المجتمع الحر الشيوعي
أن قليلاً من التمعن يكفي لترى كيف إن العالم الرأسمالي هو عالم مقلوب. العلاقة بين السلع هي أساس العلاقة
بين الناس. أن المساعي العظيمة واليومية للبشرية التي تعمل وتخلق العالم، تجسد نفسها في السلطة المتزايدة
دائماً للرأسمال على وجودها هي. ليس الدافع وراء النشاط الاقتصادي، إنتاج حاجات الأنسان، بل هو ربح
الرأسمال. التطور اليومي للتكنولوجيا والمعارف العلمية والفنية التي تشكل مفتاح سعادة ورفاه الأنسان،
تترجم في هذا النظام بالبطالة والحرمان المتزايدين لمئات الملايين من العمال. وفي عالم بُني في آخر المطاف
على التعاون والسعي الجماعي، تسود المنافسة. أن حرية الفرد الاقتصادية تُشكل ستاراً يغطي ضرورة
حضوره اليومي في سوق العمل، والحرية السياسية للفرد، تُغطي انعدام حقوقه وغياب تأثيره السياسي
الواقعي وتضفي الشرعية على الدولة والسلطة السياسية للطبقة الرأسمالية. القانون، يجسد إرادة ومصالح
الطبقة الحاكمة حيث تم سنه بوصفه مقررات تشمل الجميع. فمن الحب والإنسانية إلى الحق والعدالة، من الفن
والابداع إلى العلم والحقيقة، ليست هناك في النظام الرأسمالي مقولة لم يشملها ذلك الطابع المقلوب.
ينبغي قلب هذا العالم المقلوب من أساسه. تلك هي مهمة الشيوعية العمالية. أنه هدف الثورة الشيوعية للطبقة
العاملة.
إن المحور الأساسي للثورة الشيوعية هو إلغاء الملكية الخاصة لوسائل العمل والإنتاج، وتحويلها إلى ثروة
جماعية تعود إلى المجتمع بأسره. الثورة الشيوعية، تنهي التقسيم الطبقي للمجتمع وتمحو نظام العمل
المأجور. السوق، التبادل البضاعي والنقود يتم إلغاءها جميعاً. ويحل الإنتاج الهادف إلى تلبية حاجات جميع
الناس والرفاه المتزايد للجميع، محل الإنتاج بهدف الربح. العمل، الذي هو في المجتمع الرأسمالي بالنسبة
للأغلبية العظمى من الناس محاولة لابد منها، عمياء ومنهكة لأجل تأمين العيش، يتحول إلى نشاط خلاق
واختياري وواع للناس من أجل الإغناء الأكثر للحياة الإنسانية. كل فرد، باعتباره إنسانا، ولد في المجتمع
الإنساني، يتمتع بصورة متساوية بكافة هبات الحياة ومنتوجات السعي الجماعي. من كل حسب طاقته ولكل
حسب حاجته، ذلك هو مبدأ أساسي للمجتمع الشيوعي.
ولا يزول الانقسام الطبقي فحسب، بل ويزول التقسيم المهني بين البشركذلك. و تفتح أبواب كافة ميادين
النشاط الخلاق بوجه الجميع. ازدهار كل فرد يصبح شرطاً لازدهار المجتمع. إن المجتمع الشيوعي هو
مجتمع عالمي. تزول الحدود القومية وحدود البلدان وتحل محلها الهوية الإنسانية العالمية. المجتمع الشيوعي
مجتمع خال من الدين، خال من الخرافات، خال من الأيديولوجيا وتنعدم فيه قيود التقاليد والأخلاقيات البائدة
التي تقيد التفكير الحر للإنسان.
أن زوال الطبقات والتناقض الطبقي، يجعل من الدولة ظاهرة فائضة عن الحاجة. تزول الدولة في المجتمع
الشيوعي. فالمجتمع الشيوعي مجتمع بلا دولة. وتحسم الأمور الإدارية للمجتمع عن طريق التعاون، الاتحاد
الفكري، الاتصال واتخاذ القرارات الجماعية لكافة أعضاء المجتمع.
وهكذا يحقق المجتمع الشيوعي، وللمرة الأولى، هدف الأنسان في الحرية والمساواة بالمعنى الواقعي للكلمة.
الحرية، ليست بمعنى التخلص من القهر والقمع السياسي فقط، بل ومن الإرغام والإخضاع الاقتصادي ومن
الاستعباد الفكري. الحرية في ممارسة جوانب الحياة المختلفة وفي ازدهار القدرات الخلاقة والعواطف
الإنسانية السامية. المساواة، ليست أمام القانون فقط، بل وفي التمتع بالإمكانات المادية والمعنوية للمجتمع.
المساواة في قيمة وشأن الجميع أمام المجتمع.
ليس المجتمع الشيوعي أمنيةً ومدينةً فاضلةً خيالية. أن جميع شروط انبثاق نظام كهذا، متوفرة في قلب نفس
هذا العالم الرأسمالي الحالي. القدرة العلمية، التكنولوجية والإنتاجية للإنسان المعاصر اكتسبت تلك الأبعاد
الهائلة التي تُمكن بالكامل بناء مجتمع يتولى تلبية الحاجات وتأمين الأمن للجميع. الثورات في المجالات
الإلكترونية والمعلوماتية في العقود الأخيرة والتحولات المذهلة في وسائل وأساليب الاتصالات والمعلومات
السمعية والبصرية، سهلت إقامة مجتمع عالمي والمشاركة الجماعية في رسم وتخطيط وتنفيذ مختلف شؤون
المجتمع أكثر فاكثر. وفي الوقت الراهن، يتم هدر جزء هائل من تلك القدرات الإنتاجية أو يتم صرفها عمداً
على إعاقة استغلال تلك الإمكانات من أجل تلبية حاجات البشر. إلا أنه بالرغم من عظمة إمكانات المجتمع
المادية، فأن السند الأساسي للمجتمع الشيوعي هو القدرة الخلاقة والحية لمليارات من البشر الذين يتحررون
من الاستعباد الطبقي، وعبودية العمل المأجور، ومن الأسر المعنوي والاغتراب والتحقير الذي فرض عليهم
في النظام الراهن. الأنسان الحر، هو ضمانة تحقيق المجتمع الشيوعي.
لقد خلقت الرأسمالية نفسها تلك القوة الاجتماعية العظيمة القادرة على التحقيق العملي لتلك الآفاق التحررية.
أن القدرة المذهلة للرأسمال المتوسع على نطاق عالمي، هي انعكاس لقدرة طبقة عاملة عالمية. المجتمع
الشيوعي هو حصيلة الثورة العمالية من اجل إنهاء نظام عبودية العمل المأجور. وعلى هذا الأساس فان
الثورة العمالية ثورة اجتماعية تقلب بالضرورة مجمل بنى العلاقات الإنتاجية. أن الطبقة العاملة خلافاً لكل
الطبقات المضطَهَدة في التأريخ السابق للمجتمع البشري، لا يمكنها إن تتحرر دون إن تحرر البشرية بأسرها.
ليس المجتمع الشيوعي يوطوبيا، بل حصيلة وهدف نضال طبقة اجتماعية عظيمة ضد الرأسمالية. نضال حي
و واقعي جار، وقديم قدم المجتمع البرجوازي نفسه.
(من “عالم أفضل”، برنامج الحزب الشيوعي العمالي)