بعض الأوهام يجب ان تتبدد
بعض الأوهام يتم الترويج لها من اجل تحقيق اهداف سياسية او حرف الأنظار وإخفاء الماهية الحقيقية لما يدور من احداث.
اول هذه الأوهام ويتم تسويقها بشكل حرفي وواسع في العالم، بأن اعلان الحرب على أهالي غزة وقتل المئات من المدنيين بشكل يومي ومنظم منذ السابع من أكتوبر أي منذ عملية حماس العسكرية على غلاف غزة المحتلة من قبل إسرائيل هو بسبب ان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد ذلك من اجل التخلص من المحاكمة لتورطه بعمليات فساد والاستمرار بالسلطة. والتسويق لهذه القضية والاختفاء وراء تحميل ما يسمى بـ “اليمين المتشدد” وخاصة في وسائل الاعلام الرسمية العربية يأتي على قدم وساق لإخفاء ماهية دولة إسرائيل العنصرية والفاشية التي تدافع عنها الولايات المتحدة الامريكية وسياسات التطبيع والعلاقات الدبلوماسية والتجارية القائمة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل. بيد ان الوقائع تفصح عن غير ما يتم اخفائه، فالكل عازمين على خطة مجلس الحرب الذي يقوده نتنياهو على قطاع غزة، بدءا برؤساء الوزراء السابقين مثل ايهود باراك وايهود أولمرت ومرورا بمستشارين ووزراء سابقين وحاليين في المؤسسات الرسمية لدولة إسرائيل، وانتهاء بقادة من يسمون بالمعارضة ويصنفون أنفسهم باليسار مثل يائير لابيد وغيره. وكلنا نتذكر عندما كان لابيد رئيسا للوزراء قبل أكثر من أربعة أشهر، كيف كانت الأوضاع في منطقة جنين في الضفة الغربية، فهو تفنن مثل اقرانه بقتل المدنيين الفلسطينيين ولم يرف له جفن بإطلاق آلته العسكرية على أهالي الضفة الغربية ولم يحرك ساكنا تجاه السلوك النازي والاجرامي للمستوطنين. وهنا نريد ان نٌذًكَّرَ من جديد ان اليمين واليسار في إسرائيل هو ليس له اية علاقة بموقفه من الظلم القومي على الفلسطينيين ولا بسياسة الابارتايد، انما يتعلق الموقف بمصير الدولة الإسرائيلية كمؤسسة سياسية وقضائية وأمنية. والاحمق وحده يظل غارقا في أوهامه من يعتقد اذا ما اطيح بنتنياهو وحكومته، فان الحرب على أهالي غزة ستنتهي او على الأقل سياسة دولة إسرائيل تجاه الفلسطينيين سيضع حدا لها.
اما المستنقع الثاني، من الأوهام، هو التطبيل والتزمير لمحور “المقاومة والممانعة” او ل شعار “وحدة الساحات”. فالكثيرون اعتقدوا ان حزب الله سيدخل الحرب دفاعا عن الفلسطينيين او على الأقل حماية حماس، الا انهم ومن شدة فرحتهم وتصاعد حماستهم في حمية العملية العسكرية لحماس نسوا ان الشعارات التي تطلق من قبل هذه الجماعات لها وظيفة واحدة، وهي التضليل، اما في عالم الوقائع، فهناك حسابات ربح وخسارة على الصعيد الاستراتيجي منفصل كليا عن تلك الشعارات، فالمعطيات المادية تثبت صحة ما نذهب اليه، فطوال المواجهات او المعارك السابقة بين حماس وإسرائيل وجهاد واسرائيل او بين حزب الله وإسرائيل، لم تتوحد الساحات ولن تتوحد، بل السؤال لماذا تتوحد اليوم ووفق اية حسابات؟! وعليه يبقى شعار “وحدة الساحات” هي شعار من صادرات الجمهورية الإسلامية في إيران لتمددها القومي في المنطقة، شعار يصدر الى مستنقع الأوهام السياسية في المنطقة والذي لا يحرك ساكنا، مثلما كان شعار الأنظمة القومية العربية التي حكمت بالحديد والنار؛ تحرير فلسطين طريق لتحرير الامة العربية او فلسطين القضية المركزية للشعب العربي او الامة العربية. وكي نبسط المسألة اكثر امام القارئ فنطرح سؤالا بسيطا لماذا أصلا يدخل حزب الله الحرب على إسرائيل، ما هو حجم الربح والخسارة، فالحرب على إسرائيل لن تمح الوجود الإسرائيلي ولن يتمكن حزب الله في افضل الأحوال الا من قتل عدد من الإسرائيليين، وحتى وليس بإمكانه هزيمة إسرائيل عبر الاستيلاء على الأراضي، وبالمقابل ستخسر سياسيا على صعيد لبنان وخاصة ان نسبة ما يعيشون تحت خط الفقر اكثر من ٦٠٪ من جماهير لبنان، وانها لا تجد ما يسد رمقها، فكيف للبطون الجائعة القدرة على دفع ضريبة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الا لحزب الله في افضل الأحوال، هذا اذا ما حصلت على رجل ناقة او جمل، فعليها ان تكون ممتنة. بمعنى اخر، ان حزب الله مثل ايران يمسك بقبعته، وكل المناوشات والتي أدت الى قتل ما يقترب من مائة من عناصره هي من اجل درء حرب إسرائيل عليهم، وفي المحصلة النهائية ان حزب الله هو الخط الدفاعي الاستراتيجي لإيران ونفوذها الاستراتيجي، تدخل حربا مع إسرائيل اذا ما تعرضت الأخيرة الى تهديد وجودي لنظامها السياسي، مثلما تدخل في الحرب الاهلية السورية. وبغير ذلك فان حزب الله لن يدخل أي حرب ولكنه يشجع الاخرين مثل الحوثيين والمجموعات المبتورة اجتماعيا وسياسيا في العراق لمهاجمة القواعد الامريكية هنا وهناك. وبالمناسبة بينت وحشية إسرائيل إمكانية الجماعات والمليشيات التي تتمحور تحت مظلة المقاومة والممانعة كم هي هشة على الصعيد العسكري في العراق واليمن وسوريا، وبينت انها سياسيا وعقائديا وجماهيريا لا تعدوا أكثر من فقاعة دعائية وإعلامية فجرتها وفضحتها احداث السابع من أكتوبر.
اما الأوهام الأخرى التي روجتها وتروجها إسرائيل حول حقها بالدفاع عن نفسها، والتي تختبئ تحت ثناياها، القاء الاف من أطنان القنابل على غزة تحت ذريعة اجتثاث حماس، انما ليس لها علاقة مباشرة باجتثاث حماس حسب ادعاءاتها الا كتحصيل حاصل، بل لها علاقة بإرهاب المنطقة وإرهاب أي معارض نظام سياسي او دولة او افراد لسياسة إسرائيل، وهي تحذو حذو حليفتها الوحيدة الولايات المتحدة الامريكية عندما استخدمت خزينتها من الصواريخ وقنابل اليورانيوم غير المنضب على بلد مثل العراق، اضنته الحروب والحصار الاقتصادي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر قامت بقصف جسرين في مدينتي الناصرية والسماوة تقع على بعد ٢٠٠ كلم من البصرة في حرب الخليج الثانية عام ١٩٩١، وهي بعيدة كل البعد عن اي هدف عسكري، وقتلت ما لا يقل عن ١٠٠٠ شخص مدني من الرجال والنساء والأطفال، وحينها كانت عولمة الاعلام لم تمزق شرنقتها، فظلت جرائم أمريكا في العراق مدفونة في ذاكرة ووجدان وتاريخ من عاشوا واختبروا واكتووا بنيران الم فقدان ذويهم واعضائهم المبتورة بسبب ذلك القصف الوحشي، ويا ليت أنهم اكتفوا بالعراق فقط، بل راحت تلقي الاطنان من القنابل على بلد مثل أفغانستان بحجة القضاء على القاعدة، والتي أي افغانستان لم تملك حتى الحد الأدنى من البنية العسكرية لدولة وليس كمليشيات.
واكثر الأوهام التي باتت تقتل أصحابها، هم الذين يتحدثون اليوم عن موقف الولايات المتحدة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية، وكأنهم نسوا ان سياسة الإدارة الامريكية تجاه إسرائيل ليست بجديدة عن تأريخ السياسة في الولايات المتحدة الامريكية، فهي من القت القنابل الذرية على مدينتين يابانيتين، وهي من استخدمت قنابل النابلم على الفيتناميين وهي من استخدمت اليورانيوم المنضب في الفلوجة في العراق، وهي من تركت جماهير أفغانستان فريسة على طبق من ذهب لعصابات طالبان، فالعنصرية والوحشية تضرب في عمق السياسة الامريكية وطبقتها الحاكمة، ومن يعتقد غير ذلك او يتأمل خيرا بالسياسة الامريكية، فهو اما انه اعمى مع سبق الإصرار والترصد، او قرر ان يغرق في مستنقع الأوهام، وهذا شان شخصي فهو حر في خياراته.