً بسبب إقترافها للقتل. وما يشيعه سؤالكم هو التصور بأن عقوبة الإعدام أبتدعت من أجل معاقبة القتلة. أو بأن المشرعين يرون بعد تأنٍ وتفكير بأن الإعدام مناسبة للرد على جريمة القتل. ولكن عقوبة الإعدام لاتربطها أية صلة بمسألة القتل في المجتمع. فهي لها تاريخها الخاص. وتشكل حقوق وحدود سلطات الدولة المعاصرة مقابل الناس إمتداداً لحقوق وحدود سلطات دول الأمس. فحين يقوم الآغا محمد خان قاجار بجمع آهالي أحدى المدن ويقوم بقتلهم، فأن لم يكن بصدد معاقبة شخصٍ ما لجرم إرتكبه. وحين يقتلون سارق الحصان في أمريكا أو الجندي الهارب فإنهم ليسوا بصدد معاقبة شخص ما بالمعنى القضائي للكلمة. بل إنهم ببساطة تامة يريدون إسكات الناس، يريدون إخضاع أولئك الناس لمقرراتهم وقوانينهم. إنهم يريدون إخافة وإرهاب الناس. ويريدون ممارسة الحكم والسلطة. وفي نفس عالمنا المعاصر لايشكل الإعدام عقوبة فقط لجريمة القتل، بل هو عقوبة الممارسات الجنسية الممنوعة، عقوبة الإحتكار، عقوبة الإيمان بالأهداف الإشتراكية، عقوبة تأسيس الأحزاب المعارضة، عقوبة السخرية من الله والنبي والإمام، عقوبة الجنس المثلي وغير ذلك أيضاً. وقد شكل قتل الحكام للأهالي منذ ظهور المجتمع ركيزة أساسية في عملية إخضاع الناس وما زال كذلك أيضاً. ويعود تاريخ عقوبة الإعدام لا إلى النقاشات والإطروحات الحقوقية القضائية حول الجريمة والعقاب، بل الى تاريخ السلطة الطبقية والدولة. واليوم مازالت الدول والحكومات تقتل مواطنيها. لذا ينبغي الوقوف بوجه ذلك.
إنكم تسألون إذا لم تكن هناك عقوبة إعدام فما الذي ينبغي فعله بالقتلة؟ إنني أقول أن قتل القاتل هو إعادة وتكرار للقتل. ونحن نقول أن هذا العمل لاينبغي القيام به أبداً. أما ماالعمل الآخر الذي ينبغي القيام به فإن هذا مرهون بالفلسفة القضائية للمجتمع. ففي نفس هذا النظام الموجود يمكن سجن القاتل. وربما من الممكن في مجتمع مثالي حماية الناس من تكرار الجريمة وجعل الجاني يدرك قبح وبشاعة العمل الذي قام به حتى من دون الإضطرار لسلبه حريته. وربما من الممكن القيام بعمل في مجتمع مثالي بحيث لن تقع جريمة قتل متعمد.
خاوران: كيف سيتعامل الحزب الشيوعي العمالي الايراني مع حرس الثورة الايراني والأشخاص الجلادين الذين يتم أسرهم في مواجهة ما، حين يتضح أن أياديهم ملطخة بدماء الناس؟
منصور حكمت: في القوانين التي نتطلع لها ونسعى لتحقيقها ليس هناك وجود لعقوبتي الإعدام والسجن المؤبد. ويفترض أن يحكم أولئك الأشخاص بالسجن والعمل إعادة تأهيلهم وإصلاحهم كي يتم إعادتهم الى أحضان المجتمع والقيام بأمر بحيث يصفح عنهم الناس.
خاوران: مع عدم إعدام القاتل، كيف يتم تطبيق العدالة بالنسبة لعائلة المقتول؟
منصور حكمت: إن مسألة أن عائلة المقتول صاحبة الدم، والعدالة هي ما تطالب به من المجتمع، هي مفهوم عشائري ورجعي ولايمكن القبول به أبداً. لايمكن نكران الحزن والأسف الذي تعانيه عائلة المقتول. ولكن إذا كان الإعدام من أجل التخفيف من حزن وأسف الأفراد أمراً مشروعاً، لماذا لايكون القتل بحجة مشاعر مشابهة أمراً غير مشروع؟ هل بإمكان شخص ما القيام بقتل شخص آخر تسبب في إهانته وإهانة كرامته، أو تسبب في خراب بيته، أو تسبب في إدمانه على المخدرات، أو تسبب في فشله وهزيمته، أو تسبب في تشرده، من أجل التخفيف عن مشاعره المريرة وإحساسه النفسي بالألم الداخلي؟ هل تسمح الدولة بالقتل وتقبل بشرعيته بحيث يراجعها الأفراد من أجل الحصول على الحق في الإنتقام والثأر؟ هل أن العدالة هي مفهوم بديل ومرادف للثأر العشائري؟ وفيما يخص العدالة ربما سأتكلم بالتفصيل عنها في فرصة أخرى. فهذه المقولة ليس كما يتصور الآخرون بأنها موضوعية وتتجاوز التعريف الطبقي وتقف فوق الطبقات.
خاوران: ألا يشكل إلغاء الإعدام سبباً في إرتفاع معدلات الجريمة في المجتمع؟
منصور حكمت: كلا. بل بالعكس. ومثلما قلت فإن بداية الأمر هي التصدي لقائمة طويلة من عمليات التي تقوم بها الدول والحكومات. فالقضاء الأمريكي والحكومة الأمريكية هم أكبر من يقوم بالقتل المحترف في ذلك البلد وقائمة ضحاياهم هي أطول قائمة. وإلغاء عقوبة الإعدام هو شبيه بالإمساك بـ(١٥٠) قاتل مرتبطين ببعض في حلقات في مكان واحد! ثانياً: أن المجتمع الذي يرى في قتل الإنسان إنسجاماً وتطابقاً مع القانون لايمكنه أبداً التصدي لتكرار نفس هذا العمل بين أوساط الناس. فإلغاء عقوبة الإعدام وإعلاء شأن حياة الإنسان وروحه، هي الخطوة الأولى في النضال ضد ثقافة القتل في المجتمع. وتبين الإحصاءات الرسمية بوضوح أن نسب القتل في هولندا والدول الإسكندنافية وبريطانيا والتي تمنع عقوبة الإعدام، اقلّ منها بدرجات كبيرة في المقارنة مع أمريكا (مع الأخذ بنظر الإعتبار النسب السكانية المختلفة).
خاوران: ما هو برأيكم الهدف الذي ينبغي تحقيقه من وراء معاقبة المجرمين؟
منصور حكمت: لا أعرف إن كانت كلمة عقوبة كلمة جيدة من أجل نظام قضائي إنساني أو غير جيدة. وبتصوري، فإن موضوع التصدي للجريمة وإزالة الأسس الإجتماعية والإقتصادية والثقافية لها مترافق مع أولاً: على المجتمع أن يحمي نفسه من تكرار الجريمة من قبل المجرمين بأقل ما يمكنه من العنف وبأقل ما يمكن من سلب الحق في حياة روتينية من المجرمين. ثانياً: أن يساعد المجتمع في تغير هؤلاء الأفراد. وبتصوري ينبغي إلغاء العقوبات ذات الطابع الإنتقامي والهادفة للإعتبار. علينا أن نصل الى مكانة ودرجة من إنقطاع المجتمع وقطيعته مع العنف بحيث ينظر الى الحالات العنف مثل نظرته للكوارث الطبيعية، ويتعامل معها بمثل الشكل حيث عليه أن يساعد الضحايا وأن يسعى للوقوف بوجه الحالات التي من الممكن أن تحدث مستقبلياً أو التقليل من خسائرها وأضرارها، من دون إشاعة أجواء الحزن والأسف والألم والشعور بالمرارة.
خاوران: إذا كان عقوبة الإعدام بسبب الإعلاء من شأن و قيمة الإنسان وحقه في الحياة، في هذه الحالة كيف ينبغي تعقب مطلب حرية السجناء السياسيين الذين قتل بسبب عملياتهم بعض الناس الأبرياء؟ مثلاً ما الذي ينبغي القيام به إزاء حالة مناضل تسبب وضعه لقنبلة أو عبوة متفجرة في باص أو في مكان آخر بمقتل شخص أو مجموعة من الأشخاص؟ هل ينبغي المطالبة بإطلاق سراحه؟
منصور حكمت: أنا لا أطلق تسمية مناضل على شخص كان قد وضع قنبلة في حافلة نقل للركاب أو طائرة لنقل الناس المسافرين. ومن المؤسف أن هذا الأسلوب شاع في مرحلة معينة لدى بعض الحركات المشروعة ومن ثم نما وتطور الى فنٍ للقتل تحت راية العمل السياسي لدى بعض الحركات الرجعية. وليس لدي صياغة شاملة إزاء هؤلاء. فهذا مرتبط بالدولة التي يكونون معها في حالة حرب. وهو مرتبط أيضاً بالمعايير القضائية للبلد المشار إليه وشرعيته الحقوقية. ومرتبط بالأوضاع والظروف التي تم فيها الأمر. وبتصوري فإن ملف حاملي المتفجرات الذين يهاجمون أهدافاً غير عسكرية ليس ملفاً سياسياً. من الممكن ايراد أدلة سياسية للتخفيف من وطأة الجريمة وحتى تبريرها، ألا أن نفس هذا الملف ليس ملفاً سياسياً. وفي خاتمة المطاف أود التذكير بأن إذا كان مقرراً التصدي لأشخاص هاجموا بالقنابل اناساً غير عسكريين ومحاكمتهم، فإن هناك سبعة أو ثمانية رؤساء دول ورؤساء وزراء حكومات غربيين ومئات البيروقراطيين والجنرالات والقادة الأمريكيين والأوروبيين الذين سيكونون في مقدمة المتهمين. إنني لا أرى أي فرق بين تيموني مال واي الذي قام بجريمته البشعة في تفجيرات أوكلاهوما وبين أولئك الأشخاص الذين يلقون بقنابلهم ومتفجراتهم على بيوت ومساكن ومدارس الناس في بغداد ويقتلونهم.
خاوران: إذا كان الجواب منفياً في هذه الحالة أية سلطة ينبغي أن تحاكم هذا الشخص؟
منصور حكمت: إنها السلطة التي تملك شرعيتها من الناحية الحقوقية. فالحكومات المستبدة وحسب تعريفها فاقدة للشرعية. وبتصوري من الممكن تشكيل أو إيجاد محاكم يمكن القبول بها في نفس العالم البرجوازي لمحاكمة الجنرال شوارتسكوف وأمثاله وبن لادن وأمثاله.
خاوران: وإذا كان الجواب مثبتاً في هذه الحالة ما هو تعريفكم للسجين السياسي؟
منصور حكمت: بتصوري هناك مقولتين هما مقولة السجين السياسي وأسير الحرب لهما صلة بهذا الموضوع. فالسجين السياسي هو الشخص الذي سجن بجريمة معارضته للدولة. السجين السياسي وفق التعريف ينبغي أن يكون حراً ولا ينبغي محاكمته. إن شخصاً مارس نشاطه السياسي المناهض للحكومة لاينبغي اساساً إعتقاله. وأسير الحرب هو ايضاً لم يرتكب جريمة ولا ينبغي حرمانه من حقوقه ومن جملتها حريته. وهذا ليس موضوعاً فقط بين الدول والحكومات ينبغي الإلتزام به. بل بتصوري أن أعضاء منظمات النضال المسلح التي تعلن الحرب على حكوماتها الذين يتم أسرهم في العمليات العسكرية ينبغي أن يتمتعوا بحقوق أسرى الحرب. وينبغي تغيير القوانين الموجودة تغييراً تاماً يكون بصالح هؤلاء الأسرى. وبتصوري فإن سجن الفرد وحرمانه من الحياة الروتينية ينبغي منعه. ولكن من الممكن وجود قوانين تمنع الأسير من الإلتحاق المجدد بجيشه لحين نهاية الحرب أو لحين الإطمئنان من عدم رغبة الفرد في المشاركة مرة أخرى في الحرب. وفي خاتمة المطاف هناك مقولة أخرى هي جرائم الحرب. هذه المقولة ينبغي تعريفها بشكل منفصل مجدداً بحيث تشمل كل حالات الهجوم على قوى الأفراد غير العسكريين ووسائل المعيشة والرفاه لأولئك الأفراد. وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة أكبر وأبشع جرائم الحرب التي قامت بها جيوش الدول الغربية والمحلية في البلدان المختلفة، من مثل العراق ويوغسلافيا. ويتمشى اليوم الكثير من مجرمي الحرب بين الناس كقادة وأبطال قوميين والأبناء الوطنيين للأمم والشعوب المختلفة في حين يفترض أن نكون شهوداً في محاكمتهم.
خاوران: ما هو برأيكم أسباب إصرار وتلهف المسلمين الإصوليين لقتل مخالفيهم ومعارضيهم وإفناءهم خصوصاً معارضيهم في الفكر من المفكرين والمثقفين؟
منصور حكمت: إن مسألة إن كان الشخص ذو صلة بالقتل ثم يتحول الى مسلم أصولي أو بالعكس يكون في البداية مسلماً أصولياً ومن ثم يتحول الى قاتل ينفذ حكم الشريعة، هي مسألة ليست لديَّ الوسيلة المناسبة للتحقق والتدقيق فيها ولكنني على طمأنينة أن الإجابة كامنة في نفس سؤالكم.