الشيوعيون وتطورات إيران، تحضيراً للحرب الأخيرة بيان الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)
ان الهبّة الجماهيرية من أجل الإطاحة بالجمهورية الاسلامية والتي تدخل شهرها الرابع هي استمرار وامتداد لاحتجاجات شتاء 2016 وتشرين الثاني 2018، الاحتجاجات العمالية، والمعلمين والمتقاعدين، والطلبة والنساء والفئات المحرومة للمجتمع والهبّات التي جرت في السنوات القليلة المنصرمة، دفعت هذه الهبّة الاخيرة بالصراع ما بين الطبقة العاملة والجماهير المحرومة من جهة والسلطة من جهة أخرى إلى مرحلة جديدة، مرحلة طبعت على رايتها إسقاط الجمهورية الاسلامية من قبل قوة “اسفل” المجتمع ولتأمين اكثر مطالب الجماهير التحررية في ايران أساسية من الغاء التمييز الجنسي والحريات السياسية والرفاه العام الى إدارة المجتمع من قبل الجماهير وهيئات ممارسة ارادتها.
انتزعت هذه الحركة لحد الان مكاسب كبيرة وفتحت خنادق مهمة لتقدمها. حرية الملبس والإلغاء العملي والواقعي للتمييز الجنسي ومحورية حرية المرأة في المجتمع وتقوية التضامن والمصير المشترك العام للجماهير المحرومة وفرض التراجع على التيارات القومية والمحلية والدينية وتعميق الوعي السياسي للجماهير فيما يخص ماهية الحركات والقوى السياسية والغد الذي تنشده، وتحطيم جدار الاستبداد وغطرسة الحكومة وتعميق التردد والتصدع في صفوف قواها وثقة الجيل الجديد والجماهير المحرومة بنفسهما لمجابهة السلطة وغيرها… هي من جملة مكاسب هذه المرحلة. وعبر رفع راية حرية المرأة ومساواتها، مدّت الحركة الثورية لحد الان حركة حقوق المرأة في المنطقة بقوة جدية. وعلى الصعيد العالمي، جلبت التعاطف العام للجماهير التحررية وبالأخص النساء والطبقة العاملة والمحرومين.
وتحت ضغط راديكالية هذه الحركة، طرأ على صفوف البرجوازية سواءً التي في الحكم أو المعارضة اصطفافات وتصدعات جديدة. ان الصدع الذي حصل في السلطة هو حول كيفية تجاوز هذه الازمة، أما الصدع في صفوف المعارضة البرجوازية فهو حول كيفية مجابهة الثورة القادمة وراديكاليتها والتي هي من ضمن تبديات ضغط الراديكالية هذه.
الجمهورية الاسلامية والحركة الثورية
على الرغم من تشدقات الجمهورية الاسلامية وتبجحاتها وأعمالها الاستعراضية والقمع والاعتقالات وفبركة ملفات للمحتجين، تسعى لتبيان التراجعات المفروضة عليها وإبرازها بقالب “اصلاحات من فوق” و”تفسيرات جديدة للقوانين الاسلامية. انه أمر يعبر عن فرض توازن قوى جديد بين من هم “فوق” ومن هم “تحت” على السلطة كي تطابق نفسها مع الاوضاع الجديدة.
وفي سياق تقلص احتجاجات الجيل الجديد في الشوارع وخندقة مراكز المدن، تسعى الجمهورية الاسلامية، بوصفه دلالة على تقدم النظام وهزيمة هذه الحركة، بث الروح في قواها القمعية المترددة والمشككة والمذعورة من هجمة الجماهير وثقة بالنفس وترميم الصف المنهار للحكومة وبث الرعب في افئدة الجماهير التحررية. يتعقب النظام من مواصلة الاعتقالات واعدام بعض المحتجين والتهديدات التي تقوم بها المؤسسات القضائية والمؤسسات الدعائية للنظام لإعلان هزيمة الحركة الاحتجاجية للجماهير ونسبها لـ”مؤامرة” الدول والقوى الاجنبية والتستر على فشل سياسة القمع وتراجع النظام أمام الجماهير وعلى توزان القوى الجديد ما بين الطبقات العليا والدنيا وعلى الشق والتردد والزعزعة في صفوف السلطة!
سرّعت هبّة هذه المرحلة بتصدع صفوف قوى السلطة. إذا كان التصدع قد كشف عن نفسه في المراتب الدنيا على شكل ترك صفوف القوى القمعية، فانه كشف عن نفسه في المناصب الاساسية والشخصيات الحكومية السابقة على شكل انضمامهم لصفوف المعارضة البرجوازية واليمينية.
ان الازمة الاقتصادية العميقة وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار وتصاعد التكلفة اليومية للمعيشة والفقر والمصاعب الجمّة، ناهيك عن وجود مجتمع محتج تغيرت فيه توازن القوى لصالح الطبقة العاملة والجماهير التحررية، جعل تعمق الازمة السياسية واتساع الحركة الجماهيرية من أجل الحسم النهائي لمصير الجمهورية الاسلامية أمراً لا يمكن تفاديه.
المعارضة اليمينية والحركة الثورية
ان تصاعد الازمة السياسية في المجتمع والصراع بين الطبقات العليا والدنيا حول السلطة، زوال الجمهورية الاسلامية أو بقائها جعل الصراع حول كيفية الاطاحة بالجمهورية الاسلامية والبديل الذي يحل محلها بين القوى البرجوازية أمراً فورياً.
وجراء الهلع من ثورة راديكالية وجماهيرية للجماهير، دخلت المعارضة البرجوازية واليمينية الميدان بسياسة تحويل هذه الهبّة الى عتلة ضغط من اجل سيناريو “تغيير النظام عبر تدخل الغرب” و”الثورة المخملية” وتشكيل “لويا جركا” (برلمان رجعي افغاني) وتسلم السلطة يد بيد من فوق.
وبوصفهم “ثوريون” اقحاح، يقرع القوميون الايرانيون دعاة التفوق القومي في وسائل علامهم طبول “حرب حرب حتى الاطاحة بالنظام”. سلطوا الاضواء على شخصياتهم المعروفة وغير المعروفة بوصفهم “قادة” و”منقذي” الجماهير، ويتعقبون في الوقت ذاته، في دهاليز الدول الغربية، وبالأخص امريكا، تبيان امكانيتهم بوصفهم البديل المنشود للغرب لا بوجه الجمهورية الاسلامية فحسب، بل بوجه البديل اليساري والتحرري لـ”الادارة المجالسية” كذلك.
ان من يلعب دور سائر المعارضة البرجوازية اليمينية، من الاحزاب القومية الكردية وصولاً الى التيارات القومية-الدينية والليبرالية و… التي وجدت مكانها على هامش القومية الايرانية الداعية للتفوق القومي بقيادة رضا بهلوي.
ان الاغتراب التام للمعارضة اليمينية والبرجوازية مع هذه الحركة الجماهيرية وأهدافها التحررية والمساواتية، بالأخص فيما يتعلق بمساواة المرأة من جهة و امكانية رؤية سيناريو المعارضة اليمينية باستغلال هذه الحركة من اجل نيل السلطة من فوق من جهة اخرى هما أهم عامل لإخفاق هذه القوى في كسب اهتمام الجماهير المحتجة في ايران، وبالأخص جيل الشباب الذي سيطر على الشارع.
ان الاخفاق القائم للمعارضة اليمنية، إن كان أساساً جراء تناقض أهدافها وآمالها مع آمال الحركة الثورية الراهنة و رد المجتمع عليها بالرفض، فانه ناجم من جهة اخرى من عدم ثقة الدول الغربية الكافي بقدرة وامكانية هذه المعارضة على السيطرة على الاوضاع الثورية والتصدي للراديكالية القائمة في هذه الحركة، وبالتالي، الحاق الهزيمة بثورتها القادمة.
تتذكر الدول الغربية جيداً تجربة الثورة الايرانية (1979)، فعلى الرغم من السيناريو المشترك للرجعية الاسلامية والدول الغربية المستند الى “انضمام الجيش للثورة”، الا انه ادى الى عدم سيطرتهما على الاوضاع والانتفاضة المسلحة وخلع اسلحة الجيش! وتتذكر جيداً تشكيل المجالس العمالية وتسلح الجماهير وشقاء الرجعية الاسلامية في خلع سلاح الجماهير والحاق الهزيمة بمقاومة الجماهير التي استمرت لسنوات! ان عدم الثقة الراهنة بهم يعود الى مخافة تكرار ذلك السيناريو السابق.
وعلى النقيض من التصور الصبياني للمعارضة اليمينية، فان مجابهة الراديكالية العمالية والحركة التي واجهتها حتى اليوم، فان الصراعات المقبلة اكثر تعقيداً وان امكانية انتصارها اشق كثيرا من انتصار الرجعية الاسلامية، وسيكون امراً غير محتملٍ.
ان سبب عدم ثقة الدول الغربية بهذه المعارضة واختيار الجمهورية الاسلامية بوصفها ضمانة قائمة بوجه التحول الثوري من أسفل هو امر نابع من هذه الوقائع.
ان هذه الحقائق، بالإضافة الى راديكالية الهبّة الاخيرة ورفض اي شكل لبديل تطرحه المعارضة اليمينية للمجتمع، والاعلان الصريح بـ”لا” اقسام مختلفة من الجماهير من صياغة “قائد” من هذه القوى وسخط الجماهير على تدخل الدول الغربية بوصفها سبب الحروب والدمار في المنطقة، جعل التشتت يصيب صفهم الموحد ظاهريا. اجبرت هذه الوقائع الجناح اليميني المتشدد للقومية الداعية للتفوق القومي بقيادة رضا بهلوي ان يظهر بوصفه تيار فاشي ويميني متطرف ومناهض للعامل والشيوعية، حتى انه ليس مستعداً قط إلى منح أي امتياز لسائر قوى المعارضة البرجوازية. تواجه المعارضة البرجوازية انشقاقات ومعضلات جدية جراء ضغط هذه الراديكالية.
ليس لمجاهدي خلق، بوصفه تيار فئوي وغير اجتماعي وجماعة كالحة، وعلى الرغم النزعة اللوبية القوية والاموال والامكانات الطائلة التي يتمتع بها، حظوظ في نيل مكانة في التحولات الراهنة في ايران. ان راديكالية هذه الحركة وظاهرة مساواة المرأة ووجود شيوعية منظمة والوعي العميق للمجتمع، يجعل حظوظ هذا التيار و”جيشه الحر” جنب الى جنب الجمهورية الاسلامية هي صعبة لدفع وتحويل ايران الى سوريا اخرى، وربما امراً مستحيلاً.
الشيوعيون والحركة الثورية
وتحت محور تحرر المرأة، تتسم الحركة الداعية لإسقاط الجمهورية الاسلامية اليوم وأكثر من اي وقت مضى بطابع التحررية والمساواتية العمالية.
ان انتصار الحركة الراهنة يتم عبر لعب الشيوعيين لدورهم الجدي في التحولات الراهنة وسعيهم لتخطي هذه الحركة للعوائق والمحدوديات وتحديد التكتيكات وافق انتصارها وتامين قيادتها المحلية وعلى صعيد البلد. دور بوسعه ان يؤمن انتصار هذه الحركة والاطاحة الثورية بالنظام ويضع الطبقة العاملة والشيوعيين في افضل وضع ومكانة للتحرر الاشتراكي.
ان عملية الاطاحة بالجمهورية الاسلامية ستكون أعقد من ثورة 1979، وستواجه في خضم اوضاع عالمية وإقليمية جديدة وذات مخاطر أخرى تختلف عن ثورة 1979. ينبغي ان نذهب بأعين مفتوحة لهذه المرحلة وصيانة المجتمع من المخاطر المرافقة لعملية الاطاحة بالجمهورية الاسلامية وتأمين انتصار هذه الحركة.
وبهذا الخصوص، يعلن الحزب الحكمتي (الخط الرسمي):
أ: تثبيت وترسيخ المكاسب التي حققتها الجماهير بالضد من السلطة هو ميدان لصراع جدي في هذه المرحلة مع الجمهورية الاسلامية ومجمل القوى اليمينية والرجعية. السعي لتثبيت هذه المكاسب والمضي أبعد من الانتصارات التي تحققت لحد الآن وفرض تراجع أكبر على السلطة. من بين ذلك اطلاق سراح المعتقلين والغاء أحكام الاعدام، الاعتراف بحق الاحتجاج والتجمع والتنظيم وحرية المرأة وإنهاء أجواء العسكرتارية والاجواء النظامية في أماكن العمل والمعيشة. ان هذه ميادين اساسية لصراع الحركة الثورية مع الجمهورية الاسلامية.
ب: تضع الازمة وانسداد الافاق الاقتصادية الرأسمالية في ايران وعجز البرجوازية عن حلّها واتساع الفقر والبؤس في المجتمع وازمة الطاقة والتضخم والغلاء والبطالة أمام السلطة أفق مرحلة أخرى من تصاعد الاحتجاجات العمالية واحتجاجات سائر الاقسام المحرومة للمجتمع بإبعاد أوسع. ان الحضور المقتدر والموحد للطبقة العاملة، وبمطالبها المتعلقة بالرفاه والحرية وبراية الادارة المجالسية، بوسعها ان تقف حائلاً أمام هجمة البرجوازية على المجتمع وبديل هذه الطبقة أمام البدائل البرجوازية الرجعية وتوحد الطبقة العاملة والجماهير التحررية حولها.
ج: أن اقل السبل كلفة لإنهاء عمر السلطة هو الاطاحة بالجمهورية الاسلامية وتحطيم آلة الدولة والقوى القمعية على يد انتفاضة جماهيرية. التصدي لأي شكل من أشكال التلاعب والمساومات من فوق بهدف تهدئة الجماهير المعترضة من قبل المعارضة اليمينية وتدخل الدول الرجعية وفضح خططها وسياساتها لهي من المهام الجدية للشيوعيين في هذه المرحلة.
د: التصدي لمجمل اشكال السياسات المنافقة بين الجماهير التحررية تحت مسميات القومية والدين والاثنية او مسميات “وحدة الأراضي” سواءً من قبل الجمهورية الاسلامية او المعارضة اليمينية لهي من مهامنا الجدية.
ه: ان طرح موضوعة اسقاط الجمهورية الاسلامية، وضع الصراع ما بين يمين المجتمع ويساره حول طريقة الاطاحة والبديل الحكومي على راس قضايا هذه المرحلة. ان ضمان النصر بدون ضمان ممارسة الجماهير الثائرة لإرادتها عبر قناة مجالس الجماهير هو امرٌ مستحيل. السعي لتحويل “المؤتمر العام لمجالس الجماهير” الى راية وبديل افضل قادة الحركة العمالية والنساء وجيل الشباب والجماهير التحررية صيتاً ونفوذاً وراديكالية هو أمرنا الجدي في هذه المرحلة.
و: السعي لتوحيد شيوعيي الطبقة العاملة وتقوية التحزب الشيوعي لهذه الطبقة والسعي لتقريب وانضمام اكثر القادة الشيوعيين راديكالية ونفوذاً الى الحزب الحكمتي (الخط الرسمي) وتغيير المكانة الراهنة للحزب وتحويله الى مظلة واسعة لكل ثوري ينشد الاطاحة التامة بالجمهورية الاسلامية هو شرط انتصارنا في هذه المرحلة الحاسمة.
ندعو جميع الشيوعيين وجل الذين ينشدون الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية الانضمام الى هذا المسعى العظيم.
الحزب الحكمتي (الخط الرسمي)
20 كانون الثاني 2023