تدحرج مواقف جماعات الإسلام السياسي من حرب إسرائيل على غزة
القاسم المشترك بين حزب الله في لبنان والإطار التنسيقي ــ الذي هو تحالف الأحزاب والمليشيات
الإسلامية الموالية لإيران وهو من يدير السلطة في العراق ــ هو أنَّ الطرفين يمسكان قبعاتهم بقوة كي لا
تطير بسبب عاصفة تداعيات العملية العسكرية لحماس على غلاف غزة.
ونرى أنَّ مناوشات حزب الله علي الحدود مع إسرائيل، ليس لها علاقة بالتضامن مع حماس ونصرتها
ولا علاقة له بوحدة ساحات المقاومة، إنَّما هو تحذير لإسرائيل بعدم الذهاب الى اية ضربة استباقية بعد
الانتهاء من غزة والتخلص من حماس.
وكل ما قاله نصر الله في خطابه الأخير بانه دخل الحرب ضد إسرائيل في اليوم الثاني لعملية حماس
على إسرائيل أي في الثامن من أكتوبر وبانه شغل ربع القوة الجوية الإسرائيلية وثلث آلياتها البرية بدلاً
من توجهها الى غزة..الخ، كل تلك الأقاويل تصب في خانة رفع العتب أمام الذين توهموا بأن حزب الله
سيشق البحر ويفتح أبواب السماء ويزلزل الجبال لنصرة فلسطين، وإنَّ تلك المناوشات تأتي فقط لذر
الرماد في العيون والتعمية على شرعية وجود حزب الله العسكري في لبنان الذي يروج دائما بعدم
إمكانية لأي قوة لنزع سلاحه، لإنه سلاح المقاومة، وهذا ما يشبه ضربات المليشيات التابعة لإيران على
القواعد الامريكية في سورية والعراق إذ تصب جميعها في نفس الاتجاه، أي في اتجاه تحذير الولايات
المتحدة الامريكية بالقيام بأية عملية عسكرية ضد إيران بعد ان تضع الحرب في غزة أوزراها.
بمعنى آخر نقول، أنَّ أي انتصار لإسرائيل، يعني فرض التراجع على النفوذ الإيراني في المنطقة،
ويعني السير بشكل أسرع في عملية التطبيع واتفاقات ابراهام، بيد انه ليست كرة مواقف جماعة إيران
تتدحرج، فتركيا هي الأخرى تحاول دون تدحرج كرتها، وهذا يفسر دون أي جهد يذكر تفسير كل
مواقف اردوغان الخطابية التي تتطاير منها الشرر وسحب الدخان الانشائية، فهو من جهة يريد ان يكون
شريكا باي انتصار لحماس، والانتصار هنا هو وقف الحرب على غزة وتسجيل حضور سياسي في
المنطقة، وفي حال هزيمة حماس يريد ان يحتل موطئ قدم في المعادلة السياسية التي تتشكل بعد حرب
غزة في المنطقة. أي ان اردوغان لا يريد ان يكون خارج معادلات التي ستشكلها اتفاقات ابراهام
وسياسة التطبيع مع إسرائيل التي ستمضي بانتصار إسرائيل او انتصار حماس.
الا ان اكثر المشاهد السياسية التي تثير الشفقة، هي مشهد الاطار التنسيقي، فالصمت مطبق عليه الى حد
الخرس، وكل جعجعاته وفذلكاته الدعائية والإعلامية تتبخر في غياهب حرب إسرائيل على غزة، بدءا
من الدعوة في البرلمان الى غلق القواعد الامريكية من العراق بعيد تصفية قاسم السليماني بمسيرة
أمريكية في مطار بغداد في مطلع عام ٢٠٢١ ، والتهليل والتطبيل والتزمير للتصويت في البرلمان على
الإقرار على قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، وقبل ذاك قتلت أي المليشيات التابعة للاطار التنسيقي
اكثر من ٨٠٠ شاب من الذكور والاناث في انتفاضة أكتوبر عام ٢٠١٩ بتهمة انهم “أبناء السفارة” أي
عمالتهم للسفارة الامريكية. وما يضيف على المشهد المذكور ضربا من الدراما هو رضى السفيرة
الامريكية آلينا رومانوسكي في بغداد على أداء “من يصفون أنفسهم” بصقور الإطار التنسيقي مثل نوري
المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض، وهم أكثر المزايدين السياسيين على انتهاك
سيادة العراق من قبل القوات الامريكية والمحرضين “الثوريين” على قتل متظاهري أكتوبر لعمالتهم
للسفارة الامريكية. ولا تفوتهم فرصة الا والتقوا برومانسكي الى درجة لقبوا على شبكات التواصل
الاجتماعي بأبناء السفيرة، للاطمئنان على مستقبلهم وحصولهم على شهادة حسن السيرة والسلوك
لتقديمها الى وزارة الخزانة الامريكية بكفهم عن تمويل المليشيات الموالية لإيران وتهريب الأموال تجنبا
لأية عقوبات أمريكية، بما فيها عقوبات على الاقتصاد العراقي الذي تديره شركات المالكي والفياض
والخزعلي واخرين العابرة الحدود وبنوكهم ومصارفهم. والحقيقة تقال انهم لا يخافون من التصفيات
الجسدية من قبل القوات الامريكية كما حدث لزعيمهم السليماني والمهندس، ليس لأنهم يمتلكون الشجاعة
والجسارة، بل لان السفارة الامريكية التي هي مؤسسة سياسية وتجسسية واستخباراتية تدير المصالح
الامريكية في المنطقة، لا تجد أفضل من هؤلاء يحافظون على مصالحها في العراق.
بعبارة أخرى ان الانتهازية سيدة الموقف بالنسبة للإطار التنسيقي او كل جماعة الإسلام السياسي في
المنطقة، بتصنيفاتها الشيعية والسنية، وكل أطراف تلك الجماعة في حالة انتظار عما ستفرزها حرب
إسرائيل الوحشية على جماهير غزة، ولكن في العراق يساورها الشك والقلق أكثر من كل تلك
الأطراف، وان انتصار حماس الذي لا يتعدى أكثر من وقف الحرب او انتصار إسرائيل، ففي كلا
الحالتين ستشتد رياح الرجعية على المنطقة.