تعويم قضية الرهائن وإدخال المساعدات على مشاهد الحرب الوحشية
ماذا لو أطلقت حماس الرهائن، وتم دخول المساعدات الانسانية الى غزة بشكل انسيابي ومستمر، هل ستوقف إسرائيل دولابها الدموي وتكف عن قصف اهالي القطاع بالقنابل الاهتزازية والفسفورية واللدغة الحديدية!!!
دون أدنى شك، ان حياة الانسان لها قيمة عليا، ولا يعلو عليها اية قيمة، وبغض النظر عن انتمائه الفكري والسياسي والديني والعقائدي والقومي والجنسي والعرقي.
إلا ان هذه الحرب الدموية والرجعية التي تقودها إسرائيل ضد أهالي غزة، صنفت الانسان الى قسمين، الأول ينتمي الى إسرائيل وحلفائها وهذا له الأولوية لإنقاذه، والثاني أعداء إسرائيل، فانتزعت منه الصفة الإنسانية وجردته من اية قيمة تذكر سوى تصنيفه الى أرقام.
وهكذا يصطف قادة حلفاء اسرائيل بالطابور بدءا من بايدن ومرورا بسوناك وشولتس وانتهاءً بماكرون، للحجيج الى مخدع نتنياهو رئيس الوزراء، وينزلون بطائراتهم الخاصة، لتقديم الدعم له، ويقدمون العزاء له ويتمسحون به ويجبرون خاطره، ويعتبر نتنياهو هو الأكثر شهرة في العالم، واكثر شخص متورط بالفساد في تاريخ إسرائيل. وإذ ما اخذنا معيار أولئك القادة، الذين حكموا على بوتين بسبب حربه على اوكرانيا من خلال الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، فبالمعيار نفسه، فان نتنياهو متورط بتنظيم عملية ممنهجة في ابادة الفلسطينيين، بقدر تورط هتلر بعمليات إبادة اليهود أيام الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وهذا ليس وصفنا لأننا ننتمي الى جغرافية سميت بالشرق الأوسط، بل حسب قول المنتمين الى الجالية اليهودية في تورنتو ونيويورك ولندن وباقي المدن الغربية التي رفعت شعار: لا تقترف باسمنا الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
يتم تعويم قضية “الرهائن” وخاصة مزدوجي الجنسية على كل ما تخلفها الالة العسكرية الإسرائيلية المهولة من الاف الضحايا ونصفهم من الأطفال. وتتسابق الدول من اجل انقاذ مواطنيها، وحتى روسيا تستغل علاقتها بحماس لإنقاذ من يحملون جنسيتها بعيدا عن مواطني بقية الدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وهذا يذكرنا بأيام تفشي وباء كورونا عندما كانت نفس الدول تسرق لقاحات كورونا من بعضها او تحتكرها لنفسها وتحرم بقية مواطني الدول الأخرى منها.
فتركيا وقطر يعلنان عن تقدم إيجابي في مباحثاتهما مع حماس بقضية الرهائن، وبايدن يحث إسرائيل بتأجيل غزوها البري حتى تحل قضية الرهائن، وروسيا تعلن بأنها كانت تبحث مع حماس قضية الرهائن في ردها على اتهام إسرائيل لها بأنها تدعم الإرهاب عندما استقبلت في موسكو وفدا من حماس، بينما تدك إسرائيل بالصواريخ والقنابل على رؤوس من بقوا احياء في غزة، وبموازاته تقتل وتعتقل الفلسطينيين في الضفة الغربية وتهدم بيوتهم ويطلق المستوطنون النار على الفلسطينيين المارين دون أي تردد وبعيدا عن أعين الاعلام وصمت من يدعمون إسرائيل.
والأدهى من كل ذلك ليست هناك مقايضة بين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل وقف الحرب على أهالي غزة، بل إطلاق سراح الرهائن مقابل تأجيل الهجوم البربري الإسرائيلي إذا صح التعبير، وليس البري على قطاع غزة.
وبموازاة قضية الرهائن التي ليس لها اية علاقة بين ما أقدمت او ستقدم عليه إسرائيل، اختزلت الحرب على العُزَّل في غزة الى “ادخال المساعدات من عدم إدخالها الى قطاع غزة”، في الوقت الذي صرح مدير منظمة الصحة العالمية؛ ليس هناك مكان آمن في غزة، او على حد وصف (منظمة أطباء بلا حدود) للقصف الإسرائيلي بانه بلغ اوج الوحشية.
وفي أروقة الأمم المتحدة، عندما تُصوت ١٢٠ دولة على قرار لصالح إيقاف الحرب على غزة وإدخال المساعدات الإنسانية اليها، تضرب إسرائيل القرار بعرض الحائط وبدعم ١٤ دولة من ضمنها؛ الدول التي دقت الطبول والدفوف ونفخت بالأبواق الدعائية والاعلامية عندما صوتت نفس المؤسسة على ادانة روسيا وطالبتها بإيقاف الحرب، وامتلأت شاشات القنوات التلفزيونية بمحلليها وسياسييها وكتابها ليتحدثوا لنا، بأن اغلبية العالم تدين روسيا، وعليها ان تذعن للقرار الدولي، في حين لا تكتفي اليوم بالصمت بل تنضم لتأييد استمرار جرائم إسرائيل. بمعنى اخر تبقى قضية إيقاف الحرب بعيدة عن دائرة حسابات الأطراف الدولية والاقليمية، ولا بأس من ادخال المساعدات، طالما يريح ضمير حكام تلك الأطراف، ويبقى سكان غزة ممن بقي حيا منهم لأيام أخرى بانتظار أن تطحن رؤوسهم الماكنة العسكرية الإسرائيلية.
في خضم هذه الأوضاع التراجيدية والمأساوية، تكشف التقارير الإعلامية القادمة من إسرائيل، بأن هناك احباط كبير في صفوف الإسرائيليين جراء ما يشاهدونه من اتساع دائرة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين والغضب العارم الذي يجتاح العالم جراء الحرب الدموية التي أعلنتها دولتهم وحكومتهم على سكان غزة، وبالرغم من تأييد الغرب الرسمي لهم، في حين تتقوض دائرة التضامن الجماهيري معهم، وكشفت استطلاعات أخيرة أيضا من داخل إسرائيل ان ١٢٪ من الشعب الإسرائيلي معارض للغزو البري لقطاع غزة، في حين لم تكن هذه الحالة موجودة في بداية عملية حماس، وهذا يبين بشكل لا لبس فيه ان الجبهة الإنسانية والتحررية والتقدمية التي تقود الغضب العالمي ضد سياسات إسرائيل وداعميها من تلك الدول هي وراء هذه الحالة وهي التي بإمكانها تضع حدا لنهاية الحرب والظلم القومي على الشعب الفلسطيني.