لاتلتهم الطعم.. المجتمع انساني.. وعلى استعداد لتلقف الشيوعية!
سؤال: “المجتمع في العراق اسلامي، وعليه يصعب علينا القيام بالفعالية الشيوعية في مثل هذه الاوضاع” “وعليه، لن يستقبلنا الناس حين يعلموا اننا شيوعيين!!”، “سيشيحون بوجههم عنا، او في احسن الاحوال لن يقدموا اذانا صاغية لنا”؟!! مالعمل؟ “أتاجيل العمل الشيوعي لوقت اخر، ا وان اليوم هو ليس يوم العمل الشيوعي؟!” مالعمل؟!
ان هذه اسئلة شائعة نسمعها هنا وهناك من تنظيمات واعضاء الحزب. ولكن يجب ان نضع حقيقة في بالنا الا وهي ان شيوع امر ما ليس برهان ودليل حقانيته وان له اساس ما. لقد اكد ماركس والماركسية على حقيقة اساسية لاجدال فيها الا وهي ان الافكار السائدة في المجتمع هي افكار الطبقة السائدة التي تسعى لتعميمها كانها حقيقة ازلية وخالدة لاجدال فيها. انها الافكار التي تستهدف ادامة والابقاء على وجودها وديمومة كل منظومتها السياسي والفكرية، وبالتالي، استمرار وبقاء الاوضاع بماهي عليه من جوع وفقر وظلم واضطهاد وانعدام حقوق. وادواتها في اشاعة ذلك تبدء من الطفولة وقصص الاطفال وصولا الى “حان موعد صلاة المغرب من على التلفاز” مرورا بمنابر الجوامع والمساجد، الكتب المدرسية، وسائل الاعلام المرئية والسمعية والحملات الايمانية السياسية الاهداف. وفي حالة عجز كل ذلك القمع البوليسي للبشر و”ذلك لنشر افكار تعارض قيم المجتمع”!
ان مسالة كون المجتمع “اسلامي” هو تصوير سياسي قبل اي شيء اخر، ويتعقب هدف سياسي واعي. من الممكن ان يردده الكثيرين من غير وعي وتمحيص، من الممكن ان ينطلي على الكثيرين، وفي بعض الاحيان ينطلي على اناس مثلنا، اناس شيوعيين، دعاة تحرر ومساواة، او اجمالا على قسم واسع من اؤلئك الذين يصبون الى خير المجتمع. ان التصوير المذكور هو تصوير سياسي، باي معنى؟ اذا قدمت المايكرفون الى شخص “اسلامي” التوجه، سيجيبك ان المجتمع “اسلامي” وسيورد لك الامثلة التي تتعلق باثبات حكمه وتصويره هذا. سيتحدث عن ان لـ”الاسلام” تاريخ في العراق وكل المنطقة، ويقول لك: الاترى هذه المساجد والجوامع؟! الا ترى رجال الدين، ما اكثرهم؟! الا ترى “التقاليد الاسلامية” في المجتمع؟! الاترى تدريس القران والاحاديث النبوية في المدارس؟! الا ترى زيارات الحسين والعباس وغيرها؟! ولكنك اذا وجهت السؤال الى امرء يعتقد بالقومية سيرد عليك فورا: ان العراق بلد قومي، الديك شك في ذلك؟! الاترى ان العراق جزء من امة اوسع هي الامة العربية؟! الم تسمع بتاريخ العراق ودفاعه عن القضايا العربية القومية؟! الم تسمع بحروب العراق في فلسطين والبوابة الشرقية ودفاعه عن حياض الامة؟! الى ترى اللغة العربية المشتركة؟! “الا ترى التاريخ المشترك لهذه الامة؟!! وغيرها. ان سالت امرء “عشائري النزعة”، فسيجيبك بالقول: ان المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري! الاترى دور العشائر في تاريخ العراق؟ الا ترى التقاليد العشائرية وتغلغها في ممارسات الناس؟! الاترى شيوخ العشائر والافخاذ والقبائل والمضايف العشائرية ودور العشائر في حل النزاعات والدفاع عن افرادها ؟ والخ. ولهذا فان توصيف المجتمع هو عملية سياسية وليست لها اي ربط بالحقيقة. عملية سياسية ذات اهداف سياسية بحت. ليس لها اي ربط بالحقيقة او معايير موضوعية. انها عملية انتقائية تتعقب اهداف محددة.
ولكنهم يدوسون عمدا على حقيقة اساسية الا وهي ان المجتمع انساني قبل اي شيء اخر. الانسان هو انسان بدمه ولحمه ومشاعره وهمومه يتطلع لحياة افضل قبل اي شيء اخر. الكهرباء هي اصل بالناس له، الماء النظيف، ظروف عمل افضل، مستقبل امن لاطفاله، حياة سعيدة وهانئة، التمتع بالحياة، حقوقه وحرياته السياسية والمدنية، زوال كابوس الامن السياسي من ذهنه والخ. ان حياة الانسان مادية الى ابعد الحدود ان جوهر الانسان هو الانسان وليس اي شيء اخر. ان الانسان مادي بطبعه، مادي بمعنى التفكير بافضلية واسبقية الحياة على اي شيء اخر، وانه على استعداد لغض الطرف عن امور كثيرة ومنها تلك التي “يركبوها على راسه” مثل الدين والقومية والعشائرية متى ما تناقضت مع مصالحه الواقعية والمشروعة في الرفاه والسعادة وحياة افضل له وللمحيطين به. ان البشر يتعاملون من الناحية الواقعية والحياتية والمادية كبشر باهداف وحوافز ومحركات مادية وحياتية ملموسة. وحين يمدون اياديهم لهذه المعتقدات، فقط في اللحظة التي تقتضي مصلحتهم المادية والواقعية ذلك.
انهم، بقولهم ان المجتمع اسلامي، يهدفون ويسعون الى اسلمة المجتمع. انهم يهدفون الى القول بان هذا المجتمع “اسلامي”، ولهذا لاتحاولوا ولاتسعوا غير ذلك، لاتسعوا الى اخراجه من الاطار الذي نضعه له! . انه تصوير يهدف قولبة المجتمع في اطار لايتخطاه احد. يسعى للحيلولة مقدما دون تخطي البشر لاطار ترسمه هذه التيارات السياسية للمجتمع. ان التصوير الاستبدادي الذي يقف خلف هذا التصور واضح اللعيان، انه اطار لقمعنا وقمع التحررين والداعين للمساواة بالدعاية مقدما ان افكاركم هي “مخربة”، “فوضوية” “غريبة عن المجتمع”، “مستوردة” و”هدامة”، وبالتالي يوفرون الارضية والمبررات لانفسهم وامام المجتمع بقمعهم وقتلهم واعدامهم ورميهم بالسجون والمعتقلات. انه حملة دعائية ضد الشيوعيين والتحررين والعلمانيين وكل صاحب فكر انساني وحر بان هذه هي حدودكم!!! فاحذروا!. ان هذه دعاية تهدف الى تخويف الناس وابعادهم عن الشيوعية. انها حملة “تشنيع” بالشيوعية كي يجعلوها “شنيعة” بانظار الناس. وكلما ازاد خوفهم وقلقهم، اشتد زعيقهم. ذلك انهم يعرفون ان الشيوعية جذابة، وان ثمة سخط وغضب عميقين على هذا النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي القائم، وان الانسان الغاضب، الساخط، الجائع والناقم على هذا الوضع والباحث عن الحرية والرفاه، سيمد يده لاحد التيارات الفكرية والسياسية التي يرى فيها خلاصه من هذا الجحيم اليومي، والشيوعية تمتلك جواب هذه القضية وجواب انهاء هذا الجحيم.
ولهذا فان هذا التصوير الذين يسعون لترسيخه في المجتمع هو دعاية حربية تروج له ماكنات حربية عملاقة وضخمة باموال السعودية وايران والحوزة التي لاربط لها باي علم او حقيقة. يجب ان لاتنطلي علينا دعايتهم هذه، ولانمضغها ولانجعل احد يمضغها، انها فاكهة عفنة يجب ان تلفظها النفس سلفاً.
ان القاء نظرة عابرة وخاطفة على تاريخ كل المجتمعات، ومنها العراق، تيبين لنا خطل وهزالة هذا التصور. لقد سادت في فترات ما، حاله حال بلدان كثيرة في المنظقة والعالم، في تاريخ العراق التيارات القومية، وفي فترات اخرى التيارات الشيوعية وفي فترات ما ابعد التيارات الاسلامية. لقد مرت مراحل طويلة يهزء بها الناس من العشائرية او النزعات الاسلامية ولم تكن حركات جدية او حتى تذكر في المجتمع. في مرحلة ما كان اطلاق لفظ العشائرية على احد اقرب الى توجيه الاهانة، وان المعمم يتلفت يمينا ويسارا حين يمشي في الشارع وذلك نظرا لسيادة الافكار التقدمية في وقتها. مرت مراحل نظم الشيوعيين باختلاف تصورهم للشيوعية تظاهرات بمئات الالاف،. وعليه، ان الحديث عن مجتمع “اسلامي” او “قومي” او “عشائري” هو كذب محض حتى. اذ ان بروز “الاجواء” الاسلامية او القومية او الشيوعية هو نتاج الحركات السياسية والاوضاع السياسية (والتي ليست ظاهرة او اوضاع محلية صرف!). ولان هذه الاجواء نتاج الحركات السياسية، فانها تزاح وتتغير بالحركات السياسية ايضا. ان بروز الاسلام السياسي في هذه المرحلة هو نتاج ممارسة معينة، يتغير بممارسة وصيرورة سياسية واجتماعية اخرى، نتاج الممارسة السياسية لاحزاب سياسية معينة والارادة السياسية المعينة، وليس له اي ربط بـ”طبيعة” او “ماهية” مافوق تاريخية للمجتمع. ولهذا ازيحت في مراحل ما تيارات ما وحلت محلها تيارات ما تركت كل منها صبغتها وطابعها على المجتمع، ولكنه من الكذب درجة ان تعطي للمجتمع صفة ماهوية وعضوية ثابتة وخالدة ماعدا صفته الانسانية. ومن هذه الناحية، ان سيادة التيارات الاسلامية يغيرها ممارسة اخرى وصيرورة اخرى الا وهما دور التحررين والعلمانيين ودعاة المساواة وفي مقدمتهم الاشتراكيين العماليين المتحزبين في حزبهم، الحزب الشيوعي العمالي العراقي.
ان قبول الشيوعيين بهذه الترهات حول “اسلامية” المجتمع هو كاخلاء الساحة بايدينا للاسلاميين والدعاية الاسلامية, هو رفع راية بيضاء امام هذا الوضع وامام صياغة الاسلام السياسي لمصير المجتمع. ان هذا طعم. انه نصف مصيبة ان ابتلعه انسان “عادي” في المجتمع، ولكن ان ابتلعه الشيوعي فهي مصيبة كاملة وكبيرة فعلا. ذلك انه يطلق رصاصة الرحمة على نفسه قبل اي شيء اخر. لن تبقى له اهمية او ضرورة تذكر، ولن يبقى مبرر لوجوده وعمله. وعندها، في هذه الحالة، عليه ان يبحث عن عمل اخر.
ليس ثمة رقعة في عالمنا الراهن، ليس ثمة امكانية او ضرورة او ارضية فيها للعمل الشيوعي. هذا على شرط اذا فهمنا الشيوعية على انها تغيير حياة الناس. ولكن اذا يتصور الشيوعية والعمل الشيوعي مثل عمل الرسل (وولى عصر الرسل!) “ايصال الحقيقة للناس”، “تنوير اذهان البشر” وغيرها، اي مسالة فكرية وعقائدية وذهنية صرف، اي كل شيء حاضر الا السعي اليومي لتغيير حياة الناس، فان شيوعيته لايكون لها صدى على صعيد اجتماعي واسع وعريض، ستختزل شيوعيته الى مجموعة من المثل والاحكام والوصايا الجميلة لجماعات محدودة هنا وهناك، وان سوق هذا الشيوعية “مفلس” مقدماً، انها شيوعية معزولة وهامشية ولاربط لها بحياة الناس وتغييرها. انها شيوعية المهزومين ولن تصمد امام الماكنة البرجوازية الضخمة والعملاقة. قد تختلف سعة ارضية العمل الشيوعي بين هذه المنطقة او تلك لاسباب كثيرة منها صناعية المنطقة، عدد سكانها وحضريتها، تاريخ الافكار الشيوعية والداعية للمساواة، والخ، بيد ان الارضية موجودة في ابعد نقطة من خارطة العراق. اذا اشاح الناس بوجههم عنا، فان دليل ذلك ليس “اسلامية” او “قومية” او “عشائرية” المجتمع، ان سبب ذلك هو اي نوع من الشيوعية نحن، المشكلة تكمن في اي شيء ينبض له قلب الشيوعية في مكان تواجدنا، ان المشكلة تكمن في “معدن” شيوعيتنا. وهنا اساس المسالة. لانه ليس بوسع احد اقناعي ان الناس تشيح بوجهها عن رفاهها وحياتها وسعادتها وامانيها، فاذا كانت الناس لاتشيح، اذن المشكلة في نمط شيوعيتنا وعملنا الشيوعي وممارستنا الشيوعية اليومية، اي ان الناس لاتراها بوصفها سبيل وقناة لاغنى عنها لتحقيق اهدافها. في احسن الاحوال تقول اشكرك على روحك وامانيك الطيبة، ولكن ليس بوسعك ان تحقق لي ما اريد. تاريخ الشيوعية ومنذ اقل من قرن بقليل هو تاريخ الافكار الطيبة، الاخلاق الطيبة، النوايا الحسنة، اشرف الناس، ولكن لاتضع حجر على حجر! ليس هذا وحسب، بل انهم اول من تنالهم السجون واعواد المشنقة، وكل فخرهم بالدنيا انهم كانوا شرفاء ولم يساومو! بيد ان القوميون والاسلاميون و… يرسلون المجتمع من جحيم لجحيم، ومن ماساة لماساة يتلاعبون به كيفما يرديدون!
الحياة الواقعية والتجارب الحية تؤكد امور غير هذا بالضبط. لان حياة البشر واقعية وحياتية ومادية، لانها تسعى للرفاه والحرية والسعادة باوسع معاني ومضامين الكلمة، فانها تبحث عن القوة التي تتطابق برامجها واهدافها معها بغض النظر عن ايديولوجيا او عقائد هذه القوة. وعليه، فانها تمد يدها لتلك القوة التي تراها فعلا وعملا وقدرة ان بامكانها ان تجيب على مطامحها. لقد التف العاطلون والعمال في الناصرية حول الحزب الشيوعي العمالي وحول كوادره وحول شخصياته في الكثير من التظاهرات والنشاطات، القد التف المشردون حول شيوعيين عماليين اقحاح في البصرة، التظاهرات الاخيرة التي جرت في بغداد والعديد من مدن العراق، نظمها وقادوها وحرضوا عليها الشيوعيون العماليون، والكل يعرف ذلك. لم تكن لدى احد “مشكلة” في ذلك، مشكلة مع هويتنا السياسية والحزبية. العامل الساعي لتحسين وضعه، المراة الساعية للخلاص من الجهنم القرووسطي، الشبيبة الساخطة على اوضاع سلب الحريات والافكار الرجعية البالية كلها تسعى لمن يد العون لها في تحقق اهدافها، ولاتكتف اياديها كثيرا للهوية السياسية والحزبية الصرف لمعينها. نحن الشيوعيون العماليون، الذين لامصلحة لنا سوى تحقيق الحرية والرفاه وارجاع الارادة والقرار والخيار للانسان، اقرب او في الحقيقة معبِّر دقيق عن مطامح الطبقات والفئات المحرومة والكادحة والمطاليب العادلة والحقة للجماهير. ومن هنا سر خوف الطبقات الحاكمة من الشيوعية العمالية، ومن هنا تصاغ حركة ماكنتهم الاعلامية والفكرية والدعائية باختلاف الوانها ومكانتهم القمعية والبوليسية. ولهذا، على العكس من هذا، ان للشيوعية جذابية من هذه الناحية، ناحية الدفاع الدقيق والمثابر والواعي عن هذه المطاليب. المسالة الاساسية تكمن اي نوع من الشيوعية نحن، شيوعية عجنت بمطاليب الناس ونضالاتها واهدافها وامالها، ام شيوعية تقف على الهامش، تكتب النظريات وتصدر الكراريس الشيوعية الجميلة وتدخل “العراكات الجانبية والهامشية” التافهة؟! الجماهير لاتاتي الينا بناء على حقانيتنا النظرية، بل على ممارستنا الاجتماعية والمتدخلة ورسم وضع اخر ومصير اخر يتطابق مع اماني هذه الفئات. هنا اصل القضية.