كتب كارل ماركس في احدى اطروحاته المشهورة حول فيورباخ ” لقد اهتم الفلاسفة بتفسير العالم بطرق وأشكال مختلفة، لكن المهمة تكمن في تغييره .” نجد إلى حتى الان، ان روح ومحتوى هذه الاطروحة لازال باقياً يحتفظ بكامل صحته حتى بالنسبة للماركسيين والأحزاب الشيوعية. ان القراءات والتحليلات السياسية تبقى مختلفة ومتنوعة وفي بعض الأحيان بارعة، ولكن هذا لا يهم بقدر ما نفسر ونحلل من اجل التغير أي تغير من حولنا وعالمنا.
ان تغير العالم وتحقيق أسس واهداف ومتطلبات البشرية لبناء عالم افضل يبقى مرهون بنشاط الناس العملي، ان كل نشاط عملي وفق الوعي النظري الثوري ووفق التكتيكات الثورية يتقدم خطوة بخطوة الى الامام وفي كل مرة عندما نراجع خطواتنا السابقة ونقيّم السلبيات والايجابيات وعندها نستلهم درسا لكي لا نكرر الاخطاء ونتعلم منها درسا مهما.
وفق هذا المدخل اريد ان اشير الى عالم اليوم، عالم الصراعات والحروب ،عالم فيه ابتكارات لخلق حركات الرجعية حتى النخاع، الدينية ام القومية ام الطائفية وتتطفل على الأجساد الإنسانية وافكارها التحررية وعلى روحها الثورية، ولكن نجد رد الفعل العملي امامها يبقى ضعيفا او في بعض الأحيان غير مبالي. ان مشكلة الضعف واللامبالاة هي مشكلة سياسية ويمكن ان نجدها في نفس اطروحة ماركس آنفة الذكر. انظر الى المحللين الماركسيين العالميين أمثال دفيد هارفي وسلوبو زيزك وامثالهما انظروا الى الأحزاب الاشتراكية العالمية والتروتسكية… نجد تفسيرات وتحليلات مختلفة للعالم الحالي ولكن تفتقر الى العمل الثوري من اجل تغيره.
ان عالم اليوم يمر بمنعطفات تاريخية كبيرة ومهمة، اذ يتغير العالم القديم والذي هيمنت عليه الرأسمالية الامريكية والغربية والتي واجهت الأزمة الاقتصادية الخانقة لأكثر من عقد ونصف واليوم بعد جائحة كورونا أشتدت الازمة ووصلت الى ذروتها وافلست الشركات الكبيرة العالمية والبنوك الكبيرة وفي وقت كتابة هذه السطور اعلن البنك العملاق الأمريكي بنك سيليكون فالي، عن افلاسه. (Silicon Vally Bank SVB)
وفي خضم هذه الأوضاع هناك الحرب الروسية واوروبية والأمريكية في أوكرانيا واشتداد الصراعات بين الصين وامريكا وهناك استقطابات جديدة في الشرق الأوسط وفي القارة الافريقية وشرق اسيا… كل هذه المتغيرات تشير الى افول العالم القديم وولادة عالم الجديد المليء بالصراعات بين الأقطاب الجديدة، ويصاحب هذا التغير الصراعات والعنف المفرط بين الأقطاب القديمة والجديدة. ان هذه الازمة خطرة ومصيرية لطبقات المجتمع، الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية، في زمن الازمات الرأسمالية، هناك احتمالان واقعيان، اما العالم والمجتمع يتجه نحو الثورات العمالية او يتجه العالم والمجتمع نحو البربرية البرجوازية. ان كل طبقة رئيسية من طبقات المجتمع تحاول مقاومة الازمة بطريقتها طبقا لمصالحها. ان الطبقة البورجوازية تحاول بكل الطرق الممكنة ان تتجاوز هذه الأزمة باقل خسارة ممكنة وتحمل الطبقة العاملة أعبائها الكبيرة ومن ثم تهيئة دورة جديدة لاستغلال العمال وتراكم الثروة من جديد؛ وتحاول الطبقة العاملة أيضا ان تغير الأوضاع لصالحها عن طريق الثورات (وهي الطريقة الوحيدة) لكي تقلب الأوضاع لإنهاء عبوديتة لعمل المأجور والرأسمال ومن هنا علينا ان ندرك اين نقف نحن الاشتراكيون والماركسيون؟ اذا حقا نحن في خندق الطبقة العاملة ، علينا ان نكون حساسين في هذه المرحلة الحساسة في تاريخ النضال الطبقي وعلينا ان نتجاوز العمل الروتيني اليومي وان نعمل من اجل تعميق الازمة في عقر دار الرأسمالية بالعمل الثوري ودفعه نحو الثورات. ان أطروحة ماركس هذه يمكن ترجمتها هنا الى العمل الثوري والدؤوب . أي ليس وقت وقت تحليلات وتفاسير الازمة الرأسمالية الحالية وتداعياتها وانما الواجب العمل من اجل تغيرها لصالح الطبقة العاملة والمجتمع. وان هناك مقولة أخرى ل(لينين) تقول بان الماركسي الذي لا يعرف ظروف ومتطلبات مرحلته وان يتطور نشاطه ضمن هذا النطاق الى الامام، فهو ليس له أي صلة بالماركسية.
ان المرحلة الحالية هي ليس مرحلة روتينية ونرى كل يوم التغيرات ابتداء من الصراعات والحروب وانتهاء بالغلاء المعيشي والفقر والبطالة وارتفاع أسعار السلع في الأسواق وصعوبة الوصول الى العمل الدائم والمستدام وهناك أخطار دائمة تهدد حياتنا!! هذه المرحلة يحتاج المجتمع الى البلاشفة الجدد، يحتاج الحركة العمالية والاشتراكية الى القادة الفعليين والعمليين، يحتاج الى العمل الدؤوب والشاق والعمل الخارق مثل ما تفعله الطبقة البرجوازية العالمية لصالح طبقتها. ان ضرورة معرفة عالم اليوم وتناقضاته وضرورة معرفة إمكانيات كل طبقة من طبقات المجتمع ومعرفة المتطلبات اليومية للطبقة العاملة العالمية والمحلية في كل بلد هي من أولويات النضال الطبقي في الوقت الحاضر. ومن هنا نبدأ وكيف نستمد قوتنا وكيف ندخل في الصراع الأصلي وكيف نستقطب المجتمع ومن ثم كيف ننظم قوانا اذا انفجرت الأوضاع وقامت الثورات. اذا استقرت هذه الأوضاع لصالح الطبقة البرجوازية فلنتأكد بان هناك جحيما ينتظر الطبقة العاملة العالمية في المستقبل ويكون النضال الطبقي صعبا وشاقا. وعلى هذا الأساس من الضروري ادراك وخطورة مرحلتنا الحالية من عمر الرأسمالية العالمية. وعلينا ان نتجاوز العمل الروتيني وان لا نقدس فعاليتنا الروتينية وعلينا ان لا نبقى في أجواء التفسير والتحليل بل في تغير الأوضاع. هذه هي حكمة اليوم بالنسبة للعمال والاشتراكيين والقوى التحررية في العالم.