في عملية تم التحضير لها بدقة عالية على مدة شهور ان لم يكن سنوات، قامت المجاميع الإسلامية التي تحكم غزة بعملية عسكرية مباغتة، يوم السبت 7 أكتوبر 2023، شهدت إطلاق الاف الصواريخ على إسرائيل وتسلل مئات المقاتلين اليها برا وبحرا وجوا في عملية غير مسبوقة.
لقد أبدى مسلحو الجماعات الإسلامية درجة من الانضباط والتنسيق والتخطيط والقدرة على تنفيذ الخطة العسكرية مثيرة للانتباه. وهناك الكثير من الدلائل مثل استخدام الدرون لإسقاط القنابل على الدبابات واستخدام المضلات التي تعمل بالطاقة تدل بان هذه الجماعات حصلت على الدعم من إيران بشكل من الاشكال.
ان قادة إسرائيل والغرب والاعلام يؤكدون على اخفاق الاستخبارات الإسرائيلية في توقع الهجوم، الى ان العملية كشفت عما هو اكبر من اخفاق استخباراتي، بل كشفت بان الإخفاق الإسرائيلي للتصدي للجماعات الإسلامية وخاصة في الساعات الأولى من الهجمة هو نتيجة عنجهية الطبقة الحاكمة في إسرائيل والاستعلاء والاستخفاف بالفلسطينيين وهو نتيجة تأزم المجتمع الإسرائيلي وتفرد اليمين المتطرف بالسلطة حيث تقوم الحكومة بتخصيص معظم الجيش للدفاع عن المستوطنين المتطرفين والاستيلاء على المزيد من الاراضي الفلسطينية، إضافة الى ضعف المعنويات وغياب الحافز وفتور الحماس للالتحاق بالجيش.
رغم ان قائد كتائب عزالدين القسام التابعة لحركة حماس محمد الضيف قال إن العملية هي”رد على جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين واقتحاماته المتكررة للمسجد الأقصى”، الا ان توقيت هذه العملية له علاقة بالمعادلات الدولية وخاصة بالمفاوضات للتطبيق بين السعودية وإسرائيل ومشاركة السعودية وبقية دول المنطقة في ” طريق التنمية” وهو ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط واروبا وغيرها من المعادلات الدولية.
ان توقيت العملية جاء لأفشال التطبيع بين السعودية وإسرائيل. ان التطبيع بين السعودية وإسرائيل، سيعني الى حد ما ميل السعودية الى القطب الغربي. فمن مطاليب السعودية مقابل التطبيع وزيادة انتاج النفط هو الحصول على القدرات النووية وضمان أمريكا لأمن السعودية والموافقة على صفقة سلاح ضخمة. من جهة أخرى ان التطبيع سوف يضعف مكانة الجماعات الإسلامية الفلسطينية وهي لذلك تود تازيم الوضع وفرض امر واقع مختلف في المنطقة.
توعّد نتانياهو وبقية قادة إسرائيل بانتقام قوي والقضاء على حماس ولابد ان الجيش الإسرائيلي سوف يرتكب مجازر كبيرة في عزة، وقد أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية السبت قطع إمدادات الكهرباء للقطاع، وبدأ الجيش بسلسلة من الغارات على القطاع وهم يتحدثون عن اجتياح بري.
ولكن قادة إسرائيل في مازق، اذ تحتفظ حماس بعشرات الاسرى الإسرائيليين الذين قد تتعرض حياتهم للخطر. كما ان أي رد كبير قد يعيد القضية الفلسطينية للواجهة وقد يشعل انتفاضة شاملة ويجعل عملية التطبيع مع الأنظمة العربية أكثر صعوبة. كما ان اجتياح بري سوف لن يكون سهلا اذ تتحكم الجماعات الإسلامية بشبكة محكمة من الانفاق التي ستحول حياة الجنود الإسرائيليين الى جحيم.
نددت حكومات الغرب بحركة حماس باعتبارها هي التي شنت الهجوم واكدت على حق إسرائيل للدفاع عن نفسها وهو بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب جرائم بشعة بحق المدنيين الفلسطينيين ردا على استهداف حماس المدنيين الإسرائيليين. ان الدعوات الى “ضبط النفس” و ” وقف العنف” و”عدم التصعيد” التي تصدر من الحكومات والمنظمات المختلفة وحتى من قادة اليسار الغربي مثل جيرمي كوربن، القائد السابق لحزب العمال البريطاني و كورنيل ويست، مرشح الرئاسة الامريكية دون الرجوع الى الأسباب الأساسية لهذه الجرائم هي دعوات فارغة.
يجب ان نتذكر بان حماس وغيرها من المنظمات الإسلامية الرجعية تحصل على شرعيتها والتأييد من الجرائم التي تقترفها دولة اسرائيل، ومن حقيقة ان 2.3 مليون انسان مسجون في غزة التي لا يتعدى مساحتها 365 كم مربع يعانون من الجوع وانعدام الخدمات، وتفرض إسرائيل حصارا وحشيا عليهم.
تبين هذه الاحداث مرة أخرى أهمية انهاء القضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين والعودة الى حدود 67 يضمن قيام دولة فلسطينية كاملة الحقوق. ان الحرب الحالية تبرهن استحالة اخضاع شعب من عدة ملايين. ان التطور التقني المتزايد يمكن حتى مجموعات غير حكومية لها حافز من صناعة صواريخ وطائرات بدون طيار يكون وقف خطرها امر شبه مستحيل وخاصة في حال وجود استعداد لاستهداف المدنيين. ان الأوضاع الداخلية في إسرائيل وطبيعة نظامها يجعل حل القضية من خلال إقامة دولة واحدة يتمتع فيها الفلسطينيين بحقوق متساوية مع الإسرائيليين امر مستبعد، ولكن يبقى حل الدولتين امر واقعي ويمكن فرضه على إسرائيل وخاصة في الأوضاع الحالية. ان إسرائيل نفسها بحاجة ماسة الى السلام لكي تعيش الجماهير الإسرائيلية حياة سلمية وطبيعية. وهذا الحل سوف يجر البساط من تحت اقدام القوى الإسلامية الرجعية التي تتغذى على جرائم اليمين الإسرائيلي. يجب ان نعمل من اجل فرض هذا الحل بدلا من الاكتفاء بالدعوة الى ” السلام” ” وعدم التصعيد” التي هي دعوات فارغة وهي تعني الإبقاء على الوضع الحالي أي الوضع السائد قبل السابع من أكتوبر 2023 حيث يتم ارتكاب عشرات الجرائم يوميا.